«الإحصاء» يستعين بأجهزة تاب «مضروبة» لحصر السكان.. وباحث: كتب اسم فرد «والمصحف الشريف» فى الاستمارة وقبلوها الجندى: أخطاء الرواتب ضئيلة ومن يلجأ لإدخال أسماء وهمية باحث «خايب التعداد العام للسكان يعد أهم مشروع إحصائى تنفذه دول العالم كافة، ويُجرى كل 10 سنوات، لرصد المبانى ومكوناتها من وحدات سكنية وغير سكنية، علاوة على حجم وخصائص السكان وظروفهم السكنية، بالإضافة إلى جميع الأنشطة الاقتصادية، لتكوين قواعد بيانات شاملة على كل المستويات الإدارية بالدولة، واستخدام تلك البيانات المهمة فى التخطيط للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفى سابقة هى الأولى من نوعها، أتاح الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تسجيل بيانات المواطنين إلكترونيًا، عبر مندوبين يستخدمون أجهزة «التابلت»، لكن بعد فترة ظهرت العديد من المشاكل، منها تعرض الأجهزة لأعطال مفاجأة، علاو ة على أن النظام البرمجى ل«التابلت» لا يعمل بشكل دقيق. فيما وصف الباحثون الميدانيون النظام البرمجى للجهاز ب«السيئ»، خاصة أن الجهاز يقوم أحيانا بإدخال بيانات وهمية، سواء بإضافة أشخاص إلى عدد أفراد الأسرة أو حذف آخرين، مضيفين أن الجهاز يخترع أحيانًا أسماء مثل «والمصحف الشريف الشخص دا لا يمت للواقع بصلة»، وهو ما وثقته «الصباح» بالصور لرصد الكوارث التى تجعل تعداد سكان مصر 2017، فى خطر بسبب فشل المنظومة التى وضعتها الدولة. «خالد بيبو» أحد الشباب المشاركين فى تعداد السكان، تحت مسمى «باحث ميدانى» فاض به الكيل من نظام العمل الموضوع، حتى ألف قصيدة بالعامية رثى فيها حال الباحثين الميدانيين، ووثق فيها الألواح الذكية «تابلت» غير المطابقة للمواصفات والتى تعطل منهم كثيرًا خلال سير العمل. واشتكى «بيبو» من أسلوب احتساب الراتب الذى وضعه الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، خاصة أنه يحتسب فقط على الإنجاز، بمعنى «كل ما تجمع أسر أكتر مرتبك يزيد» طبقا لبيانات الأسر التى يجمعها من المنازل. وأكد أن «التابلت» الذى استلمه الباحثون الميدانيون لا يعمل، وفى الغالب يصاب بأعطال «تهنيج»، مضيفًا أن عملية تحميل الإطار لفتح البرنامج فقط تستغرق عشرات الدقائق، وعند الاتصال بالدعم الفنى لحل المشكلة لا تتم الاستجابة. وتشهد المنظومة الإدارية لحملة التعداد العديد من الأمور السلبية والتخبط فى القرارات بين القيادات والمفتشين المسئولين عن متابعة أداء الباحثين الميدانيين، ففى الوقت الذى أصدر فيه الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء منشورًا بتوقف العمل ابتداء من الجمعة 26 مايو الماضى، وتسليم «التاب»، إلا أن المفتشين رفضوا هذا المنشور وطلبوا من الباحثين استكمال عملهم، وكان نص المنشور «استلام «التابلت» من المتكاسلين الذين يعملون أقل من 8 ساعات، وتسليم المناطق إلى زملاء آخرين لاستكمالها». الباحثان «وليد عبدالحكيم وأحمد أبوالفتوح» أكدا أنهما طُلبا منهما تسليم «التاب» فى أقرب قسم شرطة، رغم أنهما أنهيا أكثر من 70 فى المئة من المنطقة المطلوب