المعركة العسكرية حل مؤقت لطوفان يمكنه العودة من جديد في نفس المكان أو في منطقة أخرى هزيمة داعش خديعة كبرى ..والتنظيم الارهابى يستطيع استنساخ تجربته باشكال دموية جديدة تبادل المعلومات بين المانيا والولايات المتحدة وفرنسا ومصر ساهم فى توجيه ضربات موجعة للتنظيم مع تحرك عقارب الساعة فى كل لحظة تتضاءل دوائر الإرهاب الملتهبة وهو ما يؤكد أن استراتيجية المواجهة لدى كثير من الدول فى مقدمتها مصر كانت محكمة ودقيقة وناجحة . ولم يأت ذلك وليد اللحظة او من قبيل الصدفة لكنه جاء نتاج جهود وارواح شهداء وتضحيات ودراسات وتبادل معلومات بين أجهزة دول صديقة وحريصة على مواجهة هذا الخطر الداهم فالمعركة ضد التطرف والإرهاب تتخطى حدود الحرب الميدانية وتقليص رقعة الأرض التي تسيطر عليها جماعة متشددة مثل تنظيم داعش، ذلك أن المعركة العسكرية ليست سوى إطفاء مؤقت لشرارة يمكن أن تندلع من جديد في نفس المكان أو تندلع في منطقة أخرى تنفخ رياحها السياسية والاجتماعية والفكرية في أتون التطرف وتلهبه وتشبه عصفور النار الذى ينقل حرائقه من مكان الى مكان . ولعل الجدل الدائر اليوم حول محدودية القضاء على داعش يذكرنا بما قيل من قبل عن هزيمة تنظيم القاعدة في العراق وعن الحرب ضد حركة طالبان في أفغانستان، وكيف أنه كلما اعتقد العالم أن هذه التنظيمات تراجعت أو اختفت، عادت وظهرت من جديد سواء في معاقلها التقليدية أو في مناطق جديدة، حيث تفرض مجموعة من العوامل السياسية والاستراتيجية ظهورها وتكون الأرضية ملائمة لتخرج نبتها الشيطانيى وتستنسخ تجاربها الدموية. وفى السطور التالية سننفرد بنشر عدد من التقارير السرية التى تم تبادلها بين مصر والولايات المتحدةوالمانيا وفرنسا عن الارهاب فى الشرق الاوسط باستعراض ما جاء من محتوى وتوصيات فى بعض ورقات العمل المشترك . حيث ترصد احدى هذه الورقات الاستراتيجية معلومة وحقيقة مهمة عن تنظيم داعش جاء فيها نصا .. "لا نعلم بعد إن كان من الممكن هزيمة تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش بالكامل. قد تكون خلافة داعش متناثرة وممزقة ، لكن بقيت عناصر جوهرية من داعش والقاعدة منتشرة في جماعات أخرى، مما قد يظهر حركات جديدة، وينمّي حركات أخرى". وتشير التقارير الى انه على رغم من أن الخطابات الدينية المتشددة تقوم أساسا على مغازلة المعتقدات، إلا أن دراسة تاريخ ظهور التنظيمات المتطرفة تبرز أن فشل الحكومات في التعاطي مع ملفات مجتمعية كان في أغلب الأحيان وراء جرّ العديد من البلدان إلى مستنقع الإرهاب و أن العديد من البلدان الإسلامية تعاني منذ تاريخ طويل من العنف الداخلي والخارجي. ولا ينشأ هذا العنف في الغالب من التطرف الأيديولوجي، بل من نزاعات أهلية. ويُحمل التقريرتضخم التطرف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى إخفاقات الحكومات في التعامل مع القضايا التي تشكل المفاهيم الشعبية للسياسات الوطنية، وفعالية سياسات حكومة ما واستخدامها للعنف، مؤكّدا أن هذه الممارسات هي نتاج إخفاق سيادة القانون في توفير الأمن الكافي لجميع الفصائل والعناصر الوطنية الرئيسية، واستخدام دولة معينة للقوة ضد سكانها. كما يشدّد على أن فشل الثورات والحروب القومية العربية على امتداد تاريخها في تلبية تطلعات شعوبها أدى إلى تغذية الحاضنة الاجتماعية للفكر المتطرف. وتؤدي دراسة هذه التطورات إلى المساعدة في فهم وتوقع مستقبل التشدد الدينى والعرقى وتمثل الاتجاهات الديموجرافية ونقصد بها "السكانية " للبلدان ذات الأغلبية المسلمة تحذيرا قويا من أن التطرف قد يشكل تهديدا في العقود القادمة، وفق التقرير، الذي يضيف أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعدان مركزا للمواجهة العنيفة، حيث يعيش أكثر من 310 مليون شخص في هذه البلدان، ويحمل أكثر من 14 مليونا منهم وجهات نظر قد تشكل بيئة عقائدية وفكرية محتملة، يمكن أن يستمد منها داعش الدعم. ورغم انحيازه هذه التقارير المعلوماتية وهلعها من كل التيارات التى تولد من رحم مجتمعات اسلامية وزيادتها لكن وفي المقابل ترى انه سيكون عدد سكان الديانات الرئيسية الأخرى ثابتا وقد تنخفض نسبة المنتمين إلى تلك الأديان من إجمالي عدد السكان في العالم. وسيغيّر هذا النمو تأثير الإسلام في جنوب وجنوب شرق ووسط آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا بشكل جذري. ومع تطور نسق خطورة التطرف الديني الذي غزا