*عامل بأحد مصانع الحلويات: شيكارة البودرة لا تتجاوز 30 جنيهًا.. وجوال الدقيق ب100 جنيه *البودرة المستخدمة فى صناعة الحلوى «مجهولة المصدر» ومخصصة لتصنيع البلاط!
كارثة صحية جديدة تهدد أمن صحة المصريين، هى حلقة من حملات «الصباح» الأسبوعية لكشف معاقل الفساد والإهمال فى مختلف القطاعات، وهذه المرة صادف الموضوع الذى نحن بصدد كشفه هذا الأسبوع، وهو مصنع فى طنطا ينتج «حلاوة المولد» من بودرة مسرطنة، موسم المولد النبوى الشريف، الذى يتجاوز حجم شراء المصريين فيه من حلوى المولد حاجز ال 10 مليارات جنيه. المصنع الذى يعمل فى إنتاج «حلوى المولد» بدون ترخيص يقوم بإنتاج أنواع الحلويات المختلفة من بودرة مجهولة المصدر بديلا للدقيق، وبيعها فى مختلف المناطق بالقاهرة والمحافظات. البداية، جاءت عبر اتصال من أحد المصادر ب «الصباح» يفيد وجود مصنع كبير فى محافظة الغربية، ينتج الحلويات بواسطة «بودرة» مجهولة المصدر يتم استخدامها بشكل مباشر بديلا للدقيق فى كل مراحل الإنتاج، كما أفاد المصدر أن هذا المصنع يقوم ببيع الذى يتجاوز 10 أطنان يوميًا فى مختلف مناطق الجمهورية، ويتركز إنتاجه فى محافظة الغربية وينتشر فى كبرى متاجر القاهرة والجيزة، خاصة خلال الموسم الحالى. وداهمت مباحث التموين المصنع أثناء عملية الإنتاج، والتحفظ على 20 شيكارة «بودرة» مدون عليها تاريخ إنتاج وانتهاء صلاحية بواسطة استيكر يسهل نزعه بالمخالفة للقانون رقم 281 لسنة 94 وتم تحريز الكمية المضبوطة ووقع المسئول على إقرار بذلك، ومن ثم إحالة المحضر إلى النيابة لاتخاذ القرار اللازم. وتحرر محضر بالواقعة يحمل رقم 21776 جنح ثان طنطا، وكشفت تفاصيل المحضر الذى أشرفت أجهزة التفتيش بوزارة التموين وجهاز حماية المستهلك، عن أن المصنع يستخدم بودرة بيضاء مجهولة المصدر كمادة لإنتاج الحلويات بدلا من الدقيق. مصادر بوزارة الصحة قالت ل«الصباح»، إن أغلب تلك المواد لم يتم التعرف على مصدرها، لكنه غالبًا تثبت التحاليل بأنها بودرة مكوناتها إما من مواد مكسبات طعم منتهية الصلاحية وتسبب الوفاة، وإما بودرة سيراميك أو بلاط وأحجار مختلفة، تدخل فى صناعة العديد من المواد الغذائية بالمخالفة للقانون والضمير الإنسانى. «من حلويات المولد إلى مستحضرات التجميل.. يا قلبى لا تحزن».. كان هذا تعبير مسئول كبير فى جهة رقابية أكد أن البودرة التى تم ضبطها هى شبيهة ببودرة ضبطت منذ عدة أشهر فى مصنع بنفس المحافظة «الغربية» لإنتاج مستحضرات التجميل بدون ترخيص يستخدم مواد غير مطابقة للمواصفات القياسية، وحينها تم ضبط عشرات الجوالات من البودرة وبتحليلها تبين أنها مواد كيماوية غير مصرح باستخدامها فى منتجات الأطعمة، خاصة أنها تستخدم بنسب معينة فى منتجات مواد البناء والمنتجات الكيماوية الأخرى. وأوضح المصدر أن هناك تقصيرًا تامًا من الجهات الرقابية فى مختلف مناطق الجمهورية، موضحًا أن أغلب تلك المصانع تعمل بدون أى تراخيص، ويتجاوز حجم الضرر عليها ليسبب الوفاة للإنسان. ولم تنته الكارثة بضبط هذا المصنع بل يتجاوز ذلك لأبعد الحدود، حيث كشفت جولة ميدانية قامت بها «الصباح» فى شوارع مدينة طنطا عن وجود عشرات بل مئات المصانع الصغيرة التى يطلق عليها «بير سلم» والغير مرخصة لإنتاج الحلوى بل يصل الأمر أحيانًا إلى وجود بعد الماكينات وخطوط الإنتاج فى الشارع نفسه. «محمد. ع» صاحب مصنع صغير يقوم بإنتاج حلويات المولد الصلبة وبعض المكسرات، يقول، ننتظر جميعًا هذا الموسم كل عام لما فيه من رزق لأكثر من 4 بيوت مفتوحة، حيث تتم عملية الإنتاج