عمرو: إصابتى لا تعنينى لكن "الصمت العربى" يقتلنا أم عماد: أتمنى الحصول على طرف صناعى لزوجى "المشلول" حتى نعود لبلادنا محمد: عناصر الجيش النظامى تطاردنا فى كل مكان.. والمستشفيات رفضت علاجنا
لم يتبق سوى صورة حطام الجدران، وبقع الدماء الساجدة على الأرض وأشلاء هنا وهناك، وطن ينهار وأطفال تشردت ونساء ترملت، كل هذا من أجل الحفاظ على نظام ديكتاتورى، صنعه الأسد الأب واستمر فيه الأسد الابن، الأمر الذى يجعلك تقف مذهولا أمام ما تشهده من مجازر تخالف جميع المشارع الإنسانية، لتبادر حينها بالسؤال كيف لبشار الأسد أن يقتل كل هذه الأعداد ويشرد الأطفال بهذا الشكل فهل هذا بشر، وما هى علاقته بالإنسانية التى استباح دماءها؟. الأسد لم تقتصر ضحاياه على سوريا فقط، بعد أن لاحق رجاله السوريين فى جميع الدول التى غادروا إليها، ضحايا الأسد كثيرون ما بين مرضى وأطفال تيتموا وأرامل فقدوا أزواجهن، بخلاف من ترك دياره وأهله ولا يعرف عنهم شيئا وهل هم فى عداد الموتى أم مازالوا أحياءً يرزقون، بين كل هؤلاء عدد من مصابى الثورة السورية الذين اضطروا للرحيل عن بلادهم، بعد أن ترك النظام عليهم علامات لا يستطيع الزمان محوها.. إنهم ضحايا الأسد.
أم عماد.. زوجة تحلم بساق صناعية لزوجها حالة من اليأس الشديد تكسوها علامات الحزن تجسدت على الوجوه البسيطة التى باتت تنتظر شعاع أمل فى الحياة، معاناة كبيرة لم يتخيلها أحد، خاصة فى ظل الظروف التى يعيشها المجتمع المصرى حاليًا، أسرة من بين ملايين الأسر التى شردها النظام السوري، بعد أن فقدت عائلها الوحيد. "أم عماد" رفضت ذكر اسمها الحقيقى، حتى لا تتعرض لملاحقة نظام بشار لها بعد هروبها مع زوجها، الذى تجاوز الستين عاما.
تقول الزوجة: تعرض منزلنا الذى نعيش فيه أنا وزوجى ونجلى فى رمضان الماضى للقصف أكثر من مرة من قبل قوات بشار الأسد، وتسببمرض زوجى بالسكر وصعوبة علاجه فى ظل الأوضاع التى تشهدها بلادنا فى إصابته بانسداد فى الشرايين بالقدم نتيجة الرعب والخوف اللذين كنا نواجههما ما أدى إلى التهاب بقدم الزوج العائل الوحيد للأسرة، مضيفة: "تعرض زوجى لعملية بتر وبعدها فررنا من منزلنا بعدما خرقنا الحائط وهربنا لمنزل مجاور لنا، وفى النهاية وصلنا لمصر قبل ثلاثة شهور فقط لنعيش فى حى ال37 بمحافظة دمياط، وكانت نهاية زوجى أنه لا يتحدث ولا يتحرك بعد إصابته بالشلل، ورغم ذلك مازال يأمل فى أن يتحرك بطرف صناعى لقدمه". ما يشغل بال "أم عماد" الآن بعد إصابة زوجها بالشلل هو الحصول على طرف صناعى بدلا من قدمه المبتورة.
رحيل بشار الأسد كان هو الأمنية الثانية لأم عماد التى لم ينقطع دعاؤها حتى تعود مع أسرتها لسوريا لكى لا يدفن زوجها فى مصر مثل عشرات السوريين الذين ماتوا فى مصر منذ اندلاع الثورة السورية، لافتة إلى تخصيص مكان بمدافن مدينة دمياطالجديدة لدفن السوريين. وفى لمحة أخرى تستعيد "أم عماد" ذاكرتها بعد أن تصمت قليلا: مازالت أتذكر جيدا آخر لحظاتى بسوريا، خاصة عندما تركت أبنائى وسط صفوف الثوار، فى تلك اللحظات كاد قلبى أن يخلع من مكانه، لكن كان علىّ أن أترك الوطن حتى لا يموت زوجى، لكن الوضع حتى الآن ما زال يحزننى لأنى لم أستطع توفير ساق له حتى يستطيع السير مرة أخرى.
