تتسم علاقات تركيا مع الولاياتالمتحدةوروسيا بالتناقض في معظم الحالات، مثل تعزيز أنقره تعاونها مع أوكرانيا من جهة، ودفاعها، من جهة ثانية، عن حكومة الوفاق الليبية ضد الجنرال خليفة حفتر، وهو ما يرجح أن يكون ناشئاً عن رغبة شديدة لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن يصبح قائد قوة إقليمية وعالمية. ليست حاجة تركيا للاعتماد غالباً على روسيا شيئاً جديداً. فقد جعل بوتين، خلال العقدين الأخيرين، من تطوير علاقات بلاده مع تركيا حجر أساس لسياسته الخارجيةولتحقيق تلك الغاية، يسعى أردوغان، بحسب ستيفن بلانك، زميل بارز لدى مجلس السياسة الخارجية الأمريكية، وبيتر حوسي، مدير دراسات الردع الاستراتيجي لدى معهد ميتشيل لدراسات الفضاء الجوي، إلى بناء نظام قمعي تسلطي شبيه بنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتراجعت شعبية أردوغان في الداخل التركي، كما أثبتته الانتخابات البلدية التي أجريت في 31 مارس ، 2019. فقد خسر بلدية إسطنبول وقاعدته الداخلية، بما فيها تراجع حصة حزبه العدالة والتنمية لصالح اليمين القومي التركي. شيطنة أمريكا ولمواجهة موقفه الضعيف داخل تركيا، يرى الكاتبان في مقالهما في موقع "غيتستون" أن أردوغان يظن أنه بحاجة لشيطنة أمريكا ومقاومة سياسات أمريكية في سوريا، وفي شرق المتوسط. وعلى جبهته الاقتصادية، غزت سفن تركية، في مايو 2019، منطقة صناعية خالصة لقبرص، وبدأت عمليات حفر لاستخراج غاز طبيعي. وقد أدخلت تركيا قواتها البحرية إلى المنطقة لردع أية مقاومة لمشروعها. ولم تعزز الآن عمليات الحفر وحسب، بل أخذت تتحدث عن التنقيب في البحر الأسود وحتى في مياه دولية. ورداً على استثنائها من منتدى الغاز لشرق المتوسط( EMGF) الذين انطلق في يوليو 2019، بمشاركة مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والسلطة الفلسطينية والأردن، وعلى تبني الاتحاد الأوروبي لاحقاً إطار عقوبات ضد أنقرة بسبب تنقيبها على الغاز عند شاطئ قبرص، أعلن فؤاد إقطاي نائب الرئيس التركي "أننا لن نقدم أقل تنازل في ما يتعلق بمصالحنا الشرعية في قضية الموارد الهيدروكربونية". اقتسام الطاقة إلى ذلك، يرى الكاتبان أن إرسال قوات إلى ليبيا يبدو مرتبطاً أيضاً بقضية الطاقة. فقد أشار تقرير صدر حديثاً في مجلة "فورين بوليسي" إلى أن" الاتفاق العسكري جاء بعد أسابيع على توصل ليبيا وحكومة الوفاق إلى اتفاق غير عادي لاقتسام قسم كبير من شرق المتوسط الغني بالنفط فيما بينهما – مهددين باستبعاد اليونان وقبرص من الثروة القادمة". ومن وجهة النظر التركية، قد يقود انتصار الجنرال الليبي خليفة حفتر على حكومة طرابلس إلى إلغاء ليبيا الاتفاقية البحرية، وأن يصبح النظام الجديد حليفاً لدول معادية لتركيا مثل مصر، التي تعارض بشدة وقوف أنقره في وجه مساعي قبرصية ومصرية للاستفادة من الطاقة. تقييد حرية المناورة وما يدعو للسخرية، بحسب الكاتبين، هو أنه على رغم أن تلك الصفقة واتفاقيات أخرى تتم عكس المصالح الأمريكية، كتدخل تركيا الأحادي الجانب ضد الأكراد في شمال سوريا، والذي أجبر أردوغان على قبول المشاركة الروسية، فإنها تمت لمصلحة موسكو، وقللت أيضاً من حرية تركيا في المناورة. وليست حاجة تركيا للاعتماد غالباً على روسيا شيئاً جديداً. فقد جعل بوتين، خلال العقدين الأخيرين، من تطوير علاقات بلاده مع تركيا حجر أساس لسياسته الخارجية. وكانت النقطة الأقوى في تلك العلاقات اقتصادية الطابع( أي اتفاقيات حول الطاقة والتبادل التجاري). وتعتمد تركيا على روسيا بنسبة 60٪ - 70٪ من وارداتها السنوية من الغاز، ومع تدشين خط أنابيب ترك ستريم في العام الجاري، قد ترتفع تلك النسبة. أزمة كبيرة وفي الوقت نفسه، أثار أردوغان أزمة كبيرة مع الولاياتالمتحدة والناتو عبر شرائه نظام الدفاع الصاروخي S-400 من روسيا. وعندها استبعدت واشنطنتركيا من برنامج مشترك لإنتاج المقاتلة F-35، ويبدو أن أردوغان على وشك استكمال صفقة S-400 أخرى مع روسيا. ورداً على انتقادات من واشنطن لتلك الصفقات، هدد أردوغان بإغلاق قاعدتي إنجرليك وكريجيك في تركيا، اللتبن يستخدمهما الجيش الأمريكي، ويقال إنهما تمثلان أهمية استراتيجية حيوية بالنسبة للدفاع الأمريكي ولحلف شمال الأطلسي. ويختم كاتبا المقال بالإشارة إلى أن مواجهات تركيا مع الولاياتالمتحدة والناتو، وهي عضو فيه، صبت في مصلحة روسيا أيضاً، ما وفر لبوتين عائدات هائلة في مقابل استثمار صغير نسبياً – وهي عائدات يتوقع أن ترتفع في عام 2020.