دخل حسنى مبارك التاريخ من باب جديد، هو أول حاكم ديكتاتور يستمر فى المنصب ثلاثين عامًا كأطول فترة لحاكم فى التاريخ بعد محمد على ويُنتزع ويُخلع ويُطرد من كرسى الحكم بعد نزول الملايين من المصريين ضده فى هتاف واحد: ارحل.. اختلطت الأوراق بعد رحيله ما بين توصيف ما حدث بأنه ثورة أو «مؤامرة» وشهدت مصر شهورًا عاصفة وسنوات صراع خفى، وتمت محاكمة «الديكتاتور» على جرائمه فى محاكمات قانونية لا علاقة لها بفكرة الثورة، حكم القاضى منذ ساعات ببراءة مبارك ووزير داخليته، القاضى لا يعقب على حكمه، إذ أنه يحكم وفقًا للأوراق وشهادات شهود النفى والإثبات، لكن خطايا مبارك الحقيقية لم تكن فى الأصل موضوعًا للدعوى، هذا رجل أضر بلادنا مئات السنين إلى الوراء بإرادته الفاشلة ورجاله الأوغاد، ومع ذلك دخل التاريخ مرة ثانية من باب جديد، أول ديكتاتور يبقى فى بلده آمنًا مطمئنًا دون أن يمس أحد مقامه الرفيع أى أذى أو محاسبة. قالوا عن مبارك . إن كل من ادعوا معرفتهم بمبارك لا يعرفون عنه شيئًا فلا توجد صورة محددة للرجل حتى الآن محمد حسنين هيكل «مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان» . صديق عزيز.. بلا أى خيال الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك . أدعو الشعب الإسرائيلى للدعاء له فى محنته الحاخام عوفاديا يوسف . فى عهده لم يقصف قلم ولم يقطع لسان ومواقفه تتسم بالفروسية والشجاعة الإعلامى عمرو أديب . أهم حاكم حكم مصر منذ عصر محمد على الإعلامى عماد الدين أديب . زاهد جدًا وقنوع وأقنعته بالكاد بتغيير أول سيارة اقتنيناها سوزان مبارك . لم يقل كلمة إلا وأوفى بها ولا وعد إلا نفذه.. إنه الرجل الذى «قال فصدق» سمير رجب . «يتمتع بعقل استراتيجى رهيب» الكاتب الراحل عبدالله كمال . عاش سنوات من الوهم فى شرم الشيخ وكانت البلد تغلى.. وهو لا يدرى الكاتب البريطانى روبرت فيسك . أيها الرئيس.. إنى أتقيؤك عبد الحليم قنديل . مثال الديمقراطية والنزاهة ونظافة اليد البرلمانى الراحل عبدالرحيم الغول . إنه مجرم.. كيف تحاسبونه بعد ثورة ب«القانون» البرلمانى الراحل أبو العز الحريرى من أقوال مبارك . أنا عندى 80 مليون مواطن هأكلهم منين . من يدخل من معبر رفح لا بد من موافقة إسرائيل عليه فهى دولة محتلة ومن حقها معرفة من يدخل . إننا كدولة مسئولة قادرون على تأمين حدودنا ولن نقبل بأى تواجد لمراقبين أجانب على الجانب المصرى من الحدود . غزة دى محتلة والحدود لازم تكون تحت سيطرة إسرائيل . أنا مش عارف إيه اليهود دول.. طول عمرى عارف إن اليهودى كلمته واحدة . مكنتش عايز أبقى رئيس ولا بتاع كان أقصى طموحى أروح سفير فى لندن.. بلد الإكسلانسات . يا راجل برلمان موازى إيه وكلام فارغ إيه خليهم يتسلوا.. كبر مخك . أنا أورث ابنى.. هو حد عاقل يرمى ضناه فى التهلكة دى اللى اسمها رئاسة الجمهورية . هيكل أونطجى وأنا عمرى ما كلت من الكلام بتاعه ده . أوعى تكون روحت العمرة فى العبارات إللى بتغرق فى البحر دى . عبدالناصر الله يرحمه مش بتاع حد.. ما كلنا ناصريين . مصر ليست ضيعة لحاكمها . الكل يعرف من هو حسنى مبارك لذلك يعزّ علىّ ما ألقاه اليوم من بعض أبناء وطنى الصعود *عسكرى منضبط أيام عبد الناصر .. سياسى بلا