شظايا النظام فى جسد عمرو كانت قصة "عمرو" هى الأصعب، خاصة أنه شاب فى مقتبل العمر لا يزيد عمره على 18 عاما فقط، حضر إلى مصر قبل شهرين يعانى من أكثر من إصابة جراء قصف الجيش السورى لمنزلهم. قال "عمرو": أصبت بالشظايا فى جميع جسدى حيث انتشرت بجميع أنحائه، مما أدى إلى بتر قدمى لإصابتها بالتسمم، كما يوجد بجسدى عدد كبير من الشظايا تسببت فى توقف يدى عن الحركة، كما أن رقبتى تحمل وحدها 5 شظايا، أعانى منها وأتعذب كلما حاولت تحريكها، لكنى أحمد الله أن إخوتى مازالوا بخير، مضيفًا: "انتقلنا لمصر بعد معاناة وصعوبة فى الرحلة واستطعنا بعد ذلك الهروب من نظام بشار الأسد، إلا أننى أقول إن هناك الكثير مثلى فى سوريا والدول العربية ، وكل ما يعنينى الآن هو صمت العالم العربى على هذه المجازر التى تخلف كل يوم آلاف الضحايا والمشردين، فأمرى لا يعنينى، فكل ما يعنينى شعبى بأطفاله ونسائه وشبابه الذين يتعرضون كل يوم لمجازر لا تطاق.
مصابون دون علاج محمد عبدالله: يبلغ من العمر عشرين عاما، غير أن الإصابة التى تلقاها فى أحداث المظاهرات بسوريا اضطرته إلى اللجوء إلى مصر بعد رحلة تعرض فيها للموت أكثر من مرة، يقول: شاركت فى الثورة السورية مثل كل الشباب السورى، خرجت فى بداية المظاهرات إلى الساحات لأنى كنت أتمنى ألا أرى هذا الديكتاتور يوما واحدا، خاصة أنه اغتصب كل حقوقنا وحرياتنا حتى أنه بات وكأنه وضع عينا فى كل منزل، لم يكن أحد يقدر على أن يتحدث فى السياسة ومن يفعل هذا الأمر كان يعتقل أو يقتل، كل هذه الأشياء تلاشت بمجرد نزولنا للشارع مع بداية الربيع العربى، لكن شتان ما بين كلمة الربيع وما نحن فيه الآن، ولكن بعدما اشتدت الأحداث وشعرنا بأننا سنخلع النظام كما حدث بمصر، كان الأمر غير متوقع تماما، فقد قتل الكثير من أصدقائى واعتقل عدد آخر، وفى صباح أحد الأيام كنا فى محافظة "إدلب" أصبت بعدة طلقات خرطوش فى كل أنحاء جسدى وحملنى بعض أصدقائى إلى أحد المستشفيات، لكن قبل أن يستخرجوا كل الطلقات من جسدى هاجمت القوات النظامية المستشفيات، فما كان إلا أن فررنا، بعدها علمت أننى على قائمة المطلوبين لدى قوات الجيش لتأدية الخدمة العسكرية، فقررت الهروب إلى مصر، لكنى لم أستطع السفر عبر المطار لأنه بهذا الشكل كان سيتم القبض علىّ ويتم تسليمى، هربت إلى الحدود التركية أنا ووالدتى وتركنا والدى هناك، كانت الرحلة خطيرة لأنى كنت أعانى من الإصابات فى جسدى كله، خاصة أن بعض الجروح كانت تنزف، لكنى كنت دائما أحاول إخفاء الأمر حتى لا يتم نقلى إلى أحد المستشفيات فى تركيا، لأنى أعلم جيدا أن عناصر الجيش النظامى تطارد السوريين فى كل مكان.
