نحتاج إلى مؤسسات لتخريج الكوادر حتى لا نعتمد على نموذج أقرب ل «بلية » أشعر بالحزن عندما أشاهد راقصات وفنانين يقدمون برامج وخريجو الإعلام بلا عمل لست قريباً من دوائر صنع القرار والفن أحد أسباب انهيار الأخلاق بالمجتمع
يرى أن الإعلام المصرى حاليًا يتصدره من ليسوا كفئًا لحمل مشاعل التنوير فى المجتمع، وتحول الأمر من وجهة نظره «لأسطوات» يتاجرون بأوجاع الناس وآلامهم، وساهمت لغتهم فى انهيار الأخلاق بمصر، ويرى أن بداية الإصلاح تأتى من تغيير الخطاب الموجه للمصريين عبر الأعمال الدرامية وكلمات الأغانى. الدكتور سامى عبدالعزيز الخبير الإعلامى، وعميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة الأسبق، يتحدث فى حوار ل«الصباح» عن أهم المعوقات التى يمر بها الإعلام المصرى، وكيفية حلها، وكيف تسللت الراقصات والفنانين إلى كراسى المهنة، كما يحدثنا عن مدى تسييس البرامج، وتقيمه لأداء التوك شو. ويرى عبدالعزيز أنه لا يوجد منافس فى الانتخابات المقبلة للرئيس عبدالفتاح السيسى، كما أن أهم إنجازاته المصارحة، كما أنه رجل على قدر المسئولية، محذرًا من خطورة الإقدام على تعديل الدستور، وتغيير مدة الرئيس التى قد تثير شبهات.
وإلى نص الحوار:
* فى البداية كيف ترى الخريطة الإعلامية فى مصر فى الوقت الحالى؟ - لاشك أن الخريطة الإعلامية فى مصر تحاول أن ترسم ملامح مهنية، ولكنها الآن تتخذ اتجاه الاتجار أكثر من الاستثمار فى المهنة، وهذا يرجع إلى أن الاستثمار فى الإعلام يحتاج النفس الطويل، كما أن رأس ماله قائم على العنصر البشرى ومفتقد حاليًا، بسبب «الصربعة»، والتسرع والتنافس فى الظهور عبر القنوات والصحف، وهو ما لم يعط رجال الأعمال الوقت الكافى لإعداد كوادر مهنية، لذلك اعتمدوا على الكوادر التقليدية والهواة غير المدربين.
* وما الذى نتج عن ذلك؟ - نتج عن ذلك تشوهات كثيرة فى الصناعة الآن، وربما مع استقرار الدولة بحكم أن الفوضى والتشوه حدثا فى المجتمع كله بعد 2011، وعودة المجتمع للاستقرار يستعيد الإعلام رونقه المفقود، لا سيما أن الإعلام إحدى أدوات استعادة المجتمع لخريطته، وللعلم القائمين على الإعلام توهموا خطأ أنهم صانعو ثورة 30 يونيو مع أنهم كانوا إحدى الأدوات الفرعية لأنه لولا الإجماع الشعبى على 30 يونيو ما كان للإعلام أن يسهم فيها.
* يعنى ذلك أن الأسباب التى ذكرتها تقف وراء اختفاء القدوة والمقدم الجيد؟
- بالطبع الشخص الذى تعود على الكتابة بالقلم ربما لا يجيد التعامل مع الكاميرا، أو الميكروفون لأن كل صنعة لها متطلبات من حيث الشكل والمضمون والإعداد، وأنا أتساءل هل مؤسسات التدريب فى بلدنا بحجم العمالة الحالية الموجودة فى وسائل الإعلام؟ بالطبع لا. وإذا لم يكن لدينا مصنع لتخريج الكوادر فسنعتمد على نموذج أقرب ل«بلية» إذا جاز التعبير من خلال ممارسات تقليدية تفتقد للغة العصر، فلا يوجد فى العالم كله مذيع يتحدث بمفرده لمدة ساعة ونصف الساعة، وذلك لأن المتلقى لديه طاقة على الاستيعاب والتركيز خاصة أننا لا نستطيع أن نفرق فى كثير من الأحيان بين الراديو والتليفزيون، بدليل أن حديث معظم مقدمى البرامج معتمد على حواره الشخصى والاستثناء يكون من خلال استعانته بمادة مرئية، ففى أحداث برشلونة أنا تابعت «سكاى نيوز» و«العربية الحدث» لأن الصورة كانت البطل والتعليق هو المساند، فى حين أن الكثير فى مصر يشاهدون التليفزيون بظهورهم أو نائمين ولا يشاهدون الصورة. * معنى ذلك أن الإعلام المصرى يفتقد لغة العصر؟ - الناس لا تفهم أن لغة العصر تغيرت وإيقاع الزمن اختلف وقدرة المتلقى اختلفت أيضًا، ومصادر المتلقى تنوعت فيأخذ من كل بستان زهرة، وسيظل الوضع، كذلك مازال «التدريب والبحوث» غائبين سيبقى الوضع على ما هو عليه، وحاليًا لا نعرف الفرق بين الحقيقة والمعلومة والرأى.
