لا يمكننا فهم الجدل الذى دار حول قانون التظاهر الجديد بدون معرفة خلفيات إصداره والأسباب التى دعت له والجدل الكبير الذى دار بين مؤسسة الرئاسة من جهة والحكومة من جهة أخرى فور تطبيقه. «الصباح» فتشت فى كواليس القانون الذى هز مصر، فكشف لنا مصدر مسئول تفاصيل ما دار بين الرئيس المؤقت عدلى منصور والدكتور حازم الببلاوى رئيس الوزراء، بداية قبل إقرار القانون، وما تم بينهما بعد إقراره، خاصة بعد أن طالبت الحكومة بالتراجع عنه إثر الاحتجاجات العنيفة أمام مجلس الشورى، كما كشف لنا المصدر ما ورد فى تقرير «سرى للغاية» تم تقديمه من جهة سيادية للحكومة، جعلها تتماسك وتتراجع عن نيتها تعديل قانون التظاهر. المصدر سرد لنا أن فى جميع الاجتماعات مع الرئيس قبل إقرار القانون كانت الحكومة تشتكى وتطرح مسألة «تنظيم عملية التظاهر» من أجل أن يتحقق الاستقرار وتتمكن من العمل، وكان أغلب اللوم يوجه لوزير الداخلية بسبب حالة الانفلات فى الشارع وخاصة قطع الطرق، والتأثير السلبى لمظاهرات الجمعة على الحالة الاقتصادية والسياحية للبلاد، وتعليق عدد من الدول قرار رفع حظر السفر لمصر بتوقف مظاهر الاشتباك فى الشارع، وأيضا كان يوجه اللوم للوزير فى حالة استخدام القوة مع المتظاهرين لما يسببه ذلك من حرج للحكومة. المصدر قال إن اللواء محمد إبراهيم من جانبه كان يرد بأنه غير مسئول عن الفوضى فى الشارع فى حال عدم وجود تنظيم لعملية التظاهر، وأن قواته ليست متفرغة الآن للعمل الأمنى الحقيقى، وهو الأمن الجنائى، لأنها منهكة فى عمليات التظاهر العشوائية والمفاجئة من كافة الأطراف، وهنا طرحت الحكومة أن يتم عمل قانون للتظاهر يتم فرضه على الجميع. وأكد المصدر أن الرئيس أعاد صياغة القانون مرتين بعد توصية عدد من مستشاريه وخبراء حقوق الإنسان، وكان سؤاله المتكرر للببلاوى وأعضاء الحكومة فى كل مناقشة: «هتقدروا تطبقوه؟».. فكان يأتيه الجواب دائما بنعم. وكان الرئيس منصور دائم التأكيد على أن يستوفى القانون جميع إجراءاته قبل أن يصدر، وأن يتم تطبيقه على الجميع بدون تفريق بين المؤيد والمعارض للحكومة ولقوات الأمن. وحين ثار جدل حول القانون وقت كان مشروعا كلف الحكومة بفتح حوار مجتمعى حوله لتسمع كل الأطراف، حتى جاءته النسخة النهائية من المشروع بعد أن أبدى مجلس الدولة موافقته عليها وكذلك وافقت الحكومة. المصدر أشار إلى أن منصور تعجب حينما وجد الحكومة برئاسة الببلاوى فى اليوم التالى لإصدار القانون، وبعد دخوله حيز التنفيذ بالفعل فى أول مواجهة مع الشارع، تصدر بيانا تعلن فيه تشكيل لجنة لدراسة تعديل قانون التظاهر، وكأن الحكومة لم تكن قد قرأت القانون قبل إصداره ووافقت عليه. وكشف المصدر عن حدوث اتصال بين الرئاسة ووزيرى الدفاع والداخلية، أكدا خلاله أن التراجع عن القانون بأى شكل الآن لن يمس هيبة وزارة الداخلية فقط، لكن هيبة واستقرار الدولة كلها، بل هدد وزير الداخلية بتقديم استقالته فى حال التراجع عن القانون. ولفت المصدر إلى أنه بعد هذا الحوار حدثت اتصالات بين مؤسسة الرئاسة والحكومة وتم توجيه سؤال محدد للببلاوى: ألم يكن هذا طلبكم كى تستطيعوا العمل؟ الببلاوى اضطر بعد هذه المواجهة إلى الخروج فى مؤتمر صحفى ليغير موقفه المتراجع، ويؤكد أن الحكومة ستنفذ القانون ولن تتراجع، وأن مصر ليست دولة هشة وأن ما حدث من المتظاهرين أمام الشورى كان خطأ فى الأسلوب، وأن الداخلية نفذت القانون. وأشار المصدر أيضا إلى أنه ساد مؤسسة الرئاسة حالة تعجب مما حدث من بعض أعضاء لجنة الخمسين، الذين ربما كانوا يتصورون أن القانون صدر للتطبيق على الإخوان فقط دون غيرهم، وحدثت أيضا اتصالات مع عمرو موسى رئيس اللجنة، وطالبته الرئاسة بالتواصل مع أعضاء ممن أعلنوا تجميد عضوياتهم فى الخمسين، كى يتم التأكيد لهم على أن القانون صادر للتطبيق على الجميع ولا يمكن تصور صدور قانون للتطبيق على «ناس وناس لا». وشدد منصور خلال اتصاله بموسى على أن حالة الاضطراب أصبحت هى السائدة الآن بينما الجميع يتنصل من مسئولياته ولا أحد يريد تحمل مسئولية قراره أو الاعتراف بما يجب فعله.
سليم العوا وحكومة الظل ومن جهة أخرى، كشف مصدر مطلع أن الهدف الرئيسى من إصدار قانون التظاهر فى هذا التوقيت رغم وجود اعتراضات عليه، هو مواجهة «الثورة الجديدة» التى يخطط لها التنظيم الدولى للإخوان، وبدأ التجهيز لها عبر وسطاء تواصلوا مع القيادات المصرية فى السجون، على رأسهم «سليم العوا»، مرشح الإخوان الأول لحكومة الظل التى يسعون لإعدادها، ويخططون لجذب عدد من القوى الشبابية والمنظمات الحقوقية التى تتلقى تمويلا أمريكيا لها، وذلك لدعمها طوال شهر ديسمبر، وإشعال الشارع بافتعال الصدام مع الشباب فى الجامعات حتى تصل ذروة الأحداث فى 25 يناير القادم بالدعوة إلى العصيان المدنى وإضراب عام. المصدر اعتبر أن من سيحمى الشرطة هذه المرة هم الشرفاء من الشعب، ولفت المصدر إلى أن حوارا دار بين قيادات من جهات سيادية للتخفيف من أسلوب مواجهة حماس الشباب واتباع سياسة ضبط النفس فى مواجهة مظاهراتهم، معتبرا أن هناك عددا من الإجراءات ستصدر خلال الأيام القادمة منها الإفراج عن فتيات جامعة الإسكندرية بكفالة لحين جلسة الاستئناف، والتفاوض لإخلاء سبيل شباب «لا للمحاكمات العسكرية» فى سبيل تعهدهم بتقديم طلبات رسمية قبل أى مظاهرة، مشيرا إلى أن القضايا ستظل موجودة ولن يتم التدخل فى مجراها لكن بروح القانون سيتم البحث عن نقاط اتفاق حتى لا تفقد جبهة 30 يونيو تماسكها ووحدتها أمام مخطط الإخوان. وكشف المصدر إلى أن وجود تقرير «سرى للغاية» تم رفعه من جهات سيادية إلى الحكومة، وقررت بعده عدم التراجع عن قانون التظاهر، ويتضمن التقرير الموقف الأمنى خلال المرحلة الحالية، يلخص حالة من الثقة الشديدة فى الإجراءات التى تتبع لاستعادة هيبة الدولة واستكمال خارطة الطريق، وأهم النقاط التى حواها التقرير أن بوجود مرسى وجميع أعضاء مكتب إرشاد الإخوان فى السجن سيتم اقتلاع جذور العناصر الإرهابية بسيناء وجميع المحافظات، وأن الانتهاء من كتابة الدستور سيكون الخطوة الرئيسية نحو استكمال خارطة الطريق وعودة الاستقرار، خاصة مع ارتفاع الاحتياطى النقدى بشكل بسيط وصعود مؤشرات البورصة.