العالم، يعكف الباحثون على التأصيل الفكري لأنواع التطرف بجميع أشكاله وعدم حصره في مفهوم التطرف الإسلامي مجمعين على وجود أشكال شتى للتشدد لا علاقة لها بالأيديولوجيا الدينية. وتؤكد عدد من التقارير المعلوماتية على وجود اختلافات في أشكال التطرف، حيث تختلف الأيديولوجية والاستراتيجية والتكتيكات وطابع التطرف من حركة إلى حركة، ومن منفذ إلى منفذ، ومن بلد إلى بلد آخر لكن لا تتسبب هذه الاختلافات سوى في تأثير محدود على السلوك الفعلي للجماعات لانها في الغالب تتمثل في الصراع على السلطة والنفوذ داخل مجموعة معينة من المتطرفين أكثر من التركيز على المبادئ الأيديولوجية والقيم الأساسية لها" ولعل ابلغ دليل على ذلك أن الفارق بين الإسلاميين والشيوعيين والفاشيين شاسع على المستوى الأيديولوجي، على عكس الاختلاف في السلوك والاستعداد لاستخدام العنف ونتائج هذا العنف المتقاربة والمتشابهة . وتشير الدراسات الاستراتيجية التى تفرغت فى البحث عن منشأ الفكر المتطرف إلى أن كل تطرف ينشأ في دول فاشلة تعاني من انقسامات داخلية وتركيبة سكانية وقوى اجتماعية واقتصادية متفاوتة، حيث ركزت بعض الجماعات المتطرفة السياسية، مثل الأناركية والشيوعية والفاشية، على الحلول الجذرية للمشكلات العلمانية، بينما ركزت معظم الحركات العربية المتطرفة (والعنيفة) في البلدان الإسلامية على القومية والاشتراكية، من الحرب العالمية الأولى حتى 1990-2011. ويركز التطرف الإسلامي السنّي الحالي حسب وصف التقارير على العودة إلى الدين وإرادة الله لإيجاد الحلول. ويعتبر جزء كبير من الزخم وراء التشدد الإسلامي رد فعل لعقود من العلمانية والقومية والاشتراكية والديمقراطية الفاشلة، وهي الأماكن التي تكون محور اهتمام بعض القوى الخارجية والجماعات المتشددة لتزرع فيها بذرة الإرهاب. وتشير بعض ورقات التقارير الى تجارب تقصد بها مصر وجاء فيها "يمكن للدول الإسلامية المستقرة أن تتعامل بشكل عام مع التطرف وتواجهه بنجاح، حيث يمكن للحلول غير الأيديولوجية مثل الحوكمة الفعالة والصادقة والاستقرار الاقتصادي وتقدمه والمساواة، وسيادة القانون، الحد من تأثير التطرف" . كما يمكن أن تنجح الحلول العسكرية أو القمع لفترة من الوقت، ولكنها غالبا ما تفشل إذا لم تتعامل مع المشاكل الأساسية في الدولة مثل سوريا أو الجزائر وبمجرد أن يتولى "التطرف" السياسي الحاكم السيطرة على الجهاز الفعلي للدولة تتولد عقود من الفشل ومن ذلك أمثلة روسيا والصين وكوريا الشمالية. وتشير بعض فقرات احد التقارير التى حاولت فهم استخدام الجماعات التطرفة للاسلام كغطاء أنه لا توجد علاقة بين القيم الحقيقية للإسلام والعنف والتطرف، إلا أن المتطرفين الإسلاميين يستخدمون الشريعة كمبرر لتطرفهم وعنفهم، وغالبا ما يشوهون الإسلام من خلال الفهم الخاطىء لبعض النصوص بحجة الاستناد الى السلف. ويعكس هذا الهيكل العقائدي السلفي الجديد جهدا مماثلا لمحاولات الطائفيين المسيحيين، والمتطرفين اليهود والهندوس، والبوذيين، تشويه وتحريف أديانهم. ويسمح كل هذا للمتطرفين الإسلاميين بتبرير أي شكل من أشكال العنف باسم الدين. وتظهر آخر الدراسات الاستقصائية التى استندت اليها التقارير المعلوماتية أن معظم مواطني البلدان، التي تأوي أعدادا كبيرة من المسلمين، هم غير مؤيدين لداعش، بمن في ذلك جميع المستجوبين اللبنانيين و94 بالمئة من الأردنيين. وفي بعض البلدان، لا يصرح عدد كبير من السكان بآرائهم عن داعش، بمن في ذلك أغلبية بنسبة 62 بالمئة من الباكستانيين. ويتمتع داعش بأعلى نسبة تأييد علنية في نيجيريا (14 بالمئة) من معظم الدول الأخرى. وبين المسلمين النيجيريين، يقول 20 بالمئة إنّ نظرتهم لداعش إيجابية. وعبرت جماعة بوكو حرام النيجيرية المتشددة، التي كانت تشن حملة إرهابية في البلاد منذ سنوات، عن ولائها لتنظيم داعش . وتحقق عمليات التمرد والتطرف نجاحا عندما تفشل الدول، وبالتالي فإنه من العوامل الأساسية التي وجب أن تأخذ بعين الاعتبار لمكافحة الفكر المتطرف إنشاء البلدان لهياكل دولة مستقرة للسياسات والحوكمة والاقتصاد، وهذا ما سيقطع الطريق أمام كل من يسعى لتوظيف الإرهاب والتطرف في سياق مصالح استراتيجية وعمل مخابراتي لا علاقة لهما بالشعارات الدينية التي ترفعها الجماعات المتطرفة، فمهما كان الدين مهمّا، فغالبا ما يكون البحث عن السلطة والسيطرة والتمويل والموارد والمقاتلين والنشاط العملي من أكثر العوامل أهمية.