معارك أيام السادات .. رئيس باستفتاء لأول مرة ثم حاكم 30 عامًا لم تكن رحلة صعود محمد حسنى مبارك تنبئ عن توليه حكم أهم و أكبر بلد عربى، ففى كل مراحل حياته بدا مبارك ملتزمًا بحدود وظيفته وبلا طموح كبير يعبر عنه بأى طريقه، أنهى دراسته الثانوية فى مدرسة المساعى المشكورة الثانوية بشبين الكوم ثم التحق بالكلية الحربية، و تخرج برتية ملازم ثان، و التحق ضابطًا بسلاح المشاه باللواء الثانى الميكانيكى، و أعلنت كلية الطيران عن قبول دفعة جديدة من خريجى الحربية فتقدم للاختبار مع أحد عشر ضابطًا قبلتهم الكلية، و تخرج وحصل على بكالوريوس علوم الطيران من الكلية الجوية فى 14 مارس 1950، و فى عام 64 تلقى دراسات عليا فى أكاديمية فرونز العسكرية بالاتحاد السوفيتى، بدأ ترقى مبارك فى المناصب العسكرية باختياره قائدًا لقاعدة بنى سويف الجوية فى 30 يونيو 1966 قبل أن يتم اختياره مديرًا للكلية الجوية فى نوفمبر 1967، و شهدت تلك الفترة حرب الاستنزاف، و كان قد رقى فى أثناء الحرب إلى رتبة العميد، و إلى وفاة الرئيس عبد الناصر لم ينل مبارك حظًا كبيرًا من الشهرة، لكن مع مجئ حكم الرئيس أنور السادات بدأ نجمه يصعد، حيث عين رئيسًا لأركان حرب القوات الجوية ثم قائدًا للقوات الجوية فى إبريل72 و فى العام نفسه عين نائبًا لوزير الحربية، و فى حرب أكتوبر كان مبارك هو قائد القوات الجوية و رقى بعد الحرب إلى رتبة فريق أول طيار فى فبراير 74، و فى 15 إبريل من نفس العام بدأت رحله الصعود «السياسى» لحسنى مبارك عندما اختاره السادت نائبًا لرئيس الجمهورية ثم اختياره بعد ذلك نائبًا لرئيس الحزب الوطنى الذى أسسه السادات ليكون حزب الرئيس بديلًا عن حزب مصر، و عندما بدأ دور مبارك السياسى كان الأقرب لعقل و قلب السادات فلم يعترض على أى قرارات أصدرها بما فيها القرارات التى اعترض عليها بعض العسكريين مثل طريقة إدارة فك الارتباط مع إسرائيل عسكريًا أو القرارات التى غيرت وجه مصر سياسيًا بالدخول فى انفتاح اقتصادى بدا عشوائيًا و غير مدروس، و حرص مبارك طيله فترة وجوده نائبا على شيئين، الأول الاستفادة من طريقة السادات فى إدارته السياسية و علاقته بالغرب و الولاياتالمتحدة، و الثانية عدم الدخول فى أى صدامات مع أحد، فإلى حين اغتيال السادات لم يأت ذكر لنائبه فى أى صدامات وصلت ذروتها بقيام السادات باعتقال 1500 من قادة الرأى فى مصر و لهذا عندما تمت عملية الاغتيال، و تولى مبارك الحكم و ذهب إليه وفد ممن اعتقلهم السادات «ضم فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد و محمد حسنين هيكل و آخرين» كانت انطباعتهم عنه غير واضحة، وربما جيدة بحكم عدم وجوده فى أى صراع كم الصراعات الحادة التى سبقت اغتيال السادات، بعد مبارك عن المعارك السياسية، و غموض شخصيته و نبرته الهادئة، و ملامح وجهه التى كانت تكشف عن رجل عاقل و متزن، و لا يرغب فى التصعيد مع أى تيار سياسى كانت ضمن العوامل التى وصلت به إلى منصب لم يتوقعه له أحد ممن عرفوه، و فى 14 أكتوبر 1981 قام مجلس الشعب بعمل استفتاء على رئاسة حسنى مبارك لمصر و تولى بالفعل الحكم، و فى أول خطاب له بمجلس الشعب فى هذا اليوم قال : «أسأل الله أن يجعلنى عند حسن ظن من أيدونى، و سبيلى إلى حكم مصر هو العمل الصادق الجاد المخلص الذى لا يقصد إلا وجه الله و الوطن و الشعب ، وهو حكم يقام بإذن الله على الحق و العدل ولا شئ سواهم ».. و مع نهاية الخطاب بدأت رحلة الصعود الكبير لمبارك حاكمًا لمصر لثلاثين عامًا متصلة ليكون أطول حكام مصر عمرًا على كرسى الحكم منذ أيام محمد علي! السقوط *دخل التاريخ كأول حاكم مصرى يقف فى قفص المحاكمة أمام شعبه و عندما تكلم أمام القاضى « لم يندم و لم يعترف »
