«الدهية » أهم طقوس الزواج لديهم والفرح يعتمد 14 يوم اً والعروسة لا تتحمل شيئًا لاطعام يعلو فوق «الفتة ».. والشاى كالماء والهواء.. والشيشة بدون «حشيش » لاجدوى لها الأطفال لايعرفون شيئًا عن المدارس.. وتخصصوا في دراسة الصحراء عالم ظل مسموعًا عنه فقط، أو مرئيًا عبر شاشات التلفزيون فى مسلسلات عديدة، أو مسرودًا فى الروايات، بدا شيقًا طوال السنوات التى سبقت الثورة وبدا مخيفًا بعدها، فقررت «الصباح» اقتحام عالمه ومعرفة تفاصيله من خلال معايشة صحفية للتعرف على المجهول، وما لا يعرفه المجتمع عن سكان أهل الجبل، خاصة فى ظل التصور السائد بأن كل من يقطن الجبل هو إرهابى. فى صحراء محافظتى الإسماعيلية والشرقية يقطن عدد كبير من سكان الجبل لم يقتصروا على قبيلة واحدة بل ينتمون لعدد من القبائل منها قبيلة الحويطات والاحيوات والترابين، وهى قبائل وافدة منذ سنوات، مقارنة بالقبائل التى كانت تسكن الجبل قديمًا ومنها «العيايدة والمعازة والمساعيد والسواركة وبلى» وهى قبائل قديمة انتقل معظمها إلى الريف وبقى منها نسب قليلة جدًا فى الجبل، بعضهم أتى من سيناء وبعضهم من محافظات أخرى وبعضهم تعود أصوله لشبه الجزيرة العربية، والنسبة الأكثر ولدت من عشرات السنين فوجدت نفسها فى حضن الجبل. 16 ساعة قضتها «الصباح» برفقة سكان الجبل فى الصحراء الواقعة بين محافظة الإسماعيلية والشرقية، والتى شهدت العديد من الأحداث خلال السنوات الماضية، لاسيما فيما يتعلق بجماعات الإرهاب، إلا أن المشهد لم يكن كما صدره البعض بأن كل سكان الجبل هم من الإرهابيين. بيوت من القش وجريد النخل والخشب، هى بالكاد عشش بدائية، وفراش من زعف النخيل وزى بدوى يرتديه الكبار، بينما يرتدى الصغار ملابس المدينة، نساء منتقبات ينتشرن يمينًا ويسارًا، ومواقد للنار وماشية وجمال وخيل.. هذا هو المشهد الذى لم نستطع نقله كاملًا بالكاميرا نظرًا لرفضهم التصوير، إلا أن الدليل الذى اصطحب «الصباح» كان على علاقة قوية بأهل الجبل، وبعد نقاشات ومفاوضات عدة أقنعهم بالسماح بالتصوير.
حياة قاسية حياة شبه منعزلة أثرت فيها الأحداث السياسية مثل ما أثرت فى كل النواحى الاجتماعية فى الريف والحضر، حاولنا قدر المستطاع التعرف على ذلك العالم. يبدأون يومهم مبكرًا منذ طلوع الشمس يرعون أغنامهم ويحلبون الإبل والماشية، هكذا أكد الشيخ أحمد، الذى أوضح لنا أن الطبيعة الصحراوية تفرض هذا الأمر نظرًا لأن الشمس توقظ أى نائم منذ الصباح الباكر، حين تسلط أشعتها الساخنة على العشش التى تتأثر سريعًا بالحرارة فتكون منبهًا طبيعيًا يجبر النائم على الاستيقاظ، ويقتصر عملهم على رعى الأغنام والجمال ورعاية الأشجار التى يزرعونها على المياه الجوفية. يضيف أحمد «الحياة هنا قاسية تشبه قسوة حرارة الرمال فى عز الصيف، إلا أن الناس هنا اعتادوها، هذا ما لاحظناه خلال الساعات التى قضيناها معًا، فالأطفال الصغار لم يخشوا الظلام الدامس ولم يخشوا أيضًا السير فى متعرجات الجبل نهارًا، بدوا وكأن كل منهم دليل ماهر يعرف دروب الصحراء جيدًا، بل ويسخرها طوعه كما شاء، حتى النساء التى لم نلاحظهن سوى من بعيد كانت على ذات الدرجة يقومن بطهى الأكل وحلب الماشية والنوم فى تلك العشش، دون أى شعور بالخوف أو الريبة والتى جعلتنا نبعد تمامًا عن فكرة النوم هناك.