تجميع بياناتها، وتسليم الجهاز يؤدى إلى ضياع حقوقهم وخصم نسبة كبيرة من الراتب». إسراء السيد، مفتشة بالجهاز المركزى فى الإسكندرية، طلبت من الباحثين استكمال البيانات المطلوبة، وعدم تنفيذ المنشور الأخير من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء. التضارب فى القرارات يهدد بحدوث أزمة بين القيادات والباحثين، خاصة بعد تهديد الباحثين بالإضراب، ورفضهم تسليم «التابلت» اعتراضًا على المنشور الصادر. أما عن التعداد الإلكترونى وهو نوع آخر من جمع المعلومات، عن طريق «التاب»، فأكد 22 باحثًا ميدانيًا من إجمالى 23 أنه نظام «فاشل» نظرًا لضعف إمكانيات «التاب»، بالإضافة لتغيير المراقبين بالتعبئة والإحصاء لقرارات وطريقة الجمع أكثر من مرة، وعدم استيعاب القائمين على الأمر لفكرة التعداد الإلكترونى وتنظيم مشروع بهذا الحجم، مضيفين أن المشروع مهم، لكن القائمين على إدارته فاشلون. «سيد. ع» باحث ميدانى، قال إن «التابلت» له نظام تشغيل «غبى» يجبر الباحث على إدخال بيانات وهمية وأسماء غير حقيقية، مضيفًا أن النظام يقبل البيانات الوهمية، وهو ما يشكل كارثة فى النتيجة النهائية. وأضافت «مروة عمر» إن الباحثين الميدانيين لا يسمح ضميرهم بإدخال بيانات وهمية على الجهاز، لكن يجب أن يتحول لون الاستمارة إلى اللون الأخضر، ويجب أن يصل عدد أفراد الأسرة إلى حد معين، وهو شىء غير منطقى، فيمكن أن تتكون الأسرة من فردين فقط، مشيرة إلى أن هذا الأمر يجبر الباحثين أحيانًا على إدخال بيانات وهمية بإضافة أفراد وأسماء غير موجودة، أو تكرار اسم أحد أفراد الأسرة، أو كتابة أى مسمى، ونظرًا لعدم جودة النظام المستخدم فالجهاز يقبل أية أسماء. الباحث «أحمد. س» أجرى تجربة لمحرر «الصباح» لإثبات العيوب بنظام تشغيل تطبيق تعداد السكان، والذى يتكون من بعض الخانات منها «خصائص أفراد الأسرة، ورقم الفرد والاسم الأول للفرد والاسم الثانى للفرد»، فكتب فى خانة الاسم الأول «والمصحف الشريف»، وفى خانة الاسم الثانى «دا شخص لا يمت للواقع بصلة» والاسم الثالث للفرد «بصلة D»: وقبل نظام التشغيل هذه البيانات. وانتقد الباحث الميدانى بالتعبئة والإحصاء «أحمد يونس» ربط عدد أفراد الأسر بالمبانى، بمعنى أن كل منزل يجب أن يتضمن فردًا على الأقل، وهو ما يؤدى فى النهاية لإدخال بيانات وهمية، لافتًا إلى أن الباحث يجد أحيانًا عند حصر المبانى منزلاً غير مأهول بالسكان قد يكون الأب توفى والأبناء تزوجوا فى أماكن أخرى، لكن عند إدخال رقم المبنى تطلب الاستمارة على نظام التشغيل ضرورة إدخال اسم فرد، ووصف ذلك ب «العك»، وفى كل الحالات الشغل غلط فى غلط، وستكون النتيجة النهائية للتعداد سكان مصر أكثر من الحقيقى قائلًا: «تعداد مصر فى خطر». ومن جولة ميدانية له أرسل «يونس» ل«الصباح» نموذج ملء استمارة من «التاب» الخاص بجمع البيانات، فبعد إدخال عدد أفراد الأسرة الذكور «4» وأنثى واحدة، لم تقبل الاستمارة البيانات، وظهر له طلب «يجب ألا يقل عدد الأفراد عن الأفراد بمرحلة المبانى» فكتب تعليقًا أسفل الاستمارة بنظام التشغيل «هو