بمجرد علم سائق السيارة الميكروباص الذى اصطحب محررى «الصباح» من القاهرة إلى الفيوم، أن غايتنا من الرحلة الوصول لقرية «شكشوك»، بدا على وجهه علامات الضيق، وعندما سألناه عن السبب، قال: «بلد الفُجر والدم، ربنا يكفينا شرها».. هكذا لخص السائق القصة التى من أجلها قررنا السفر إلى القرية، دون أن نطلب منه ذلك، فليس هناك فُجر أبشع من تحويل مقر حزب يرفع أصحابه الشعارات الدينية، إلى مكان لممارسة الدعارة، وتصوير فتيات فى أوضاع مخلة، ليكون مصير إحداهن القتل على يد أسرتها. عند مدخل قرية شكشوك، استوقفنا توك توك، طلبنا من سائقه «عبدالرحمن» الذى لم يتجاوز عمره 16 سنة، الدخول بنا إلى القرية، ورددنا على مسامعه ما قاله سائق الميكروباص عن القرية «بلد الفُجر والدم»، فقال: «من يوم ما البنت بتاعة الفضيحة اتقتلت، والبلد سمعتها فى الأرض، والأهالى هنا غلابة، كل اللى يهمهم حماية حسن السنوسى، الإخوانى اللى ضيع شرف البلد ع الأرض، بعدما صورها فى مقر حزب الحرية والعدالة وأهلها عرفوا وقتلوها»، ثم يصمت عبدالرحمن ويتركنا فى منتصف القرية، تفتش فينا عيون أهاليها أكثر مما نفتش نحن عن حقيقة أهلها. سنترال الغرام محل صغير، يتوسط شارع السوق الذى تركنا أمامه سائق التوك توك، لفت نظرنا أن الشارع لا يخلو من السيدات المنتقبات، فقلما يوجد فى القرية سيدة غير منتقبة، كذلك كل المحلات لا تخلو جدرانها من كلمات «الشرعية، ضد الانقلاب، وصور المعزول فى كل مكان» الأمر الذى يعكس خلفية القرية واتجاهاتها السياسية، وبالحديث مع الشاب محمد، صاحب سنترال الرحمة، تعمد فى البداية أن يُنكر أى مشاكل فى القرية، فلم ينطق بكلمة سوى «مفيش مشاكل» و«إحنا مش إخوان»، ولكن سريعا انفكت عقدة لسانه، وبدأ يتبادل معنا أطراف الحديث بأريحية، بعد أن تأكد من علمنا بقصة الفضيحة التى شهدتها قريته، فقرر أن يفصح عن مزيد من التفاصيل قائلاً: «البنت محصلهاش أى اعتداء ولا أى حاجة، وأهلها قتلوها بعدما أهل القرية طلعوا شائعات عليها وصور وفيديوهات لها فى «فيس بوك» و«تويتر»، وهى فى أوضاع مُخلة مع السنوسى، واحد من رجال الإخوان المشهورين بالقرية» يقولها محمد ثم يصمت قليلاً، ويستكمل حديثه: «إحنا بلدنا كلها إخوان، ومحدش يكره طاعة ربنا، والبنت غلطت وأخذت جزاءها، ليه بقى الإشاعات بتطلع تانى والحكومة مش سايبانا فى حالنا». مسرح الجريمة فتاة صغيرة، لا يتعدى عمرها 10 سنوات، تقف فى محل لبيع الحلوى، عندما اقتربنا منها لنسألها عن منزل السنوسى، المتورط الأول فى الجريمة، قالت وهى ترتجف: «معرفش حاجة» ثم لوحت برأسها فى اتجاه معين، وكأنها تعطينا الإجابة دون أن تنطق بحرف واحد، لنجد أنها تشير إلى منزل متطرف فى آخر الشارع مكون من 5 أدوار، الدور الأول منه خاص بمسكن الفتاة وعائلتها، والدور الأخير مقر حزب الحرية والعدالة، الذى تمت بداخله جميع الفضائح الجنسية مع الفتاة المقتولة، ومع غيرها من فتيات القرية، وقد خيم الصمت على المنزل تماماً، وهجره كل سكانه تقريباً، بعد هذه الجريمة، وبعد غلق مقر الحزب. تحريات المباحث وبعد وصولنا للقسم المسئول عن الحادث، الذى يباشر الآن خط سير التحقيقات، علمنا أن وقائع نشر الفيديوهات الجنسية المصورة للفتيات بقرية شكشوك التابعة لمحافظة الفيوم، بدأت تنكشف خيوطها، عندما تلقى اللواء الشافعى حسن أبوعامر، مساعد وزير الداخلية، مدير الأمن، بلاغا من الأهالى بعثورهم على جثة فتاة فى العقد الثانى من العمر غريقة بنهر النيل، وعلى الفور انتقل العميد محمد الشامى، مدير إدارة البحث الجنائى، إلى مكان البلاغ، وتم التحفظ على الجثة، ونقلها إلى المستشفى. وتم تشكيل فريق بحث على أعلى مستوى، قاده المقدم محمد الحامبولى، رئيس