أهل الجبل والثورة يوضح الشيخ أحمد أن الأحداث السياسية التى تلت 25 يناير انعكست بشكل كبير على سكان الجبل، وكانت مصدر قلق كبير بالنسبة لهم حيث قيدت شكل تحركاتهم بدرجة كبيرة، خشية الوقوع فى مصائد الأمن عن طريق الخطأ أو فى مرمى نيران الإرهابيين الذين كانوا يختبؤون فى قلب الجبل، وهو ما جعلهم حذرين وقلقين فى آن واحد، خاصة بعد أن رفضوا أكثر من مرة أن يختبئ أى غريب بينهم ولم يستطيعوا بالطبع الإبلاغ عن أى شىء لأنهم يمكن أن يكونوا هدفًا سهلًا لأى إرهابى، ففضلوا أن يعيشوا فى سلام كما هم، وأن يحذروا أى شىء يمكن أن يضعهم فى موقع خلاف مع أى من الجهتين. وأوضح الحاج أحمد أبو الحمد، وهو أحد سكان الجبل سابقًا «ثورة يناير مثل ما أثرت فى المجتمع المدنى، أثرت فى سكان الجبل، حيث دفعت بعض الشباب للخروج عن طوع كبير القبيلة أو كبير الجماعة الموجودة فى منطقة ما، واتجه بعض الشباب للاتجار فى المخدرات بكافة أنواعها، وما ساعد على ذلك الربح السريع، كما فرض بعضهم إتاوات على بعض أصحاب المزارع وهو ما أساء نسبيًا إلى سكان الجبل الذين تظل النسبة الأكبر فيهم تحافظ على طبيعتها القبلية والحياة البدائية دون اللجوء إلى تلك الأشياء المخالفة»، مؤكدًا أن الأمن لا يقوم بأى شىء تجاههم، نظرًا لأن تاريخهم لم يكن به أى تجاوزات ضد أى أحد. كل منهم يعرف مهامه فالأطفال يعرفون متى يخرجون بالماشية ومتى يعودون، يتمتمون بكلمات لم تكن مفهومة لى، أدركت بعد ذلك أنها لغتهم الخاصة، كذلك النساء تساعد الأطفال فى مهامهم، فيما يقوم الرجال بالمهام الأصعب وهى الذهاب إلى المناطق التى يزرعون بها أشجار الفاكهة أو يشرفون على الأطفال ومن ثم يأتون بمتطلبات الأسرة من القرى البعيدة عنهم. أما فيما يتعلق بارتفاع الأسعار، فأوضح على عبدالله، أحد كبار سكان الجبل، أنهم تأثروا بالغلاء بشكل كبير جدًا، نظرًا لثبات دخولهم، فى ظل اعتمادهم على تربية المواشى والزراعة، مؤكدًا أن معاناتهم تفاقمت فحياتهم صارت تقتصر على الأشياء الأساسية فقط، من مآكل وملبس وضروريات حياة من علاج وغيره. وأشار إلى أن التغيرات السياسية لا تعنى لهم الكثير، خاصة أنهم ليس لهم استفادة مباشرة من أى تغير، وأن حياتهم ومصدر دخلهم وطبيعة عملهم تعتبر مستقلة.
