مع اقتراب موعد الاحتفالات بعيد القيامة المجيد تتوق نفوس الأقباط للحج وزيارة كنيستى المهد والقيامة فى مدينة القدسبفلسطينالمحتلة، ودائما فى نفس هذا التاريخ يعود الجدل مجددًا حول مدى صحة إتاحة سفر الأقباط لإسرائيل من عدمه. من يشجعون فكرة فتح باب السفر يؤكدون أن الحج غايتهم ولا شأن لهم بالسياسة، بينما يشكك أصحاب الرأى الآخر فى وطنيتهم، ويومًا بعد يوم يزداد عدد طلبات السفر رغم الحظر الذى فرضته الكنيسة المصرية على هذه الرحلات منذ نكسة عام 1967، والقرار الذى اتخذه البابا كيرلس السادس بأنه لا سفر للحج قبل تحرير القدس من أيدى اليهود، واستمر تنفيذ القرار فى عهدى البابا شنودة الثالث والبابا تواضروس الثانى. توقع البعض أن تخفف الكنيسة من هذا الحظر بعد وفاة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية فى العام الماضى، إلا أن خلفه البابا تواضروس الثانى أكد التزامه بقرار سلفه بحظر زيارة الأقباط إلى القدس طالما بقيت تحت نير الاحتلال الإسرائيلى، لكن تزامن سفر قلة من المسيحيين إلى القدس للحج والاحتفال بأعياد القيامة مع دعوة إسرائيل لهجرة الأقباط المصريين إليها، وهو ما دفع البعض إلى التشكيك فى وطنية المسيحيين، متوقعين إقبالًا متزايدًا منهم على الهجرة إلى إسرائيل، خاصة أن الواقع يشير إلى زيادة عدد المهاجرين الأقباط من مصر بعد أحداث العنف التى لحقت بالكنائس والاديرة عقب ثورة 30 يونيو. مصادرنا فى مطار القاهرة قالت إن 452 مصريًا غادروا البلاد خلال الأسبوع الماضى متجهين إلى إسرائيل للاحتفال بعيد القيامة فى القدس، يأتى ذلك فى الوقت الذى يرفض فيه غالبية الشعب المصرى دخول إسرائيل رغم توقيع معاهدة السلام لاعتبار ذلك تطبيعًا مع إسرائيل، خاصة أن الكنيسة المصرية ترفض مثل هذه الزيارات. وبحسب المصادر فإن فوجًا مكونًا من 277 شخصًا غادر مطار القاهرة الدولى عصر الجمعة الماضية متجها إلى تل أبيب ومنها إلى القدس لزيارة الأماكن المقدسة، وبذلك يرتفع عدد المصريين الذين غادروا إلى القدس خلال يومين فقط إلى 452، وأفاد مصدر أمنى مسئول بمطار القاهرة أن 277 مصريًا مسيحيًا غادروا على متن طائرة «آير سيناء» المتجهة إلى تل أبيب. كيفية السفر لإسرائيل يقوم الأقباط بالسفر إلى إسرائيل عن طريق المطار بطرق غير مباشرة، وذلك من خلال فيزا سياحية إلى تركيا أو الأردن ومنها إلى إسرائيل ولا يختم جواز السفر لتسهيل إجراءات التنقل، كذلك يتم السفر عن الطريق البرى بواسطة شركات سياحية مصرية فى جميع المحافظات وخاصة محافظات الصعيد من المنيا وحتى أسوان. أكد لنا مدير إحدى شركات السياحة المختصة بالتسفير إلى القدس أن هناك 30 شركة سياحية مصرية تسير رحلات حج الأقباط إلى القدس وأكد أيضا أن السفر للقدس ليس لحج الأقباط فقط وإنما للهجرة للعمل أو العلاج، وأن تكلفة الرحلة 10 آلاف جنيه للفرد شاملة الاقامة لمدة 10 أيام من يوم «سبت لعازر» وحتى الاثنين شم النسيم. مدير شركة السياحة قال إن هناك ثلاثة شروط لمن يحصل على تأشيرة السفر للحج للقدس من المسيحيين، وهى أن يحصل على تصاريح من الأمن، ويتعدى سنه ال45 عامًا، ويحصل على تصريح من الكنيسة، مؤكدًا أنه لم يتلق تصريحًا واحدًا من الكنيسة الأرثوذكسية، وكل التصاريح تأتى من الكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية، معتبرًا أن أسباب التحريم الأرثوذكسى لسفر الأقباط إلى القدس قد انتفت، مؤكدًا فى سياق كلامه أن زيارة الأقباط إلى القدس تحافظ على هويتها الدينية المسيحية بدلًا من تحولها إلى مدينة