أضاف: بعد وصولى لمصر كان لدىّ أمل كبير فى العلاج، لأنى أعلم أن مصر هى وطن لكل العرب والمسلمين لا للمصريين فقط، لكنى حتى هذه اللحظة مازالت أعانى من طلقات الخرطوش بجسدى ووجهى، فى حين استقرت رصاصة فى عظام ساقى اليمنى، وكل يوم تتأثر حالتى الصحية بسبب هذه الطلقات، وأخشى أن تتسبب فى تسمم قدمى وبترها، كما حدث مع الكثير من السوريين الذين لم يتلقوا العلاج، مؤكدًا أنه توجه إلى العديد من المستشفيات كان آخرها المستشفى التابع للجمعية الشرعية ب"الطالبية" إلا أنهم أبلغوه بأن العلاج ليس مجانيا وأن عليه دفع نفقات علاجه، وتابع: "الأمر صعب، فنحن تركنا كل شىء حتى والدى لا نعرف عنه شيئا حتى الآن، ولا أستطيع العمل فمن أين آتى بنفقة العلاج ونحن ننتظر مساعدات مكتب الإغاثة من الشهر إلى الشهر".
شاب قارب على الثلاثين من عمره- رفض ذكر اسمه- خوفا من أن تطوله يد الأسد داخل مصر يقول: لقد أصبت بالعديد من الطلقات فى جسدى حتى أن إحدى طلقات الخرطوش لا تزال مستقرة بصدرى ولم أستطع العلاج لكثرة تكاليف العملية، هذا إلى جانب أننى أصبحت غير قادر على العمل بعد أن ساءت حالتى ويوما بعد يوم أشعر بتورم المنطقة المصابة، لكنى فى النهاية لا أخشى الموت لأنى رأيته بعينى، لكن ما أخشاه هو لمن سأترك أبنائى وزوجتى، فلم يعد لنا أحد سوى الله بعد أن استشهد أخواتى الثلاث، ولم أعد أعرف شيئا عن باقى أقاربنا، ولا أريد سوى أن أطمئن على زوجتى وأبنائى.
أم محمد: مصيبتى فى ابنى وزوجى جلست تبكى حالها بعد أن فقدت الزوج فى سوريا وهربت إلى مصر، معاناة كبيرة حملتها الأم التى قررت الهروب خوفا على حياة الابن، وهو كل ما تبقى لها ، تجربة مريرة تحكيها أم محمد والدموع تنهمر من عينيها حزنا على حالها وحال وطنها تقول: بعدما خرجنا جميعا إلى الميادين فى سوريا يوما تلو الآخر، كنا دائما نسير إلى جانب بعضنا حتى إذا أصيب أحدنا نكون بجانبه، وكأننا كنا نعلم ما سيحدث لنا بالفعل، ذات يوم كنا نسير فى شوارع حمص وفوجئنا بقذف كبير من قبل قوات النظام وما بين لحظة وأخرى سقط زوجى وابنى بجانبى إثر طلقات الرصاص الحى والخرطوش أيضا، استشهد زوجى فى الحال، وبقى الابن مصابا، جلست أكثر من شهرين كى أعالجه فى سوريا لكن تعثر الأمر كثيرا وخشيت على أن ينتهى لمثل ما انتهى إليه والده، بعدها قررت اللجوء لكنى كنت لا أعرف إلى أين سأتجه، بعد عدة أيام قررنا اللجوء إلى مصر، فهى أعظم البلاد العربية، لكن ظلت إصابة ابنى حتى الآن ببعض شظايا الخرطوش فى ساقه اليمنى لكن التشخيص لم يصل بنا إلى نتائج فعلية حتى الآن، ويوم بعد الآخر تزداد معاناة ولدى وأخشى أن يطول الأمر وأفاجأ ببتر ساقه كما حدث مع الكثيرين من السوريين.