لم يكن ظهور مبارك «منكسرًا» فى أول خطاباته إلى الشعب بعد اندلاع أحداث 25 يناير إلا مشهدًا أخيرًا فى رحلة سقوط حاكم مستبد كانت كل بشائر سقوطه ظاهرة قبلها بسنوات، فمنذ عام 2005 بدا أن الحنق و الغضب و الرغبة فى التغيير أصبحت مطلبًا شعبيًا، و بدلًا من استجابة مبارك لنصائح مخلصة قيلت له منذ هذا العام «2005» بترك منصبه و الدعوة لانتخابات حرة تدخله التاريخ من أوسع أبوابه مضى فى استكمال سياساته التى زايدت وراكمت مخزون الغضب، فى عام 2006 حدثت واقعة «العبّارة» التى أودت بحياة 1300 مصرى ماتوا غرقًا فى البحر نتيجة ركوبهم عبّارة متهالكة يمتلكها الملياردير ممدوح إسماعيل عضو مجلس الشورى، و بدلًا من القبض على ممدوح جرى تهريبه إلى لندن، بينما عاش أهالى الضحايا مأساة اهتزت لها مصر لسنوات، وخلال الفترة من 2007 إلى 2010 شهدت مصر أكبر نسبة من الإضرابات العمالية و الاحتجاجات الفئوية فى تاريخها كله « بلغت أكثر من 35 ألفًا احتجاجًا» على الغلاء و فصل العمال من شركاتهم، تزامن هذا مع صعود جمال مبارك و أحمد عز و سيطرتهم على كل مفاصل السياسة و الاقتصاد، ولم يتنبه مبارك لتصاعد الحركات الاحتجاجية فى الشارع السياسى أيضا، فقد خرجت حركة كفاية لتطالب الرئيس علنًا ولأول مرة بالرحيل عن الحكم . و فى عام 2007 رد مبارك على كل هذا الغضب بتعديلات دستورية على مقاس نجله تجعله هو الحاكم المرتقب للبلاد، ثم زاد الوضع سوءًا بالاعتداء أمام نقابة الصحفيين على كل معارضى هذه التعديلات، تنبه الرأى العام أيضًا إلى نظام مبارك بدأ فى التوحش الكامل مع حادثة الاعتداء على الكاتب الصحفى عبد الحليم قنديل و إلقائه عاريًا فى الصحراء ثم الاعتداء على الكاتب المفكر الراحل عبد الوهاب المسيرى، ووصل الاحتقان إلى مداه مع تفجير كنيسة القديسين فى بدايات شهر يناير 2011، و كان الحادث الأكثر دموية و إرهابًا فى تاريخ الأقباط طيلة عصر مبارك، و مع اندلاع أحداث ثورة يناير بدأ سقوط مبارك على الشاشات، و أمام العالم أجمع، تم تمزيق صوره فى كل الميادين و رفعت الأحذية اعتراضًا على خطاباته الأولى، بالطبع كانت هناك فى الثورة عناصر متآمرة ضد البلد فى مقدمتها جماعة الإخوان، لكن غالبية الشعب فى الميادين كانت ترى أن مبارك لابد أن يرحل، وكفى ما فعله بالبلاد . حاول مبارك أن يدير آخر معاركه كرئيس، لكن تلاحم إرادة الثائرين مع استجابة الجيش جعل رحيله لا مفر عنه، لقد أجرى مبارك 4 استفتاءات على وجوده فى الحكم فى أعوام 81 و 87 و 93 و 99 ثم أجرى انتخابات فى 2005، و فى كل هذه الاستفتاءات لم يكن الشعب حاضرًا فلما حضر الشعب .. غاب الرئيس. و على قدر المفاجأة فى رحيل مبارك عن الحكم للجميع فى الداخل و الخارج، كانت المفاجأة الأكبر فى محاكمته