«توجيهات سيادية» بضبط الأسعار، أشعلت أزمة تتكشف ملامحها بين الحكومة من جهة والمصنعين والتجار من جهة أخرى. وبات الطرفان على وشك صدام محتمل تلجأ الحكومة فيه للتهديد بحزم القانون كأداة لفرض إرادتها، فيما لا يزال المصنعون والتجار يرفضون القرار ويواصلون الضغط على قيادات «الوزارة» لإيجاد آليات أخرى لضبط الأسعار دون اتهامهم بالتسبب فى ذلك. «الصباح» رصدت ملامح الأزمة المتصاعدة، بعد إصرار الدكتور على المصيلحى وزير التموين والتجارة الداخلية على تطبيق قراره رقم 217 لسنه 2017 بإلزام أصحاب الشركات والمصانع والمنتجين للمواد الغذائية بكتابة سعر السلعة على كل عبوة، ومنع تداول أية سلعة غير مدون سعرها على العبوات. رئيس اتحاد الصناعات، جلال الزوربا، قال إن القرار لن يؤثر على المصنعين، لأن الوقت كافٍ لكى يعدل المصنع سعره قبل تطبيق القرار، مؤكدًا أن أغلب الدول تقوم بهذا الإجراء. لكن فى المقابل أكدت مصادر ب«غرفة الصناعات الغذائية» رفضها للقرار - للمرة الثانية- بعدما رفضت تطبيقه فى مايو الماضى. وشددت المصادر ذاتها على أن اتحاد الغرف الصناعية سيرفض تطبيق القرار مجددًا، لكنها أشارت إلى استمرار محاولات التفاهم مع الوزير بشأن العدول عن قراره أو إيضاح آليات تنفيذه فى ظل ارتفاع أسعار الخامات بشكل شبه يومى. فيما أبدى الدكتور يحيى كاسب رئيس شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية، ترحيبه بالقرار رغم تداعياته السلبية على الصُناع والمنتجين. وأضاف كاسب، طالبنا الوزير فى أكثر من مناسبة بتطبيق القرار، وكان المفروض تنفيذه فى شهر مايو الماضى، لكن الضغوط جعلته يتراجع. واستطرد، بشكل عام قد لا تتمكن الوزارة من تطبيق القرار لغياب الاستقرار والثبات فى السوق بسبب عدم استقرار سعر الخامات وارتفاع الدولار مما يجعل كتابة السعر صعبًا. وأوضح مصدر بغرفة الصناعات الغذائية - فضل عدم ذكر اسمه - إن الوزير لم يضع فى اعتباره خسائر الشركات بعد تعويم الجنيه، مؤكدًا أن تطبيق القرار فى الأقاليم لن يكون سهلًا، حيث سعر المصنع ثابت ومعلن، لكن تجار الجملة هم من يحددون السعر. موضحًا أن الوزير تواصل مع كل الأطراف وأبلغ الجميع أنه بتعليمات سيادية لمنع التلاعب بالأسعار، ولكن تجاهل تعليمات الوزير دفعه لتأكيد عزمه تطبيق القرار. وقال «إسلام سعفان» صاحب مصنع لتعبئة المواد الغذائية بالمنوفية، إن القرار سيصيب السوق بحالة ارتباك وارتفاع جنونى للأسعار فضلًا عن مافيا التخزين التى تستفيد من تلك القرارات. لكنه رحب بالقرار فى حالة واحدة فقط، وهى استقرار سعر الخامات وإلا فعلى الوزير أن يبحث عن آليات أخرى. من جهته أعلن محمود عسقلانى رئيس جمعية مواطنين ضد الغلاء، دعمه لتطبيق قرار الوزير قائلًا: يتفق مع دعوانا أمام «القضاء الإدارى» لإلزام الحكومة بتدوين الأسعار على كل المنتجات. وصدوره يجعلنا نتراجع عن الدعوى، لكن إذا لم ينفذ فنستمر فى الدعوى. وتابع عسقلانى، المادة الثالثة من قانون حماية المستهلك تنص على ضرورة كتابة السعر على المنتج، والتلاعب بالأسعار أصبح موضة، كما أن عددًا من أعضاء الغرف الصناعية والتجارية نجحوا فى احتكار وتملك السوق، ولا يوجد مبرر لاعتراضهم سوى استمرار هذه الفوضى لتحقيق ثروات طائلة. وفى المقابل أبدى عدد من أصحاب محال «البقالة - السوبر ماركت» رفضهم للقرار، مؤكدين المصانع ستدون أعلى سعر على المنتج تحسبًا لارتفاع سعر الخامات، وبالتالى سيضطرون لبيع المخزون بالسعر القديم. وقال أحمد عزت «صاحب بقالة بالدقى»: ظاهر القرار فى مصلحة المواطن لكن باطنه سيساهم فى زيادة الأسعار 30فى المائة، لأن الصانع يريد حماية رأس ماله وتحقيق ربح، وبالتالى فإن اتحاد الغرف الصناعية سيشكل جبهة لمواجهة تنفيذ تلك التعليمات. وقال علاء بيومى، «صاحب سوبر ماركت بالمهندسين»، الوزير سبق وأصدر هذا القرار من قبل ولم يتم تنفيذه، بل بالعكس ساهم فى إقبال المصنعين على شراء كميات ضخمة من الخامات التى يستوردونها من الخارج، وتخزينها ما أدى لاستنزاف العملة الصعبة. وقال مسعد الحرانى «بقال»، إن تاجر الجملة الكبير يمتلك ما لا يقل عن 10 مخازن وبالتالى فالقرار سيؤثر عليهم بالسلب لأنهم لن يستطيعوا بيع البضاعة القديمة بالسعر الحديث. وهو ما ينذر بثورة من أصحاب المخازن والمنتجين والغرف التجارية الذين يقولون كلامًا فى الإعلام عكس ما ينوون فعله فى الواقع.