في كل مرة تتعرض فيها الجماعة الحاكمة لأزمة ما مع المعارضة والشارع، تتسارع القوي الإسلامية المتحالفة مع "الإخوان المسلمين" إلي الإعلان عن مبادرات للحوار ولم الشمل والمصالحة وغيرها من العناوين البراقة، التي تنتهي في الغالب إلي "لا شيء"، بعدما تيقنت القوي المعارضة والثورية أنها محاولات لإنقاذ "الإخوان" والرئيس محمد مرسي من شبح السقوط، بعد فشلهم الذريع في عمليات الإصلاح السياسية والإقتصادية؛ ولاسيما امتناعهم عن تحقيق أهداف الثورة مقابل السيطرة علي كل مفاصل الدولة؛ وإتمام خطة تمكين الجماعة الشهيرة. باتت مبادرات القوي المتحالفة مع "الإخوان" تقليداً متبعاً، يمارسونه وقت اللزوم، وماتشهده مصر الآن من حراك سياسي سريع وخطير ضد الرئيس مرسي وجماعته، جعل القوي الإسلامية تتكالب علي طرح المبادرات هنا وهناك. ونقطة الانطلاق في كل مرة تبدأمن حزب النور حيث جرت العادة ان يبدأ في كل أزمة بإطلاق مبادرة جديدة باسمه، قدَّم قبل أيام مبادرة جديدة لإنقاذ "الإخوان" من الأزمة الراهنة قبل يوم 30 يونية، بحجة انقاذ البلاد من الدخول في نفق مظلم، وتحويلها إلي لبنان أخري. وجاء البند الأول من المبادرة، متضمناً عدم النزول للشارع في هذا التوقيت لأنه ليس في صالح كل الأطراف بل يدخل مصر في دوامة لا يعرف مداها أحد، مشددًا علي أن الحوار الوطني بين كل الفصائل هو الحل للخروج من المأزق الحالي، ويأتي ذلك في الوقت الذي يرفض فيه حزب النور المشاركة في أي تظاهرات في الفترة الحالية لأنها لا تخلو من متربصين بالوطن ومن يوقع الفتنة بين المتظاهرين من الخارجين علي القانون. وفيما يخص البند الثاني رأي الحزب أن قانون السلطة القضائية، الذي وافق مجلس الشوري علي مناقشته، يجب أن يطرح للنقاش المجتمعي، ثم عرضه علي مجلس القضاء الأعلي، المختص بسلطة القضاء، ثم انتظار نتائج مؤتمر العدالة، وأن يعرض علي مجلس النواب وليس الشوري، مجمل هذه المقترحات ليقوم بدوره بإقرارها، واستند الحزب في ذلك إلي ما يلاقيه مجلس الشوري الحالي من اتفاق علي تضييق الجانب التشريعي إلا في حالات الضرورة فقط، بالإضافة إلي أن طرح القانون بهذه الصورة قد يتسبب في إحداث أزمة في أوساط القضاة، تعتبر جزءًا من الغضب الحادث والذي يتعلل به المتظاهرون يوم 30 يونية. كما تضمنت "روشتة النور" المزعومة تغيير الحكومة الحالية بأخري ائتلافية وتوافقية، بالإضافة إلي تغيير النائب العام وتكليف المجلس الأعلي للقضاء بانتخاب نائب عام جديد، بالإضافة إلي تفعيل الحوار الوطني بين الأحزاب السياسية علي أن تقبل مؤسسة الرئاسة بكل المقترحات التي تتفق عليها الأحزاب السياسية المجتمعة ويلتزم الرئيس بتنفيذها. ورغم تعدد مبادرات "ذراع الدعوة السلفية" السياسية، بدعوي أن الحوار هو الحل الوحيد ، فإن الفشل يكون نتيجة حتمية ل"النور"، خاصة أنه الحزب المغضوب عليه - ولو بشكل ظاهري- حالياً من قبل جماعة الإخوان ومؤسسة الرئاسة، لكن اليأس لا يعرف طريقه للنور فيصمم ان يطلق مبادرات لا يلتفت إليها أحد من المعارضة أو حتي النظام الحاكم. وجرت العادة أنه كلما أصدر "النور" مبادرة