من خلال الدقيق وبعض المكونات الأخرى الذى رفض الكشف عنها. « هانى. م» فنى بأحد المصانع التى تقوم بإنتاج الحلوى بمدينة طنطا، قال إن العديد من المصانع بالمنطقة يقوم أصحابها باستخدام بودرة مضرة جدًا يتم جلبها من مصادر مجهولة بالقاهرة، من أجل تصنيع الحلوى بها بدلا من الدقيق، وبعض المصانع تستخدم بودرة سيراميك بيضاء. وأوضح بأن شيكارة البودرة لا يتجاوز سعرها 30 جنيهًا، فى حين جوال الدقيق يتجاوز 100 جنيه، وهذا أفضل للعديد من أصحاب المصانع بالمنطقة فى ظل غياب الرقابة بشكل كبير. ويقول «عامر. ح» فنى بأحد مصانع الحلوى الصغيرة فى الغربية، تقوم بإنتاج عروسة المولد، إن مراحل الإنتاج تبدأ بوضع كميات كبيرة من السكر فى إناء كبير على درجة حرارة عالية والاستمرار فى تقليبها لمدة 10 دقائق حتى يتحول إلى مادة لزجة يقوم بصبها فى قوالب خشبية على هيئة عروسة، وإغلاقها وربطها جيدًا بحبل من القماش وينتظر حوالى 15 دقيقة حتى تجف وتخرج العروسة فى صورتها النهائية، استعدادًا لتزينها بأشرطة كرتونية تخرجها بشكل مبهج. ويتراوح إنتاج هذا المصنع يوميًا خلال أيام الموسم من 100 إلى 150 عروسة، كما تتراوح الأسعار ما بين 5 جنيهات إلى 20 جنيهًا حسب حجم العروسة والمنطقة التى يتم فيها البيع. من جهته، كشف محمود المصرى، رئيس جمعية حماية المستهلك بالغربية، ل«الصباح» عن أن الواقعة حقيقية 100%، منوهًا إلى قيامه أيضًا بجولة رقابية بالمنطقة، بعد تلقيه للعديد من الشكاوى من المواطنين، وأن تصنيع الحلوى أصبحت عملية سهلة فى أغلب البيوت، وأغلبها باستخدام مواد كيميائية مجهولة المصدر وبدون ترخيص. فيما قال اللواء أحمد عبدالتواب، مستشار وزير التموين ورئيس المجلس الأعلى لحماية المستهلك، إن «الوزارة تتابع هذا الملف بشكل مباشر لما له من خطر داهم وكارثى على صحة المصريين»، كاشفًا عن أن البودرة التى تم رصدها من خلال العينات هى بدون مواصفات ومكوناتها تحتوى على سميات تتسبب فى أضرار صحية كارثية، وأيضًا ليس لها مواصفة صحية رسمية. وأشار «عبدالتواب» إلى أنه دائمًا ما يتم ضبط ألبان أطفال يتم إنتاجها بواسطة بودرة سيراميك، ولكن الموضوع ينتهى بشكل روتينى من خلال تحويل الملف إلى قضية فى المحكمة، ويكون العقاب حسب الجريمة وحجم الإنتاج، فأين المحليات والمحافظ من هذه الكوارث؟ وأين وزارة الصحة أيضًا؟، مطالبًا ب«تشديد وإحكام قبضة الجهات الرقابية لسد منابع هذا الفساد الذى أضر صحة المواطنين، فالاتهام المباشر يجب أن يوجه إلى كل من وزارات الصحة والتموين وحماية المستهلك والمحليات». أما الدكتور محمد شرشر، وكيل وزارة الصحة بالغربية، فقال فى اتصال هاتفى ل«الصباح»، «الموضوع مش تبعى ومعرفش عنه أى حاجة، إدينى ساعة وأرد عليك»، وكانت الصدمة حينما عاودنا الاتصال به، وأكد أن «الملف تابع لوزارة التموين وأنها هى المسئولة، وليست الصحة، وطبيعة عملى تتلخص فى أننى أنتظر أن تأتى إلى الشكاوى لأقوم بتحليل العينات والتأكد من سلامتها فقط»! على صعيد متصل، طالبت الدكتورة أمال حسانين، رئيسة معمل الأغذية الخاصة بوزارة الزراعة، بضرورة إحكام الرقابة على كل الأسواق؛ للتأكد من مدى صالحية المواد المستخدمة فى كل المنتجات التى يتناولها المصريون، خاصة مع قدوم المواسم المختلفة. وأوضحت «حسانين» أن هذه المواد مسرطنة وتسبب أمراضًا جسيمة على صحة الإنسان، مشيرة إلى أن الأضرار الصحية الناجمة عن هذه المواد ذات تأثير تراكمى ويسبب السرطان والفشل الكلوى مع مرور الوقت، وهذا ما يتم ملاحظته عند الكثير من المصريين.