لا تدخر دول العالم جهداً في محاربة التنظيمات الإرهابية التي تسعى بكل قوة لإحداث حالة من الفزع والفوضى في كل شبر من العالم، وقد أعدت دار الإفتاء تقريراً تضمن خلاصة دراسات متعمقة ل42 دولة، بهدف إبراز التجارب والخبرات التي ثبت فاعليتها ونجاحها بدرجات متنوعة لمواجهة التطرف في تلك الدول. وأوضح التقرير أنَّ استراتيجيات مواجهة الإرهاب تنقسم إلى نوعين؛ الأول استراتيجيات سريعة وعاجلة، وتستهدف العناصر المتطرفة في طور تنفيذ العمل الإرهابي أو تلك التي توشك أن تنفذ عملًا إرهابيًّا، ومن الدول التي تبنت هذه الاستراتيجية ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة؛ والنوع الثاني: استراتيجات طويلة المدى، واستخدمتها العديد من الدول مثل الأردن والمغرب وسنغافورة والدانمارك والسويد، والمملكة المتحدة كاستراتيجية مكملة للاستراتيجية العاجلة، وتستهدف تجفيف منابع التطرف ومحاصرته ومنعه من الانتشار من خلال برامج تربوية وتنموية وإجراءات قانونية واجتماعية.. وتنشر "الموجز" ما رصدته الدار لتجارب أبرز تلك الدول.. أمريكا.. استهداف قادة التنظيمات الإرهابية بفرق مهام خاصة وحذف المحتوى الالكتروني المتطرف اتبعت السلطات الأمريكية استراتيجية متعددة الأبعاد لمحاربة التنظيمات المتطرفة منها استهداف قادة التنظيمات الإرهابية وذلك من خلال فرق مهام خاصة لجمع البيانات حول أماكن تمركزهم وتحركاتهم تمهيدًا لقتلهم كما حدث مع أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي وأبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم "داعش". وقامت بعض الهيئات غير الحكومية بالعديد من الجهود في مجال تطوير برامج ونظم تعمل على حذف المحتوى العنيف من مواقع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وقد نجحت عدد من الجهود في هذا المجال، منها ما أنتجته منظمة (المشروع ضد التطرف - Counter Extremist Project) وهي منظمة غير حكومية ومقرها واشنطن ويرأسها مارك والاس الدبلوماسي الأمريكي وسفير أمريكا لدى الأممالمتحدة. كما اتجهت "واشنطن" إلى استخدام برنامج معلوماتي جديد، يتيح رصدًا سريعًا لمواد وصفتها ب"المتطرفة" تحض على العنف على الانترنت، ويعمل البرنامج بالطريقة نفسها التي يستخدم فيها برنامج يتيح رصد أي محتوى إباحي يتعلق بالأطفال على الانترنت، ويتيح البرنامج مثلاً إزالة البث على نطاق واسع لتسجيلات فيديو تظهر عمليات قطع رأس أو قتل كتلك التي يبثها التنظيم الجهادي. وقام هاني فريد العالم في جامعة دارتموث بتطوير البرنامج بتمويل من مايكروسوفت التي عملت قبلا على برنامج "فوتو دي ان ايه" المستخدم اليوم على نطاق واسع للقضاء على اي مضمون إباحي متعلق بالأطفال او بالاستغلال الجنسي. ويمكن الاستفادة من البرنامج في محاربة دعاية التنظيمات الإرهابية التي تنتشر في العديد من مواقع الانترنت وتستخدم المواد المصورة مقاطع الفيديو في إثارة المشاعر وتجنيد الأفراد وكسب تعاطف قطاعات كبيرة من المسلمين من هنا وهناك، وبذلك تكون التنظيمات المتطرفة قد فقدت أحد أبرز أدواتها الإعلامية انتشارا، وهي المقاطع المصورة التي تنتشر بشكل واسع على مواقع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. الاتحاد الأوروبي.. نظام معلوماتي موحد لمنع تسلل الإرهابيين من العراق وسوريا اعتمدت دول الاتحاد الأوروبي في مواجهتها للإرهاب على التنسيق شبه الكامل بينها لحماية الحدود الخارجية