* بصفتك أحد رموز كلية الإعلام صف لنا شعورك عندما ترى الراقصات والفنانين متصدرين للشاشات؟ - أصاب بالحزن الشديد عندما أشاهد انتشار ظاهرة تدخل الفنانين والراقصات والنجوم فى مجال الإعلام وتقديمهم للبرامج، لكن يقل حزنى عندما أشاهد التنافس بين الممارس والدارس، كما أن قواعد الاختيار والدخول لكلية الإعلام تحتاج إلى الكثير من التعديلات، لأنه لا يمكن الاعتماد على المجموع والدرجات وحدها، ونحن نعتبر أول دفعة دخلت للكلية من خارج مكتب التنسيق من خلال اختبار شفوى واختبار تحريرى ومقابلة شخصية، ومن قاموا بالمقابلات مجموعة من قامات الإذاعة والتليفزيون فى هذا الوقت، وكان منهم وزير الإعلام جمال العطيفى وجلال الحمصى. * كيف تم الاختيار وقتها؟ - من بين 2500 طالب تم اختيار 200 طالب فقط من بيننا، والدفعة الثانية التى جاءت بعدنا كانت بنفس المستوى، وبعد ذلك دخلنا مكتب التنسيق وانهار المستوى، إلى جانب حالة الفيضان الرهيبة فى كليات وأقسام الإعلام التى فتحت بدون أساتذة، ولا إمكانيات فنية ولا تدريبية ولا متخصصون، وأصبحت شهادة مثلها مثل أى شهادة، وعلى الرغم من أن العمل الإعلامى تخصصى قائم على القدرات الشخصية، إلا أن دراسة الإعلام، وتلك الأسباب التى تجعل درجات حزنى تتباين من حالة لحالة أخرى.
* فى رأيك لماذا تحولت لغة مصر الناعمة التى تخترق العقول للغة جامدة وجنسية؟ - أصبحت لغة خارجة وليست لغة جامدة لغة خارجة عن قاموسنا وقيمنا، وهناك بعض البرامج على القنوات والسوشيال ميديا تقدم مغالطات كبيرة، وأنا لا أتحدث عن أخطاء لغوية، وإنما عن تدنى الألفاظ، وللأسف أيضًا فإن مقدمى البرامج الذين من المفترض أن يكونوا قدوة لغيرهم من المذيعين، فنجد مثلًا مذيع يصرخ ويقول «هاتوا لى الوزير على التليفون دلوقتى»، تعتقدوا ماذا سيفعل الفراش؟ يفتح الباب بقدمه لأن ما نقدمه هو النموذج والقدوة، تذكروا فى الماضى كيف كان يتعامل الناس مع بعضهم، وكيف كانت أخلاقهم وألفاظهم وقارنوها بالوضع الحالى.
* إذن ما يحدث فى الأعياد من تحرشات وعرض لأفلام هابطة نتاج لتدنى الخطاب الإعلام ؟ - هذا سؤال يراودنى كثيرًا لأن جزءًا كبيرًا مما يحدث نعتبره ناتجًا عن الإعلام، ولكن التدهور الحقيقى حدث فى الفن، ولو عدنا لأغنية شادية «مين قالك تسكن فى حارتنا تشغلنا وتقل راحتنا»، وغيرها من الأخلاق التى تعبر عنها كلمات الأغنية نكتشف جمال اللغة الشعبية، لكن الوضع تبدل، وأصبحت الأعمال الفنية أحد أهم موارد تصدير السلبيات للمجتمع، ومن خلالها تذبح القيم المصرية، وهذه جريمة مع سبق الإصرار والترصد، ولن أتحدث عن السينما، لأن نحن من يذهب لها، ولكن المسلسلات تدخل علينا فى حجرتنا.
