*«سيد».. المرشد السياحى يتسول فى الدقى *«إيهاب».. جنرال الشحاذين فى الصف نصادفهم كثيرًا فى طريقنا، هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يتمتعون بحياة طبيعية وينخرطون ضمن مستويات اجتماعية وعلمية ذات ثقل، وفجأة أصبحوا هائمين على وجوههم فى الشوارع وتحولوا إلى شحاذين أو متسولين، ووراء كل منهم حكاية وقصة لافتة، وبين المهندس المعمارى المرموق، والقيادة العسكرية السابقة، والمرشد السياحى الذى صار متسولًا، تدور تفاصيل قصص «مجاذيب الشوارع». «إيهاب».. جنرال الشحاذين فى الصف على الرصيف المجاور لمستشفى الصف المركزى التابع لمحافظة الجيزة، يجلس إيهاب محمد، رجل خمسينى بملابس رثة ووجهه متسخ وجسد يغطيه التراب، على أرضية رصيف متهالك، ويحيط به غطاء متسخ والزجاجات فارغة. عندما تراه للوهلة الأولى تعتقد أنه شحاذ أو متسول قاده الزمن لهذا الحال، وسريعًا ما قد يستعطفك مشهده المحزن لتنصرف بعد ذلك، غير أن المفاجأة تتمثل فى أن هذا المتسول كان فى الماضى صاحب رتبة عسكرية. قصة طويلة أوصلت «جنرال الشحاذين» إلى موقعه على الرصيف، وعندما تحدثنا معه رد بكلمات غير مفهومه، ليتبعها بالنطق بأكثر من لغة منها الإنجليزية والفرنسية، ونحن نتبادل معه أطراف الحديث كان معظم كلامه بطريقة الأمر المتبعة داخل الجيش، وحديثه الذى لا يتوقف عن بطولاته فى حياته العسكرية، ليتبعها بحديث وثرثرة مبهمة غير واضحة. أحمد عبدالتواب، أحد أبناء الصف يعرف إيهاب قائلًا: «اللى قدامكم ده كان لواءً فى الجيش»، ومضيفًا «تزوج من زوجة ألمانية، وكان مثقفًا إلى أبعد الحدود ويتحدث أكثر من لغة بطلاقة، وبالرغم من هيئته القبيحة وجسده المغطى بالتراب إلا أنه يحب النظافة ويستحم كثيرًا، إلا أنه سرعان ما يجلس فى الشارع ليغطى جسده بالأتربة ثانية، وكل أهالى الصف يعلمون قصته جيدًا، فهو هنا فى المنطقة منذ أكثر من 5 سنوات، ويتعامل معه الأهالى هنا وكأنه واحد منهم، وحدثت له عدة مشكلات قادته إلى دخول السجن ومكث فيه لفترة، وبعد أن خرج من الحبس فقد عقله، فتحول من اللواء إيهاب إلى إيهاب الشحاذ. أحمد عبدالودود شاهد آخر من الذين يعطفون على الجنرال إيهاب يقول: «أهله يأتون من وقت لآخر لرؤيته والاطمئنان عليه، ويعطون الأهالى مبالغ مالية لينفقون بها عليه فى طعامه وشرابه». وتابع عبد الودود، «عم إيهاب يستيقظ مبكرًا ليقوم بطابور الصباح والتمرينات الرياضية كما لو كان فى الجيش، ودائما ما يحدث الناس بلهجة عنيفة، وأسلوب الأمر، ودائمًا يردد كلمات مثل «انتباه يا عسكرى وللأمام مارش وثابت». «سيد».. مرشد سياحى بدرجة متسول المرشد السياحى سيد، هو ساكن الرصيف المجاور لحزب الوفد بحى الدقى التابع لمحافظة الجيزة، لكنه وللغرابة يتسول ليشترى الخمور التى أدمنها. سيد، شاب ثلاثينى، لم يكن مثل باقى الشحاذين فى هيئته، حيث كان نظيف الشكل والملابس ويجلس على أحد الأرصفة يمد يده للمارة لمساعدته، وعندما يحاول المارة الاقتراب منه ليتحدثوا معه تجده يرد على الحديث بأكثر من لغة، ويبدو عليه أنه غير واعٍ لما يحدث حوله، أو أنه واقع تحت تأثير مخدر ما. حاول «محررا الصباح» التحدث مع سيد، لكنه لم ينطق كلامًا مفهومًا، بينما أكد أهالى المنطقة أنه كان يعيش حياة مرفهة فى مستوى اجتماعى عالٍ. محمد أحمد، أحد السكان بالمنطقة، يقول: إنه يعرف سيد جيدًا إذ كان يعمل بالإرشاد السياحى وصاحب خبرة جيدة، ويتحدث سبع لغات مختلفة، كما أكد أنه كان من أسرة ثرية لكن حدثت خلافات بينه وبين أشقائه على الميراث». وأضاف أحمد، رفض أشقاء سيد تمكينه من ميراثه لأنه كان مدمنًا للخمور، فخافوا أن يضيع ميراثه فى شراء الكحوليات، ومنذ ذلك الوقت خرج من منزله وسكن شوارع الدقى، واستغل سفر شقيقه إلى إسبانيا وباع كل شيء فى منزله، ومنذ عام عاد شقيقه من سفره وحاول نقله إلى مصحة لعلاج المدمنين، ورغم تعافيه فقد قرر سيد العودة إلى الشارع مرة ثانية. سامح المهندس.. درويش القليوبية «سامح» قصة ثالثة من قرية كفر الجزار بمحافظة القليوبية، رجل ثلاثينى، جسده مغطى بالأتربة، لكن من طريقته وأسلوبه تستطيع أن تعرف أنه شخص متعلم لكنه رفض تمامًا محاولات «محرري الصباح» للحديث معه. على محمود، أحد سكان المنطقة التى يتواجد بها سامح بشكل شبه دائم فى القليوبية، أكد أن سامح، كان مهندسًا متفوقًا جدًا ومن أوائل دفعته لكنه تحول إلى متسول بسبب ظلم تعرض له بالجامعة، وكان من المفترض أن يعين معيدًا، لكنه تم تعيين شخص آخر أقل منه فى التقدير. أمينة، إحدى سيدات المنطقة، تعرف سامح جيدًا وتعطف عليه ماديًا وتقول «سامح خريج سنة 2005 كان الأول على دفعته، وهو ابن لأسرة متوسطة وبسبب ظلم الجامعة حدث له صدمة نفسية ولم يعد إلى منزله مرة أخرى. «علاء».. مثقف رمسيس من سامح إلى علاء حيث قصص الدراويش التى لا تنتهى، فبالمرور فى ميدان رمسيس سيلفت انتباهك أحد الأشخاص، الذى يجلس على كرسى ويمسك بين يديه المتسختين جريدة يتصفحها بإمعان كمثقف، نال قسطًا كبيرًا من العلم، هيئته وملابسه المتسخة وجسده الذى يغطيه التراب لا يدل على أى شيء سوى أنه متسول، لكن حديث قصير معه يكشف ثقافته وقراءته للكثير من الكتب، وتحول بسبب ظروف أسرية من إنسان مثقف مرموق إلى متسول فى الشارع، بحسب قول بعض أصحاب المحال القريبة من ميدان رمسيس.