المنازل على الرغم من بدائية المنازل التى تصنع من الأخشاب وزعف النخل والخوص، إلا أنهم يراعون أشياءً تبدو هندسية، حسبما أخبرنا أحدهم، ويدعى محمد العربى، الذى أوضح أنه نظرًا للطبيعة الجبلية يراعى عدة أشياء فى تصميم العشش وهى أن تكون أبوابها فى الشتاء تجاه الشمس بحيث تكسبها الشمس دفئًا للتغلب على برودة الجو، فيما توضع قطع البلاستيك المفرودة على العشش لحمايتها من الأمطار، على أن ينزل المطر بجانب العشة وتمتص الأرض الرملية كل المياه.. فيما تفتح أبواب العشش فى الصيف عكس اتجاه الشمس شمالًا باتجاه التيار الهوائى وتزال الفرش البلاستيك ويوضع بدلًا منه قش الأرز الذى يأتون به ويرش عليه الماء حتى يجعل داخل العشة باردًا ليلًا ونهارًا، ويعتمدون فى الإنارة على اللمبة الجاز أو على النار التى تقاد طوال الليل.
الأكلات كما أن لسكان الجبل طقوس وعادات مستقلة، فإن أكلاتهم تبدو خاصة أيضًا، حيث يعتمدون بنسبة تصل إلى 80 فى المائة على «الفتة»، التى تعد أساس كافة الوجبات، فيتم عمل جميع أنواع الخضار بالفتة، إضافة إلى فتة اللحمة، كما أنهم يعتمدون بنسبة كبيرة على لبن الإبل ولحوم الماعز، أما فيما يتعلق بالخبز فإن لهم طريقة مختلفة تمامًا فى الخبز حيث يتم عجن العجين داخل أى إناء بلاستيكى ويتم تقطيعه على شكل دائرى شبه الفطير، لكنه أكثر سمكًا، وتقاد النار حتى تصل لدرجة تكاد تنصهر، ثم تزاح من على السطح ويوضع الرغيف ومن ثم يغطى بالنار حتى يستوى، ومن الملفت اعتمادهم على نظرية الساخن والبارد لا يلتصقان فلا يلتصق سطح التربة بالرغيف، لأنه يكون باردًا عند وضعه وبعد إخراج الرغيف يتم تنظيفه بسهولة ويتم تناوله، كما يسوى بطريقة أخرى على صاج مفرود أو داخل فرن بدائى صغير أيضًا. المشروبات أيضًا، لها مذاق مختلف، لدى أهل الجبل، فيتميزون بالقهوة العربى التى تُطحن يدويًا ويتم عملها بطريقة مختلفة تمامًا، فتغلى مثل الشاى على الفحم أو الحطب، فضلًا عن أنها تغلى أكثر من مرة، وكذلك الشاى الذى لا ينقطع، فما يحضر أحد الرجال إلا وصب له الشاى فورًا، إضافة إلى الشيشة التى تصاحبها قطع الحشيش فى بعض الأوقات، والتى أفاد بعض الشباب بأنها صارت من متلازمات العيش فى الجبل.