ليكون أول حاكم مصرى منذ 7 آلاف عام يمثل فى قفص المحاكمة أمامى شعبه، و استغرقت محاكمته 500 يوم على مدار 55 جلسة منها 18 جلسة سرية لسماع أقوال شهود من جهات سيادية، و بدأت أولى جلسات المحاكمة فى 3 أغسطس 2011 بعد أن أحاله النائب العام الأسبق عبد المجيد محمود للمحاكمة بتهمة قتل المتظاهرين و الاستيلاء على المال العام إضافة إلى القضية التى عرفت جماهيريًا بقضية «القصور الرئاسية »، و استمرت المرحلة الأولى من المحاكمات 45 جلسة انتهت فى 22 فبراير 2012 حيث حدد المستشار أحمد رفعت رئيس المحكمة يوم 2 يونيو 2012 للنطق بالحكم، و تم الحكم على مبارك و وزير داخليته حبيب العادلى بالسجن المؤبد و البراءة لستة من مساعدى الوزير، وفى 13 يناير 2013 أصدرت محكمة النقض قرارها بقبول الطعن المقدم من فريد الديب محامى المتهمين بإعادة محاكمة جميع المتهمين، و بدأت المحاكمة الثانية فى 11 مايو 2013 برئاسة القاضى محمود كامل الرشيدى، و خلال المحاكمات سرد المستشار وائل حسين المحامى العام الأول لنيابات شمال القاهرة، و ممثل النيابة خلال مرافعته عدة أدلة إثبات قانونية على الوقائع و الجرائم التى ارتكبها المتهمون فى «قضية القرن»، واستعرض ممثل النيابة العامة أقوال شهود الإثبات من المواطنين المجنى عليهم وقت أحداث 25 يناير، و تحدد 29 نوفمبر موعدًا للنطق بالحكم، خلال هذه المدة الطويلة للمحاكمات تفاوتت مشاعر المواطنين تجاه المحاكمة، كانت المشاعر حارة و ساخنة فى البداية ثم أصبح ترقب أخبار المحاكمة خبرًا معتادًا لكثرة الجلسات و طول المدة، ما بقى حارًا و حادًا هو ترقب الجميع لنهاية ديكتاتور بقى فى الحكم ثلاثة عقود لم تتقدم مصر خلالها فى أى مجال . فقد تسبب حكم مبارك فى ارتفاع الدين الداخلى إلى 300 مليار بخلاف مديونية الهيئات الاقتصادية التى تبلغ 39 مليارًا، و الدين الخارجى 47 مليار جنيه، و تسبب حكمه أيضًا فى انهيار التعليم المصرى إلى حد عجز أى جامعة مصرية فى حكمه عن الوصول لقائمة أهم « 500» جامعة فى العالم، و تسبب أيضا حكم مبارك الممتد فى تفشى أمراض بلغت حدودًا غير مسبوقة فى العالم من حيث نسبة المصابين بها فى دولة واحدة، مع هذا الذى يعرفه الجميع عن أحوال مصر فى عصر مبارك، وما فعله بها، لم يتخل مبارك عن عناده، و استبداده و رؤيته أنه لم يفعل خطأ واحدًا، وعندما طلب محاميه من القاضى محمود الرشيدى أن يلقى مبارك كلمة فى الجلسة الأخيرة قبل النطق بالحكم لم يعتذر مبارك لشعب مصر عن خطأ واحد، و لم يشر إلى قرار واحد أحس بالندم على اتخاذه، حرص على أن يبقى « رئيسًا حتى و هو فى القفص» مرتديًا أغلى النظارات و الساعات و ماركات الملابس، و مشيرًا إلى أنه « ماض و انقضى و ليست هناك عودة للوراء». و كان سقوط مبارك الجديد قبل خلعه عن الحكم قبل أربع سنوات متمثلًا فى عدد مكون من عشرة أفراد يحيطون بمقر محاكمته و يعتبرون أنفسهم «أنصاره» و يدافعون عنه حتى اللحظات الأخيرة، بعد ثلاثين عامًا فى الحكم لم يجد الحاكم المخلوع أحدًا يقدر ما فعله. فالتقدير الحقيقى كان فى حالة الرضا العام عن اختفائه عن المشهد، مشيعًا بغضب الناس وازدراء التاريخ له، كما ازدرى دائمًا أى رئيس لم ينجز شيئًا.. سوى الفساد و الاستبداد و تجريف البلد