* معنى كلامك أن الفن هو الحجر الأساسى للانفلات الأخلاقى وليس كبت الأعوام الماضية؟ - بالطبع..الفن هو الذى ساهم فى زيادة التحرش الجنسى، ونحن كنا مكبوتين ونحن صغار، وكان الممنوع أكثر من المسموح ولم نفعل ذلك، لأننا عندما كنا نفتح المسلسل كنا نشاهد عادات وتقاليد تحث على العفة والرقى، وكنا نشاهد قيمًا ترسخ فى داخلنا مثل «بابا عبدة وكريمة مختار وأبوالعلا البشرى» وغيرهم. كما أن كلمات الأغانى كانت تحمل فى طياتها قيمًا وتدفع للخيال والتعمق وفهم المعنى، وتدفع المشاهد للتفكير وليست الإثارة وتحريك الغرائز.
* ما رأيك فى مقولة أن الثورة هى التى أخرجت أسوأ ما فى الشعب المصرى؟ - الثورة كشفت، وجاء الإعلام ليتاجر، انظروا للفرق بيننا وبين الأتراك، الأتراك اكتشفوا أن الشعب المصرى يريد أن يهرب من واقعه بعد 2011، ونحن نرى كم الأموال التى استثمرت فى إنتاج الأفلام العاطفية والرومانسية والخيالية والسياحية لأنهم درسوا سيكولوجية الشعب المصرى، لذلك وجدوا رواجًا لمنتجاتهم يكفى أنهم جعلوا بيت مهند مزارًا، للأسف هناك إساءة استخدام للواقع لتعميق الجزء المر والسيئ فيه.
* هل البرامج السياسية تخدم النظام أم تضره وهل هى مسيسة بالفعل كما يقال؟ - نحن شعب لا يعرف كلمة مسطرة، ولم يعرف أن هناك مقياسًا يبدأ فى الأول ضعيف إلى أن يصل للامتياز، ولم نتمتع بالوسطية، ودائما متحيزون لآرائنا أو متحيزون لآخرين، وهذا يجعل المجتمع لا يستطيع أن يحكم، ولو قلت مثالًا عندما يتكلم أحد عن المشروعات القومية، فالناس تختلف حوله، ولم نجد برنامجًا تلفزيونيًا يأتى بجميع وجهات النظر، وأكبر جريمة ترتكب كل يوم علنا عندما يظهر أحد يقول بحكم مطلق «الشعب شايف كدا أو الرأى العام يقول ذلك». أنا باحث لا أجرؤ فى نهاية بحث أن أقول إن هذا رأى كل المصريين لأنها البحث شمل عينة تمثل رأيًا عامًا فى ظرف معين، ووقت معين، وقضية محددة، وللأسف لغة الاستسهال فى إبداء الرأى، والاستسهال فى النقد، والإشادة، يأتون بنتيجة عكسية، ولا يوجد لدينا برنامج يأتى بمسئول يناقشه وفق تقارير وأرقام وبحث ودراسة. * لعلك قريب من دوائر صنع القرار فلماذا لا تسهم فى تغيير الوضع الحالى؟ - لست قريبًا من دوائر صنع القرار فمثلى مثل أى مواطن عادى ولا أستطيع أن أدعى هذا. * ولكن كادر إعلامى ومسئول لماذا تصمت؟
- لم أصمت أنا أقول كلمتى ورزقى على الله، وهناك من ينصت ولا يفعل، وهناك من ينصت وينسى وهناك من ينصت ويعاديك والنادر إذا أنصت واستجاب.
