منذ مظاهرات 30 يونيو حتى الآن، ولازالت جماعة «الدعوة السلفية» - مع ذراعها السياسي «حزب النور» - هي الرسول الوحيد بين القوى المدنية في الحكومة المصرية وبين التيار الاسلامي في الشارع، على اعتبار أن فى ذلك حقنا للدماء ووقوفا خلف الشرعية. التيار السلفى لم يبخل بتنفيذ خارطة الطريق التي أعدت بعد 30 يونيو، وإن ظهر فى أحيان كثيرة أنه يغرد خارج السرب، كأن يؤيد ويعارض نفس الموقف فى آن واحد، وينتقد ويشيد، ولعل هذه هى إحدى السمات السياسية مما جاء به هذا الحزب السلفى الوليد. وعقب لقاء سرى لقيادات الدعوة السلفية «البرهاميين» قبل سفرهم لأداء فريضة الحج، تم إبلاغ الدكتور ياسر برهامى بواسطة أجهزة سيادية أخرى أبلغته أن اتصالا مباشرا وغير مباشر تم رصده بين قيادات فى الدعوة السلفية وحزب النور من جهة، وتكفيريين فى سيناء من جهة ثانية. وكشف «برهامى» لمن معه أن الذى أبلغه ذكَر أسماء المتواصلين مع التكفيريين فى سيناء، وهنا عرضت الدعوة السلفية من خلال الرجل الأقوى (برهامي) مبادرة لمنع مقاضاة هؤلاء بتهم التستر على مجرمين وهاربين من العدالة ومرتكبي أعمال قتل وعنف فى سيناء، وعدم ملاحقتهم لتعاونهم مع جهات خارجية معلومة للأجهزة السيادية فى البلاد. مبادرة الدعوة السلفية كانت تهدف إلى عمل مراجعات - كما فى السابق - لبعض المتشددين القابلين للتوبة، والتواصل مع التكفيريين للإرشاد عنهم ومعرفة أماكنهم ومحاولة الاتصال بهم خاصة أن منهم من تربطه علاقات قوية بقيادات الدعوة. وحسب مصادر خاصة داخل الجماعة، فإن المبادرة تتضمن أن تقوم الدعوة وذراعها السياسية بتنظيم مسابقة فى حفظ القرآن الكريم فى سيناء باسم «مسابقة أم السعد لحفظ القرآن» وجوائزها عبارة عن 60 رحلة عمرة، وبهذا تتمكن الدعوة السلفية من العودة إلى أرض سيناء وفتح حوار مع مشايخ القبائل مرة أخرى برعاية القوات المسلحة ومن خلال حزب النور بوصفه وصيفا، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مسبقا. الجانب الأهم من هذه المبادرة أن تقوم الدعوة السلفية بطباعة آلاف الكتب الفقهية لتكون بمثابة مراجعات للمتشددين، وطعما للإرهابيين والتكفيريين والعناصر الإجرامية، ويشارك فى هذه المبادرة «جهاديون» تراجعوا عن العنف وتربطهم علاقات قوية بقيادات الدولة الحاليين وقاموا بأدوار «مشكورة» خلال مرحلة ما بعد الرئيس المعزول محمد مرسى. دعاة السلفية عقدوا عدة محاضرات تدريبية لطرح جميع الأسئلة الفقهية المتوقعة، وعملوا على استشارة الأزهر الشريف فى مثل تلك الأمور، معتبرين أن المراجعات التى أطلقها بعض القيادات الجهادية زائفة، وسيتراجع عنها الكثيرون لأنها كانت تحت ضغوط أمنية. وقال المصدر إن الأزهر بدأ بالفعل فى مراجعة هذه الكتب، بل شارك فى وضع مادتها ووضع أسماء لأقطاب السلفية عليها، باعتبار أنها صادرة عن شيوخ محل ثقة، ومن هذه الأسماء المقترحة الشيخ محمد أبو إدريس والدكتور محمد إسماعيل المقدم والشيخ أبو إسحاق الحوينى وغيرهم. وأضاف المصدر أن هذه المراجعات ليست أمنية بقدر ما هى اتفاق لمصلحة الدولة العليا وحرصا على الأمن القومى للبلاد، وتهدف هذه المراجعات إلى حماية الشباب من الانزلاق إلى الأفكار الخاطئة والمنحرفة، خصوصا بعد انتشار أفكار سيد قطب وأبو الأعلى المودودى التكفيرية مثل «الحاكمية» ومخاصمة المجتمع والطائفة الممتنعة والهجرة، مؤكدا أن هناك بعض المغالطات الشرعية والمجتمعية تفتح الفجوة بين الشعب والدولة ومؤسساتها. ومن الموضوعات المطروحة في خطة حزب النور مفهوم «الحاكمية» وتكفير المجتمع، وسيتم الرد عليها برعاية الأزهر، خاصة أن جماعة «الإخوان» هى الأم الحقيقية لكل تلك الجماعات التكفيرية والمتطرفة، وهناك علاقة عظيمة بين الإخوان وجماعات العنف السياسى على مدار العهود السابقة منذ فترة السبعينيات وما تلاها من مقتل الرئيس الراحل أنور السادات. الغريب فى هذه المراجعات أن الدعوة السلفية اقترحت مراجعات لشباب الإخوان برعاية الأزهر الشريف، حتى لا يتم استقطاب شباب الإخوان إلى أحضان السلفية ويتم الانتهاء من أزمة لتظهر أخرى، بالنسبة ل«القطبيين» ومن ينتهجون منهج العنف وحمل السلاح، خاصة أن منهم أعدادا كبيرة فى السجون حاليا. واقترحت «الدعوة» فى مذكرتها لأحد القيادات الشهيرة أن يتم إطلاق سراح هؤلاء الشباب بعد أن يتلقوا محاضرات فى السجون على أيدى قيادات من السلفيين المشهود لهم بالكفاءة فى صفوف الإخوان، وهنا يأخذ الأمر طريقين، أولهما تنقية أذهان شباب الإخوان من أفكارهم الغريبة، وثانيهما استعادة متشددى سيناء إلى حظيرة الوطن، وينتظر من أجرم عقابه حسبما يعلن لسان القضاء. مراجعات السلفيين لجهاديين تهتم بالجانب التاريخى للفكر التكفيرى، مثل فتاوى ابن تيمية، والغريب أن من يقومون بهذه المراجعات لا ينكرون فتاوى شيخ الاسلام، لأن المراجعة الفكرية ليست فقهية فقط، لكنها تستفيد من واقع وتجربة مع أشرس التنظيمات المتطرفة. ونظرتنا لا تعتمد على الكتب فقط، بل يدعمها الواقع والتجربة العملية في التسعينات، والتي تؤكد ان بعض الفقه مكانه الكتب فقط ولا يجب سحبه على المجتمع. لعل هذه الكتب التى سيتم طباعتها سابقة لم يقدم عليها السلفيون فى تاريخهم، ومن الكتب المرشحة لتلك المراجعات «الإخوان الأولون والأنصاف» و«مناهج الإصلاح» و«الدولة والمجتمع» و«الدعوة السلفية وعدوان أبنائها عليها».