-حلم بتقديم «الفاجومى » و «رسايل البحر » و «الضربة الجوية » ورحل قبل أن ترى النور قبل 9 سنوات كان مشهد النهاية من مستشفى «دار الفؤاد» إلى مسجد «مصطفى محمود» وصولا إلى مقابر الكيلو 56 طريق القاهرةالفيوم.. مازلت أتذكر تلك اللحظات بدقة يومها والموافق الاثنين 27 مارس 2005 ذهبت لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جسد النجم «الفتى الأسمر» أحمد زكى الذى رحل عن دنيانا بعد رحلة طويلة مع المرض استمرت شهورا. وهى رحلة لم يستمع فيها لنصيحة الأستاذ محمد حسنين هيكل بالبعد عن الناس أثناء فترة مرضه حتى يحافظ على صورته ولا يثير شفقة الناس مثلما فعل هو وإنما كان ممنوعا لمتابعة الرئيس حسنى مبارك لحالته الصحية وسؤاله عليه باستمرار ومطمئنا فيها لقلق ابنه الوحيد هيثم عليه الذى لا يتركه لحظة واحدة مقدرا فيها سعى الدكتور ياسر البنا على تطورات حالته وفعل المستحيل للوصول إلى الشفاء وشاكرا لملازمة الفنانة رغدة له باستمرار فى غرفته بالمستشفى التى تحمل رقم 1229 وتواجد مدير أعماله «محمد وطنى» وتردد ابن خاله الفنان التشكيلى سمير عبدالمنعم وزيارات صديق عمره الكاتب الصحفى عادل حمودة وأخيرا تلقيه عروضاً من ناس لا يعرفهم بالتبرع.. أحدهم عرض التبرع له بكليته والآخر بكبده. لكن وسط هذا كله لم يفارقه الأمل فى أن يعود ليقف مجدداً على قدميه لتنفيذ ما يتمنى من أحلام راودته.. فما هى تلك الأمنيات التى لم يحققها أحمد زكى فى أيامه الأخيرة؟
1 - على المستوى الفنى: تطلعات أحمد زكى الفنية تمثلت فى استكماله لتجسيد عدد من شخصيات زعماء مصر بدأها بعبدالناصر فى فيلم ناصر 56 مرورا بأنور السادات فى فيلم أيام السادات، وأراد أن يكمل تلك المرحلة التاريخية وباعترافه كان يحلم بأن يعيش قرنا كاملا يقدم خلاله أهم لحظات مرت بها مصر: سعد زغلول ثم محمد نجيب ثم عبدالناصر ثم السادات وصولا لمبارك الذى أراد تقديمه فى فيلم يحمل اسم «الضربة الجوية» وقتها طلب أحمد زكى ذلك وبشكل مباشر من مبارك لكنه رفض مؤكدا له أنه لا يريد أن يقدم عملا يتحدث عنه وانتهى الموضوع.
إلا أنه مع احتفالات أكتوبر 2010 وبعد خمس سنوات من وفاة أحمد زكى اختار السيناريست الراحل ممدوح الليثى رئيس جهاز السينما كتاب «حدث فى أكتوبر» للكاتب الصحفى صلاح قبضايا ليكتب له السيناريو بنفسه مع المؤلف عاطف بشاى على أن يقوم بإخراجه على عبدالخالق بعد أن تم اختيار اسم «وبدأت الضربة الجوية» له حيث يوثق الفيلم لفترة الخداع الاستراتيجى، وهى الفترة التى سبقت حرب أكتوبر 1973 بدءا من طرد الخبراء السوفييت من مصر، وصولا إلى بدء الضربة الجوية وقتها تردد أنه تم ترشيح كريم عبدالعزيز لأداء دور مبارك وترشيح أحمد السقا لأداء دور السادات، لكن فجأة توقف المشروع بعد أكثر من عام فى التحضير له. إلى جانب الضربة الجوية كان أحمد زكى يستعد لتقديم فيلم «الفاجومى» عن حياة أحمد فؤاد نجم، لكن توقف المشروع لاختلاف فى وجهات النظر، حينما سأل أحمد زكى الشاعر الراحل عن قرار العبور وكيف استقبله؟ أجابه بقوة: كنت ع القهوة أول ما سمعت البيان قلت يا ولد فقال زكى: عظيم.. فلنقدم هذا المشهد لكن نجم رفض وانتهى الموضوع ليتم بعد سنوات من وفاة أحمد زكى تقديم الفيلم الذى تمناه على يد خالد الصاوى. وكلها نالت استحسانه وأبدى قبوله بها ولو بشكل مبدئى حينما قرأ ملخصاتها وكلها كانت أفلاما سينمائية جاءت من الكاتب يوسف جوهر فيلم بعنوان «نقيب العذاب»، وتحمس له لدرجة أنه رشح لإخراجه المخرجة إيناس الدغيدى وجاءه من الكاتب لينين الرملى، فيلم بعنوان «ماشى يكلم نفسه».. وجاءه من المخرج أحمد ماهر سيناريو فيلم لمؤلف شاب بعنوان «من ظهر راجل» وجميعها أعمال لم تخرج إلى النور، وتستطيع أن تقول إنها ماتت معه ربما الذى تحقق منهم هو فيلم «رسائل البحر» وهو الفيلم الذى كان ينوى تقديمه مع المخرج داوود عبدالسيد وقدمه آسر ياسين. من أمنيات أحمد زكى أيضا التى لم تتحقق أن يدخل الفيلم المصرى فى مهرجان «كان» وأنه حاول أن يحقق ذلك بفيلم «أيام السادات»، لكن الظروف منعته من ذلك، وحينما فشل راوده حلم آخر، وهو أن يعرض الفيلم فى إحدى دور السينما بشارع الشانزليزيه، وأجرى اتصالاته ولكنه فشل وتحقق ما أراد حينما عرض آخر أفلامه «حليم» على هامش فعاليات مهرجان «كان» وتمكن ابنه هيثم أن يحل محله فى تلك المناسبة لدرجة أنه اختلى بنفسه هناك على شاطئ البحر عقب انتهاء عرض الفيلم وعندما سأله أحد المرافقين ممن تواجدوا معه عن السبب قال: بابا واحشنى، كان نفسى يكون موجود فى اللحظة دى.
