-دومة لم يتلق تمويلً من الخارج وغضبه واندفاعه من أجل ثورة يؤمن بها وشعب يدافع عنه -تقرير المجلس القومى يطالب بنقله للعلاج فى مستشفى وهيئة المحكمة ترفض التنحى «تصاعد المطالبات بالإفراج عن الناشط السياسى أحمد دومة أحد أبرز المقبوض عليهم على خلفية خرق قانون التظاهر وذلك إثر تدهور حالته الصحية ومقاربته على الموت»، هكذا كانت كل التعليقات والأخبار طيلة الأسبوع الماضى، وهى أخبار لا تشبه غيرها من الأخبار والتصريحات السياسية التى تتعلق بآخرين غير دومة. هذه المرة يمكنك أن تستشعر أن ما وراء الأحرف والسطور الجافة حالة حزن حقيقية وتمنيات صادقة تجاه واحد من شباب الثورة تتدهور حالته الصحية على نحو متسارع بعد دخوله إضرابًا عن الطعام منذ قرابة الشهر. يرجع السبب فى هذه الحالة إلى اختلاف حالة دومة عن الكثيرين من الذين طفوا على سطح الأحداث منذ 25 يناير. ربما كان دومة أكثر شباب الثورة اندفاعًا لكنه - يقينا - أقلهم بعدًا عن الشبهات. فمنذ قرابة عشر سنوات كان أحمد دومة ينتهى من مرحلة مقبضة وكئيبة فى حياته وحياة أى شاب عاقل حيث استطاع التخلص من أى ارتباط بينه وبين تنظيم الإخوان الذى انضم إليه مبكرًا وسار فى طريق السياسة والتغيير من أكثر الطرق كلفة ومشقة. ولم يكن دوره فى 25 يناير مصطنعًا ولا مرتبطًا بدعم إعلامى ولا حملات تلميع كالتى أظهرت شخصيات مريبة وغامضة انتسبت لثورة يناير، حيث كان من المشاركين والمؤسسين فى عدد من الحركات السياسية التى رفعت سقف المطالب فى وجه نظام مبارك مثل حركة «كفاية» وغيرها وسجن فى عصر مبارك عدة مرات، وتم حبسه مرات متعددة فى الفترة الانتقالية التى أعقبت سقوط مبارك وكذلك فى عصر مرسى، الآن يحاكم دومة فى قضية «أحداث مجلس الوزراء» مع 269 آخرين، وخلال الأيام الماضية ساءت حالتة الصحية إلى حد يهدد حياته. خالد على الناشط السياسى ومحامى دومة قال إن إضراب أحمد دومة عن الطعام الذى دخل يومه الثالث والعشرين ضمن ضمن حملة «الأمعاء الخاوية» التى اتفق عدد كبير من السياسيين والأحزاب على إطلاقها تضامنًا مع عدد من شباب الثورة المحبوسين وضد بطء إجراءات التقاضى وعدم وضوح التهم الموجهة لبعضهم من الأصل وصل إلى حد تعرض أحمد دومة لما يشبه الشلل بحيث إنه لا يستطيع تحريك أطرافه بصورة طبيعية، المجلس القومى لحقوق الإنسان وبعد زيارة وفد منه لدومة أوصى بضرورة سرعة نقله إلى المستشفى لكن هذا الطلب قوبل بالرفض أيضًا. ما يحدث مع دومة فى قاعة المحكمة لا يقل غرابة فقد ابتسم القاضى المستشار محمد ناجى شحاتة عندما دخل أحمد دومة قاعة المحكمة «على كرسى متحرك» مطالبًا بتنحى المحكمة قائلًا « لا أطلب من المحكمة بل أرجوها أن تتنحى عن نظر الدعوى وتترك لنا الفرصة لنحاكم أمام هيئة أخرى آمن فيها على نفسى وصحتى وحياتى. اتركوا لى الفرصة لأحاكم بعيدًا عن كل تلك الضغوط « ابتسامة القاضى تركت انطباعا لدى محامى دومة أن الرجل يحمل انطباعًا أو موقفًا ما من القضية برمتها، وبالتالى فالمطالبة بتنحيه قانونى تمامًا لكن القاضى رفض التنحى كما رفض الحديث عما أثاره دومة ومحاميه من تعرضه للضرب قبل دخوله القاعة. وإذا كانت حملة «الأمعاء الخاوية» ضمت العديد والغالبية من متهمين فى قضايا عنف أو تحريض أو تهديد للسلم، وإذا كانت جماعة الإخوان الإرهابية تحاول استغلال هذه الحملة لبيان أن الموقف السياسى للنظام الحالى قائم على القمع فهذا كله لا شأن له بمناضل حقيقى مثل دومة الذى كان واحدًا من أشرس مهاجمى الإخوان والداعين لإسقاط نظامهم، وإذا كان من بين حملة الأمعاء الخاوية شخص « مشبوه تماما» مثل أحمد ماهر مؤسس حركة 6 إبريل وشخصيات أخرى لا تقل إثارة للريبة و«القرف الشديد» فلا شك أن هناك العديد من المحترمين والأنقياء لا علاقة لهم بإجراءات كانت ضرورية بعد 30 يونيو حينما أراد الإخوان « اختراع» حالة ثورية كانت مستعدة لأن تدفع وتمول كل من يشارك فيها وينتسب إلى ثورة يناير، كانت هناك ضرورة حقيقية بالنسبة للأمن القومى المصرى فى تحقيق مطلب «الاستقرار» بعد 3 سنوات ونصف السنة تداخل فيها الثائر مع العميل والمناضل مع الممول واختلطت الصورة وبحثت الجماعة بعد سقوطها فى ظل الفوضى عمن يشارك معها فى مسيراتها الدموية، وبالتعبير الدارج فقد اختلط الحابل بالنابل، وكان ضروريًا ل «الدولة» أن توقف كل هذا العبث بأمن البلاد خاصة بعد فض اعتصام رابعة. مصدر مسئول قريب من ملف المحاكمات قال ل«الصباح» إن الدولة لا تريد أى إجراءات قمعية ولا تريد إعادة تأسيس أى نماذج سياسية سابقة بل على العكس تريد وبجدية شديدة البدء فى إجراء تحول ديمقراطى جاد لكن على أسس من الممارسة السياسية لا الفوضى والتخريب، وأن هناك عددًا من الشباب سوف يخرجون قريبًا بعد تأكد الدولة من عدم تورطهم فى أى عنف أو فى أى اتصالات مشبوهة بالخارج. كلام هذا المسئول جيد لكن على الأرض ينقل كل من حضر محاكمة دومة الأخيرة أن حالته الصحية لا تحتمل تأخير فى نقله إلى أى مستشفى للعلاج أو المطالبة الجادة بالعفو عنه خاصة أن القضايا التى يحاكم فيها ملتسبة للغاية. يعانى دومة من بدايات «شلل» حيث تتحرك أطرافه بصعوبة ولا يستطيع الحركة نهائيًا بسبب آلام فى فقرات الظهر، ومع هذا لا يتحرك أحد لتغيير الموقف تجاه سياسى شاب وشاعر وحالم رومانسى اتسم بالجرأة والحماقة والتهور لكن أحدًا لم يشكك أبدًا فى وطنيته ولا جاء اسمه فى كشوف التمويلات السخية التى غمرت مصر بعد 25 يناير وصنعت من بعض المعاتيه أبطالًا ثوريين. الحرية لأحمد دومة تعنى أن هناك دستورًا أقر بأن 25 يناير ثورة ولم يتصرف أحد خارج هذا الدستور !