طيبة لا تصفها كلمات، ضحكة هي وسط الدموع والآهات، عطاؤها بلا حدود، صبرها كالصخر في الجمود، أول كلمة تنطقها الشفاه، ببساطة هي أصل الحياة... انها الأم. اتخذت منها السينما المصرية مادة دسمة ومحوراً أساسياً لأفلامها منذ عقود من الزمن، لتكون رمزاً لبنية الأسرة وأساساً لسعادة أبنائها وأحفادها، لتقود دفة العائلة لبر الحياة الكريمة. لكن الغريب في الأمر، هو تسليط كاميرات المخرجين وأقلام المؤلفين على جانب واحد من إنسانيات شخصية الأم في غالبية الأفلام والمسلسلات الدرامية. فدائماً ما تكون حزينة بائسة تضحي بكل ما لديها من أجل اسعاد أفراد أسرتها، مسكينة وجادة وبسيطة، أحلامها محدودة في الحياة، و:ان كونها سعيدة خيانة لدورها كأم. وغالباً ما تكون فقيرة جداً وأم معيلة لعدد كبير من الأولاد والبنات، وطبعاً "لزمة" أن تكون مريضة وتخفي تعبها عن أهلها إلى أن يأتي المشهد المؤثر الذي ينطق فيه جميع أبطال الفيلم في نفس واحد " ماااماااا "، عندما تسقط مغمياً عليها من حالة حزن شديدة ، وطبعاً نادراً ما نرى في أي مشهد من المشاهد ولو حتى ابتسامة صغيرة على وجهها، طوال أحداث الفيلم ويكأن الضحك حرام في شرع الأمهات، ولكن احقاقاً للحق نرى هذه الابتسامة قبل تتر النهاية بثواني. فهي ببساطة خليط من الكاّبة والحزن والفقر والتعب والصبر والحنية، وكل هذه الصفات وجب أن تتجمع في شخصية م الممثلة التي تؤدي دور الأم في أي فيلم، حتى أصبحت هذه الشخصية مجرد " اصطمبا " واحدة يؤدينها جميع الممثلات في هذا الدور. إلا أن هناك فنانات وضعن علامتهن المميزة في أذهان جمهور المتابعين للشاشة الصغيرة والكبيرة، في أيام الزمن الجميل في الفن والسينما، فمن منا ينسى الفنانة القديرة أمينة رزق، والتي حازت وبكل جدارة على لقب " أم السينما المصرية"، بأدوارها الشهيرة في أفلام " دعاء الكروان"، الجنة تحت قدميها، وأولاد الذوات، وغيرها الكثير من الأعمال الفنية الرائدة التي جعلت منها رمزاً لشخصية الأم في ذاكرة أجيال عدة وعديدة، بأدائها الدور بصفات الأم الصبورة والمسكينة والمضحية بنفسها والحزينة، لتكون هذه الصفات " الكئيبة" هي وصف أساسي لهذا الدور في أي فيلم. إلا أن هناك فنانة قديرة ضربت بهذه القواعد الحزينة عرض الحائط في عدة أعمال سينمائية لها، لتبرز من أولى مشاركاتها التمثيلية صفة من أجمل ما يميز الأم المصرية، ضحكتها وفرحتها بالحياة، لتتمكن من توضيح سحر ابتسامتها الخلابة التي تنير ببساطتها وخفة دمها جوانب الأسرة جميعها، إنها " كريمة مختار" المعروفة في مخيلة الجيل الحالي بشخصية " ماما نونة ". فمن ينسى دورها العظيم في فيلم " الحفيد"، الذي يعد أحد أفضل الأفلام العائلية في تاريخ السينما المصرية حتى الان، حين تمكنت من إظهار الفرحة في عيون الأم عالرغم من " زحمة" بيتها بالأولاد والبنات، فبين صعاب تربية الأطفال والتعامل مع اخوتهم الكبار، ظهرت السعادة الحقيقية ي الأسرة ومركزها ابتسامة الأم. فبكل بساطة، الأم هي الحياة، بكل ما فيها من سعادة وحنان وطيبة واهتمام، فلا يجب أن تنحصر هذه الميزات العظيمة في مجرد دور حزين، مليء بالهم والشقاء والأسى، فلنعطيها حقها بإبراز حقيقة صفاتها، التي لن تكفي أحرف الكلمات عن وصفها.