للاتحاد وما بين دوله من خلال نظام معلوماتي موحد لمنع الهحرة غير الشرعية وتسلل المقاتلين الأجانب من مناطق الصراع المسلح فى العراق وسوريا. وفي هذا السياق يدعم الاتحاد الأوربي مشروعان لأمن الحدود فى لبنان وتونس لمنع تجارة الأسلحة وانتقال المقاتلين الأجانب، كما اقترحت المفوضية الأوروبية بشكل خاص تدبيرًا يتيح على الدوام اعتبار غسل الأموال جريمة جزائية في كل الدول الأوروبية، والعمل على "سد الثغرات" في القوانين الوطنية لكل بلد في هذا المجال. واقترحت المفوضية أيضاً تدبيرًا جديدًا يعزز الرقابة على حركات الأموال السائلة بما يتعلق بالأشخاص الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي أو يخرجون منه وبحوزتهم عشرة آلاف يورو على الأقل. وتسعى المفوضية إلى إفساح المجال لاحقًا أمام السلطات الوطنية للتحرك حتى ولو كان المبلغ المعني أقل من عشرة آلاف يورو، في حال وجود شبهات عن نشاط إجرامي ومن الإجراءات الأخرى أيضًا توسيع الرقابة الجمركية لتشمل أيضًا المال السائل المرسل عبر الطرود البريدية أو عبر الشحن، ومراقبة تحرك الأحجار الثمينة والذهب. وسعت المفوضية إلى تحسين "نظام شنغن للمعلومات" وهو عبارة عن نظام لتقاسم المعلومات بين السلطات القضائية والشرطة بشكل خاص لدى الدول الأوروبية، وتم الدخول إلى هذا النظام ما يقرب من ثلاثة مليارات عام 2015 وهو يستخدم خاصة لإدارة الحدود الأوروبية، والهدف هو زيادة فعالية هذا النظام في مجال مكافحة الإرهاب. كما اتجهت إلى تقليل الحد الأقصى لشحن بطاقات الهواتف المحمولة المدفوعة مسبقا دون الكشف عن الهوية من 250 يورو إلى 150 يورو، بالإضافة إلى تشديد تنظيم استخدام بطاقات الائتمان مجهولة الهوية والقابلة للشحن. السعودية.. إصدار أنظمة رقابية لمنع تمويل الإرهاب وإنشاء مراكز "المناصحة" لدحض الأفكار المتطرفة تهدف جهود المملكة في محاربة الإرهاب، إلى اتخاذ تدابير، وإجراءات مصرفية شاملة بهدف اتخاذ الحَيطة والحذر، واعتماد المعايير الدولية للنظام المالي، والحيلولة دون تمويل الإرهاب، وذلك بإصدار أنظمة، واتخاذ مبادرات للرقابة المالية، ومنع غسيل الأموال، ومن ذلك إنشاء قناة اتصال مفتوحة بين وزارة الداخلية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، وإصدار نظام مكافحة غسيل الأموال في عام 2003، وتكوين لجنة دائمة ووحدات لمكافحته (داخل مؤسسة النقد العربي السعودي وغيره من البنوك المحلية في المملكة) للتأكد من عدم استغلال النظام المصرفي في عمليات غسل الأموال، وتمويل الإرهاب. كما انتهجت السعودية استراتيجية أخرى لمحاربة الإرهاب تهدف إلى إعادة تأهيل المتطرفين وإعادة دمجهم في المجتمع وتصحيح المفاهيم عن طريق برامج تركز على الأبعاد النفسية والدينية والفكرية والاجتماعية، وتوجز هذه الاستراتيجية الأهداف والتحديات التي تواجهها الدولة جراء تصاعد عمليات العنف والإرهاب، كما تحدد وسائل مكافحة انتشار وجاذبية الأيديولوجيات المتطرفة، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى ردع الأفراد عن التورط في التطرف، وتشجيع إعادة تأهيل المتطرفين والأفراد الذين يتورطون معهم، وتوفير برامج النقاهة لهم لتسهيل إعادة دمجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم، وفي هذا الإطار حقق برنامج "مناصحة" المطبق في السعودية نجاحات كبيرة، إضافة إلى برامج أخرى مطبقة في معظم الدول الأوروبية وإن كانت ألمانيا تعد