محللون يتوقعون تحول العلاقات المصرية الأمريكية من الفتور إلى الدفء انتهى ماراثون انتخابات الرئاسة الأمريكية وفاز دونالد ترامب، الرجل الذى أحدث حالة من التباين ما بين مؤيد ومعارض ومتخوف، ليس فى الولاياتالمتحدة وحدها ولكن فى العالم أجمع، فالعلاقات المتشعبة لأمريكا وثقلها العالمى ووصفها ب«شرطى العالم» عند الساسة، يجعل من رئيسها محطًا لأنظار وترقب جميع الأنظمة فى العالم، ومن بينها النظام المصرى، الذى توقع محللون أن يكون شريكًا قويًا فى مثلث عالمى مكون من «واشنطن وموسكو والقاهرة»، وأن يستعيد دور مصر الريادى الذى قفزت عليه السعودية فى السنوات الأخيرة، مستغلة الظروف الصعبة التى تلت الربيع العربى. ولأهمية مصر ودورها الرائد فى الشرق الأوسط، بادر الرئيس عبد الفتاح السيسى بتهنئة ترامب الذى أكد له أنه أول المهنئين له تليفونيًا فى العالم، وأصدرت مؤسسة الرئاسة بيانًا قالت فيه إن «جمهورية مصر العربية تتطلع لأن تشهد فترة رئاسة الرئيس دونالد ترامب ضخ روح جديدة فى مسار العلاقات المصرية الأمريكية، ومزيدًا من التعاون والتنسيق لما فيه مصلحة الشعبين المصرى والأمريكى، وتعزيز السلام والاستقرار والتنمية فى منطقة الشرق الأوسط، لاسيما فى ظل التحديات الكبيرة التى تواجهها». وفى أغسطس الماضى، أطلق ترامب تصريحات تفيد بأنه فى حال فوزه برئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإنه سيعمل على إنهاء المشكلات الحالية والتى سببتها الجماعات المتطرفة، مضيفًا نيته للتعاون مع الرئيس عبد الفتاح السيسى من أجل محاربة الإرهاب، باعتباره رجلًا يمتلك سياسة واضحة رافضة لثقافة الموت التى يتبناها تنظيم داعش، وسيكون ذلك من خلال مؤتمر دولى سيدعو فيه الأصدقاء فى الشرق الأوسط مثل السيسى وملك الأردن. ولم يكن هذا الاتصال الهاتفى أول تواصل بين السيسى وترامب ليكون السيسى أول زعيم عربى وإسلامى يلتقى ترامب، فقد التقيا الرئيسان على هامش اجتماعات الأممالمتحدة فى سبتمبر الماضى فى دورتها ال71 بنيويورك، لمدة تقارب الساعة كاملة تبادلا بها وجهات النظر، وكشف تقرير لموقع «الحرة» الأمريكى، أنه خلال اللقاء كان المرشح الجمهورى منصتا بكل تركيز للرئيس السيسى الذى حاوره عن المعاناة التى سببها الفكر المتشدد للعالم، مما شجع ترامب لإطلاق وعد بدعوة الرئيس المصرى إلى «زيارة رسمية» للولايات المتحدة إذا وصل إلى البيت الأبيض، مضيفًا أنه فى حال انتخابه رئيسًا فستكون الولاياتالمتحدة دولة «وفية» لمصر وليست فقط «حليفة»، وهو ما جعله يتراجع عن دعوته لمنع دخول المسلمين الولاياتالمتحدة، ويشيد خلال الاجتماع بالشعوب الإسلامية المحبة للسلام بحسب ما نقله موقع «فورين بوليسى»، وفى المقابل، وخلال حديثه مع شبكة «سى إن إن» قال الرئيس السيسى إن ترامب سيكون قائدًا قويًا بلا شك، مؤكدًا أن تصريحاته ضد المسلمين فى بداية حملته الانتخابية سيتم تصحيحها فيما بعد. ونقل موقع «روسيا توداى» عن وليد فارس، مستشار ترامب، تصريحات جاء بها أن القاهرة هى المحطة الأولى فى زيارات ترامب إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن الإدارة الأمريكية الجديدة «لن تنسى مصر وستدعمها فى كل المجالات»، مضيفًا أن مصر «عانت ما عانته بسبب حكم الإخوان المسلمين والغطاء الذى وفرته لهم إدارة الرئيس باراك أوباما»، على حد تعبيره، وبعض الأمور المشجعة الأخرى التى ستجعل من مصر الوجهة الأولى لترامب. من جانبه، وفى تصريحات خاصة ل«الصباح»، قال سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية ومدير مركز «ابن خلدون» للدراسات الإنمائية، أن فوز ترامب الصادم كان مفاجأة للعديدين، نظرًا لما توقعه الكثيرون بفوز هيلارى كلينتون غريمته الديمقراطية، ولكن فوز المرشح الجمهورى سبب ابتهاجًا للمصريين اعتقادًا منهم أنه أفضل من هيلارى تجاه القضايا المصرية والعربية بشكل عام، ولكن الحقيقة أن الاثنين لن يختلفا كثيرًا عن بعضهما بما يتعلق بالحرب على الإرهاب، لأن