يهودية بالكامل. من جانبها وصفت الكنيسة المصرية حالات سفر الأقباط لإسرائيل بأنها «رحلات فردية» وهددت الكنيسة من سافروا إلى القدس بالحرمان التناول عقب القداس الإلهى، وهو أحد أهم أسرار الكنيسة السبعة حيث يؤمن المسيحيون بأن الخبز وشراب العنب اللذين يتم الصلاة عليهما يرمزان إلى دم وجسد المسيح. قيادات الكنيسة القبطية قالت إن عقوبة الحرمان ستطبق على من سافروا للقدس المحتلة لأداء شعائرهم الدينية لمخالفتهم قرار البابا الراحل شنودة الثالث، والذى ينص على عدم السفر للقدس إلا فى الحالات الاستثنائية مثل التقدم فى السن. ومن جانبه قال البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إن سفر الأقباط إلى القدس أمر خاطئ ومرفوض، وموقف الكنيسة منه لن يتغير وعقوبة الحرمان ستطبق على المخالفين. وقال د.صفوت البياضى رئيس الطائفة الإنجيلية ل«الصباح» إن الكنيسة الإنجيلية لا تمنع أحدًا من زيارة الاماكن المقدسة فى أى مكان، وبخصوص سفر الأقباط إلى القدس قال البياضى إن لهم الحرية الشخصية فى التبرك وممارسة شعائرهم وطقوس أسبوع الآلام فى كنيسة القيامة، ولا يجب خلط الدين بالسياسة. أما جوزيف ملاك محامى الكنيسة فقال ل«الصباح» إن الأقباط المعلن عن سفرهم للحج فى الأراضى المقدسة بفلسطين ليسوا من الطائفة الأرثوذكسية، وإنما من الطوائف الأخرى الإنجيلية والكاثوليكية التى لا تمنع أتباعها من أداء الحج أو قضاء أسبوع الآلام فى كنيسة القيامة، لذلك لا يجب الخلط بين قرار الكنيسة المصرية الأرثوذكسية وباقى الكنائس المصرية الأخرى. وشدد ملاك على أن الكنيسة المصرية الأرثوذكسية لا تغير موقفها من الحرمان الكنسى للمخالفين منذ عهد البابا كيرلس السادس، وهذا موقف وطنى من الكنيسة يحسب لها ولا يحسب عليها، وبالنسبة للسفر إلى إسرائيل فالأقباط موجودون فى أورشليم التابعة لفلسطينالمحتلة وليس تل أبيب التابعة لإسرائيل، وأكد ملاك وجود أقباط ومسلمين فى فلسطين من المهاجرين والعاملين هناك. أما نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان، فقال إن حرية التنقل مكفولة لكل مواطن، ويمكنه السفر لأى دولة بما فى ذلك إسرائيل التى يجمعها بمصر معاهدة سلام وعلاقات دبلوماسية متبادلة، وهناك نحو 10 آلاف مصرى مسلمين ومسيحيين يعملون فى إسرائيل منذ ما قبل ثورة 25 يناير، رغم أن عدد الذين سافروا إلى إسرائيل بعد الثورة لا يزيد على 400 شخص فقط وربما أقل. وقال كميل صادق سكرتير المجلس الملى فى تصريح خاص ل «الصباح» إن منع سفر الأقباط كانت بداية من المجمع المقدس فى عهد البابا كيرلس السادس، وهذه معلومة تغيب عن الكثير من الناس، والسبب الرئيسى فى هذا أن بعد نكسة 1967 مكنت إسرائيل الرهبان الأحباش من الأديرة وكنيسة القيامة، وموقف البابا كيرلس كان احتجاجا على ذلك، وبعد معاهدة السلام مع إسرائيل والتطبيع استمر البابا شنودة فى نفس القرار وموقفه السياسى معترضًا على سلب إسرائيل لحقوق وحريات الشعب. صادق قال إن مفتى الجمهورية د.على جمعة قد زار القدس، ومفتى القدس طلب زيارة المصريين لدعم الهوية العربية للمدينة، مؤكدًا أن الحرمان يخص المخالفين من الكنيسة الأرثوذكسية، ومن موقف البابا موقف سياسى، معتبرًا أن من يذهب لزيارة القدس ليس مجدفا. واستنكر صادق التقارير التى تقول إن سفرالأقباط إلى إسرائيل جاء بعد حصولهم على «إذن» من البابا تواضروس، مؤكدا أن قرار حظر السفر إلى الدولة العبرية مازال ساريًا، وإن المخالفين سيتم معاقبتهم ب«الحرمان من التناول» لفترة تتراوح بين ستة شهور وسنة.