رحلة 3 بنات فى الغربة الحديث عن الثورة السورية، والانتهاكات التى يتعرض لها السوريون، يصعب وصفه بسبب المجازر التى يتعرض لها الشعب السورى، فما يعانى منه الشعب السورى يصعب كتابته فى عدة سطور، لكن اللمحات الإنسانية قد تستطيع الوصول إلى أعماق الأزمة التى يعانى منها السوريون، التى لا يمر يوم عليه دون وجود قتيل أو جريح على يد شبيحة الرئيس بشار الأسد، ورغم أن شبح الموت أصبح يحوم فى سماء سوريا إلا أن هناك ما هو أثقل من موت الرصاص، وهو الموت البطىء الذى يخشاه الكثيرون من الضعفاء، خاصة النساء والأطفال الصغار. ميسار الكبيسى وشقيقتاها، ثلاث فتيات التقتهم «الصباح»، مؤكدات أنهن واجهن رحلة من الأهوال انتهت بوجودهم داخل الأراضى المصرية دون عائل، وأن أمورهن ازدادت سوءًا بسبب الأوضاع السيئة التى تشهدها مصر فى تلك الفترة.
ميساء قالت إن معاناتها وشقيقتيها بدأت عندما دخل الجيش الحر إلى بلدتهن وأقام بمنزلهن، ما دفعهن لمغادرة المنزل، حتى يقوم الجيش الحر بأعماله فى حرية تامة، فالأمر لم يكن مهينًا كما لم نرغم على ترك منزلنا، لكننا فى النهاية غادرنا منزلنا، خاصة أن أشقائى كانوا بين الثوار وهو ما جعلهم يقدمون على هذا الأمر بصدر رحب مرات عدة، مضيفة: «عقب تركنا المنزل عانينا وأصبحنا مشردين فى بلدنا، بعدها سمعنا عن تعرض فتيات لحوادث اغتصاب من قبل قوات الجيش النظامى، وهذا ما جعلنا نقرر مغادرة الوطن، لكنه كان القرار الأصعب خاصة أن أشقاءنا قرروا عدم مغادرة سوريا، أما الأمر الأصعب وهو ما وجاهناه فى المطار عندما قرأ الضابط جواز السفر الخاص بنا وعرف مكان إقامتنا وقام بتعطيلنا لفترة كبيرة كادت أن تقلع الطائرة دوننا، وكان المقصود من كل ذلك أن يأخذوا كل الأموال منا، بعدها تركونا وصعدنا إلى الطائرة فى اشتياق كبير إلى الوصول إلى الأراضى المصرية، وحرقة كبيرة على فراق الوطن والأهل، وللأسف بعد ما يقرب من العام اكتشفنا أن الظروف هنا فى مصر أصعب من سوريا رغم الاختلاف الكبير من الناحية الأمنية، إلا أن المعارضة السورية هنا أو ما يسمونه مكاتب الإغاثة، لم تكن عادلة بين السوريين هنا، فمعظم الأمور تتم على حسب الوساطة والقرابة».
الشقيقة الثانية التى رفضت ذكر اسمها قالت: «مكاتب الإغاثة تعتبر غير عادلة بالمرة، فمن يصدق أن ثلاث بنات دون عائل معهن أو أى دخل جئن إلى مصر لا يملكون سوى ملابسهن، يتركون دون صرف أية إعانات من تلك المكاتب التى تتلقى أموالا طائلة من كل مكان باسم هذه المهمة، وفى الحقيقة أن أكثر ما يحزننا الآن أننا تركنا ديارنا من أجل الثوار والجيش الحر، وفى نفس الوقت لا أحد يسأل فينا من الثوار الموجودين هنا رغم أنى أرى أن الثوار الحقيقيين هم من لا يزالون يقفون أمام الرصاص هناك دفاعا عن حريتهم، فهذه هى صفات الرجال». وأضافت: أكثر ما أحزننى هو معاملة الشخص الذى يدعى «محمد عساف» المسئول عن مكتب الإغاثة السورى فى «التحرير»، فكان يتعامل معنا وكأننا نتسول منه شخصيًا، ودائمًا تكون إجابته: «لم يعد هناك أموال تكفى الكل وعلينا أن ننتظر الدور»، ولكنى أتساءل إلى متى تظل ثلاث فتيات تنتظر الدور للحصول على إعانة تكفيهن لسد جوعهن؟