2 - على المستوى الشخصى: لم يعرف أحمد زكى فى حياته معنى للاستقرار الحقيقى على المستوى الشخصى معروف أنه تزوج لمرة واحدة هى من الفنانة هالة فؤاد، وكان لديه شقة بالمهندسين تركها هاربا ليقيم فى سنواته الأخيرة فى جناحه الذى يحمل رقم 2006 فى فندق هيلتون رمسيس، وأقام فيه إقامة كاملة لمدة 15 سنة كاملة حرم فيها نفسه من حياته الأسرية كزوج وأب ينعم بالهدوء والاستقرار، يقول أنا عندى شقتى فى المهندسين، لكننى تركتها لأعيش فى فندق، لأننى كنت أعود لشقتى فأجدها بلا روح لكن فى الفندق يمكن أن أجد ابتسامة أو وردة فى استقبالى أو قطعة شيكولاتة، وبالفعل وجد أحمد زكى الدفء الذى يفتقده مع من يتعامل معهم فى الفندق مثل الجرسون حازم إبراهيم والذى يحفظ قائمة أكلاته من بينها الملوخية التى لابد أن تكون حاضرة بشكل يومى على مأدبة الغداء وبجانبها البصل فى حين يحب أن يحلى بالبطيخ، أما طلبه الدائم فهو تناول عصائر مخلوطة بالألوان مجبر على تناولها نتيجة إصابته بقرحة فى المعدة. ومع ذلك تمنى أحمد زكى الاستقرار وبحث فى ذلك كثيرا وتعب وفى النهاية فشل فى تحقيق أمنيته، والسبب كما فسره بنفسه حينما قال: مشكلتى أننى لم أعد أحتمل امرأة لديها أحلامها الخاصة، وأعترف أن هذه أنانية ولكن هذه هى الحقيقة وهذا هو شعورى. أريدها موظفة تدير حياتى وأمنحها راتبها وهو عبارة عن رجل كبير يحمل طفلا صغيرا، فعليها أن تعاملنى معاملة الأطفال، أعرف أن مواصفاتى صعبة ومعقدة، ولهذا دائما ما أفشل ولا تدوم علاقاتى العاطفية. أما آخر أمنيات أحمد زكى فتمثلت فى ابنه الوحيد هيثم الذى قال عنه: أنا عايز أعطى لابنى الحنان الذى افتقدته، لكن القدر لم يمهله حتى يحقق له ما يريد فقد تمنى أن يرى اليوم الذى يتخرج فيه ابنه من الجامعة، وتمنى اليوم الذى يراه فيه زوجا وأبا ربما ليحقق له ما فشل هو فى تحقيقه بأن ينجب ستة أطفال ويرى فيهم حلمه بدخول الثانوية العامة والالتحاق بكلية الطب أو الشرطة والتى تخلى عنهما زكى خشية أن يفارق زملاءه من الصغر الذين اختاروا دخول المدرسة الثانوية الصناعية. وكانت آخر كلمات أحمد زكى لابنه هيثم: أكمل دراستك وركز فى شهادتك وبعد كده اعمل اللى انت عاوزه.. وأضاف: إذا حدث لى شىء فاعلم أنك لن تكون وحدك. أما آخر ما تمناه.. فهو تصوير جنازته وأن يضعها فى أحداث فيلم حليم بدلا من جنازة عبدالحليم حافظ.
والآن يتمنى أحمد زكى لو يتذكره أحد بزيارته وهو ما يؤكده عمر حسن حارس مقبرة أحمد زكى لماذا لا يزور أحد أحمد زكى فى ذكراه أم أنه كتب عليه أن يكون وحيدآ حيآ وميتآ ؟