ده عددهم الحالى هخترعلهم زيادة منين؟». وأضاف:» فى ناس ماتت وفى ناس سابت شقتها أصلا وسكن مكانها ناس تانية»، لافتًا إلى أن المفتش يطلب من الباحثين فى هذه الحالة عمل بلاغات، لكنها لا تحل المشكلة، ولا يتم النظر فيها من الأساس. وأكد «يونس» أن هذا الاسلوب يؤدى إلى بطء شديد فى سير العمل، ويستغرق ملء الاستمارة الواحدة ما يزيد على ساعتين بسبب اختراع طرق لحل المشكلات، ويجب أن تتحول الاستمارة على «التاب» إلى اللون الأخضر حتى يقبلها نظام التشغيل. وقال أحمد سيد: «الأسرة راجل وزوجته وابنه وعند إدخال بياناتهم طلب النظام أن يكون عدد الأفراد طبقًا لمرحلة المبانى، رغم أنه لا يوجد غيرهم فى الأسرة، ما جعلنى أضيف أفرادًا وهميين، فرفضها النظام، فقللت عدد أفراد الأسرة، ولم يقبل النظام أيضًا. وتضيف «هند عبدالعال» من المنوفية، إنها بعدما انتهت من الإطار السكانى الذى تجمع بياناته بإجمالى 708 أسرة جمعتهم بالكامل، لكن النظام أظهر لها أن النسبة التى جمعتها لا تتعدى 89 فى المئة، رغم أنها أنهت الإطار بنسبة 100فى المائة. وأضافت باحثة أخرى تدعى «نورهان»، أنها انتهت من جمع بيانات المنطقة بالكامل بإجمالى 554 أسرة، ورغم أن نظام التشغيل أظهر أن هذا هو العدد الحقيقى للأسر بالمنطقة، إلا أن النسبة المئوية على نظام التشغيل كان بها خطأ، وأظهرت أن هذا العدد يمثل 50 فى المئة فقط من الأسر بالمنطقة. 74 باحثًا أكدوا ل«الصباح» أنهم انتهوا من جميع الاستمارات ولا تزال النسبة تبلغ 80 بالمئة والباقى 137 أسرة. وعن هذه الأخطاء قالت مريم محمد: «دا الفرق بين المستهدف الأولى والفعلى، معظمنا حصل معاه كدا والحل بلاغ ل«الهيلب ديسك» بالفرق، أو تبلغ مفتشك وهو يتصرف». وكان الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء قد أصدر منشورًا فنيًا رقم 11 بتاريخ 18 مايو الماضى، طلب فيها من الباحثين الميدانيين مراجعة بيانات استمارات الأسر «المطولة» الخاصة بنسبة أفراد المشتغلين، والتى يجب أن يكون فردًا مشتغلًا على الأقل بكل أسرة، ويتولى الإنفاق عليها، وما تم جمعه من استمارات ماضية، لا تتسق مع الواقع فيما يخص العلاقة بقوة العمل فى السؤال رقم 15 على نظام التشغيل والتى وصفها المنشور بأنها منخفضة. وقال أحمد عبدالمجيد، إن ما طلبه الجهاز فى المنشور السابق لا يعد سوى أمر تعجيزى، فكيف تتم مراجعة جميع الاستمارات التى تم جمعها بعد الانتهاء من أكثر من 90 بالمئة منها، خاصة أن الواقع لا يتطلب أن يكون واحدًا على الأقل من أفراد الأسرة مشتغلًا، فهناك رب أسرة كبير فى السن وزوجته ربة منزل والدخل الوحيد من ابنهما الذى يعمل خارج مصر، فمن المفترض أن عمله ليس ضمن التعداد السكانى، لكن النظام يتطلب أن اخترع له وظيفة واسم منشأة يعمل بها داخل مصر، فى الوقت الذى طلب فيه الجهاز عدم احتساب الأفراد خارج مصر ضمن خانات العمل، لكن المنشور هدفه الوحيد زيادة نسبة العاملين فى المجتمع حتى ولو أصبحت نسبة وهمية. وأكد أن المرحلة الأولى من جمع البيانات لم تكن دقيقة بالشكل الكافى، وتم إضافة أشخاص ليس لهم