خلط دواجن نافقة ومصابة بالأعلاف للتغذية.. وأهالى يتقدمون بشكاوى ضد أصحاب المصانع مع ارتفاع أسعار اللحوم تتواجد الدواجن بقوة على المائدة المصرية فى عيد الأضحى سواء كانت «دجاج أو بط أو أوز»، ولكن الطامة الكبرى أن أعلاف مصنعة فى مصانع بئر السلم تخلط بدواجن مصابة بأنفلونزا الطيور، بعضها ألقاها مربو الطيور على ضفاف الترع والمصارف، والبعض الآخر تم الحصول عليها باتفاق مسبق بين أصحاب المزارع وأصحاب تلك المصانع، حيث تستعمل تلك الدواجن النافقة بعد فرمها فى صناعة بعض الأعلاف المخصصة لإطعام الدواجن، فتحظى هذه النوعية من الأعلاف بإقبال كبير من قبل صغار المربين لرخص ثمنها وقدرتها على تثمين الدواجن سريعًا.. «الصباح» تتبعت خط سير الأعلاف المسمومة فى هذا التحقيق. مع بداية الربيع تسللت بكتيريا السالمونيلا للطيور فى محافظة بنى سويف؛ ما دعا العديد من السيدات للوقوف فى طوابير طويلة أمام الصيدليات البيطرية طلبًا لجرعات تحصين لدواجنهم، لكن الوباء انتشر بسرعة البرق عن طريق الرزاز داخل عشش الطيور، فاضطرت المربيات للتخلص من الطيور المريضة بوضعها بأكياس وشكائر ورميها بالترع والمصارف المجاورة. تقول لطيفة عبدالجواد، من قرية بنى عدى شمال غرب محافظة بنى سويف، والتى تسكن أمام مصرف مياه الرى الرئيسى بالقرية: «تلقى النساء كل صباح العشرات من الدواجن النافقة والبط الحى فى المصرف أو يرمونها أعلى أكوام القمامة على جانبى المصرف، ومع تحرك الهواء تنتشر الروائح الكريهة للطيور النافقة، فيحمل الهواء البكتيريا إلى الطيور السليمة بالمنطقة، لافتة ملاحظتها إلى إصابة الطيور بالإنفلونزا بعد أكل الأعلاف؛ ما تسبب فى خسائر عديدة بالدواجن التى تم تربيتها داخل المنزل. تشير عنايات محمود، القاطنة بقرية سينرو محافظة الفيوم، إلى انتشار وباء الميكوبلازما (مرض تنفسى مزمن بالطيور) ليفتك بمئات الطيور من البط والدواجن، بل ويعتبر –على حد قولها- بمثابة «خراب بيوت للمربين»، لافتة إلى لجوء المربين إلى الأعلاف التى تتزايد أسعارها يوميًا من أجل التسمين، حيث يزيد وزن الدجاجة ل 7 كيلو عند عمر 50 يومًا فقط، مؤكدة أن الوحدات البيطرية فى القرى والعزب المجاورة لا تقوم بمهامها فى تحصين الدواجن.
بروتين حيوانى لم يكن فيروس الإنفلونزا فقط المتسبب فى نفوق المئات من الطيور أيضًا هناك أنواع أمراض بكتيرية تصيب الطيور وتؤدى إلى نفوقها، منها الإسهال الأبيض الذى عانى منه المربون هذا الموسم، نتيجة الأعلاف المغشوشة التى يتم تصنيعها كبروتين للدواجن والتى تصيب صغار الطيور (الكتاكيت) بشكل سريع فتزيد معدل نفوقها. تقول سيدة حسنين، من قرية عطف أفوه شمال غرب محافظة بنى سويف: «اشتريت أعلاف (سوبر نامى للتسمين) ولاحظت عندما يصل ماء للإعلاف تظهر بها أشكال عفنة وروائح كريهة، فضلًا عن انتشار الدود أعلى أجولة الأعلاف، وكلما خلطتها بأكل الطيور تظهر روائح إسهال كريهة وبعدها بعدة أيام من تناول العلف يموت الطائر تدريجيًا.