النموذج الأنجح في هذا المجال. أما بالنسبة للسجناء المدانين في جرائم عنف وإرهاب، فقد خضعوا لبرامج إعادة التأهيل والإدماج المجتمعي في تلك المراكز لفترة لا تقل عن ستة أشهر وتحتسب من مدة العقوبة. وفي هذه المراكز عُقدت اللقاءات الخاصة بالتطرف وعقد مناظرات مع السجناء للتأكد من تخليهم عن الفكر المتطرف والتأكد من إقلاع هؤلاء السجناء عن التطرف، وعزمه على التوبة وإعداد تقارير حول مدى خطورة العناصر المتطرفة وإمكانية عودتهم إلى ممارسة العنف. ويعتمد برنامج المناصحة العلاجية على الحوار الهادئ والمناقشة البناءة والموعظة الحسنة، من قبل ذوي الكفاءات الشرعية والنفسية والاجتماعية، لإزالة الشبهات وتصحيح الأفكار من خلال توفير المعارف الشرعية الصحيحة المستمدة من الكتاب والسنة بهدف مساعدة المستفيدين على التخلي عنها، عبر لقاءات فردية أو دورات وحلقات علمية متنوعة التخصص. وينقسم برنامج المناصحة إلى عدد من البرامج الداخلية منها المناصحة العلاجية التى تعتمد على تصحيح أفكار الموقوفين من الشبهات الفكرية التي وقعوا فيها بالاستناد إلى القرآن الكريم والسنة النبوية. أما المناصحة الموجهة فيستهدف الأسر التي يلاحظ عليها أو على أحد أبنائها فرد أو أكثر اعتناق أفكار خاطئة أو أن منهم من ذهب إلى مناطق الصراعات؛ لدراسة أحوال تلك الأسر والتواصل معها.. ويهدف هذا البرنامج إلى تصحيح الفكر لدى الأسر التي وقعت في الفكر المتطرف أو أحد أو أكثر من أبنائها ودراسة حالتهم من الجوانب الشرعية والنفسية والاجتماعية. بينما تستهدف مناصحة العناصر النسائية داخل مقار التوقيف أو خارجها من قبل لجان مناصحة من العنصر النسائي المؤهل تأهيلاً شرعيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، كما يشاركن ضمن برامج المناصحة الأخرى التي تستهدف مكونات المجتمع. ويهدف البرنامج إلى محاورة العناصر النسائية اللاتي وقعن في الفكر المتطرف ومناصحتهن والقيام بدراسة أحوالهن النفسية والاجتماعية لتصحيح الأفكار المغلوطة والمشوشة والغلو في الأوساط النسائية. ألمانيا.. شركة "أي بي إم" تطوَّر برنامجًا للكشف عن الإرهابيين المحتملين وإنشاء وحدات للتعامل السريع عبر آليات متعددة واجهت السلطات الألمانية خطط الإرهابيين والمتطرفين، فقد تم إنشاء وحدة شرطة جديدة تحمل اسم "وحدة معاينة الأدلة وتنفيذ الاعتقال"، ومقرها بالقرب من العاصمة برلين وهي تتشكل من 50 شرطيًا، وإنشاء أربع وحدات إضافية في السنة المقبلة، تضم كل واحدة منها 50 موظفًا وتتمركز في مواقع أخرى. وأوضح يورغ رادكه، نائب رئيس نقابة الشرطة الألمانية "أننا نتعامل مع جناة متمرسين على الأعمال الحربية يجيدون استخدام الأسلحة"، ويتميز هؤلاء الجناة بقدرتهم على التحرك وتنفيذ اعتداءات عدة في مواقع مختلفة في آن واحد، وهذا التكتيك الذي ينهجه الإرهابيون يشكل تحديا كبيرا أمام الشرطة. وتوجد في ألمانيا منذ مدة وحدة خاصة تابعة لشرطة حماية الحدود للتعامل مع هذا النوع من السيناريوهات المحتملة بما يشمل أيضاً المخاطر المحدقة بعناصرها، ومهمتها هي التدخل لبسط الأمن، وتحافظ هذه الوحدة الخاصة على قدراتها الحرفية بالتدريب المستمر. وتوجد وحدات أمنية خاصة وفرق تدخل سريع مماثلة في الولايات الألمانية المختلفة، وتُعتبر هذه الوحدات كافة فرق تدخل للعمليات السريعة لكنها غير مؤهلة لمجابهة عمليات مطاردة طويلة تستمر أيامًا وعليه فإن وحدة الشرطة الجديدة مطلوب منها