* هل يجوز أن تتم قيادة الإذاعة والتليفزيون والجمهور من مواقع التواصل الاجتماعى؟ - لا، لكن للأسف الشديد هذه حقيقة بل ويأخذون عنها، وتلك هى مدرسة الاستسهال، الإعلام يعنى بحثًا وتقصيًا، هناك برنامج فرنسى اسمه «مع بعض» يطلب من البيوت الفرنسية أن ترسل مشاكلها إليهم، وينزل مقدم البرنامج يجرى دراسة على الحالات التى ترد إليهم ويقوم بمحاولة حل المشكلة ويصور ضيوفه أثناء المشكلة، وكيف حلت وهكذا. ومثال آخر «أوبرا وينفرى»، عندما حدث الزلزال الشهير بأمريكا استغلت نجوميتها فى جلب كل رجال الأعمال والمجتمع، لإعادة المنازل التى انهارت، بل ووضعوا فى المنازل الدفاتر والأقلام والألوان التى ضاعت فى الزلزال من أجل الأطفال، هذا ما فعلته مقدمة البرنامج دون أن تزايد على الناس أو تتاجر بآلامهم.
* الفترة المقبلة مرحلة خطيرة فى حياة مصر من انتخابات رئاسية كيف ترى دور الإعلام فيها؟ - بالفعل مرحلة صعبة الإعلام مطلوب منه أمران أن يحذف من قاموس الناس كلمة السلبية، حتى لا نندم، ومطلوب منه أن يقول ماذا نحتاج من الرئيس المقبل، ويغذى الشعب ويعلمه ويضع له معايير فى الاختيار أو لا يحثه على الاختيار ثم يعلمه قواعد الاختيار بدون تحيزات، أو تطرف لا مع ولا ضد.
* هل تتوقع ظهور تيارات دينية فى المشهد السياسى وهل الرئيس لبى طموح الشعب خلال فترة حكمه؟ - لا أعتقد لأن «اللسعة» كانت شديدة على المصريين من التيار المتأسلم، وبالتالى لن يعودوا، ولكن فى نفس الوقت لو تركنا الفراغ الفكرى المعتدل غائب سوف نسمح لأى فكر فوضوى يتواجد أو يتسرب، ويجب أن نأخذ فى الاعتبار أن الفكر المتأسلم يجيد لبس وجوه مختلفة وعباءات مغايرة، فلو لم تكن لدينا حالة من التحصين سيكون هناك خطر. وفيما يخص الرئيس فى جملة واحدة «بقدر حجم التراكمات جاء جهد هذا الرجل»، وأرى أن أكبر شىء عمله هو الجرأة فى المواجهة والمصارحة، وكثيرون ينتقدون قوله إن مصر فقيرة، وهو لا يقصد كونها فقيرة، ولكنها افتقرت فكريًا، ويحسب لهذا الرجل بموضوعية شديدة اقتحامه لثوابت مع أن هذا يهدد أى شعبية وأنا من الناس المؤمنين أن شعبية الرئيس لا تجب أن تكون 90فى المائة وثبات الشعبية مؤشر جمود فى المجتمع، الشعبية التى تصعد وتهبط تعبر عن تفاعل الناس اختلاف المشاعر وتباينها شىء صحى.
* معنى كلامك أن تراجع الشعبية يصب فى مصلحة الرئيس وأنه سيفوز بفترة رئاسية ثانية ؟ - لا أحد يستطيع أن يحكم على شىء فى لحظة محددة، الحكم يكون فى لحظة الاختبار، وبأمانة لا أرى على الخريطة أحدًا حتى الآن، ولكن أسمع عن خفافيش، ليست واضحة الملامح أو الوجوه، لأنه لا توجد لدينا أحزاب تفرز قيادات.
* وكيف ترى المطالبة بتعديل الدستور خاصة المادة المتعلقة بفترة الرئاسة ؟ - أكبر غلطة وقع فيها نظام مبارك البقاء فى الحكم 30 عامًا، لأن يتسبب فى حدوث تكدس وجمود، لذلك أنا مؤمن أن الدستور يقرر دورتين، ومن الخطأ الكبير الحديث عن تعديل مدة الرئيس الآن تضر أكثر مما تنفع، كما أن التعديل حاليًا مستحيل، ومن الأفضل أن نترك الدستور الذى أقر يطبق وبعد الدورة الثانية نناقش، إمكانية تعديله، لأن هذه المطالبات حاليًا تثير الشبهات.