*حذرت رئيس الهيئة الهندسية من المشروع.. ونقل الوزارات لن يحل أزمة القاهرة *مخطط للاستيلاء على قصور «وسط البلد».. وإنشاء 40 ألف غرفة فندقية ليس مفهومًا *الموقع يعانى «ندرة المياه».. والمشروع من أفكار نظام مبارك ممدوح حمزة مهندس مشاغب فى السياسة، ولا يكف يومًا عن إحداث صدمات فى الثابت والمعروف، ولأن هذه عادته، هاجم مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ووصفه ب«المهزلة»، مؤكدًا أنه مجرد مشروع استثمارى عقارى للأجانب فى مصر، وليس له أى علاقة بالعدالة الاجتماعية، لكنه تقليد أعمى لمدينة دبى الإماراتية. وكشف حمزة فى حواره مع «الصباح» أنه اعترض على المشروع أمام رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وأكد له أن ندرة الماء أول سبب يمنع التفكير فى إنشاء تلك المدينة، كما أن نقل الوزارات خارج القاهرة لتخفيف الاختناق المرورى حجة واهية، وهى لتبرير مخطط شيطانى لطمس معالم مصر وشوارعها، من قبل نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذى يعود من الباب الخلفى بنفس مخططاته ولكن منزوع الفساد. ما رأيك فى مشروع العاصمة الجديدة؟ - أنتقد وبشدة وبدون مواربة أو «لف ودوران» هذا المشروع وأرفضه شكلًا ومضمونًا، لأنه لا توجد دواع أمنية أو استراتيجية أو لوجستية له، ولست وحدى المعترض، إذ إن حسين صبّور -وهو مطور عقارى كبير- اعترض عليه، وكذلك أسامة الغزالى يتحفظ عليه، وقابلت شبابًا كثيرين يستهزئون من الفكرة. هل اطلعت على شرح وافٍ للمشروع قبل إصدار حكمك؟ - شاهدت شرح الدكتور مصطفى مدبولى، وزير الإسكان، للمشروع على موقع «يوتيوب»، وأعتقد أن الشرح كان جيدًا إلى حد ما، والبيانات موجودة وأى تقديم غير الذى قدمه الوزير فى المؤتمر يعتبر عرضًا غير مكتمل، هو يتحدث عن 700 كيلو متر مربع، بما يعنى لو فرضنا أن الأرض مربعة فعرضها سيكون 10 كيلو مترات وطولها 70 كيلو مترًا، والوزير قال إن الجزء المستغل منها بخلاف بعض التضاريس الصعبة حوالى 450 كيلو مترًا مربعًا، والحديقة المزمع إنشاؤها أكبر من «هايد بارك» عشرات المرات، والمدينة فى حجم واشنطن مرتين أو ثلاث، وتماثل مانهاتن 11مرة، وبها مليون وحدة سكنية والمنطقة الحكومية ستكون على مسطح 100 ألف فدان، وسيتم نقل مجلس الشعب والحكومة والسفارات وتوجد منطقة للإبداع، كل هذا يوضح فى أذهان الناس أننا أمام مشروع ضخم جدًا، وهنا يحضرنى سؤال: هل كل السفارات أبدت موافقتها أو استعدادها للنقل، وهل الإبداع يحتاج لمكان محدد ليظهر؟ فى تصورى أن الإبداع يأتى فى البراح على البحر فى الصحراء فى الحمام، ولا يحتاج إلى مبنى، وهنا يحضرنى سؤال: ماذا لو لم يبدع من سيقطنون هذه المنطقة، هل سيصدر قرار بهدمها؟! أستشعر فى كلامك نبرة تشاؤمية حيال المشروع.. هل لديك رؤية مختلفة للتخطيط؟ - الوزير قال إن أحسن مخططين مصريين عملوا على هذا المشروع، وفى نفس الوقت قال محمد العبار، رئيس مجلس إدارة الشركة الإماراتية المسئولة عن العاصمة الجديدة، نحن من خطط ونحن من صمم وأيضًا نحن من نمّول، إذًا هناك تضارب، وعلى حد تصريحات العبار المصريون سيقومون بالبناء وبالاتفاق مع القوات المسلحة، وأنا أتساءل: هل هذا يعنى أن السواعد المصرية ستبنى ب«مخ» غيرها. لو تحدثنا عن الناحية الهندسية.. كيف ترى المشروع؟ - لو تحدثنا على الأرض من حيث المساحة لدينا 700 كيلو متر مربع، ما يتم استخدامه 450 كيلو، وأرض للتنمية العمرانية يسكن فيها 5 ملايين، سيكون بها 25 حيًا ب100 مجاورة، بها عشرة آلاف كيلو متر طرق داخلية، بها 250 للنقل العام، بها 100 كيلو جسورًا وأنفاقًا، بينما أنفاق قناة السويس حوالى 10 كيلو، وسيشيد 100 كيلو كبارى وأنفاقًا، يقول إنها ستوفر مليونًا وسبعمائة ألف وظيفة، «ولا أعرف كيف؟» أو بمعنى آخر الناس الموجودون فى هذه المدينة: ماذا سيعملون، ما الوظيفة التى سيكسبون منها أرزاقهم؟ خصوصًا أنها مدينة ليس لأهلها أن يحترفوا الزراعة أو الصناعة، وسيكون هناك 1900 مدرسة، وأيضًا مطارات و40 ألف غرفة فندقية، وهذا يدهشنى، و«نفسى أعرف اللى حيروح هناك حيشوف إيه!»، بمعنى نحن نذهب أسوان أو الأقصر لنشاهد الآثار، ونذهب لشرم الشيخ ومرسى علم للاستمتاع بالشاطىء، ومن يأتى للقاهرة يشاهد الأهرامات والكنائس والمساجد، ولكن ما الدافع لمن سيذهب للقاهرة الجديدة ؟ كنت أتمنى أن يرد وزير الإسكان على تساؤلى: ما الذى سيراه شاغل فنادق العاصمة الجديدة ؟ هل أبلغت جهات رسمية فى الدولة بأسباب رفضك للمشروع ؟ - سجلت اعتراضى لدى رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وقلت له الماء أول سبب يمنع التفكير فى تلك المدينة، لأن مدينة الشروق القريبة منها تعانى من نقص الماء، خاصة مع نقص المياه الجوفية. وهنا سؤال يفرض نفسه: الحدائق التى طولها كيلو مترات والتى تتجاوز الهايد بارك 11 مرة.. من أين سنأتى لها بالماء ونحن بلد دخل مرحلة فقر مائى؟ وليس من المنطق استغلال مخزون الماء للفرجة على الخضرة، ومن وجهة نظرى الفدان الذى لا يجلب «المم» جريمة فى حق الوطن، وأذكر أننا عندما أنشأنا الطريق الصحراوى زرعنا شجر الزيتون فى المنتصف، ليمنح لنا الغذاء، ولذلك هاجمت المسطحات الخضراء التى يشيدونها فى الشواطئ وملاعب الجولف والمسطحات الخضراء التى يزرعونها فى المناطق الصحراوية، لأن الفدان يستهلك 20 ألف متر مكعب ماء فى الصيف و17 ألف متر مكعب فى الشتاء، بما يعنى أن الفدان يعادل خمسة فدادين قمح. وماذا عن المليون ومائة ألف وحدة سكنية ؟ - إذا كان هناك تمويل أجنبى يجب أن يربح، والمليون ومائة ألف وحدة سكنية التى سيتم إنشاؤها بكم سيكون ثمن المتر المسطح وفق نظام الاستثمار الأجنبى، وبحسبة بسيطة، فإن المتر المسطح يقول لنا فى دراسة الجدوى ما هو ثمن بيعه عندما تتكلف المنطقة 45 مليارًا فى المرحلة الأولى، خذ على الأقل ربع هذا المبلغ واقسمه على عدد الوحدات السكنية يخرج لك ثمن الوحدة. وهل الموظفون الذين سيتم نقلهم للعاصمة الجديدة سيستهلكون وقودًا، وسيتسببون فى أزمة مرور، لو سكنوا المدينة هل سيستطيعون شراء هذه الشقق، خاصة أن سعرها سيجعلها من نصيب الأجانب، وهى تجربة موجودة بإمارة دبى، ولاحظ أن الرئيس أعلن قبل المؤتمر الاقتصادى ب12 ساعة قرار حق تملك الأجانب للأرض بغض النظر عن جنسيتهم، حيث إن هذا الموقع بين النيل والفرات سيكون له زبائن كثيرين من إسرائيل، لذا يجب أن نعلن بوضوح أننا نبنى مدينة للأجانب، وليس للمصريين. ولكن نقل الوزارات خارج القاهرة يفض اختناقها اليومى؟ - لا يوجد ما يثبت أن المصالح الحكومية هى سبب الأزمة المرورية، لأن القاهرة يحضر إليها ما بين 2-3 ملايين من خارجها ومن 50 ل60 ألفًا للمصالح الحكومية، وهذا الرقم بناء على دراسة قمت بها، لذا نقل المصالح لن يحل الأزمة، وأرى أن نقل الوزارات هى ما يمكن أن نسميه «محلل» لهذا المشروع الضخم، الذى اسمه استثمار عقارى لإنشاء مدينة أكبر من الرحاب ومن مدينتى، هذا مشروع استثمار عقارى فقط، ولو المسألة متعلقة بنقل المصالح يمكن أن نبنى 30 مقرًا للوزارات بجوار القطامية أو الطريق الدائرى وخلال سنتين فقط. ولكن هناك دول سبقتنا لهذا الحل.. ولسنا بدعًا؟ - هل يصح تاريخيًا أشطب تاريخى وعراقتى ومكان الحكومة الذى له أكثر من 160 عامًا فى جاردن سيتى والقاهرة الخديوية، من لم يكن له ماضٍ يشترى تاريخًا وماضيًا، ولا توجد دولة متقدمة نقلت عاصمتها، سوى 6 دول أشهرهم نيجيريا والبرازيل، وهى بلاد ليس لها عراقة، وليجرب شخص أن يقول بنقل لندن أو باريس سيقولون عنه مجنون، وليس من حق الحكومة أو رئيس الجمهورية أن يستأثر بنقل الحكومة من مقرها البالغ من العمر 160 عامًا، وإنما من الممكن نقل دواوين عام المحافظة والموظفين، أما الوزير بسكرتاريته ومستشاريه ومقر الوزارة ينقل من جاردن سيتى، ليه؟ هناك من يحاول تحطيم حضارتنا وعراقتنا، وأعلم أنهم بدأوا يغيرون فى القاهرة منذ قيامهم بتغيير التاكسى القديم الذى له فوق عن 71 سنة أسود، هذا تغيير لمعالم القاهرة. معنى كلامك أن هذه المليارات ستذهب لاستثمارات أيضًا.. ولن تذهب سدى؟ - لو أنا عندى لن أقول 45 مليارًا، إنما أربعة ونصف مليار، وأنا شخص مدبر أضعهم فى التعليم، فى التأهيل الفنى، فى صحة المواطن المصرى، أستثمرها فى البنية البشرية والعنصر الرئيسى فى العدالة الاجتماعية، لماذا أكبل نفسى بدين مقداره 45 مليارًا، نحن لا نملك وهناك من يمولنى، هل أستدين من أجل شقق وعقارات يأجرها الخواجات وأهدر المياه وأطمس معالم عاصمتى. من قال إن إنشاء مدينة جديدة يطمس معالم مدينة أخرى؟ - هناك من يسعى لذلك، لأنهم لا يمتلكون الحضارة والعراقة مثلنا، كم دولة لديها جامعة أهلية مثل فؤاد الأول، كم دولة لديها مطابع أميرية منذ 180 عامًا وحكومة من أيام نوبار باشا منذ 160 سنة، كم دولة لديها مدرسة هندسة خانة منذ 1818 قبل المعهد البريطانى للهندسة البريطانية، يريدون طمس القاهرة، وحكاية العاصمة الجديدة ليست جديدة، فهذا الكلام كان موجودًا فى برنامج تخطيط القاهرة 2050 الذى عرضه مصطفى مدبولى -الوزير الحالى ورئيس هيئة التخطيط العمرانى حينئذ- فى إحدى المحاضرات بشارع رمسيس فى 23 يناير 2011، أى قبل الثورة بيومين وهو من أعطى المحاضرة، وكان رئيس الجلسة صلاح جابر، وأنا كنت جالسًا ضمن المشاهدين، ورفعت يدى أطلب الكلمة، وقلت له هذا تخطيط شيطانى لطمس معالم مصر وشوارعها، والآن يعود لنا من الباب الخلفى للأسف نظام مبارك مرة أخرى بنفس مخططاته، ولكن منزوع الفساد. ماذا تقصد بمنزوع الفساد؟ - أنا لا أرى فى هذا المشروع فسادًا، ولكن أرى غباءً، هذا المخطط وهذه الطريقة التى يسمونها دلع العاصمة الجديدة مشروع عقارى استثمارى للأجانب فى مصر، كل ما يريدونه تكرار وإعادة إنتاج مدينة دبى جديدة، وأنا أقول ما شأننا نحن ودبى، دبى أنشئت للعالم لمن يريد وحدات ويتملكها وغيرها.. وأعتقد أن مشروع شراء عقارات نصف البلد يعود من جديد وهناك من «يضع عينه» على القصور فى القاهرة الخديوية، التى هى مقار للوزارات الحالية أو مبنى كمجلس الشعب أو الأوقاف أو المشيخة أو وزارة التربية والتعليم. إذن أنت لا ترى فى هذا المشروع ميزة ؟ - هذا المشروع مهزلة، وليس له أى ميزة، وأرجو أن تسألوا وزير الإسكان عن كمية المياه المطلوبة: من أين سيأتى بها وبكم، وعن مصادر الرزق التى سوف يعيش منها قاطنو هذه المدينة؟ وهى مدينة صخب وملاهٍ ليلية وفسح.. هذا ليس للمصريين، هم يشيدون دبى للأجانب، أقول ما يمليه على ضميرى وليس لى مأرب أو مصلحة شخصية. على المستوى السياسى.. كيف رأيت المؤتمر؟ - المؤتمر حقق نجاحًا كبيرًا على المستوى السياسى، وأنا كمصرى فخور بهذا الحشد العظيم، ولأول مرة يشعر الشعب المصرى أن العالم يهتم به لأول مرة منذ أيام مبارك وحكمه، ولأول مرة نصبح رقمًا يعتد به فى المعادلة الدولية، وبالتوازى تولّد لدى الشعب المصرى همة ونشاط وإحساس بلم الشمل، والكل متحفز للعمل ويكفى كلمة الرئيس وما أحدثته من تأثير إيجابى فى النفوس، وأيضًا تلك الصورة التى نسجت خيطًا من الانسجام بين الرئيس والشباب، ويكفى أن بعد كلمة الرئيس ونجاح المؤتمر دخلت جماعة الإخوان غرفة الإنعاش، وفى تصورى أن دعوة الرئيس لانعقاد المؤتمر كل سنة وبهذه الطريقة هو بهذا ينافس دافوس للدول الغنية، ويعمل شرم الشيخ المنافس والموازى لدافوس للدول النامية. وما المآخذ التى تحفظت عليها؟ - الحكومة لم تنظم هذا المؤتمر، وهناك شركتان نظمتا المؤتمر حصلتا على 70 مليون جنيه، هما «لازار» وشركة ألمانية أخرى، ودفعت الإمارات منها 67 مليونًا، والباقى ساهمت به السعودية، لذلك الإمارات ستبنى لنا العاصمة وسيمنز الألمانية ستعمل لنا الكهرباء وأيضًا الشركة الإيطالية ومع جنرال إليكتريك، وما لفت انتباهى أنه لم يتم توقيع القطار السريع مع الصين أو المحطة النووية مع الروس، وهو ما يعطى دلالة على أن الاتجاه الحالى للدولة تجاه أمريكا والغرب وليس الشرق، كما يزعم البعض أو كما أوهمنا الإعلام، والمهم والأهم أين دراسة الجدوى لهذا المشروع، التى خرج منها رقم 45 مليارًا، وربما تكون الحسنة الوحيدة لهذا المؤتمر أننا لم نر تصدر رجال أعمال مبارك المشهد من جديد، لذلك تصدر السياسيين كان جيدًا.