لا تأتى الرغبة في التغيير بين يوم وليلة؛ بل تظل تكبر بمرور الأيام حتى تسيطر على الإنسان وتصبح طوق النجاة بالنسبة له؛ يغذيها دائماً الألم الذي يعيشه كل يوم في استمراره في وضعه القديم، كما تغذيها مشاعر سلبية تتملكه؛ فهو واقع لا محالة تحت تأثير الاحساس بالعجز والقهر، وعدم وضوح الرؤية، وأن تضحياته وحياته الماضية ذهبت دون جدوى، ولمن لا يستحق .. ومتى وَصَلَتْ لمرحلة ضرورة التغيير وأنه الحل الوحيد، يجب عليك التنفيذ الفوري وليس التأجيل، شريطة أن تكون استنفذت كل الوسائل الأخرى؛ من اختبار نفسك وتمرينها على الوضع الجديد، وتقبل الخسائر، والتخلي عن المميزات في وضعك الحالي، وإعطاء فرصة للشريك أو الشركاء لإثبات رغبتهم في التوقف عن إيذاءك بالفعل وليس بالكلمات، وأنك أعطيت هؤلاء الشركاء فرصهم ليتغيروا معك، لكنهم استنفذوا فرصهم في التغير دون جدوى . تجنب في هذه المرحلة تغليب العواطف التي تسبب لك التردد عندما تحن لمزايا الوضع القائم، وتتذكر مثلًا أنه كان لك في المكان المزمع تركه أصدقاء وذكريات جميلة، أكد لنفسك عندها أنك لن تفقدهم بل أنك قادر على تكوين صداقات جديدة أيضاً في مكانك الجديد، إلى جانب تمسكك بالحفاظ على كرامتك وسلامك النفسي وهما الأهم في تلك الفترة، وتجنب خداع النفس بصعوبة التغيير، وبأنك اعتدت هذا الوضع سنين، وألفته، وأن الآتى مجهول لا نعرفه، فلا يعتاد إنسان طبيعي هدر كرامته والانتقاص من قدره أو أن يظل يعطى بلا نهاية والطرف الأخر يستمرء ذلك ولا يقدره، بل أن ذلك الطرف مستمر معه بشروطه وتعنته إلى أن يجد وضعا أكثر فائدة بالنسبة له، وعندئذ سيتركه هو يعانى . لا تجعل تلك المرحلة الرمادية تطول؛ فهي مرحلة الألم والارتباك الكبرى؛ فلا تعرف فيها لمن تكون انتماءاتك للمكان القديم أم الجديد، للشخص أو الجماعة التي كنت تنتمي إليها يوماً أم لهؤلاء الذين احتضنوك وأيدوا موقفك ووقفوا معك ..؟ احسم موقفك، فأنت بذلك تقلل الخسائر قدر الامكان، وأعلم أن الله سيبعث لك من يعينك؛ ستجد عائلتك أكثر رقة وعطاء مما اعتدت، وستجد أصدقاء وزملاء ومعارف يقفون بجانبك، وآخرون يحبونك ويتمنون لك السعادة يتابعونك من بعيد خوفاً من التأثير عليك في موقف يجب أن تجتازه بنفسك، ولكنهم لن يظلوا معك إلى الأبد إذا لمسوا عدم قدرتك على اتخاذ قرار، وستسقط من نظرهم إذا عدت لتقبل الهوان بعد أن لاحت لك سبل التحرر منه، وتذكر حديث الملائكة للضعفاء الذين ارتضوا الذل والظلم والهوان حينما حانت لحظة النهاية، والملائكة باسطو أيديهم ليقبضوا أرواحهم ، والضعفاء يعتذرون منهم أنهم لم يقدروا أن يكونوا أفضل لأنه كان هناك من يستغلهم، والملائكة يرفضون الاعتراف بعدم قدرتهم على التغيير، بل ويستفسرون منهم ببساطة : ألم تكن أرض الله واسعة لتهاجروا إليها وتتركوا هؤلاء المتجبرين ..؟ ولم يقبلوا عذرهم بأنهم كانوا مستضعفين في الأرض .. فما بالك وأنت لست ضعيفا والله معك إذا اخترت أن تكون أفضل ...