تواصل «الصباح» كشف وقائع إهدار المال العام بالملايين فى الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام، والتى من المفترض أن تمثل «الذراع الاستثمارية» للدولة، ولكن وقائع الفساد هذه المرة «إنذارًا على يد محضر» بالبريد السريع إلى مكتب رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، حصلنا على نسخة منه، لإبلاغ «محلب» رسميًا بإهدار أموال الدولة فى شركات القطاع العام. والأمر جد خطير، خاصة إذا علمنا أن «المصرية لتجارة الجملة» تتبع «الشركة القابضة للصناعات الغذائية» مباشرة، وتعد أحد أكبر الشركات التى تورد السلع الاستراتيجية لوزارة التموين كل شهر، بالإضافة إلى أنها إحدى الشركات الكبرى التى تستعين بها الحكومة فى توفير السلع الأساسية للمواطنين. وتكشف أول البلاغات التى تم تقديمها خلال الأسبوع الأول من تولى المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الجديد، عن قيام «الشركة المصرية لتجارة الجملة» بإهدار ملايين الجنيهات من المال العام فى عشرات البنود التى أوردها الجهاز المركزى للمحاسبات ضمن تعليقه على ميزانية الشركة للعام المالى الجديد المنتهى فى 30/6/ 2013، والتى رفض فيها الجهاز ميزانية الشركة الجديدة للعام الثانى على التوالى. فتحت الشركة المصرية لتجارة الجملة «حساب جارى» فى «بنك البركة» مقابل الحصول على عائد سنوى 6% فقط وفقًا للخطاب الوارد للشركة فى 20/1/2013 فى حين تحصل الشركة على عائد سنوى قدره 10.5% من «البنك التجارى الدولى» و 8.5% من «البنك الأهلى اليونانى»، بالإضافة إلى الإعفاء من مصروفات تحصيل الشيكات، وهو ما يؤدى إلى خسارة الشركة فارق الفوائد دون مبرر خاصة إن إجمالى التعامل مع «بنك البركة» خلال هذه الفترة بلغ نحو 74.25 مليون جنيه وهو قيمة الوديعة التى أودعتها الشركة فى البنك خلال الفترة المقبلة. وقال تقرير الجهاز «إن ذلك يعد إهدارًا صريحًا للمال العام، ويتعارض مع توصية الجمعية العامة للشركة المنعقدة فى 16/10/2008، والتى نصت على إعادة النظر فى سياسة تعامل الشركة مع البنك، وإجراء دراسة لتقليل المخاطر مع الرجوع للشركة القابضة لوضع ضوابط التعامل مع البنوك، وهو ما لم يتم الالتزام به، وفقًا لتقرير الجهاز الذى رفض ميزانية الشركة فى فبراير الماضى بسبب «ارتفاع حدة إهدار المال العام». ومن جانبه، تساءل مصدر مسئول داخل الشركة «لماذا لم تضع الشركة ودائعها فى البنوك الحكومية حتى تستفيد منها الدولة، بدلًا من وضعها فى بنوك القطاع الخاص؟، كما أن هناك مشاكل عديدة داخل المؤسسة منها وقف تعسفى عن العمل لمجموعة من العاملين بدون أى سند قانونى، مع العلم أن الإدارة القانونية للشركة تأتمر بأمر رئيسها فقط». وكشف المصدر أنه «تم تقديم بلاغ إلى نيابة الأموال العامة وإرسالة نسخة منه إلى منير فخرى عبد النور وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والجهاز المركزى للمحاسبات، بالإضافة إلى إنذار رسمى إلى مكتب المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الجديد، لسرعة البت فى إهدار المال العام بالشركة». كما كشف تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات الصادر فى 11/2/2014، والذى حصلت عليه «الصباح» على نسخة منه عن مجموعة من وقائع الفساد المالى والملاحظات