السياسة الأمريكية ليست سياسة أشخاص وإنما هى سياسة مؤسسية، فمن المعروف أن رؤساء أمريكا على اختلاف مرجعياتهم لا يحكمون بوجهات نظرهم إلا ما يعادل 5 فى المائة من السياسة العامة، أما ال95فى المائة الباقية فتضعها الثوابت الأمريكية. وأضاف إبراهيم أن العلاقات المصرية الأمريكية تحكمها العلاقات ما بين المؤسستين العسكريتين فى البلدين، متوقعًا أن التغيرات ستكون طفيفة، فالعلاقات المصرية الأمريكية تتسم بقدر من الثبات منذ مدة حتى مع التغيرات، وهو ما يحدث منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وهو الجزء المهم للولايات المتحدة، والعلاقات الاقتصادية أيضًا كما هى. وأكد أن اللقاء الذى جمع بين السيسى وترامب على هامش اجتماعات الأممالمتحدة، له أثر بالغ فى العلاقات بين البلدين، لما يبدو من إعجاب متبادل بين الرجلين، أما فى الشأن الروسى فالعلاقات بين بوتين وترامب جيدة إلى حد كبير، فهما على وفاق، ما ينم عن أن العالم بصدد مثلث جديد فاعل وهو مثلث «السيسى- بوتين – ترامب»، ومعه تزداد التوقعات بلقاء ثلاثى يجمع الأقطاب الثلاثة، مشيرًا إلى أنه من الممكن اعتبار فوز ترامب «فاتحة خير» لأن العلاقات كانت ثابتة ولكن بشكل فاتر، ومن الواضح أنها ستتحول إلى علاقات دافئة بين البلدين. أما الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية، فقال فى تصريحات خاصة ل«الصباح» أن ترامب يمثل ثورة داخل المجتمع الأمريكى، فقد استطاع أن يستثمر حالة الغضب الشعبى الأمريكى ضد عدد من العوامل مثل البطالة والعولمة وتدهور النظام الأمريكى، وقام بالتنسيق مع المؤسسات لينجح بالفوز بمقعد الرئيس، وهو بالفعل يمتلك رؤية لنهضة أمريكا، ولكن لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، فهو رجل أعمال عصامى استطاع أن يصبح مليارديرًا، ولم يشغل أى منصب حكومى ولم يمارس السياسة بشكلها المتعارف عليه. وأضاف نافعة أن الحرب على الإرهاب مسألة أساسية له وهو ما صنع حالة الود ما بينه وبين الرئيس السيسى، فمن الواضح أنه يقدر الدور الذى يلعبه السيسى لمواجهة الجماعات المسلحة، وهو من أكثر الأمور التى تشغل بال ترامب، وهو ما جعله يطلق بيانًا بعد انتهاء لقاءهما الأول، يعبر فيه عن ارتياحه ونيته للتقارب المصرى الأمريكى، عكس كلينتون التى خرجت بعد نهاية الاجتماع من أحد الأبواب الخلفية للفندق، حتى تتجنب الأسئلة واللوم لما يعتبره البعض هناك «مساوئ للنظام المصرى». وأكد أن التقارب والارتياح بين الزعيمين جعل السيسى أول المهنئين لترامب بالفوز فى الانتخابات، ويشير إلى أن الطريق الآن مفتوح لإقامة علاقة قوية مع ترامب والولاياتالمتحدة، ولكن المشكلة تكمن فى قيامنا بما يسمى «بالزفة»، وذلك بتوقع أشياء كثيرة مغايرة للواقع، فالوضع ليس بالشكل الذى يراه الكثيرون، فهناك سياسات عامة أمريكية، كما أن هذا التقارب يعتمد بشكل أكبر على الجانب المصرى فى إقامة نظام قوى فى الداخل، يجعل هناك ارتياحًا وتيسيرًا للتقارب، وهو ما يمكن من خلاله أن تقوم أمريكا بالاستعانة بمصر، بأن تكون بديلًا للملكة العربية السعودية والتى تعد من أقوى حلفائها بالمنطقة. من جهته، قال الدكتور قدرى إسماعيل عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، إن التصريحات التى يطلقها المرشحون لرئاسة البيت الأبيض خلال فترة الحملة الانتخابية، لا تكن ملزمة لهم بالضرورة، فوعود ترامب لا يمكن رسم خطط المستقبل بناء عليها، أو حتى توقع أى إجراء أو تطور ناتج عنها، لأن هذا سيجعلنا ندخل فى طور استباق الأحداث، مثلما حدث مع الرئيس السابق باراك أوباما الذى ألقى خطابه الشهير من القاهرة الذى جعل العديد من المتابعين يركنون إلى أنه سيكون نقلة نوعية فى تاريخ العلاقات الأمريكية مع الدول العربية والإسلامية، ولكننا جميعًا رأينا ما حدث، فالولاياتالمتحدة هى دولة مؤسسات لديها خطط مؤسسية ولا يمكن أن يغيرها فرد ما، فالعلاقات الأمريكية ترتبط أولًا وأخيرًا بالمصلحة فقط.