أين اختفى الدكتور مصطفى حجازى المستشار السياسى لرئيس الجمهورية؟.. هذا هو السؤال الذى يشغل بال الرأى العام منذ ظهور حجازى القوى فى مؤتمره الصحفى الشهير فى منتصف أغسطس الماضى للرد على أسئلة وسائل الإعلام العالمية حول حقيقة الأوضاع فى مصر، وهو المؤتمر الذى صعد بحجازى لمصاف نجوم الصف الأول فى سماء السياسة المصرية.. السؤال له ما يبرره خاصة وأنه لم يظهر بالفعل منذ أكثر من شهر سوى فى لقاء تليفزيونى واحد. الشائعات تحركت سريعا حول صراع فى القصر الرئاسى بطلاه المستشار السياسى والمستشار الإعلامى للرئيس «أحمد المسلمانى»، وزادت إلى حد القول بأن حجازى موضوع فى إطار لا يسمح له بتجاوزه خشية من تصاعد نجوميته.. «الصباح» رصدت كل التفاصيل والكواليس حول ظاهرة مصطفى حجازى التى تشغل الرأى العام وحقيقة «اختفائه». لم يكن صعود اسم مصطفى حجازى مفاجأة أو نتيجة لزوبعة سياسية فارغة أو نتيجة خطاب غوغائى من هذه الخطابات التى تملأ مصر بعد 25 يناير، فالرجل حاصل على أعلى الدرجات العلمية من أرقى جامعات العالم، حيث حصل على الدكتوراه فى «الفلسفة والإدارة الإستراتيجية» وعمل أستاذا للإدارة والتطوير المؤسسى فى جامعة جنوب كاليفورنيا، وحصل على عدد من الدبلومات الخاصة فى علوم التفاوض وغزارة المشاريع و«التطوير الإبداعى» وهو عضو مؤسس فى المعهد الإدارى لحوكمة الشركات وعضو اللجنة الاستشارية للبنك الدولى. قبل 25 يناير كان مصطفى حجازى منفتحا على كل التيارات السياسية وقدم العديد من الأبحاث والدراسات حول «أنسنة الإدارة» وهو مصطلح يعنى أن يكون البشر هم أول مستهدفات أى عمليات سياسية تتم فى أى دولة لا نخبة بعينها. وبعد 25 يناير قام مصطفى حجازى بتأسيس كيان أطلق عليه «التيار المصرى العام» وربما كانت فكرة هذا الكيان من أول من انتبه مبكرا لإمكانية حدوث صدام بين التيار الإسلامى والتيار المدنى، وباختصار فقد كان الكيان داعيا للتأكيد على «المشترك الوطنى» وفى هذه المرحلة توطدت علاقة حجازى بكل التيارات السياسية على الساحة ومن بينها جماعة الإخوان التى لم تكن قد كشفت بعد فى عام 2011، وفى زهو الانتصار العام بإسقاط مبارك عن كامل وجهها القبيح والمتسلط. وطيلة حكم المجلس العسكرى ثم مرحلة مرسى كانت آراء حجازى تتسم بالموضوعية والبعد عن الدخول فى أى صراعات شخصية. وعندما سقط مرسى بعد 30 يونيو كان أن رشح رئيس الوزراء الجديد الدكتور حازم الببلاوى الدكتور مصطفى حجازى ليكون المستشار السياسى لرئيس الجمهورية عدلى منصور وهو الاختيار الذى رحب به الرئيس المؤقت وباركته المؤسسة العسكرية. وقد شهد أول مؤتمراته الصحفية الذى عقد فى منتصف أغسطس الماضى إعجابا شعبيا لافتا بأدائه ورأى فيه الكثيرون نموذجا جديدا لرجل الدولة القادر والواثق والعارف بلغة السياسة والميديا العالمية، وقد نجح فى هذا المؤتمر فى أن يصك عددا من التعبيرات السياسية أصبحت متداولة على لسان الكثيرين مثل أن مصر تعيش مرحلة «تأسيسية» لا «انتقالية»، وتداولت وسائل الإعلام العالمية تصريحاته لا يمكن أن توصف الأحداث فى مصر بأنها ملامح خلاف سياسى حين نجد هذا القدر من الرغبة فى التدمير والحرق الممنهج لدور العبادة من كنائس ومساجد ومؤسسات الدولة والمتاحف والمدارس