الزواج طقوس الزواج بدت مدهشة حسبما عرفناها من عدد من الشباب والمشايخ الذين تحدثنا إليهم خلال جلسة الليل. فعلى غرار معظم القبائل البدوية، نادرًا ما يتزوج أبناء الجبل من خارج القبلية، كما أنهم لا يزوجون بناتهم لشباب المدينة إلا بنسبة 1 فى المائة، وهو ما أكده الشيخ على أحمد، الذى أوضح أن طقوس الزواج تبدأ من اليوم الأول من الشهر العربى وتستمر حتى منتصف الشهر حتى يقام الزفاف يوم أن يكون القمر بدرًا، وطوال ال 14 يومًا تقام حفلات تسمى «الدحية»، وهى حلقات الغناء والحجل «الرقص» ويجتمع شباب الجبل فى شكل دائرة تصاحبهم سيدة منتقبة ترقص وسط الدائرة على أنغام الغناء البدوى، كما يصاحب ذلك المشهد وضع الرايات البيض على العشش طوال تلك المدة، يبدأ المهر من 10 آلاف جنيه فصاعدًا، ولا تتكلف السيدة أى متطلبات أو لوازم، فيتكفل العريس بكافة متطلباتها وعادة ما تكون الدخلة فى عشة جديدة. أما ما يتعلق بأنواع الهدايا فقال أحمد عمر، شاب من سكان الجبل، «من يريد أن يهادى العريس فيأتى له بخروف سمين، فضلًا عن أجولة الأرز والسكر»، موضحًا أن الجلسات التى تسبق العرس يتلقى فيها العريس الهدايا، وكذلك أول يوم بعد الزواج وتقام الأفراح ليلة منتصف الشهر على أنغام الطبل والرقص البدوى فقط، دون أى أغانى من المدينة. حلقات العريس على مدار منتصف الشهر تقابلها أيضًا جلسات للفتيات لدى العروسة، وتقام ذات الطقوس المتعلقة بالطبل والرقص، إلا أنها لا تتلقى الهدايا مثل العريس، ويمكن أن تتلقى هدايا خاصة بمتعلقات الفتاة مثل أدوات التجميل التى غالبًا ما تستعملها أيام العرس فقط.. وفى هذا اليوم تنحر الذبائح وتعد الحلوى التى لم تكن تعد فى السابق، ويتم طبخ فتة اللحم، وكذلك أنواع من الطيور للعريس فقط.
المدارس البيئة الجبلية وطبيعتها دائمًا ما تحول دون تعليم الأطفال، حيث لا يذهب أطفال سكان الجبل إلى المدارس، فقط يمتهنون مهنة آبائهم وهى رعاية الإبل والأغنام والزراعة، ومن ثم يصبحون منعزلين تمامًا عما يدور من أحداث أو أى تطور يطرأ على المجتمع، ويتمسكون بلغتهم البدوية وزيهم وعاداتهم كما هى منذ عشرات السنين نتيجة عدم اختلاطهم بالبيئة المدنية. وهناك نسبة قليلة تركت الجبل واستوطنت القرى فذهب أطفالهم إلى المدارس وتغير حالهم بعض الشىء عمن ما زالوا يعيشون هناك، إلا أنهم يتمسكون بذات العادات.
قانون الجبل بحسب ما علمناه من أحد كبار مشايخ الجبل، فإنهم يعتمدون على القوانين العرفية، وهناك حدود متفق عليها يتم تطبيقها بعد جلسة تشمل مشايخ القبائل التى تحتكم إلى الجلسة إلى جانب مشايخ من كافة القبائل التى تتعاون فى مثل هذه الأمور، ويعد حد السرقة من أهم الأشياء التى قد تحدث ويكون العقاب فيها أن يرد السارق ما سرق، وأن يترك بيته أو مكانه ويهاجر إلى مدينة أخرى أو محافظة أخرى هذا حال ثبوت السرقة، أما فى حالة القتل فإن الأمر يختلف، فإن كان نتيجة خيانة أو أثناء مشاجرة، ففى الأول يكون الثأر، أما فى الثانية فيمكن الاحتكام إلى دفع الدية، بشرط موافقة الأطراف على ذلك، وقد تصل الدية فى بعض الأحيان إلى مليون جنيه.
الموقف الأمنى مصدر أمنى رفيع المستوى، أكد أن سكان الجبل لا يمثلون أى خطورة، وأنه لم يثبت تورط أى منهم فى أى أعمال إرهابية أو عنف، ويطبق عليهم القانون مثلهم مثل أى مواطن عادى، إلا أنهم يحتكمون إلى الجلسات العرفية ولا يبلغون عن الأشياء التى تحدث بينهم. جدير بالذكر أن عدد أهل الجبل يعد غير معلوم لدى الجهات الأمنية بشكل دقيق، نظرًا لوجود بعضهم دون بطاقات شخصية، إلا أنهم يمثلون بضعة آلاف فى كل محافظة يتواجدون بها، كما أن لهم امتدادات فى بعض الدول العربية.