«على» يساعد والدته فى مسح السلالم ويتفوق.. محمد من الفيوم يذاكر على لمبة جاز ويدخل كلية الطب «مصر ولادة» مثل مصرى يحمل الكثير من الدلالات والنماذج المشرفة على كل المستويات والمجالات، وهو الأمر الذى يبعث الأمل فى أوقات نكون فى أشد الحاجة إلى شعاع ضوء ينير ظلمة الحياة. قد يكون الحديث عن طالبة الثانوية التى اشتهرت بمريم بنت البواب مجرد باب يمكن من خلاله تسليط الضوء على عشرات الطلبة والطالبات الذين تمكنوا بالفعل من تحدى أحلك الظروف المعيشية والاجتماعية، خاصة أن أغلبهم يعيش وسط ظروف لا تساعد على التفوق إلا أنهم تمكنوا بالفعل من ذلك الأمر ليؤكدوا أن العزيمة والإصرار يمكن أن تتغلب على أى ظروف. «مريم».. قصة ضمن عشرات مئات القصص التى عرف بعضها طريق الإعلام والاحتفاء بها، وبقيت النسبة الأكثر خارج ضوء الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، مريم التى كسرت كل الحواجز بعد أن تغلبت على الظروف المعيشة داخل غرفة واحدة مع أربعة أشقاء بينما لم يمنعها عمل والدها وضيق حالته المادية وعمله حارسًا لعقار من المذاكرة والجد والتفوق لتصبح حديث الملايين فى مصر وخارجها بعد حصولها على أحدى المراكز الأولى فى نتائج الثانوية العامة لهذا العام. طالب آخر يُعد نموذجًا مشرفًا مثل مريم وهو الطالب عبدالراضى علام حسن من إحدى قرى أسيوط الفقيرة، لم يعتمد على الدروس الخصوصية بل اعتمد على المذاكرة فى منزله البسيط المكون من طابقين، خاصة أن والده فلاح يعيش على محصول الأرض، ولم يكن لديه ما ينفقه على الدروس الخصوصية، ورغم ذلك حصل عبدالراضى على مجموع 99.76 فى المائة، وفى حديثه ل«الصباح» أكد عبدالراضى أنه كان يساعد والده فى زراعة الأرض ومن ثم يقضى باقى الوقت فى المذاكرة ليلًا فى غرفة لا يوجد بها سوى كرسى ومنضدة صغيرة، وأن إصراره على تحدى الظروف والتفوق نظرًا لأنه كان يشعر بالمسئولية منذ صغره ويسعى لأن يثبت نفسه ويقدم شيئًا لأهله ولبلده معبرًا عن أمله فى أن يصبح طبيبًا ماهرًا وأن يتفوق فى مجال الطب لدرجة كبيرة حتى ينفع الناس وينفع وطنه بالكامل وخاصة الفقراء، مؤكدًا أنه سيجرى العمليات للفقراء مجانًا. وناشد عبدالراضى بعض الجهات لتحمل مصاريف دراسته فى كلية الطب خاصة أن ظروف عائلته لا تسمح بالإنفاق عليه فى كلية الطب، وطالب عبدالراضى أن تتحمل الدولة مصروفات الجامعة، موضحًا أن مصروفات الثانوية العامة كانت تمثل عبئًا كبيرًا على أسرته إلا أن والده كان يستدان أو يقطع من قوته لينفق عليه. وشدد على أن هناك مئات الطلبة المتفوقين لكنهم يحتاجون إلى الدعم والرعاية خاصة أن عزيمة كل منهم متفاوتة عن الآخر ومنهم من يصر ومنهم من يرضخ لضغوط الحياة والظروف. واستجاب الدكتور جابر نصار لطلبة ورحب بقبوله بطب قصر العينى وتكفل الجامعة بمصاريفه. لم يقتصر الأمر على مريم وعبدالراضى فهناك عشرات النماذج المشرفة على مر السنوات الماضية التى أكدت بالفعل على المثل المصرى منهم الطالب محمد على من الفيوم الذى التحق بكلية الطب، ووالده يعمل خفيرًا نظاميًا يتقاضى بضعة مئات من الجنيهات لا تكفى للإنفاق على شخص واحد ورغم ذلك تمكن من الوصول إلى كلية الطب، وكان يذاكر ليلًا على ضوء لمبة جاز