«سكينة» تنفخ الجلود.. و«هدى» تبيع فلافل.. و«تحية» ترعى أغنام.. و«جملات» تحرث الأرض مفهوم خاطئ اتخذه البعض عن الأيدى الناعمة، ظنًا منهم أنها الأيدى الرقيقة، ملساء البشرة ذو الطابع المخملى، إلا أن التجارب والضغوط اليومية تفرض علينا نوعًا جديدًا من الأيادى الناعمة، وهى صاحبة الأصابع المجهدة المحملة بالأعباء والمسئوليات، أيادٍ لسيدات قررن أن يخضن الحياة بمفردهن، غير مباليات بجنسهن البشرى وطبيعته الرقيقة، فدوافعهن كانت أكبر بكثير من أعراف وتقاليد المجتمع، واجهن ظروفًا أقل ما تُوصف به أنها مريرة، وكانت لهن بصمة وصمود لا يمكن تجاهله، فأصبحن عمودًا للبيت، وسندًا للأبناء، وخير معين للزوج، تعرض السطور القليلة المقبلة بعض من تلك النماذج على سبيل المثال لا الحصر، فأمثالهن كثيرات.. نافخة الجلود «سكينة الفقى» بطلة مدينة أشمون التابعة لمحافظة المنوفية، والبالغة من العمر 75 عامًا، عملت سكينة فى نفخ الجلود استكمالاً لمسيرة زوجها الذى وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض، وبالرغم من تحملها لمتاعب العمل دون ملل أو تعب، إلا أن القدر شاء أن يثقل حملها من جديد فسقط المنزل الذى كان يأويها وسكنت فى جراج للسيارات، واستمرت فى عملها لأكثر من 10 ساعات يوميًا لتتمكن من الإنفاق على أبنائها حتى يستكملوا تعليمهم وبعد عدة سنوات من المشقة والمجهود الكبير، جمعت مبلغًا من المال وتمكنت من شراء أرض وشيدت عليه بناية بالطوب اللبن، الأمر الذى اضطرها لمضاعفة ساعات عملها، الذى يقوم على جمع الجلود من الجزارين والأهالى وتنظيفها وببيعها للتجار والمدابغ أو للفلاحين. بائعة الفلافل تقف أمام النار 15 ساعة يوميًا، «هدى السيد» شاركت زوجها الكفاح منذ عشرين عامًا، وبعد أن تمكن منه المرض ولازم الفراش، اضطررت للعمل وحدها وبكامل جهدها ولساعات كثيرة، لتوفر لأبنائها أموالاً للتعليم والطعام، بخلاف مصاريف علاج زوجها، فهى أم لثلاث بنات وولد حصلوا جميعًا على مؤهل متوسط. ظلت أم أمل تبيع الفلافل لأهالى بلدتها رافضة كل اقتراحات الأبناء فى مشاركتها العمل، حتى لا تُثقلهم بالمتاعب والمشقة، إلى أن تمكنت من تزويج بنتين ويتبقى بنت وولد، ولم تترك عملها ولو ليوم واحد لتواصل مسيرة كفاحها مع الأبناء الباقين. جمالات الفلاحة حادث أليم دمر حياة جمالات بعد إصابة زوجها فى حادث أليم نتج عنه شلل فى اليد اليسرى والقدم اليسرى، الأمر الذى اضطره للجلوس فى المنزل، وتولت هى مسئولية رعاية الأبناء وحدها، من خلال عملها فى زراعة 20 قيراطًا بالحبوب والبرسيم، لم يكن عملها مريح على الإطلاق حيث يبعد الحقل عن المنزل قرابة 2 كيلو متر تقطعهم خلال النهار لتعد الطعام للزوج المريض، وتعود لتستكمل عملها حتى السادسة مساءً ثم تعود للمنزل مرة أخرى، تعلمت خلال هذه السنوات تنظيف الأرض من الحشائش غير المرغوب فيها وتجريفها وتمهيدها للزراعة بعد جمع المحصول، وخطوات طحنه وبيعه، واستمر الوضع على ما هو عليه طيلة عشرين عامًا، استطاعت خلالها تربية أبنائها ال 10 منهم 6 ذكور و4 بنات. راعية الأغنام «تحية صالح» سيدة فى العقد الخامس من العمر، لم تطأ قدمها مدارس على الإطلاق، احترفت رعاية الأغنام لتتمكن من الإنفاق على زوجها المريض وأبنائها التسعة. توضح تحية أن زوجها أصيب بالفشل الكلوى وأصبح ملازمًا للفراش فواجهت الدنيا بالأغنام، وتحملت مجهودات كثيرة لتوفير الحياة الأساسية للأسرة، حتى أنها اضطرت فى بعض الأوقات للاعتماد على الخضراوات التالفة فى الأسواق وفتح أكياس القمامة بحثًا عن طعام. تلقت تحية الصدمة الثانية من الحياة بوفاة أبنها اثر اصابته بارتفاع شديد فى درجات الحرارة، ومرت الأيام وتمكنت من تزويج ثلاثة بنات وثلاث ذكور، ويتبقى ولد وبنت، وتأمل فى مساعدتهم وتزويجهم هم أيضًا.