وجود من الأساس، مشددًا على أن نظام الإحصاء يقوم على جمع بيانات المبانى ومكوناتها والسكان، ولا تتضمن أطفال الشوارع ولا الأسر التى ليس لها مأوى من سكان المقابر والشارع. أما أحمد مصطفى فأكد أنه لم يتقاض راتبه منذ شهرين من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن عمله كباحث ميدانى. الدكتور عبدالخالق فاروق رئيس مركز النيل للدراسات السياسية والاستراتيجية السابق، أكد ل«الصباح» أن نسب الانحراف فى النتائج الحقيقية تزيد على الحد المسموح به 5بالمئة، وهى نسبة مقبولة فى الدول النامية، لكن بهذا الشكل فى نظم تصميم البيانات ستزيد نسب الانحراف على 15فى المائة والثقة فى جودة البيانات المقدمة عن التعداد ستكون محل شك. وشدد على أن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء تحكمه اعتبارات سياسية ووظيفية، وليست اعتبارات علمية أكاديمية فى إظهار النتائج سواء ما يتعلق بنتائج نسب البطالة أو نسب التضخم، وللبيانات طريقة تطبخ بها على طريق يوسف بطرس غالى. وأكد أن ما يحدث من تجاوزات فى أسلوب جمع البيانات تعد جريمة من جانب الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وهى جريمة وظيفية وسياسية فى نفس الوقت، والأجهزة الرسمية تجيد التلاعب فى معدلات البطالة منذ عهود، مشيرًا إلى أن النسبة الحقيقية للبطالة 22فى المائة وليست 13فى المائة كما يعلن الجهاز. فيما أكد أحمد عبدالمجيد، من العاملين، أنه لم يتقاض راتبه منذ شهر مارس، رغم إعلان الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بدفع المرتبات 26 مايو الماضى، مما دفعه للتوجه إلى قسم الشرطة وتحرير محضر ضد الجهاز والمفتش المختص. أما محمد صالح، فأشار إلى أن موظفى ثلاث محافظات فقط صرفوا رواتبهم على مستوى الجمهورية، وفوجئوا بأن المرتبات ضئيلة للغاية، لافتًا إلى أنه يعمل بمحافظة سوهاج، وتقاضى 700 جنيه فقط عن ثلاثة شهور، ولم يتقاض راتب التدريب، حيث تم ربط الراتب بناتج الإنجازات، بواقع جنيه واحد عن كل أسرة، قائلًا: «الحكومة نصبت علينا». من جانبه، أكد اللواء أبوبكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، أن مشروع تعداد سكان مصر 2017 هو المشروع الأضخم، مشيرًا إلى أن ما يتردد حول قلة الرواتب التى تم الاتفاق عليها، أمر غير صحيح، حيث يصرف الجهاز رواتب 40 ألف باحث ميدانى ضمن مشروع التعداد. وأوضح أن الجهاز يعترف بوجود نسبة أخطاء لكنها لا تتعدى نصف بالمائة، قائلًا: «على الباحث اللجوء للمفتش أو المراقب عند مواجهة أى مشاكل تخص الراتب، ويتم مراجعة كل المشاكل، والجهاز يحاسب الباحثين الميدانيين بناء على الإنجازات التى يحققوها فى الإنتاج، وكل شىء يكون مسجلًا». وعن إضافة أسماء وهمية فى الاستمارات، أكد «الجندى» أن من يلجأ إلى هذه الحيل باحث «خايب»، لأن الباحثين بالجهاز تتفاوت نسبة أدائهم وليسوا جميعًا نفس المستوى، والجهاز يعمل بكل جهوده من الساعة التاسعة صباحًا وحتى الحادية عشر مساءً، يوميًا، دون الحصول على راحة أسبوعية، متعهدًا بحل جميع المشاكل التى تخص الرواتب.