على أعمال الشركة أبرزها بلوغ رصيد العملاء فى 30/6/2013 نحو 28٫5 مليون جنيه بعد خصم مخصص الديون المشكوك فى تحصيلها البالغ نحو 62 مليون جنيه، فيما لم يتم موافاة الجهاز المركزى بأى مطابقات أو مصادقات لأرصدة العملاء عدا شركة «الأهرام للمجمعات الاستهلاكية- ومصر للألبان» رغم مكاتبات الجهاز المتعددة للشركة فى هذا الشأن. ورصد التقرير ظهور رصيد مدين باسم العميل أحمد محمد عبد الحكم بلغ 5٫6 مليون جنيه فى نفس التاريخ، نظرًا لقيام الشركة بتسليمه كمية من السكر الحر اعتمادًا على سداده حوالات بنكية سريعة دون التحقق من تحصيلها بحساب الشركة فعليًا لدى البنك، رغم صدور تعليمات بعدم صرف أو تسليم أى مبيعات بناء على حوالات بنكية دون الرجوع لإدارة التمويل فى الشركة، وذكر التقرير أن الشركة أفادت بأنه تمت إحالة الموضوع للتحقيق رقم 2013 مع السداد لجزء من المديونية بعد تاريخ الميزانية، وهو ما يتطلب تحديد المسئولية بشأن ما سبق. وفى واقعة جديدة رصدها الجهاز، تبين أن حساب عملاء العجوزات البالغ رصيده المدين نحو 14٫4 مليون جنيه ورصيده الدائن البالغ 835 ألف جنيه، لا يعبر عن العجوزات الحالية الواجب إظهارها فى الحساب الختامى. وعلى صعيد متصل، طالب الجهاز بالتحقيق فى ظهور رصيد الحسابات النقدية الخاصة بالشركة بالصندوق والبنوك فى 30/6/2013 بنحو 1.7 مليون جنيه، و«لم يتمكن الجهاز من التحقق من صحة الأرصدة المدرجة بالميزانية لجميع أرصدة النقدية، حيث لا توجد مجموعة دفترية لها اكتفاء من الشركة بالبيانات المستخرجة من الحاسب الآلى بها قصور فى ضوء عدم ترحيل الأرصدة الشهرية أولًا بأول، وبالتالى عدم إمكانية الوصول للرصيد الدفترى للحساب فى أى وقت خلال العام»، حسب نص التقرير. وفى محاولة للبحث عن ردود منطقية على هذه المستندات، ذهبنا إلى مكتب اللواء أيمن سالم رئيس مجلس إدارة «الشركة المصرية لتجارة الجملة»، والذى نفى تمامًا كل هذه الاتهامات قائلًا: «أنه تم الرد النهائى على تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات واعتماد هذا الرد فى الجمعية العمومية، ومن يروجون لذلك هم مجموعة من العمال الحرامية- وسنقاضيهم». وأضاف اللواء سالم أن «ما أورده الجهاز المركزى للمحاسبات هو مجرد ملاحيظ، كما أن بعض المعلومات التى ترددها أصبحت قديمة، ووعد بموافاتنا بهذا الرد مكتوبًا لكنه لم يوف بهذا الوعد». وقال «سالم» عن موضوع قرض «بنك البركة»: «إن الشركة تمتلك حسابات فى 12 بنكًا مصريًا، وقيمة ما أودعته الشركة فى بنك البركة 300 ألف جنيه فقط واليوم لا يتجاوز قيمة الحساب 100 ألف جنيه»، حسب قوله، نافيا تمامًا إيداع 74 مليون جنيه أو حتى مليون جنيه فى «بنك البركة»، على عكس ماذكره الجهاز المركزى للمحاسبات من أن هناك وديعة قيمتها 74 مليون جنيه فى هذا البنك. من جانبها، قالت مصادر مسئولة بجهاز المحاسبات رفضت الإفصاح عن هويتها، «لقد رفضنا ميزانية الشركة وادعاءات رئيس مجلس الإدارة ليس لها أساس من الصحة، وصممنا على عدم إخلاء ذمة أعضاء مجلس الإدارة ومحاسبتهم على إهدار المال العام، كما طالب هشام جنينة رئيس الجهاز مراقبى الحسابات المختصين بمراجعة أعمال الشركة وإعداد مذكرة للعرض عليه، لتصعيد الأمر إلى رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب.