يعد كتاب "جنة العبيط" للفيلسوف الراحل زكي نجيب محمود باكورة نتاج زكي نجيب محمود، وضم مقالاته الأولى، معتبرين أن المؤلف تشبع بروح غريبة، وأنه انطلق في العديد من أفكاره بتأثير من آخرين، خصوصاً في ما يتصل بآرائه النقدية في المقالة الأدبية، ومقارناته بين كيفية كتابة الغربيين لها، وكتابة المبدعين العرب لها. ويقول زكي نجيب محمود عن رؤيته لكيفية كتابة المقالة الأدبية: «نريد من كاتب المقالة الأدبية أن يكون قارئه محدثاً لا معلماً، بحيث يجد القارئ نفسه إلى صديق يسامره، لا أمام معلم يعنفه، نريد من كاتب المقالة الأدبية أن يكون قارئه زميلاً مخلصاً يحدثه عن تجاربه ووجهة نظره لا أن يقف منه موقف الواعظ فوق منبره يميل صلفاً وتيهاً بورعه وتقواه، أو موقف المؤدب يصطنع الوقار حين يصب في أذن سامعه الحكمة صبا ثقيلاً». كما يعرض زكي نجيب محمود في «جنة العبيط» ببعض الرواد من الكتاب المشاهير في هذا العصر، ويقول في إحدى مقالاته: «شيخ هرم ملتح سكن كهفاً بعيداً عن العمران، وراح بالإكسير يخرج من النحاس الخسيس ذهباً إبريزاً، فما أن رأى الشيخ فتانا حتى أغراه بالمكث الى جواره ينفخ له النار، وله من محصول الذهب مقدار، ولبث الفتى ينفخ النار عاماً وعاماً وثالثاً بعده رابع وخامس، ورائحة الذهب تملأ أنفه وخياشيمه فلا يترك المنفاخ».