تغيير طقس طبخ «زيت الميرون» المستقر منذ قرون قسّم الكنيسة إلى فريقين زيارة الكنيسة اللوثرية التى تسمح بزواج الشواذ وتعترف بكهنوت المرأة التوسع فى أسباب الطلاق تسبب فى أزمة داخل المجمع المقدس الذى اعتبر المناقشة تصويتًا على آيات الإنجيل زيارة القدس فتحت الباب أمام زيارة قبر المسيح المحرمة منذ 1967 بملامح وديعة، لا تدل على ما اتضح من طبيعته الثورية فيما بعد، تقلد البابا تواضروس الثانى الكرسى المرقسى، كبطريرك للأرثوذوكس الأقباط، منذ أكثر من ثلاث سنوات، خلفًا للبابا شنودة الثالث، الذى جلس على كرسى الكرازة المرقسية لأربعة عقود كاملة، كانت كفيلة لتأهيل الأقباط لعدم تقبل أى نمط يخرج عن أسلوب البابا المحبوب، الراحل، إلا أن البابا الحالى، تواضروس كان صادمًا باختلافه، حادًا بثوريته، تقدميًا بجرأته على السائد قبله. البابا تواضروس الثانى ألقى على الساحة القبطية أربع قنابل مدوية عصفت بكل استقرار نشده الأقباط فى بطريركهم الجديد، فساحة الكنيسة أصبحت عاصفة بحروب من المناقشات والمحاورات الجدلية، دمرت كل استقرار حول الكرسى المرقسى، كما عهده الأقباط فى سلفه البابا شنودة الثالث.. «الصباح» رصدت القنابل الأربع التى ألقاها تواضروس خلال الثلاث سنوات الماضية. أولى القنابل التى ألقاها تواضروس فى بداية توليه سدة الكرسى المرقسى هو تغيير طقس طبخ زيت الميرون الذى سارت عليه الكنيسة المرقسية لقرون عديدة، القنبلة قسّمت الكنيسة إلى فريقين، الأول المحافظين والثانى الإصلاحيين التابعين للبابا، الفريق المحافظ أخذ على عاتقه أنه لن يفرط فى الموروثات مهما حدث حتى ولو اصطدم بالبابا نفسه، والفريق الثانى يرى أن البابا بدأ طريق الإصلاح فى الكنيسة، وأنه سيحدث فرقًا كبيرًا فى الثورة على الموروثات التى تخرج عن تفاصيل العقيدة، وأصبح هذا الفريق من المساندين والداعمين للبابا فى أول خطوة له، وفى الآتى من خطوات. البعض رأى أنها بداية غير موفقة للبابا فى العصف بموروث مهم من كنيسة آبائية تسير على التقليد الذى تركه الآباء الأوائل، القنبلة الأولى جعلت بعض أعضاء المجمع المقدس يتخذون الكثير من الخطوات للدفاع عن موقفهم الذى تبنوه، وفضل معارضو طريقة البابا تدبر الأمور حتى تظهر طريقة للمواجهة، وقام بعضهم بتحفيز الشباب لتكوين حركات وائتلافات تخدم ما يدافع عنه حتى يُحدث توازنًا مع المساندات الشعبية للقرارات التى يمكن أن يصل إليها هو وفريقه. ويقف فريق ثالث من داخل المجمع يمثله أسقف تثار حوله العديد من علامات الاستفهام، ومتهم بأنه يلعب لصالحه فقط، ومن الممكن أن يشعل النار بين المحافظين والبابا، فيظهر مدافعًا عن البابا، وفى نفس يبدو داعمًا للفريق الآخر، ويطوع الأمور حسب مصلحته مستخدمًا مجموعة من الإمكانيات التى بين يديه، من وسائل إعلامية. وفى السياق يقول مصدر كنسى ل«الصباح»: «الأسقف يكوّن لوبيًا داخل الكنيسة لا يهمها إلا مصلحته فقط، ويسخر كل شىء من أجل أن يستمر هو فى مكانته وإمبراطوريته التى بناها داخل جدران الكنيسة، فمن تسريب صور ومعلومات من الاجتماعات السرية للمجمع المقدس لبعض الأشخاص لنشرها على وسائل التواصل الاجتماعى، إلى تسخين أى أحداث تمر بها الكنيسة، خاصة مشكلة دير وادى الريان، والسيدة التى عارضت البابا فى عظته فطردها من الاجتماع، وتواضروس يسعى دائمًا وراء مستشارين من الذين لا يرتبطون بالتراث الأرثوذكسى ارتباطًا كبيرًا، وهم الذين يدفعونه إلى مخالفته بحجة التحديث». الكنيسة اللوثرية القنبلة الثانية لتواضروس، تمثلت فى زيارته للكنيسة اللوثرية بالسويد، هذه الكنيسة التى تسمح بزواج الشواذ، وتعترف بكهنوت المرأة، وهو ما يخالف الكنيسة الأرثوذكسية منذ حبرية البابا شنودة الثالث، وحاول تواضروس إقناع الأقباط بحجج لتبرير الزيارة، لكنهم رأوها واهية، وتعرض البابا لنقد شديد من كل الأوساط القبطية، فى حين أن البابا يرى أن ما يفعله أشياء عادية لا يقبلها منغلقو القلوب والعقول، بينما يرى هؤلاء أن ما يقوم به البابا يمثل خروجًا على العقيدة واعترافًا بما حرمه الكتاب المقدس. البابا تواضروس يرى أن الحوار مع الطوائف والكنائس الأخرى يأتى بالذهاب إليهم، لكى يحقق حلمه فى وحدة الكنيسة على