من أى بشارات لمستقبل أجمل. هو ورؤساء مصر * قام بتكريم «محمد نجيب » واعتبر عبدالناصر «الزعيم الخالد » *المرة الوحيدة التى بكى فيها أمام الجمهور كانت بسبب السادات *اعتبر حكم مرسى «كارثة» *أكد أن السيسى«واسع الدهاء» بقراءة علاقة حسنى مبارك برؤساء مصر منذ ثورة 1952 وإعلان الجمهورية يتضح أن علاقته بأنور السادات كانت هى الأقوى والأكثر رسوخًا، لم يصدر عن مبارك أى تصريحات أو أقوال تكشف رأيه فى محمد نجيب أول رئيس للجمهورية لكنه أتاح له ظروفًا أفضل فى مقر إقامته الدائم فى حلمية الزيتون، وأقام له عزاء رسميا باعتباره رئيسًا سابقًا، أما علاقته بعبدالناصر فكانت تقديرًا شديدًا منه للزعيم التاريخى لثورة يوليو، وبحسب رواية هيكل فإن جمال عبدالناصر طلب تخريج دفعة جديدة من الطيارين فى عام واحد وسأل هيكل الفريق محمد صادق وزير الحربية بعد النكسة عن قدرة مبارك على القيام بذلك فرد صادق: مبارك الضابط الأكثر استعدادًا فى سلاح الطيران، وقادر على ذلك، ولا يوجد فى أرشيف مبارك أى صور تجمعه بعبدالناصر سوى صورة وحيدة فقط أثناء تعيينه مديرًا للكلية الجوية، ولم يطلب مبارك من إعلامه القيام بشن حملات ضد عبدالناصر كما حدث طيلة فترة حكم السادات فى السبعينيات، لم يطلب ولم يمنع استمرار نفس من قادوا الحملات من كبار صحفيى السادات مثل أنيس منصور و موسى صبرى، ورغم توجهات مبارك المعادية فى مجملها لتوجهات عبدالناصر السياسية إلا أنه لم يهاجمه مطلقًا بل احتفل كل عام بذكرى ثورة يوليو، وحرص على الإشادة بنضال وكفاح «الزعيم الراحل»، بالنسبة للرئيس السادات فقد كان أول لقاء بينه وبين مبارك فى القاعدة الجوية التى كان يعمل بها الطيار عاطف السادات، كان السادات فى زيارة للقاعدة الجوية والتقى مبارك الذى كانت تربطه علاقة صداقة بشقيق السادات الأصغر، ويروى مبارك للإعلامى عماد الدين أديب فى الحلقات التى سجلها معه عام 2005 أن السادات سأله عن عدم انضمامه فى شبابه لحركة الضباط الأحرار، وأجاب مبارك «ماليش فى السياسة خالص» ورد عليه السادات بعد أن تأمله للحظات «هتخش السياسة من أوسع أبوابها»، ولم يبك مبارك أمام الجمهور أبدًا وكانت المرة الوحيدة التى بكى فيها يوم توليه منصبه فى أعقاب اغتيال السادات، حيث أخرج منديلا وجفف دموعه وهو يذكر أنه ما كان يتمنى أن يتولى هذا المنصب بعد «الزعيم والقائد التاريخى لنا جميعًا»، علاقة مبارك بمحمد مرسى الرئيس الإخوانى كانت الأسوأ، فقد قال مبارك فى تصريحات منشورة له فى أعقاب 25 يناير أنه لم يكن يتوقع الأداء السيئ لمحمد مرسى وجماعته إلى هذا الحد، أيضا كان مبارك لا يزال يعتبر صعود مرسى للرئاسة دليلا على صدق ما قاله فى خطابه الأخير قبل التنحى من أن هناك أيادى خفية تستغل طاقة وغضب الشباب لتنفيذ مخططات تمس أمن مصر القومى، الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى تولى منصب مدير المخابرات الحربية فى العام الأخير لوجود مبارك فى الحكم نال إعجابًا شديدًا من مبارك بفضل قيادته للجيش فى مرحلة دقيقة، واعتبر مبارك أن السيسى «عقر» مستخدمًا تعبيرًا عاميًا دارجا من تعبيراته التى طالما اشتهر بها، وقاصدًا أن السيسى «واسع الدهاء والذكاء» وخرج مبارك بتصريح قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة ليقول إن الشعب قد اختار بالفعل السيسى رئيسًا هذا على الرغم من تصريحات وأقوال منسوبة لعبدالفتاح السيسى تؤكد أنه لم يحمل يومًا أى تعاطف أو إعجاب بطريقة مبارك فى الحكم بل إنه أجاب مرة وقبل توليه الرئاسة فى اجتماع مع شخصيات سياسية وإعلامية «هل أسوأ ما فى مبارك أنه كان عنيدًا» وأجاب السيسى «بل بليد».. وهى جملة دقيقة توصف حالة رجل حكم 30 عامًا... بلا مشروع سياسى محدد! جرائم لن ينساها التاريخ أبدا *بيع القطاع ... إهدار 400 مليار و تشريد ملايين العمال و ثراء ل «أصدقاء جمال مبارك» * تخريب الأحزاب وتسمين «الإخوان » * التوريث .. «النجل المنحوس » يطيح ب «الديكتاتور العجوز » بدأ التفكير فى بيع القطاع العام المصرى فى عهد رئيس الوزراء عاطف صدقى لكنه دخل حيز التنفيذ الفعلى مع حكومة عاطف عبيد التى مارست و نفذت « «النهب الثالث لمصر» وفقًا لتعبير الكتاب الذى أصدره الكاتب الراحل سعد الدين وهبة أكد فيه أن مصر لم تتعرض لسرقة لأصولها و ثرواتها منذ عصر الخديوى إسماعيل كما حدث فى ملف «الخصخصة»، باع عاطف عبيد بإشراف و علم شخصى من مبارك غالبية شركات و مؤسسات القطاع العام الرابحة قبل الخاسرة ، و دخل البلاد عدد هائل من السماسرة و الوسطاء و المغامرين فى غيبة من أى رقابة حقيقية تكشف الفارق فى أسعار الأصول المباعة مقارنة بأسعارها الحقيقية، و قدرت كل التقارير الاقتصادية حجم خسائر مصر من عملية النهب هذه بأكثر من 400 مليار جنيه، إضافة إلى تشريد 450 ألف عامل تحت مسمى «المعاش المبكر» مما أدى لتردى الوضع الاقتصادى لملايين الأسر المصرية، إلى جانب ذلك تزامن البدء فى عملية الخصخصة مع صعود مجموعات اقتصادية «متوحشة» عرفت بقربها من جمال مبارك أشرفت و نفذت العمليات المشبوهة و حصدت عشرات الملايين كمكاسب من المال الحرام الذى أتاحته دولة مبارك للمقربين، و لم توقف الاستجوابات البرلمانية و لا المستندات التى نشرها الإعلام أى عملية بيع حتى مهما كان الفساد واضحًا كما فى حالات بيع المراجل البخارية أو طنطا للكتان أو شركات الأسمنت الكبرى المملوكة للدولة، و تجاوزت مجموعة جمال مبارك فى تصفية الأصول المملوكة للدولة كل الحدود حتى بالنسبة لقلعة الرأسمالية الأولى فى العالم «الولاياتالمتحدة » التى تبلغ ملكية الدولة للأصول و المشاريع الكبرى فيها أكثر من 42 % من حجم المشروعات . . التوريث ... نحس الوريث يطيح ب «الديكتاتور العجوز» عاد جمال مبارك من عمله فى بريطانيا فى أحد البنوك فى أوائل التسعينيات، واقترب من السياسة على يد « معلمين » خصصتهم زوجة الرئيس « سوزان مبارك» لنجلها التى كانت عازمة على أن يصبح حاكمًا لمصر بعد والده، و تزامن هذا مع صعود بشار الأسد فى سوريا و ظهور أبناء الرؤساء فى المشهد السياسى فى اليمن و ليبيا و عدد آخر من الدول، و على قدر ما أشاع مبارك فى أكثر من حوار أن التوريث «شائعة» فقد كانت كل الإجراءات على الأرض تتم وفق سيناريو تنصيب جمال بعد ابتعاد علاء مبارك عن المشهد، و اكتفائه بالتواجد فى الساحة الرياضية مع المنتخب المصرى لكرة القدم. تم إنشاء أمانة السياسات فى الحزب الوطنى فى عام 2003 خصيصًا من أجل أن يصبح جمال «أمين السياسات» و