وردة فتوكي أو كما عرفها الجميع ب "ودرة الجزائرية"، غنت فتركت بصمة كبيرة في عالم الغناء، فعندما قررت أن تظهر لأول مرة، برزت من خلال ألمظ وعبدو الحامولي، فكانت القنبلة التي دوت وسمعها العالم، ومع الألحان التي قدمها بليغ حمدي لاغنياتها، كان هو السر لاكتمال الجمال بالصوت والموسيقى التي سحرت المستمعين.
ولدت الفنانة وردة الجزائرية في22 يوليو 1939، اسمها الحقيقي وردة فتوكي، ولدت في فرنسا لأب جزائري وأم لبنانية من عائلة بيروتية تدعى يموت، لها طفلان هما رياض ووداد.
التقت وردة بالملحن بليغ حمدي، لأول مرة في منزل الفنان محمد فوزي بعد وصولها إلى مصر لأول مرة في بداية الستينيات، وأعجب "بليغ" بصوتها وشخصيتها. قرر بليغ أن يلحن لوردة واتفقا على ذلك، وحين ذهب لتحفيظها أول لحن، سحرته وردة، وعاد لصديقه وجدي الحكيم وأخبره أنه لأول مرة يهتز حين يرى امرأة، عندما سلّم على وردة.
بدأ بليغ حمدي بأول أغنية مع وردة ولحن لها أغنية "بحبك فوق ما تتصور"، فأحبها وكانت قصة الحب في طريقها للزواج ولكن أهلها رفضوا زواجها من بليغ. وقرر والدها أن يزوجها ضابط جزائري، والذي رفض بدوره عملها في الغناء، فابتعدت عن الفن وظلت بالمنزل، وأنجبت منه ولدًا وبنتًا.
ظل بليغ يفكر في حبيبته التي لم يستطع أن يتزوجها ، ولم ينسها وازداد شغفه بها مع مرور الوقت، فكان يعبر عن أشواقه لها في ألحانه وكان يوجه بها رسائل غير مباشرة إليها. لاحظت أم كلثوم ولع بليغ بوردة فقالت له ذات مرة: "أنا كوبري بينك وبين اللي بتحبها!!"، في إشارة منها إلى ألحانه لها "سيرة الحب"، و"بعيد عنك"، و"الحب كله" وغيرهم.
التقى الحبيبان بعد 10 سنوات في الاحتفال بعيد استقلال الجزائر، فأمسك بليغ بالعود وأتته فكرة أغنية "العيون السود"، التي كان قد كتب عددًا من أبياتها وقتها. فعادت وردة إلى مصر بعد عام ونصف بعد انفصالها عن زوجها، وغنت "العيون السود" عام 1972، والتي أكمل كتابتها الشاعر محمد حمزة بأفكار بليغ، حيث جسّد فيها قصة حبهما، لتكون بمثابة أغنية العودة لما كان بينهما.
وقررا الزواج عندما تداركوا ان عاطفة الحب مازالت مشتعلة، وفي واقعة طريفة تثبت مدى انسجام "بليغ" في حياته الفنية، فقد نسي أن يذهب لأسرتها ليطلب يدها بعدما حدد موعدًا معهم، وانفعلت وردة وقتها وظنّت أن هرب كما يحدث في الأفلام، إلا أنه كان قد نسي الموعد أصلا وسافر للخارج، وبعدها عاد واعتذر لها، وتحقق حلمه بالزواج منها.
ظلوا يتبادلون الحب والرومنسية، فطوال فترة زواجهما كان بليغ يستقيظ مبكرًا ويضع لها وردة بجوار سريرها يوميًا، حتى تكون أول شيء تراه في الصباح، وهو ما روته وردة كثيرًا في لقاءاتها التليفزيونية بقولها: "كنت بقوله لو كان وفّرت تمن الورد ده كنت بقيت مليونير".
ظهر حب بليغ حتى وصل إلى المسرح، حيث قبّلها أكثر من مرة على المسرح وأمام الكاميرات، وفي إحدى المرات كان قد عاد من سفره للتو، وفوجئت بأنه موجود خلال الحفل فطلبت من الصعود للمسرح واحتضنته وقبّلته، ثم أوضحت للجمهور أنها لم تره منذ شهر لذلك لم تصبر على رؤيته، فضجت القاعة بالتصفيق لهما.
ولكن الحب بدأ يهدأ بسبب انشغال بليغ بالفن طوال الوقت، فضلا عن سفر المستمر وعدم تواجده بالمنزل مع حبيبته، كما طاردته الشائعات تجاه بعض الفنانات، وهو ما رفضته وردة، خاصة وأنه من المعروف عنها غيرتها الشديدة عليه.
انفصل الحبيبان بعد ان استمر زواجهم 7 سنوات، وأرسل لها مع ورقة الطلاق خطابًا كتب فيه بخط يده: "وردة حبيبتي.. قتلتيني.. جرحتيني.. بودعك وبودع الدنيا معك".
استمرت المشاعر رغم الطلاق، وظلت علاقة الصداقة بينهما مستمرة، فلحّن لها أغنية "من بين ألوف" عام 1984. كما وقفت إلى جانبه عند تعرّضه لأزمته الشهيرة التي كاد أن يدخل السجن بسببها، عقب انتحار الفنانة سميرة مليان من شرفة منزله خلال إحدى التجمعات الفنية التي كان بها العديد من نجوم الغناء في مصر والوطن العربي، إذ لم يتحمل الاستجوابات الطويلة وكان يخشى أن يلقى به في السجن، فترك مصر وسافر للخارج.
وقفت ةردة بجوار بليغ وتعاطفت معه للغاية في القضية، فزارت زكي بدر وزير الداخلية وقتها في مكتبه، وقالت له: "أنا ليا طلب واحد بس.. متحبسوش بليغ"، فضحك زكي بدر وأكد لها أنه إذا عاد لمصر وحضر جلسة المحاكمة فسيخرج براءة، فاتصلت وردة ببليغ وألحّت عليه لكي يعود، وبالفعل حضر الجلسة وحصل على البراءة عام 1989.
تحدثت وردة كثيرا عن بليغ في لقاءاتها وحوارتها الصحفية، وبعد وفاته قالت: "أخدت كتير من بليغ.. أخدت منه النجاح والسند.. وكان حماية ليا. انفصلنا لأنه مجنون بالفن وحسيت إني مش هقدر اعيش معاه كده، لكن منكرش إنه اداني أحلى الحاجات عنده.. يمكن لو كنت عرفته بنفس القدر اللي عرفته بيه بعد ما انفصلنا والصداقة اللي حصلت بينا يمكن كنا فهمنا بعض أكتر ومكنتش انفصلت عنه.. وقوفي جنبه في محنه خلاني فهمته أكتر.. لأني عمري ما سبته في أي محنة أبدًا".
قبل وفات بليغ بعامين توجه برفقة وردة إلى ستوديو 32 بمبنى إذاعة القاهرة، لتسجيل أغنية "بودعك" والتي كانت أولى كلماتها قد أرسلها لها في خطابه وقت الطلاق، وغنت معه الاغنية في الاستوديو. توفيت وردة في منزلها في القاهرة في 17 مايو 2012 إثر ازمة قلبية، وكانت قبل وفاتها قالت "أريد العودة إلى الجزائر فوراً"، ودفنت في الجزائر ووصلت في طائرة عسكرية بطلب من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وكان في استقبالها العديد من الشخصيات السياسية والفنية ليتم دفنها في مقبرة العالية بالجزائر العاصمة.