مستوى العالم، بينما يرى بعض نشطاء الأقباط أن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية من أعرق وأقدم الكنائس فى العالم، وأن إيمانها هو الإيمان القويم، ومن يريد الانضمام إليها فليطلب هو، وأن الذهاب إلى الطوائف يمثل إحراجًا للكنيسة الأرثوذكسية وتصغيرًا من مقامها الكبير. وفى ذلك يقول أشرف جرجس، ناشط قبطى، إن ذهاب البابا إلى الكنيسة اللوثرية والصلاة هناك ستظل نقطة سوداء فى حياته تتبعه أينما ذهب، ولا يمكن أن تكون وحدة الكنائس بهذه الطريقة المهينة، بالتخلى عن الثوابت الأرثوذكسية. الأحوال الشخصية المعضلة الكبرى التى تؤرق الكنيسة منذ عهد البابا شنودة هى مشكلة الطلاق والزواج الثانى، وقاوم البابا شنودة كل الدعاوى التى وجهت له كى يسمح بالطلاق والزواج الثانى، واعتبرها خروجًا على تعاليم الإنجيل، لكن جاء خليفته بغير ما سار عليه، وأراد حل المشكلة حلًا نهائيًا عن طريق التوسع فى أسباب الطلاق، لكنه اصطدم بكثير من العقبات فى الطريق من أساقفة فى المجمع المقدس، ومجموعات قبطية، وتوصلوا إلى أن يتم التصويت من قبل المجمع المقدس على المواد التى تؤدى إلى الطلاق، لكن كثيرًا من أعضاء المجمع رفضوا فكرة التصويت واعتبروه تصويتًا على آيات الإنجيل ووصايا المسيح، وانتفض المجمع ضد البابا وعانى من الانقسام، وتم إلغاء السيمنار الذى كان سيتم فيه مناقشة لائحة المجمع المقدس فى الشهر الماضى، البابا تواضروس الذى بادر بتوزيع الوعود بحل مشكلة الأحوال الشخصية لأصحابها، فشل فى فرض الحل لأن الكثيرين رأوا أنه يخالف تعاليم الإنجيل، فانقسم الأقباط إلى فريق مع البابا لحل أغلبهم من أصحاب مشكلة الطلاق، وفريق آخر يرفض الحلول المستحدثة لأنها تخالف تعاليم العقيدة. ويقول مجدى ناشد «إكليريكى بالإسكندرية»: «الحقيقة أن البابا تواضروس يسعى لحل جميع المشاكل، ويرى مع آباء المجمع المقدس أعضاء تتألم فيريد أن يعالجهم ويحل مشاكلهم، لكن تبقى الوصية المقدسة قائمة أمام الجميع، والنص الكتابى واضح وصريح لا ينبغى أن نلوى عنقه إنه لا طلاق إلا لعله الزنا، ولا أرى على الإطلاق أى انقسام لأن كلمه فريقين تعنى تقسيم الأقباط بأعدادهم الغفيرة إلى نصف لا يعانى مشاكل أحوال شخصية ونصف آخر يعانى، وهذا غير صحيح، لأن عددًا قليلًا هو من يعانى من مشكلة الطلاق، وأعتقد أن الروح القدس سيرشد البابا والمجمع لحل هذه المشاكل دون المساس بالعقيدة السليمة ودون المساس بالنص المقدس، بأنه لا طلاق إلا لعلة الزنا».
زيارة القدس القنبلة الأخيرة التى ألقاها البابا تواضروس مست المجتمع ككل، وليست الكنيسة فقط، وهو زيارة القدس فى الأسبوع قبل الماضى، للصلاة على الأنبا أبراهام مطران القدس والشرق الأوسط، الزيارة التى لاقت جدلًا واسعًا فى الأوساط المحلية والعالمية، حيث أثارت انقسامًا كبيرًا بين مؤيد ومعارض لها، ومهما لاقت الزيارة من نقد أو تأييد لكنها ستترك شرخًا عميقًا فى المستقبل، وستستخدم ضد البابا والكنيسة فى أى محاورة كلامية، البابا أقدم على الزيارة بعدما منع شعبه من زيارة القدس، واعتبر أن زيارته لتأدية واجب العزاء فى الرجل الثانى للكنيسة، بينما تهدف زيارة الأقباط إلى القدس زيارة الأماكن المقدسة، زيارة البابا ستفتح أمام الأقباط الأبواب لزيارة قبر المسيح، وهى التى كانت محرمة عليهم قبل ذلك بقرار كنسى منذ نكسة 1967، وستكون حجة الزائرين أن البابا نفسه زار القدس وأقام قداسًا فى كنيسة القيامة، واستعدت شركات السياحة للدعاية المكبرة لزيارة المسيحيين القدس هذا العام، الذى سيشهد دخول أكبر عدد من الأقباط إلى القدس، مستغلين سفر البابا. يقول ميخائيل نجيب، وهو قبطى يتمنى زيارة القدس العام المقبل «الآن لا حجة لمن يمنعنا من الزيارة فى فرض عقوبات علينا أو منعنا أو حرماننا إذا زرنا الأماكن المقدسة، والبابا لم يخطئ لكنه صحح خطأ قديمًا اتخذ فى لحظة لا تتناسب مع الوقت الحالى». لكن القس سيلا عبد النور كاهن أرثوذكسى، يقارن زيارة البابا بزيارة مبارك الذى حضر جنازة رابين، ولم يعترض أحد، فلماذا يعترضون الآن على البابا لأنه سافر لحضور جنازة الأنبا أبراهام، أيهما أولى وأقرب للسفر من أجل حضور جنازته رابين أم الأنبا أبراهام؟!».