تعيش بريطانيا فترة من التوتر والاضطراب بسبب المفاوضات الجارية بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي "البريكست"، والتي أدت إلى تعرض رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، وحزبها المحافظ إلى حملة انتقادات واسعة قد تتسبب في الإطاحة بها من منصبها. ويعتقد حزب العمال المعارض في بريطانيا، أن حكومة تيريزا ماي، تمر بأكثر لحظاتها ضعفاً، وأنها على وشك الانهيار نتيجة الخلافات على "البريكست"، وأنها قد تعمد إلى تنظيم انتخابات نيابية مبكرة وأدى ذلك إلى ظهور توجهات داخل حزب العمال، تدعو إلى الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية، وطرح الثقة برئيسة الوزراء تيريزا ماي في مجلس العموم في أقرب فرصة، كما يمتلك زعيم الحزب، جيريمي كوربن، الآن فرصة ذهبية للإفادة من ضعف موقف ماي ليتقدم كمرشح لرئاسة الحكومة البريطانية. ويدعو جيرمي كوربن، إلى إجراء انتخابات جديدة على استفتاء آخر بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، مما يزيد الضغوط على رئيسة الوزراء تيريزا ماي، التي تعثرت خططها للخروج من التكتل. ويسعى كوربن، إلى التمسك بأسلوبه المعهود، والتركيز على أولوية الإطاحة بالحكومة بدلًا من محاولة وقف "بريكست"، وذلك من أجل الوصول إلى المنصب، حيث قدم نفسه خلال خطابه في ختام المؤتمر السنوي للحزب في ليفربول في شمال غرب انجلترا، بصفته الرجل المناسب لقيادة البلاد خلال مفاوضات بريكست المحفوفة بالمخاطر. وخصص القيادي اليساري، جيرمي كوربن، قسمًا كبيرًا من خطابه لما وصفه بخطة جذرية لإعادة بناء وتحويل بريطانيا، ترتكز على العدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية، وانتقد برنامج التقشف الحكومي. وتعهد كوربن، أيضًا بمحاربة التميز، بعد تعرضه للانتقادات لعدة أشهر بسبب تعامله مع قضايا معاداة السامية في حزب العمال وارتباطه السابق مع نشطاء فلسطينيين. واستغل كوربن خطابه ليعد بتوفير 400 ألف فرصة عمل في قطاع الطاقة الخضراء، لتلبية أهداف تقليل استخدام الفحم، كما أعلن تمديد برنامج رعاية الأطفال المجاني للأسر الفقيرة. ولد كوربن في 26 مايو 1949، وطور حسه بالالتزام السياسي منذ شبابه بين والديه، وهما مهندس ومعلمة التقيا خلال تظاهرة ضد الحرب الأهلية الإسبانية. نشأ كوربن في غرب انجلترا، ولم يبدِ في صغره أي ميل إلى الدراسة، وبعد حيازته البكالوريا، غادر سنتين إلى جامايكا لحساب جمعية خيرية، وعند عودته أقام في حي "آيلينجتون" بشمال لندن، الذي كان في ذلك الوقت معقل الحركة الاحتجاجية اليسارية. يعمل كنائب منذ عام 1983 عن هذه الدائرة، حيث لا يزال يسكن منزلًا متواضعًا مع زوجته الثالثة، وهي مكسيكية تصغره بعشرين عامًا، ويعيش نمط حياة بسيطًا، وهو أب لثلاثة أولاد. صرح كوربن، بأنه يمارس حياة عادية جدًا، ولا يزال يتنقل مستخدمًا دراجته الهوائية, بدأ كوربن يواجه متاعب أعقاب انتخابه على رأس الحزب عام 2015، حين أدرك أن قسمًا من جهاز حزبه لن يقبل أبدًا بأن يقوده متمرد صوت 533 مرة ضد مناهج الحزب منذ 1997. ورغم أنه أحدث مفاجأة في يونيو 2017، عبر فوزه في الانتخابات وتمكنه من تحقيق نتيجة أفضل لحزبه، لم يتمكن من الحاق الهزيمة بالحزب المحافظ المنقسم حول ملف بريكست, وفي الانتخابات المحلية في مايو 2018، حقق المحافظون نتيجة أفضل من المتوقع، وأقر كوربن بخيبة أمله. ولا يزال جيريمي كوربن، خلف تيريزا ماي، في استطلاعات الرأي وأنه ليس الأوفر حظًا لتولي رئاسة الوزراء. والواقع أن وضعه اليساري قد ينفر الناخبين الأكثر اعتدالًا، كما أن اتهامه بمعاداة السامية داخل حزبه يزيد من صعوبة مهمته، فهو المدافع منذ وقت طويل عن القضية الفلسطينية. وكان كوربن، قد أنكر بقوة أنه معاد للسامية، بحيث قال: "لا على الإطلاق، لقد قضيت حياتي كلها أفضح العنصرية بكل أشكالها". ففي أغسطس 2016، وقال كوربين: "أنا لست مؤيدًا للمقاطعة الأكاديمية أو الثقافية لإسرائيل، وأنا لست مؤيدًا كذلك لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، أنا أدعم المقاطعات التي تهدف إلى تقويض الوجود غير القانوني في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية". لكن يعرف عنه بأنه "عدو اليهود المقبل"، حيث إنه معارض شديد ودائم لسياسة الاحتلال الإسرائيلية، كما أنه عضوا في حملة التضامن مع فلسطين ضد الصراع في غزة وما تعتبره الحملة "الفصل العنصري في إسرائيل". في عام 2012 ومرة أخرى في عام 2017، دعا كوربن إلى إجراء تحقيق حول تأثير إسرائيل على السياسة البريطانية, وفي اجتماع استضافه ائتلاف بعنوان "أوقفوا الحرب" في عام 2009، قال كوربين إنه دعا أصدقاء من "حماس" و"حزب الله" إلى الحدث في البرلمان، وأشار إلى حماس على أنها "منظمة مكرسة من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني"، وقال أن قيام الحكومة البريطانية بتصنيف حماس كمنظمة إرهابية هو خطأ تاريخي كبير للغاية. وعندما سُئل في يوليه 2015 لماذا دعا ممثلين عن "حماس" و "حزب الله" بأصدقاء، أوضح كوربين: "استخدمت المصطلح بطريقة جماعية، قائلًا أصدقائنا على استعداد للحديث، وأن المناسبة المحددة التي استخدمها فيها كانت تعريف المتكلمين من "حزب الله" في اجتماع برلماني حول الشرق الأوسط. وقال كوربن، إنه لا يتغاضى عن تصرفات أي من المنظمتين: "هل يعني ذلك أنني أتفق مع حماس وماذا تفعله؟ لا هل يعني أنني أتفق مع "حزب الله" و ماذا يفعلون؟ لا، ما أعنيه هو أنني أعتقد أن لتحقيق عملية السلام، عليك التحدث إلى الناس الذين قد تختلف معهم، لن تكون هناك عملية للسلام ما لم يكن هناك محادثات تشمل إسرائيل و"حزب الله" و"حماس" وأعتقد أن الجميع يعرف ذلك". وفي عام 2010، ادعى كوربن أن بعض الخطب من قبل أعضاء البرلمان البريطاني تكون معدة مسبقًا من قبل إسرائيل. وقال كوربن: "أنا متأكد من أن السفير الإسرائيلي رون بروسور، كتبها لأنها جاءت بنفس الكلمات الرئيسية، العبارات الطنانة مثل: 'حاجة إسرائيل إلى الأمان' و'التطرف من الناس على أحد الجوانب' ووجود مسلحين أتراك على متن السفينة'، ويأتي ذلك الكلام في كل خطاب". وكان كوربين قد دعا إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران كجزء من المفاوضات على تسوية كاملة للقضايا المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، وبدء عملية سياسية لتفكيك الترسانة النووية الإسرائيلية. ويتخوف أثرياء بريطانيا من احتمال فوز حزب العمال في الانتخابات البرلمانية وتولي جيرمي كوربن، رئاسة الوزراء أكثر من خوفهم من خروج بريطانيا بدون اتفاق في مفاوضات "بريكست" مع الاتحاد الأوروبي، وذلك وفقاً لاستطلاع شمل 200 ثري بريطاني. وذكرت مصارف استثمارية ومديرين في إدارة الثروات، أن بعضاً من هؤلاء الأثرياء بدأوا بخطوات عملية لاستباق صعود حزب العمال للحكم، إذ شرعوا في تحويل جزء من ثرواتهم إلى خارج بريطانيا، وذلك مع تحوّل الرأي العام من حزب المحافظين وزيادة شعبية حزب العمال. وحسب التقرير، فإن كبار الأثرياء يعتقدون أن فوز حزب العمال وصعود زعيمه جيرمي كوربن إلى رئاسة الوزراء، سينتهي إلى ارتفاع الضرائب على ثرواتهم أو حتى اتخاذ إجراءات للسيطرة على حركة رؤوس الأموال. وقال مصرفيون وخبراء في إدارة الثروات، إن الأثرياء باتوا ينظرون إلى نقل ثرواتهم خارج بريطانيا وينتقون دولاً مثل سويسرا وإمارة موناكو والبرتغال وأمريكا. وكان حزب العمال قد ذكر في برنامجه الانتخابي أنه سيقوم برفع ضريبة الدخل بنسبة 5.0% على الدخول فوق 80 ألف جنيه استرليني.