نظرًا لانقطاع الكهرباء المستمر، وأكد محمد ل«الصباح» أن حلمه كان كلية الطب وأنه كان يدخر كل وقته ومجهوده للمذاكرة وأنه استغنى عن الدروس الخصوصية نظرًا لعدم قدرة أهله على الإنفاق عليها وأن بعض المدرسين كانوا يشرحون له المناهج دون مقابل ويضيف أنه حين يتخرج من الكلية سيوفر الكثير من الإجراءات الطبية والعمليات دون مقابل. عبدالرحمن عادل من إحدى قرى الفيوم التحق بكلية الصيدلة هو الآخر كان يقطن فى غرفتين بسقف من جريد النخل وقش الأرز، ولم يكن لديهم كهرباء فى المنزل فظل طوال الثلاث سنوات يذاكر على «لمبة جاز»، ورغم ذلك وصل إلى ما كان يحلم به منذ صغره، وهى كلية الصيدلة، عُرف وسط أهل قريته بطيب الخلق والالتزام وكان الجميع ينادونه بلقب الدكتور حتى قبل التحاقه بالجامعة، فلم يخيب آمالهم، يقول لم يدخل أبى أو أمى المدرسة إلا أنهم أصروا على أن يشجعونى دائمًا حتى أحصل على أعلى الدرجات وأنهم كانوا يقتطعون من قوت يومهم حتى ينفقوا على وما زالوا حتى الآن، رغم أن دخلهم مازال حتى الآن يتمثل فى العمل فى الأرض وبعض المحصول الذى لا يكفى شيئًا إلا أنه يصر على استكمال تفوقه فى الصيدلة وتحقيق حلمه. مثال آخر من قصص التفوق هى حكاية «على» من المطرية، ويعمل والده حارس عقار أيضًا، أما والدته فهى تساعد أسرتها أيضًا من خلال العمل فى تنظيف البيوت فى العمارة الساكنين بها أو العمارات المجاورة، بالإضافة إلى غسل السجاد، وتذهب والدة على أيضًا إلى الشركات لمسح السلالم ويساعدها فى ذلك ابنها «على»، ويقول «على» إنه يساعدها فى مسح السلالم منذ صغره ليتمكنا من جلب مصروفات المعيشة، ومساعدة نفسه فى مصاريف الكتب وبعض الدروس الخصوصية البسيطة التى كانت تساعده على المذاكرة، ويكمل على أنه أراد أن يكمل تعليمه ويدخل ثانوية عامة القسم الأدبى، وأن مجموعه 92 فى المائة، وتابع أنه أراد أن يكون مجموعه أكبر من ذلك ولكنه فى كل الأحوال سعيد به ولم يحسم بعد أى كلية سيدخل ولكنه يميل إلى كلية التجارة. أما «حسن» فى كلية الهندسة يقول إنهم من محدودى الدخل ووالده موظف بسيط، لكنه قاوم كل الظروف وكان مجموعة فى الثانوية العامة 97 فى المائة، وقرر دخول كلية الهندسة برغم علمه أن مصاريفها كثيرة لأنها تعتمد على كورسات الشرح بجانب المحاضرات والملازم الكثيرة، لكنه قرر أن يعمل بجانب الكلية ليلًا، وأشار إلى أنه كان يحضر المحاضرات ثم يذهب إلى العمل ويرجع منزله فى الثانية صباحًا، وتابع أنه انتهى من السنة الدراسية الأولى فى كلية الهندسة ويتمنى أن يصمد حتى يتخرج من كلية الهندسة ويحقق حلمه. قصة «مريم» شجعت العديد من متعسرى الحال لسرد قصص نجاحهم على مواقع التواصل الاجتماعى والتفاخر بها، حيث قال «عبدالرحمن بكر» إنه «اتبهدل» لضيق حاله لكنه كان يجرى وراء حلمه، ويكمل أنه من سوهاج وكان يأخذ الدروس الخصوصية فى أسيوط ويركب القطار درجة ثالثة يوميًا ويعود منزله فى الواحدة صباحًا، لكن مجموعه فى الثانوية كان 99 فى المائة ودخل كلية الطب وهو الآن فى السنة الأخيرة، وشكر عبدالرحمن والده المزارع الفلاح البسيط، لأن أخواته الثلاثة الآخرين تخرجوا فى كلية الطب أيضًا وأصبحوا أربعة أطباء، وأشار إلى أن مكانة الأب لا تكون بالمنصب.