سارع الآخرون من خلفه بمبادرات مشابهة، كما فعل حزب الوسط، الحليف القوي ل"الاخوان المسلمين"، بإطلاق مبادرة، قوبلت بترحيب شديد من الجماعة الحاكمة، خاصة بعد زيارة أحد قيادات "الإخوان" بعد إطلاقها لمقر "الوسط" والتقي بقياداته ليلعب الحزب الحليف دور الوسيط بين القوي المعارضة والإخوان. وهي المبادرة التي أرادت الجماعة الحاكمة، والرئيس محمد مرسي إعطاءها شيئاً من الثقل والاعتبار، فاستقبل الأخير يوم الاثنين من الأسبوع الماضي بقصر الاتحادية، وفدا من الحزب ضم كلاً من المهندس أبوالعلا ماضي رئيس الحزب، والسيد عصام سلطان، والدكتور محمد محسوب، والمهندس حاتم عزام النواب الثلاثة لرئيس الحزب، وأوضحت رئاسة الجمهورية في بيان لها أن الرئيس مرسي استمع باهتمام إلي تفاصيل المبادرة الوطنية التي طرحها "الوسط". وتقوم مبادرة "الوسط" في عمومها علي ثلاث نقاط، أولاها تشكيل حكومة جديدة بالتوافق الوطني الواسع تبدأ بالاتفاق علي ثلاث شخصيات تقدم لرئيس الجمهورية ليختار من بينها رئيسًا للحكومة والذي يشرع في تكوين حكومته بالتشاور مع كل القوي السياسية والمجتمعية، وتكون ثاني نقاط المبادرة "اتفاق كل القوي التي تقبل بهذه المبادرة كتابة علي عدم سحب تأييدها للحكومة أو سحب ممثليها منها طوال فترة عملها ولحين انتخاب مجلس النواب وإلا كان لرئيس الوزراء تعيين بديل للمنسحب بالتشاور فقط مع القوي السياسية الأخري، أما ثالثة هذه النقاط فكانت : "الاتفاق بشكل محدد وواضح علي تاريخ لإجراء انتخابات مجلس النواب علي أن يكون الترتيب للانتخابات في الموعد المتفق عليه هو التكليف الأول للحكومة مع التزامها بعدم تغييره أو تأجيله لأي سبب، بالإضافة إلي بدء حوار جاد بشأن كل المسائل الخلافية" ورغم كل محاولات "الوسط" مع أحزاب المعارضة، بقبول المبادرة، إلا أنه تم رفضها بشكل قاطع من كافة القوي السياسية، لأنها لم تأت - بحسب مراقبين- من مؤسسة الرئاسة، ولا حتي وافقت عليها، بل اكتفت بجلسة سريعة مع قيادات "الوسط"، وبمرور الوقت لم تعلن المؤسسة الرئاسية رأيها، وهو ما جعل أحزاب المعارضة تتحفظ عليها أو ترفضها والبعض اعتبرها مناورة سياسية لإضعاف حشد المعارضة لمظاهرات 30 يونيه. وفي ذات السياق، تباينت ردود أفعال القوي السياسية تجاه مبادرة "الوسط"، فهناك من وصفها بأنها مبادرة لا قيمة لها وكان من الأولي تأييد مبادرة حزب النور، وهناك أطراف أخري اعتبرت أن حزب الوسط غير مؤهل لاطلاق مبادرات من هذا النوع فهو يعمل لحساب جماعة الإخوان المسلمين ولا يليق بقوي المعارضة ان تتحاور مع الوسيط. ورغم رفض جميع أحزاب المعارضة للمبادرة، فإن المتحالفين مع "الإخوان المسلمين" وصفوها بأنها مبادرة وطنية مخلصة تسعي لحقن دماء المصريين وتقريب وجهات النظر بين القوي المعارضة والمؤيدة للرئيس وهؤلاء هم حزب الحرية والعدالة وأنصار الجماعة الإسلامية، والجبهة السلفية وذراعها السياسية، حزب الشعب، الذي أكد ترحيبه ودعمه لمبادرة "الوسط" التي تسعي لتحقيق المصالحة وتقريب وجهات النظر بين القوي السياسية، و طالب القوي السياسية بالاستجابة لهذه المبادرة تحقيقاً للمصلحة العامة وخشية من العنف والعنف المضاد. وعندما أعلنت مجموعات شبابية معارضة عن حملة "تمرد" لجمع توقيعات سحب الثقة من الرئيس مرسي، سارعت الجماعة الإسلامية علي الفور في تدشين ما اسمته حملة "تجرد" لجمع توقيعات تأييد "مرسي. وهي ايضا الجماعة التي أطلقت في منتصف مايو الماضي، من خلال حزبها "البناء والتنمية"، مبادرة تحت عنوان"وطن واحد" بهدف تقوية النسيج الوطني، والحفاظ علي العلاقات القوية بين جميع طوائف المجتمع المصري مسلميه وأقباطه، وأعلنت الجماعة الاسلامية عن مبادرتها عبر مؤتمر حضره الدكتور أحمد عمران، مستشار رئيس الجمهورية، والدكتور طارق الزمر رئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية، والدكتور نصر عبد السلام، رئيس حزب البناء والتنمية، والدكتور عبد الآخر حماد، مفتي الجماعة الإسلامية، وعصمت الصاوي، منسق حملة وطن واحد ومسئول ملف الأقباط بالمكتب السياسي للحزب، واهتمت مبادرة الجماعة الإسلامية، بملف الأقباط تحديداً، في محاولة منها لدرء الشبهات عنها، فيما يخص تاريخها الأسود مع الاقباط في مصر، خلال فترة التسعينات، وللتأكيد علي أن الإسلاميين لديهم رغبة في التعايش مع الآخر، ويسعون لتقوية النسيج الوطني. ولم يمر أكثر من يومين حتي خرج حزب "البناء والتنمية" بالمشاركة مع عدد من القوي الاسلامية، في مؤتمر جديد للإعلان عن إيمانهم بأن حرية التعبير السلمي حق لكل المواطنين كأحد مكتسبات ثورة 25 يناير، جاء ذلك ضمن إطار المبادرة التي دشنها "البناء والتنمية" للخروج من الأزمة السياسية الحالية، كما تضمن البيان التأكيد علي ضرورة احترام إرادة المصريين باعتبارها "أصلًا للديمقراطية"، ودعوة جميع القوي والفصائل للنقاش حول القضايا التي تهدد الأمن القومي المصري مثل قضية سدود إثيوبيا، و أن الدعوات للخروج عن الشرعية ستؤدي إلي دفع البلاد إلي الفوضي، وناشد القوي السياسية إعلاء صوت العقل ومصلحة الوطن فوق أي خلاف سياسي. ورغم كل هذه المحاولات الحثيثة من جانب الإخوان وذيولها، لإثناء جبهة الإنقاذ المعارضة وحركة تمرد الثورية، عن قرارهم وإجراء حوار مع الرئاسة والإخوان، لإفساد مظاهرات 30 يونية، فإنها كلها باءت بالفشل، فقد وصفتها المعارضة ب"المتأخرة"، وتجاوزتها الأحداث، وارتفاع سقف مطالب القوي الثورية، وحركة تمرد، وغضب الشارع المصري. ومن جانبه يقول الدكتور أحمد البرعي، نائب رئيس حزب الدستور، الأمين العام السابق لجبهة الإنقاذ، إن هذه المبادرات "غير كافية" في ظل هذا التوقيت الحرج، والغضب الشعبي ضد نظام الحكم منذ صدور الإعلان الدستوري الكارثي، ومحاولات جماعة الإخوان المسلمين السيطرة علي مؤسسات الدولة، مضيفاً أن حل الأزمة السياسية بيد الرئيس محمد مرسي، وليس بيد القوي السياسية سواء المتحالفة معه أو المعارضة. بينما يقول الدكتور وحيد عبدالمجيد، إن جبهة الإنقاذ ترحب بالحوار الوطني القائم علي تحقيق الضمانات متمثلة في جدية الحوار، ومعرفة أطرافه وأجندته، وليس الحوار القائم علي العشوائية كما حدث في حوارات الرئاسة السابقة مع عدد من الأحزاب.