مباحث مركز شرطة أبشواى، وبعد أيام من التحريات وجمع المعلومات ظهر العديد من المفاجآت، إذ تبين أن الفتاة، التى نتحفظ على اسمها، (20 سنة) ربة منزل، وأن وراء ارتكاب الحادث «أ. ج» (35 سنة) أخوها من الأب، وابن عمها «ع. سيد» (29 سنة)، وقررا قتلها بعد أن انتشر فيديو جنسى للفتاة داخل القرية عبر مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك وتويتر» فتخلصا منها انتقامًا لشرفهما، بأن اصطحباها حتى وصلا بها لإحدى المناطق الزراعية بالقرية، فقام أحدهما بخنقها، والآخر كتم أنفاسها حتى فارقت الحياة، بعدها وضعا جثتها داخل جوال، ثم ألقياها بنهر النيل، لتظهر طافية على سطح النهر بعد يوم من ارتكابهما للجريمة، وقد لاذا المتهمان بالفرار تاركين وراءهما جثة الفتاة. وكشفت تحريات المباحث أن الفيديو الذى تم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعى لم يكن الفيديو الأول الذى تم تسجيله، بل تم تسجيل العديد من الفيديوهات لفتيات غيرها فى القرية، وعثر ضباط المباحث على 3 من هذه الفيديوهات، تم تفريغها، وكانت المفاجأة أن المكان الذى تم تصوير الفتيات فيه هو مقر حزب الحرية والعدالة بقرية شكشوك، وأن من قام بتصوير تلك الفيديوهات شخص يدعى إبراهيم محمد ناجى، عضو حزب الحرية والعدالة، وابن شقيقة سنوسى فرج سليمان، العضو البارز بجماعة الإخوان المسلمين بالقرية، وأن من كان يمارس الجنس معها هو عضو الحرية والعدالة بالقرية ويدعى محمود محمد أنور، حيث يقوم المتهمان باستدراج الفتيات إلى مقر الحزب وممارسة الرذيلة معهن، وتصويرهن أثناء ذلك، وأن الأمر تكرر كثيرا، وتم كشفه عندما اختلف أحدهما مع الآخر فقام بنشر الفيديو، عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ليقع فى أيدى جميع شباب القرية، وينتشر بسرعة البرق حتى يصل لأخيها الذى قرر قتلها انتقاما لشرفه. الضحية ليست عذراء وكشف التقرير المبدئى للطب الشرعى، بعد تشريح جثة المجنى عليها، أنها ليست عذراء، برغم تأكيد أهالى القرية أنها لم يسبق لها الزواج من قبل، وأضافت التحريات أن مقر حزب الحرية والعدالة يقع أعلى شقة المجنى عليها، مما جعلها تتردد كثيرا عليه، وبعد أن ارتكب عضوا الحزب جريمتهما لاذا بالفرار، ولم يتم القبض عليهما حتى مثول الجريدة للطبع، وأن ضباط المباحث علموا بمكان اختباء «السنوسى» وحاولوا القبض عليه أكثر من مرة، إلا أن طبيعة القرية التى يقطنها أغلبية من الإخوان، حالت دون ذلك، حيث قام الأهالى بتهريبه خارج القرية، حتى تبادلت المباحث فى إحدى المأموريات إطلاق النار على السنوسى، ولم تتمكن من القبض عليه، وأن أهالى القرية التابعين لجماعة الإخوان ساعدوا المتهمين من حزب الحرية والعدالة على الهروب قبل سقوطهما فى قبضة الأمن. وفى نفس السياق، عقد اللواء الشافعى حسن أبو عامر، مساعد وزير الداخلية، مدير الأمن، اجتماعا سريا مع قيادات المديرية لبحث الوضع ب«شكشوك» حيث أخبره مساعدوه أن الوضع خطير جدا والقرية فى حالة من الغليان، ولابد من إلقاء القبض على المتهمين حتى تهدأ الأمور وتعود لطبيعتها قبل أن يتم ارتكاب جرائم قتل أخرى بالقرية، مما جعل «الشافعى» يعجل بتكثيف تحريات المباحث حول أماكن اختباء المتهمين لسرعة القبض عليهم وتقديمهم للعدالة وتمشيط أمنى مكثف لجميع قرى مركز أبشواى حتى يتم إلقاء القبض عليهم. من جانبه، أكد مصدر أمنى بوزارة الداخلية ل «الصباح» أن اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية يتابع أحداث قرية شكشوك بنفسه، ويتم عرض تقارير يومية عليه، عما توصلت إليه أجهزة الأمن بالفيوم، وأنه تقابل مع مدير أمن الفيوم وطلب منه سرعة القبض على المتهمين حتى يأمن أهل القرية