أن تملأ هذه الثغرة، وتقدم الدعم في عمليات مكافحة الإرهاب. وعلى هذا الصعيد أيضاً طورت شركة "أي بي إم" في ألمانيا برنامجًا للكشف عن الإرهابيين المحتملين أطلقت عليه اسم (i2 EIA أو "Enterprise Insight Analysis") والذي يعمل على التعرف على الأفراد المحتمل ارتكابهم أعمالًا إرهابية من خلال شخصياتهم وبيئتهم ومعطيات حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي ينتمي لها الفرد. بريطانيا.. سن قانون يلزم مؤسسات الدولة بالتحرك لوأد الأفكار المتطرفة في المهد يمثل قانون الأمن ومكافحة الإرهاب الذي صدر في عام 2015 حجر الزاوية في مواجهة الإرهاب في إنجلترا، خاصة إنه يلزم المدارس والسجون والبلديات وغيرها من الهيئات العامة، بالتدخل أو التصرّف في حال ملاحظتها أشخاصاً ينحون باتجاه التطرف، بغية منعهم من التورط في أعمال إرهابية لاحقاً. وتتحمل جميع المؤسسات البريطانية العامة وفق هذا القانون مهمة الكشف عن أي شخص قد يكون عرضة للتوجهات المتطرّفة والإبلاغ عنها. ووفقاً للقانون تأخذ البلديات بعين الاعتبار كيفية استخدام أجهزة الحاسوب العامة المتاحة للجمهور، وأن تحدد أو تمنع الوصول إلى المواقع المتطرّفة، أما المدارس فعليها أن تثبت كيفية حماية طلابها من الانجرار وراء الإرهاب، وذلك عن طريق سياسات حماية فعالة تحدد هوية الأطفال المعرضين للخطر وتتدخل إن اقتضى الأمر ذلك. كما يتوقع أن تحمي المدارس طلابها من دخول مواقع إنترنت تضم محتويات أو مواد إرهابية تؤثر عليهم سلباً. ويبقى للجامعات، بحسب القانون، دورها في تقييم عملية تحديد ظاهرة التطرف لدى أي من الطلاب، كما يفترض أن يعي مسؤولو السجون مخاطر مشاركة السجناء لخلية واحدة ومدى تأثير بعضهم على بعض من الانسياق نحو التطرف. ويدعو القانون إلى تدريب العاملين في قطاع الرعاية الصحية على التعرف على دلالات أو علامات تبدو على بعض الأشخاص الذين قد يكونون على وشك الوقوع في فخ التطرف.. ولم يغفل قانون الأمن مكافحة الإرهاب، دور الحضانة والكليات في الالتزام بالنصوص التي يتضمنها، وفرض عليها التقيّد بها أيضًا. البحرين.. فضح نوايا عملاء الخارج وتقليص رحلات الطيران المتجهة إلى مواطن الإرهاب نفذت مملكة البحرين خطوتين أساسيتين في مجال المواجهة الأمنية للأنشطة الإرهابية وهما؛ "كشف وفضح نوايا القيادات الحزبية المنتمية إلى الخارج ممن يدعي الوطنية، والتعامل معهم بكل جدية لضمان سيادة القانون"، و"تقليص وجهات الخطوط الجوية المتجهة إلى مواطن الشر والإرهاب مع بيان أن الحفاظ على الوطن وهويته أهم من جزئية الاقتصاد المتمثل في هذا الجانب". وفي عام 2013 صدر مرسومان ملكيان لتعديل قانون جمع تبرعات الجمعيات الخيرية الصادر عام 1956، بهدف تشديد الرقابة على تمويل الإرهاب، وتضييق استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية التي تُسهل من انتشار الإرهاب، وهي التعديلات التي عكست الحاجة لمواكبة تطور التهديدات واستخدام الإرهابيين للابتكارات التكنولوجية والمالية. كما استضافت البحرين في نوفمبر 2014 اجتماع المنامة لمكافحة تمويل الإرهاب، والذي كان بمثابة فرصة للبلدان المشاركة بمجموعة MENAFATF لتأكيد التزامها بوقف تمويل الجماعات والأنشطة الإرهابية في كافة أشكالها، ومناقشة مخاوف اللجنة المالية الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب من تمويل تنظيم "داعش"، والجهود المبذولة للتعامل مع هذا التهديد.