بشكل يومى يرجى منه أن يتم بث الرعب فى قلوب المصريين وتوصيل رسالة مفادها أن هناك فوضى ستنهى حياتكم إن لم يستطع هذا الفصيل العودة إلى ما يريد، وقال أيضا فى نفس المؤتمر: لقد انتهى دور الفاشية الدينية ولكنها تتحرك الآن فى إطار العنف والإرهاب.. لدينا الآن عدو متطرف فى المجتمع سواء يتمثل فى أشخاص أو تنظيمات طالما بقى وبقيت إرادته فى تعكير السلم المجتمعى ستبقى هذه المواجهة مفتوحة حتى ينتصر المصريون، وهو أمر قريب جدا كما حدث فى التسعينيات. بعد هذا المؤتمر وإلى الآن انطلقت موجة من الحروب الخفية من ناحية، ومن الشائعات لم تتوقف حتى اللحظة. جماعة الإخوان اعتبرت قبول مصطفى حجازى العمل فى نظام ترى الجماعة «وليس فى وجهها نظر» أنه نظام جاء بالانقلاب على حكم رئيس شرعى منتخب هو الرئيس المعزول بثورة محمد مرسى خيانة لعلاقة قديمة ربطت بين حجازى وبين عدد كبير من قيادات وشباب الإخوان واعتبرته واحدا من أقوى خصومها فى السلطة الجديدة، ولم تنتبه إلى أنه كان ولا يزال من الداعين لاندماج تيار الإسلام السياسى «المعتدل»، فى الحياة السياسية وإن كان هو نفسه من المؤمنين والداعين إلى الليبرالية بمعناها المتسق مع القيم الوطنية للدولة المصرية. ودشنت الجماعة على الفور 10 لجان إلكترونية للهجوم على صديق الجماعة الذى خانها ونشرت صورا لبعض قياداتها معه باعتبار ذلك دليلا على أن الرجل لم يراع «صداقة قديمة»، وكان ضمن فريق السلطة أثناء فض اعتصامى رابعة والنهضة ولم ينسحب ولم يهرب من المشهد مثل البرادعى. على الجانب الآخر اعتبر عدد كبير من شباب الثورة أن الظهور القوى لمصطفى حجازى ووجوده فى مؤسسة الرئاسة يمثل أفضل تعويض عن فقدان البرادعى بل أيضا ربما يمثل وجوده إضافة أقوى؛ نظرا لحيويته وسنه الباكرة وطموحه لإثبات مكانه فى مكان يستحقه. من ناحية أخرى فقد قيل إن صراعا «مكتوما» قد نشب بين حجازى وبين أحمد المسلمانى المستشار الإعلامى للرئيس المؤقت وقد تنامت هذه الشائعة بعد لقاءات المسلمانى برؤساء الأحزاب لإجراء مشاورات حول المشهد السياسى وهو دور يفترض أن يقوم به المستشار السياسى. مصادر مقربة من «القصر الرئاسى»، أكدت ل«الصباح»، أن لقاءات المسلمانى بالقوى السياسية لقاءات «بروتوكولية» رغم جديتها وحرص الرئاسة على استطلاع الآراء والقوى السياسية لكن فى هذه المرحلة فإن مصطفى حجازى يعكف «بهدوء» و«تركيز» على دراسة ومتابعة ملف «لجنة الخمسين» المنوط بها إجراء التعديلات الدستورية والاتصال بكل الأطراف المشاركة حيث تعتبر الرئاسة هذا الملف هو الأهم باعتبار أن انتظام عمل اللجنة وقدرتها على إنجاز دستور عصرى يحقق طفرة؛ مقارنة بكل الدساتير السابقة، هو أهم ما يشغل الرئاسة فى طريقها لإنجاز «خارطة الطريق»، وأيضا فإن حجازى يعكف بنفس الدرجة من التركيز والرغبة فى البعد عن الأضواء أو الحوارات الصحفية على دراسة الموقف الأمريكى والأوروبى من المستجدات فى مصر بعد 30 يونيو وإعداد تصورات مكتوبة حول موقف هذه الدول لكى تستفيد بها الرئاسة والخارجية وهى تقارير تكتب من خلال رؤية «إستراتيجية» ويتصل حجازى ويتلقى اتصالات العديد من السفراء والشخصيات الدولية لشرح ما يجرى فى مصر وتصحيح أكاذيب الإخوان وقطر وتركيا حول الشأن المصرى.