أزمة طاحنة يعيشها حزب «النور» حاليا بعد الانتهاء من صياغة الدستور الجديد، وليست الأزمة بين شباب الحزب وقياداته بل إنها بين جناح ياسر برهامى فى الحزب والجماعة (الدعوة السلفية) وجناح محمد إسماعيل المقدم نائب رئيس الجماعة. الفريقان فى حيرة بعد الانتهاء من صياغة الدستور. «البرهاميون» يرون أن الدستور حافظ على مواد الشريعة الإسلامية وانتصر للشريعة.. وقد خرج يونس مخيون، رئيس الحزب، يعلن عن مشاركة حزبه فى الاستفتاء على الدستور، بل داعيا الشعب المصرى إلى التصويت ب«نعم»، مؤكدا أن هذا الدستور «جيد» رغم تحفظه على بعض المواد لكنه يرى أن المسودة النهائية تجنب مصر ويلات كثيرة. ويشير مخيون إلى أن حزبه اجتمع بقيادات «الدعوة السلفية» فأكدت أن مواد الدستور تحافظ على الهوية العربية والإسلامية ومضمون المادة 219 موجود، لافتا إلى رفضه ورفض حزبه مزايدة البعض على هذه المادة، فأعضاء الحزب هم من وضعوا هذه المادة فى ظل رفض آخرين محسوبين على التيار الإسلامى، فى إشارة واضحة لجماعة الإخوان. فيما قال طلعت مرزوق، عضو الهيئة العليا للحزب ورئيس اللجنة القانونية، إن مشاركة الحزب فى لجنة الخمسين وعدم الانسحاب منها دلالة واضحة على قبولنا للمنتج النهائى لهذه اللجنة، نافيا ما تردد فى وسائل الإعلام عن أن ممثل حزب النور كان الوحيد الذى صوت ب«لا» على كل مواد الدستور، متسائلا عن الذى كان يفعل ذلك، قائلا: «لماذا قبل الدخول فى اللجنة أصلا»؟. وفى المقابل، يرى آخرون أن السلفيين لم يحصلوا على شىء، وأن إلغاء المادة 219 هزيمة منكرة لتيارهم، وأن الحزب أصبح تابعا للسلطة، وليس له أى دور فى الأحداث السياسية، ويخشى أن يكون مصيره مثل مصير جماعة الإخوان ويقود هذا التيار داخل حزب «النور»، خالد علم الدين المستشار السابق للرئيس المعزول. «علم الدين» رفض الدستور الحالى رفضا قاطعا، واصفا إياه ب«دستور العسكر». وقال إنه «يرفض الدستور من حيث المبدأ والتشكيل وأسلوب العمل والمحتوى والصياغة بداية من ديباجته إلى منتهاه، وقد كنا ننتظر قرار الدعوة والحزب برفض الدستور لإطلاق حملة إعلامية وجماهيرية عامة لرفضه من الأساس». وأرجع البعض حملة «علم الدين» لرفض الدستور، لأنه كان غاضبا منذ فترة، نظرا لاستبعاده من لجنة الخمسين، حيث كان قد تم وعده بتمثيل حزب «النور» داخل اللجنة. فيما يروج أنصار «رفض الدستور» أن الشيخ أبوإسحاق الحوينى، عضو مجلس شورى العلماء السلفى، والشيوخ: محمد إسماعيل المقدم، ومحمد حسان، ومحمد حسين يعقوب يتبرءون من موقف الحزب من المشاركة فى خارطة الطريق وعزل محمد مرسى، وأفعاله الأخيرة. وحسب بيان منسوب لنجل الشيخ أبوإسحاق الحوينى فإن الحزب شارك فيما أسماه البيان ب«الانقلاب» وهذا واضح للعامة وللخاصة ممن يعرفون ما يدور داخل الأجواء»، موضحا: «أما عن دليلى أن الشيخ المقدم معترض على موقف الحزب فأحتفظ به لنفسى لوقت ما، حتى لا نقول ما عندنا فنُفسد أكثر مما نصلح». ورفض الحوينى وصف ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، ب«كاهن الإسكندرية»، قائلًا: هذا جهل وفُجر فى الخصومة لا أصل له، أعاذنا الله وإياك منه. وعلمت «الصباح» من مصادر داخل الدعوة السلفية أن مجلس أمناء الدعوة السلفية أجرى استطلاعا لأعضاء مجالس الإدارة على مستوى الجمهورية قبيل إعلان موقف حزب النور النهائى من المشاركة فى التصويت وجاءت نتيجة هذا الاستطلاع بنتيجة 58% من أعضاء مجلس إدارة الدعوة يرفضون الدستور ويطالبون مجلس إدارة الدعوة والهيئة العليا للحزب بالتصويت ب«لا». لكن الشيخ ياسر برهامى وهو المؤيد -وبشدة- لهذا الدستور حاول إقناع أعضاء الدعوة بضرورة التراجع عن هذا الموقف، حيث قال: «إن البلاد تمر بأزمة طاحنة وأى تغيير فى خارطة الطريق لن يؤدى إلا لمزيد من الفوضى، وأن جماعة الإخوان تتربص فشل إقرار الدستور، مؤكدا أن الدعوة السلفية وحزب النور حصلا على ما هو متاح من الدستور فى ظل لجنة ينتمى أغلبية أعضائها إلى تيارات ليست بإسلامية». وأكدت المصادر أن الدكتور سعيد عبد العظيم عضو مجلس الأمناء، والدكتور محمد إسماعيل المقدم، كانا على رأس الرافضين لهذا الدستور وهددا بإصدار بيان يتبرءون فيه من الحزب، وأنه لا يمثل الدعوة السلفية، وهو ما دفع برهامى للانسحاب. لكن الشيخ محمد عبدالفتاح «أبو إدريس» أقنع عبدالعظيم والمقدم بضرورة عبور هذه المرحلة بأى شكل من باب درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، مشيرا إلى أن التراجع فى هذا التوقيت سيضر بالدعوة أكثر مما ينفع، وأن رفض هذا الدستور سيعاود العمل بدستور 1971 وليس دستور الإخوان كما يزعم البعض، لافتا إلى أنه نظام رئاسى قمعى يعطى للرئيس صلاحيات كبيرة. وما إن تسربت تفاصيل هذا الاجتماع إلى شباب الدعوة عبر خالد علم الدين القيادى فى الحزب حتى قام عدد كبير منهم فى لجان محافظة الإسكندرية بتقديم استقالاتهم من الحزب، وإرجاؤها أسبوعا لحين الجلوس مع الشيخ أبوإدريس ورفض الجلوس والاستماع للشيخ ياسر برهامى. من ناحية أخرى، كشفت مصادر قيادية بحزب «النور» عن تنسيق واسع بين الهيئة العليا للحزب والجناح البرهامى فى «الدعوة السلفية» للإعداد للانتخابات البرلمانية القادمة واختيار الأعضاء بعد قرار سرى للحزب بمنع ترشيح أى من القيادات المؤيدة للإخوان على قوائمه أو على مقاعد الفردى. وقال المصدر الذى رفض الكشف عن اسمه إن قيادات نافذة فى الحزب تتولى التنسيق بين لجنة الانتخابات بالحزب وقيادات أمنية من أجل إمداد اللجنة بتحرياته حول الشخصيات المرشحة؛ لضمان عدم ترشح أى من مؤيدى الشرعية على قوائم الحزب، مؤكدا أن برهامى شريك رئيسى فى غرفة التنسيق. وكشف المصدر أنه ومجموعة من القيادات سيعلنون قريبا استقالاتهم من الحزب بعد انتهاء اللجنة من وضع قوائم الترشيحات وسيفضحون توغل الجناح الأمنى فى الحزب على الجناح السياسى.