خرج تجار المخدرات والمنشطات الجنسية من أوكارهم السرية، ليعلنوا ممارسة نشاطهم في العلن بالميادين العامة، ولعل أحد الساحات التي اتخذونها لبيع بضاعتهم " ميدان رمسيس" الذي تباع فيه المخدرات علي الأرصفة وسط أعين الأمن.. "محررا الصباح " ادعيا أنهما "مدمنان" لكشف العالم السري لتجارة المخدرات في رمسيس. بمجرد وصولنا إلي الميادين ، بدأنا نتقصى عن الأماكن التي تباع فيها المخدرات، فوصلنا إلى بعض الشوارع الضيقة، وتقابلنا مع أحد التجار، وسألناه عن أبرز الأنواع التي يبعونها علي الأرصفة، فتردد في البداية، قائلاً لي: أنت أول مرة تيجي هنا، كل زبائنا عارفة البضاعة اللي هنا"، فاخبرناه بأننا زبائن جدد ، فقال : هناك ما يزيد عن 90 نوع من المواد المخدرة والمنشطات الجنسية يتم بيعها، وأهم حاجة أننا نبسط الناس، وبدلاً من أن يذهبوا إلي الصيدليات، نوفر لهم جميع أنواع المخدرات والمنشطات وبأسعار أقل من الصيدليات"، متابعاً : شريط الترامادول سعره 25 جنيه، وعبوة الحصان الذهبي أحد المقويات الجنسية سعرها 30 جنيه". استدرج المحررين البائع للحصول علي تفاصيل أكثر حول هذه التجارة، فطلبوا منه بعض أقراص من الترامادول، فإذا به يخرجها من درج أسفل صندوق خشبي تحت لوح يضع عليه المعروضات، وبعدها أعطاهما الشريط، وحصل على سعره، قال لنا: " عندي نوع حشيش حلو جداً ولسه نازل السوق من يومين"، فقلنا له : ورينا بضاعتك، فرد قائلاً: " دي مش مكانه هنا .. تسيب عربون وبعد كده ممكن نتفق علي مكان تسليمه". الغريب في الأمر أننا وجدنا إقبال شديد خاصة من الشباب، وكبار السن، يصطفون في طوابير طويلة للحصول علي الصنف الذي يرغبه، لكننا لا حظنا أن كبار السن أكثر إقبالاً علي شراء المنشطات الجنسية وبالأخص أنواع " "أريك" ، "فياجرا" ،" العلبة الذهبية"، بينما يكثر شراء الشباب لشرائط الترامادول والحبوب المخدرة الأخري. بائع أخر، قال لنا : "إحنا بنوفر خدمة للناس أصحاب المزاج، عشان أسعار الأصناف اللي بنبيعها هنا رخيصة جداً عن الصيدليات، والحمد لله إحنا مبسوطين بالمكسب بتاعنا وهما كمان مبسوطين عشان مزاجهم". المارة في شوارع رمسيس أعربوا عن استيائهم من بيع المخدرات علي الأرصفة، قائلين: حرام عليها لحكومة سايبة الناس دي كده إزاي، لازم يقبضوا عليهم كلهم، قبل ما تكبر المشكلة وتزيد". محمد حسين – أحد هؤلاء المارة، قال: المخدرات أصبحت بمثابة " الفاكهة" لدي الشباب، ولابد من تحرك الدولة ، وإلا سينهار المجتمع، فالمخدرات والمنشطات هي سبب جرائم التحرش الجنسي في المجتمع المصري، وارتفاع معدلات الجريمة خلال الفترة الأخيرة. وطالب أشرف فؤاد الحكومة بضرورة تشديد الرقابة علي مثل هذه الأماكن، والقاء القبض علي كافة تجار المخدرات، قائلاً: للأسف الشديد الحكومة انخرطت في السياسة، وانشغلت عن المواطن، ولذلك تدهورت أحوال الشباب في ظل هذا الانفلات، وأصبحوا يدمنون المخدرات والمنشطات بدلاً من ممارسة الرياضة، مشدداً علي أن تضغط المنظمات الحقوقية علي الحكومة كي تتمكن من القضاء علي كل هذه