هو لقب عام و غير تنفيذى، لكنه و من خلال كونه ابن الرئيس من أن يصبح التنفيذى الأول فى البلاد. فقد صعد نفوذ جمال فى شهور قليلة إلى حد اختيار وزراء المجموعة الاقتصادية بالكامل فى حكومة نظيف، ثم اختيار رؤساء تحرير الصحف، ثم التدخل فى حركة المحافظين، ثم تكوين لوبى خاص به فى البنوك بعد أن اختار جمال من أصدقائه غالبية رؤساء البنوك «مثل حالة رئيس بنك تنمية الصادرات الذى عمل معه فى بنك أوف أمريكا»، و تزايدت قناعة جمال مبارك بأنه أصبح الحاكم الفعلى للبلاد و لم تعد تفصله عن الرئاسة رسميًا سوى انتخابات يتخلى فيها والده عن المنصب إلى حد من الصلف دفعه قبل شهور من 25 يناير إلى مناداة وزير الدفاع أمام الجميع باسمه دون أى ألقاب «شوف الموضوع ده يا حسين»، و كان يقصد المشير حسين طنطاوى، و إلى حد استقبال المسئولين و السفراء، وقد سافر جمال قبل يناير إلى الولاياتالمتحدة و التقى الرئيس المصرى لتقدر الدوائر الأمريكية حجمه و مدى قبول الرأى العام به، لكن التقديرات الأمريكية رأته أقل من أن يلعب دورًا فى غياب والده، و طيله وجوده وحتى حبسه تشابه جمال مبارك مع قيادات الإخوان فى «طلته» غير المحببة والكريهة بالنسبة لغالبية الشعب. كان يفتقد القبول و الكاريزما و الإخلاص لأى شىء سوى منصب أزيح عنه هو ووالده و كل مرحلته التى كادت أن تصل بالبلاد إلى الهاوية ! تخريب الأحزاب و تسمين «الإخوان».. هكذا «دمر» السياسة توقع البعض أن تكون خطة تأسيس المنابر ثم إعلان قيام الأحزاب فى مصر خطوة نحو تأسيس نظام سياسى أكثر استقرارا و انفتاحا، و بعد وفاة السادات كان أول ما أعلنه مبارك فى أعقاب توليه السلطة إيمانه بالتعددية و الديمقراطية، و لكن لم تكد تمر سنوات على توليه الحكم حتى اتضح أنه يتبع خطة ممنهجة لتقزيم و تخريب الأحزاب المصرية، و اتبع خطة على مرحلتين الأولى إحداث انشقاقات متوالية فى كل حزب يبدأ فى تكوين أى قواعد جماهيرية «حدث هذا مع الحزب الناصرى و التجمع و الوفد»، ثم مرحلة تأسيس أحزاب خاصة و تابعة تمامًا للدولة حتى وصل عدد الأحزاب إلى عدد مهول كان من بينه حزب أسسه شخص يدعى أحمد الصباحى أسس حزب الأمة المعارض، و كان يعلن تأييده لمبارك كل صباح ، إضافة الى أحزاب رأسها شخصيات لا أحد يعرف عنها شيئًا «كان هناك رئيس حزب اسمه أسامة شلتوت لم يعرف عنه أحد شيئًا لا فى حياته ولا بعد رحيله»، إلى جانب هذا فعلى عكس الظاهر من عداء مبارك للإخوان فقد نالوا فى عهده أكبر فرصهم السياسية و تمكنوا من تأسيس أكبر إمبراطورية اقتصادية فى تاريخ الجماعة فى عهد مبارك، و تضاعف حجم ثورة الجماعة إلى مليارات كثيرة انتشرت فى مؤسسات اقتصادية خاصة، و تمكنت الجماعة من النقابات و التعليم تحت بصر و سمع نظام مبارك أيضا، و ظل مكتب الإرشاد فى المنيل مفتوحًا على مدار اليوم يستقبل فيه المرشد ضيوفه، و يعقد لقاءاته رغم كون الجماعة محظورة من نظام مبارك «!». و فى كل الانتخابات البرلمانية التى أجريت فى عصر مبارك كان تدمير الأحزاب و تسمين الإخوان واضحًا، فمنذ انتخابات عام 1987 إلى آخر انتخابات أجريت فى عام 2010 كانت الجماعة هى القوة الوحيدة المنظمة بأمر و إشراف النظام، بينما كانت الأحزاب تتآكل، ولم تستطع التعافى.. حتى الآن !