شرهم القادم، وحتى تستقر الأمور. وأضاف المصدر أن جميع المتهمين فى القضية تم تحديد أماكن اختبائهم، من بينهم اثنان موجودان بمحافظة القاهرة، وآخران خرجا من القرية، ولكنهما لا يزالان داخل مركز أبشواى، وأنه خلال الأيام القليلة المقبلة سيتم إلقاء القبض عليهم وإحالتهم إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم، وطلب الوزير من مدير الأمن أن يشدد الحراسة على القرية سريا؛ لتكون فى قبضة الأمن، ومنع حدوث أية كوارث أخرى بالقرية، وأنه سيتم إلقاء القبض على قيادات أخرى تم رصدها قامت بالتحريض على ممارسة الرذيلة مع عدد من فتيات القرية، وسيتم الإعلان عنها بعد إلقاء القبض عليهم مباشرة. «شكشوك».. «كرداسة» جديدة وأشار المصدر إلى أن الوزارة قلقة من تحول شكشوك إلى كرداسة جديدة، موضحا أنه بعد فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، هاجمت الجماعات الإسلامية مركز الشرطة ومبنى مباحث الأمن الوطنى بالقرية، وأضرموا النار فيه، وقتلوا ضابطا وألقوا بجثته من أعلى سطح المركز، وتم نقل مقر المركز إلى إحدى نقط الشرطة الموجودة، لحين الانتهاء من إصلاح الإتلافات التى حدثت، وأنه يتوقع إحداث حالة من الفوضى بعد إلقاء القبض على تلك القيادات من جماعة الإخوان، ولذلك سيتم وضع خطة أمنية محكمة للسيطرة على القرية. حديث المصدر الأمنى أكده أهالى القرية، ففى طريقنا إلى القرية علمنا أن أهلها جميعهم خرجوا فى مظاهرات لتأييد مرسى، وحرقوا قسم الشرطة، ومبنى أمن الدولة بالقرية، وجميع المؤسسات والهيئات غير المؤيدة للإخوان، وذلك وفقاً لما أكده مصطفى الفيومى أحد أهالى القرية، إذ أوضح أن أهالى القرية جميعهم وبلا أى استثناء إخوان، حتى الأطفال فى المدارس يتعلمون كل تعاليم الإخوان، ويعلقون فى كل فصل صورة للمعزول محمد مرسى، وموجودة بكل المدارس إلى الآن، كذلك فإن الأمهات والبنات فى القرية جميعهن منتقبات، وأن البلدة بالكامل خرجت لتأييد مرسى، لذلك فهم يتعمدون التعتيم والتكتيم تماماً على أى تجاوز يحدث منهم حتى وإن تعرض الموضوع لجرائم الشرف مثل الذى حدث مع الفتاة المقتولة. شاهد عيان «أهل القرية هم المسئولون عن هروب السنوسى» هذه الجملة قالها أشرف مُحب، أحد أهالى القرية، وأضاف أن أهل القرية تعمدوا تضليل المباحث حتى يتمكن السنوسى من الهرب، حتى فى المطاردة التى حدثت بين قوات الأمن والسنوسى، ضلل أهالى القرية قوات الأمن بإعطائهم معلومات مغلوطة حول خط سير الهارب، مما جعله يتمكن من الإفلات من قوات الأمن، كذلك فهم يبررون هذه التصرفات ببعض الردود، منها «البنت هى اللى فرطت فى شرفها، هى غلطت وخدت جزاءها، الراجل معندوش عيب، ده بتاع ربنا مستحيل يعمل كده» وغيرها من الكلمات الرنانة التى تنم عن ثقافتهم البالية. هجرة الأهالى خوفا من الفضيحة وعلمت «الصباح» أن المجنى عليها لم تكن الفتاة الوحيدة التى تم تصويرها فى هذه الأوضاع داخل مقر حزب الحرية والعدالة، فهناك العديد من الفتيات غيرها، ولكن أسرهم اتخذوا مواقف مغايرة تماماً لموقف أهل الفتاة المقتولة، فبدلاً من أن يقتلوا بناتهن قرروا أن يهجروا القرية تماماً، خوفاً من الفضيحة وتستراً على شرف بناتهم، وذلك وفقاً لما ذكره علاء الدين نبيل، أحد أهالى قرية أبشواى المجاورة لقرية شكشوك، حيث قال: «بمجرد انتشار فيديو الفتاة بين أهالى القرية جميعهم، انتشرت معه فيديوهات أخرى لاثنتين من فتيات القرية، فنزلت إحدى الأسرتين إلى القاهرة، والأخرى بإحدى القرى المجاورة لقرية «شكشوك»، ولجئوا إلى ذلك لأنهم لا يريدون أن تنتشر الفضيحة بين أهالى القرية، فحتى لو فكروا فى قتلهن فلن يكون ذلك داخل القرية أبداً، حتى لا يجلبوا العار لأهلهم وذويهم».