الظواهر العشوائية. أحد الباعة الجائلين، رفض ذكر أسمه، فجر مفاجأة من العيار الثقيل مفاداتها أن هناك تنسيق بين البلدية وبائعي المواد المخدرة والمنشطات، مضيفا " بتوع البلدية بيمروا وبياخدوا بائعي الملابس والأحذية، ويتركوا هؤلاء المخالفين للقانون "، متابعاً: هناك شبكة كبيرة تدير عمليات البيع والتمويل. من جانبه، قال الدكتور مصطفي ابراهيم وكيل وزارة الصحة لقطاع الصيدلة ل : جهاز الشرطة هو المسئول عن مكافحة وضبط كميات الادوية المخدرة التي تباع في السوق السوداء وخارج الصيدليات سواء بالشارع أو بطريقة غير شرعية داخل بعض الصيدليات" واتهم الدكتور مصطفي ابراهيم الإدارة المركزية لشؤون الصيدلة بوزارة الصحة بالتقصير في دورها ، لانها المنوط بعمليات التفتيش، وإحكام الرقابة علي الادوية المخدرة التي يستخدمها المدمنون. وكيل وزارة الصحة لقطاع الصيدلة، أكد عدم وجود تنسيق بين الجهات المعنية بالرقابة، لافتاً إلي أن الإدارة المركزية لقطاع الصيدلة بوزارة الصحة معنية فقط بما يحدث داخل الصيدليات، أما ما يحدث خارج الصيدليات من اختصاص أجهزة أخري مثل مباحث التموين والمباحث الجنائية ومباحث المخدرات، مشدداً علي التعاون بين وزارة الصحة وجهاز حماية المستهلك للقضاء علي هذه الظاهرة. وكشف إبراهيم عن أن وزارة الصحة بصدد تكوين لجان مشتركة مع المباحث لمداهمة وضبط المخالفين خارج المؤسسات الصيدلية، لافتا إلي أهمية تطوير المنظومة الصحية بتشريعات جديدة، متابعاً: عقوبة غش الدواء تعادل في القانون عقوبة غش طلاء الاحذية فنياً. وعقب الدكتور جمال شيحة، استشاري أمراض القلب، قائلاً: عقار الترامادول من اخطر العقارات الطبية التي تصيب القلب بتقلصات في الشرايين قد تؤدي في النهاية الي "جلطة"، لافتاً إلي أن تناوله بشكل يومي يتسبب أيضاً في بطئ ضربات القلب بما يؤدي للوفاة. وأكد الدكتور شوقي السيد الفقيه القانوني أن بيع الأدوية المخدرة خارج الصيدليات يعد بمقتضي القانون "اتجار في المخدرات"، ويعاقب عليه القانون ، وتصل عقوبته في بعض الاحيان إلي الإعدام، موضحاً إنه اذا تم القاء القبض علي المستهلك أثناء شراءه المخدرات، تتم محاسبته كمتعاطي للمخدرات. وأوضح فهمي النديم رئيس مركز النديم لحقوق الإنسان أن مؤسسات المجتمع المدني شريك حقيقي للمؤسسات الحكومية في تكوين الوعي الشعبي، والدفاع عن حق المواطن المصري، مشدداً علي أهمية تكاتف مؤسسات المجتمع مع وزارة الصحة للقضاء علي هذه الظواهر السلبية، خاصة أن إمكانتها في محاربة هذه الظاهرة محدودة للغاية. النديم تهكم، قائلاً : الخطوط الساخنة التي تعلن عنها الحكومة باستمرار لمكافحة الأدمان " معطلة" ، فضلاً عن غياب التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الحكومية في مكافحة الظاهرة، وهو ما يشكل عائقاً في القضاء علي هذه الظاهرة. وطالب النديم بضرورة إطلاع الحكومة علي أحدث النماذج التي اتبعها الغرب في سبيل مكافحة الإدمان، والقضاء عليه، مطالباً مؤسسات المجتمع المدني بتفعيل دورها في العلاج النفسي للمدمنين.