السريحة مع دقات السابعة صباحًا ينهض سمير على، شاب فى العقد الثانى من العمر مسرعًا بتجهيز عربته «الكارو» مستعدًا لقطع مسافات ليست بالقليلة داخل القرى المجاورة بحثًا فيها عن دواجن أو حيوانات ميتة ملقاة على جانبى الطرق وداخل أكوام القمامة لينقلها إلى مصانع بير السلم لدمجها بالأعلاف بعد الاتفاق المسبق بين مقاول السريحة لأخذ حقوق عملهم بعيدًا عن سعر الدواجن التى يأتون بها إلى المصنع، وذلك فى قرية نكلا العنب شمال محافظة البحيرة. يؤكد محمود عوض، أحد أشهر السريحة بمحافظة البحيرة، أن لكل مجموعة عمل محدد ولا يجوز لأحد التدخل فى عمل مجموعة أخرى، فهناك من يقتصر عمله بالسير على الأقدام حاملًا بيده جوال يلملم به الريش من أمام محلات تنظيف الدجاج، لافتًا إلى أن كل سريح يبيع كميته إلى المقاول شرط ألا يمر عليها أكثر من يوم واحد حتى لا تنتشر الرائحة الكريهة بالمكان، ثم يوزع المقاول بدوره السيارات التى تحمل الدواجن النافقة على عدد من المصانع فى البحيرةوالإسكندرية.
مرحلة التصنيع تواصل معد التحقيق مع أحد عمال مصانع بئر السلم بمحافظة الإسكندرية ويدعى «ماهر.ع» وقال إن الأولويات فى المصنع تكون فى الغالب للدواجن الكاملة والتى يتم مرورها عبر ماكينة خاصة بالفرم لتصبح قطعًا صغيرة ثم تتعرض لحرارة الشمس لمدة لا تتجاوز الأسبوع، لتخلط بعد ذلك مع نسبة قليلة من الذرة الصفراء والأملاح المعدنية ومضادات للعدوى لتجنب الرائحة الكريهة، بعدها تأتى المرحلة الثانية بإعادة فرمها مرة أخرى استعدادًا لدمجها مع أصل العلفة دون تسخينها فى درجات حرارة عالية لقتل الميكروبات والفيروسات التى تحملها تلك الفراخ، كما هو معهود داخل المصانع الشهيرة، وذلك يرجع لقلة الإمكانيات الموجودة بالمصنع. يكشف ماهر عن تفاصيل أخرى حول استخدام تلك العلفة للدواجن البياضة والتى تؤثر بالسلب على البيض الناتج من حيث وجود رائحة كريهة له وفى أغلب الأحيان يكون غير صالح للاستخدام بعد مدة زمنية قصيرة، أما أسعار أجولة العلفة لا تتجاوز ال50 كجم عن 150 جنيهًا.
شكاوى المواطنين تقدم عدد من الأهالى فى القرى السابق ذكرها بشكاوى للمجالس المحلية التابعين لها ضد أصحاب المصانع المحلية الذين يستخدمون «الدواجن الميتة» كبروتين للأعلاف وإصابة دواجنهم بالعديد من الأمراض التى أدت إلى موتها وخطورته على الصحة العامة. وتضيف «سالمة محمود» نجع عرب ميدوم غرب محافظة بنى سويف، هناك بعض الأعلاف ذات الأسعار المرتفعة والتى تصل الجوال ل 240 جنيهًا عند وزن 50 كيلو، تكون ذات علامات تجارية لمصانع غير معروفة فى المحافظة، كمصنع علف أهناسيا، والذى تم تحرير شكوى ضده تفيد بمخالفة القوانين وتسميم المواطنين وهو عبارة عن غرفة بمنزل ولا يحمل أى تراخيص، وينتج أجولة بأسماء مصانع معروفة مثل الوطنية وغيرها، تلك الأعلاف يسوقها بعض التجار على عربات داخل النجع، لكنها أدت إلى نفوق الدواجن. يقول مستور الصريحى القاطن بقرية 59 طريق مصر إسكندرية الصحراوى أن الوضع البيئى للقرية فى منتهى الخطورة مؤكدًا أن المزارع تلقى بالطيور الميتة فى الشوارع ليأتى صغار الأطفال من خارج القرية بتجميعها فى أجولة بلاستيكية وأخذها، مشيرًا إلى أن الأهالى قاموا بتحرير محضر يحمل رقم 19612 لعام 2018 بعد انبعاس رائحة كريهة من داخل أحد المخازن بالقرية، والذى تبين أنه تابع ل«الشهاوى محمود» صاحب أحد مصانع الأعلاف بالمنطقة ليتم إعدام تلك الدواجن وإغلاق المصنع الخاص به بعد الحصول على تقرير رقابى صادر من حى العامرية يفيد بوجوده داخل كتل سكنية كما كشف التقرير مخالفة المصنع للشروط الآمنة لتصنيع علف الدواجن عن طريق الحصول على دواجن نافقة من المزارعين والأهالى وشراء مخلفات الدواجن لإعادة تدويرها لإنتاج علف بروتينى ملوث وسام.
خسائر كبيرة يقول مكرم حنا، صاحب مزرعة دواجن بياضة بقرية شلتوت بمحافظة البحيرة إن المزرعة فقدت أكثر من نصف دواجنها خلال مدة لا تزيد على 10 أيام، مؤكدًا أن العلفة المستخدمة السبب الرئيسى وراء ذلك بعد اكتشافه تصنيعها داخل مصنع ال «71 للعلف البادى» بطريق مصر إسكندرية الصحراوى، ويتابع فى البداية بدأت بعمل عدة عنابر بسيطة واستخدمت اللقاحات والأمصال ولكن الأمر لم يدم طويلاً عندما تعاملت مع أحد تجار العلفة بالمنطقة لكى يتم الحصول على عدد كبير من الأعلاف تكفى لمدة شهر، ويشير بعد أن تعرضت مزرعتى لخسائر كبيرة قررت تغير نوع العلفة تدريجيًا حتى بدأت أعداد الدواجن الميتة تقل يومًا عن الآخر حينها تأكدت من عدم صلاحية تلك الأعلاف وقمت بصحبة عدد من أصحاب المزارع بتحرير محضر ضد كل من مرسى على وأحمد شبانة أصحاب مصنع العلف البادى بال71 حتى يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أضرار العلف يقول الدكتور إبراهيم محروس، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية: إن تعاطى كمية كبيرة من الأعلاف الملوثة للدواجن وخاصة الصغيرة يؤثر بالسلب على الجهاز التنفسى لها ما يؤدى إلى إصابتها بالعديد من الأمراض أهمها بكتيريا السالمونيلا وهى جرثومة عضوية تنتشر فى الدم بشكل سريع وقد تنتقل للإنسان فيما بعد، فضلًا عن إصابة الدواجن بالإسهال الأبيض والميكوبلازما، بإضافة إلى ارتفاع درجة حرارة الطيور التى ينتج عنها شلل جزئى بالقدم ويسبب الوفاة بعد فترة زمنية لا تتجاوز أسبوعًا واحدًا، وهذا ما يدفع أصحاب المحلات إلى النصح دائمًا بترطيب الجو عن طريق الهواء المستمر فى فصل الصيف وشتاءً إشعال الدفايات بصفة مستمرة. بينما يفيد الدكتور حسين محمود أستاذ الفيروسات بكلية الطب البيطرى جامعة القاهرة، بأن أكل الإنسان لدواجن تغذت على بروتينات غير صالحة يتسبب فى العديد من الأمراض التى تنقل مباشرة إلى جسده بعد أن تمكنت من أنسجة الدواجن، ومن تلك الأمراض الروماتيزم وآلام المفاصل والنقرص والفشل الكلوى، وقد يصل الأمر إلى الإصابة بالسرطان على المدى البعيد. أما الدكتور عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن، فيؤكد أن الثروة الداجنة فى مصر تواجه العديد من الأزمات فى مقدمتها عدم وجود خطة رئيسية للوقاية واستفحال المخالفات داخل المصانع والمزارع العشوائية، موضحًا العديد من المصانع التى تجمع مخالفات الطيور ولكن يتم معالجتها أولًا قبل دمجها مع مكونات العلف الرئيسى، وذلك عن طريق الغلايات التى تقضى على أى ميكروب داخل تلك الدواجن، وبالتالى تصبح صالحة كبروتين يدمج للعلف، لافتًا إلى أن جميع مصانع الأعلاف المرخصة تخضع لرقابة شديدة ويتم أخذ عينات بشكل مستمر حتى يتم تحليلها لمطابقة المواصفات.