فجرّ قرار بلدية الاحتلال الإسرائيلي بفرض ضرائب على أملاك الكنائس في القدس المحتل وتحصيلها بأثر رجعي والذي تراجعت عنه مؤخراً أزمة الصراع المسيحي اليهودي والذي تمتد جذوره إلي قرون مضت، واتخذ خلالها الصراع أشكالاً متعددة ارتبط بعضها بمواقف تاريخية وأخري تعلق بالنواحي العقائدية والدينية. وفي العصر الحديث قامت الكنيسة المصرية بدور محوري في هذا الصراع بعد أن أصدرت العديد من القرارات الصارمة للرد علي الانتهاكات الإسرائيلية داخل الأراضي المقدسة ومنها قرار عدم السماح للأقباط بزيارة القدس في ظل الاحتلال الإسرائيلي. كانت إسرائيل قد فرضت سياسة ضريبية جديدة بتسديد ضرائب "الأرنونا"- الاملاك - مترتبة على 882 عقاراً تمتلكها هذه الكنائس، وهي ضرائب لم تكن الكنائس تدفعها بموجب ترتيبات الوضع القائم التي يُعمل بها منذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، عام 1967، بحيث يتعيّن على الكنائس دفع متأخرات مستحقة عن الأصول العائدة لها بقيمة نحو 700 مليون شيكل "نحو 190 مليون دولار". وقامت بلدية القدس بالحجز على أملاك وحسابات لبطريركية القدس الأرثوذكسية بقيمة 30 مليون شيكل "حوالي ثمانية ملايين دولار" بحجة عدم دفعها لهذه الضرائب، ما أثار غضب رؤساء كنائس الروم الكاثوليك والروم الأرثوذكس والأرمن وقرروا إغلاق كنيسة القيامة رداً علي سياسات إسرائيل. واتهم الزعماء في بيان لهم إسرائيل بممارسة هجوم ممنهج لم يسبق له مثيل على المسيحيين في الأرض المقدسة. ونددت الكنائس بمحاولات إسرائيل لسن قانون يسمح بمصادرة أملاكها، ويرى ممثلو الكنائس أن الخطوة الإسرائيلية تأتي في سياق تصفية الوجود المسيحي في القدس والضغط على الكنائس في القضايا الوطنية. ومع تصاعد ردود الفعل الدولي تجاه القرار،أعلن نتنياهو تعليق إجراءات بلدية القدس، وجاء في بيان صادر عن مكتبه أن بلدية القدس ستُعلّق إجراءات التحصيل التي اتخذتها في الأسابيع الماضية، كما سيتم تعيين فريق مهني للتوصل إلى حل بالنسبة إلى مطلب جباية الضرائب. من جانبها أصدرت حركة شباب كريستيان للأقباط الأرثوذكس التابعة للكنيسة الأرثوذكسية برئاسة مؤسسها المهندس نادر صبحي سليمان بياناً رسمياً رداً علي تحركات إسرائيل ضد كنائس القدس وإغلاقها. وقال مسئول ومؤسس الحركة إن الانتهاكات الإسرائيلية لم تعد تحتمل الصمت أو استخدام شعارات الشجب والإهانة خاصة بعد قرار الحكومة الإسرائيلية بغلق كنيسة القيامة والكنائس المسيحية بالقدسالشرقية بسبب صدور قرار بتسديد مبلغ 190 مليون دولار أمريكي علي الكنائس بالقدس بأثر رجعي من عام 2010، مؤكداً أن هذا قرار خارق لكل المواثيق الدولية في الحق لممارسة الشعائر الدينية وما هو إلا استهداف للأقليات المسيحية بالقدسالشرقية. وطالبت "كريستيان" رئاسة الجمهورية والحكومة المصرية بفرض وتطبيق الرسوم والضرائب علي المعابد اليهودية بأثر رجعي، موضحاً أن اليهود يمتلكون الكثير من المزارات والمعابد التي تفتح لهم الطريق لزيارة مصر بل وتعيد لهم بارقة الأمل في العودة مرة أخرى لديارهم. وقال مؤسس كريستيان إن هذه المعابد، وعددها 11، بنيت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وتحديداً مع هجرة اليهود إلى مصر بتشجيع من محمد علي، حيث تمتع اليهود في عهد الخديوي إسماعيل بكل الامتيازات الأجنبية، وكان التطور الاقتصادي هو عامل الجذب الأساسي لقدومهم واستيطانهم. وحسب تعداد السكان لعام 1917 فقد بلغ عدد أفراد الجالية اليهودية في مصر 60 ألف نسمة. معابد القاهرة وبدأ اليهود بناء المعابد الخاصة بهم في مصر مع نهايات القرن ال19، وازدادت الوتيرة خلال القرن العشرين ومن أشهر هذه المعابد معبد عدلي أو "شعار هاشامايم" ومعناها "بوابة الجنة" والذي عُرف أيضا ب"معبد الإسماعيلية". ويقع المعبد بشارع عدلي بوسط القاهرة، ويعد من أفخم المعابد اليهودية في القاهرة، وإن كان من أحدثها أيضاً، فقد بُني عام 1905 برعاية عدة عائلات يهودية أرستقراطية على رأسها عائلة موصيري، ولا تزال بداخل المعبد لوحة تضم المشاركين والمتبرعين في بنائه.. وليس للمعبد أي أهمية تاريخية ودينية نظراً لحداثته النسبية، إلا أنه المعبد الأساسي التي تقيم فيه الأقلية اليهودية بمصر بعض الشعائر من وقت لآخر. وقد تم تجديد المعبد بشكل كامل عام 1981 بإسهامات من المليونير اليهودي نسيم جالعون، واتحاد السفارديم العالمي، وتزخر مكتبته بنوادر المخطوطات التي جمعت من المعابد اليهودية المصرية المغلقة، وسميت ب"مكتبة التراث اليهودي"، وافتتحها الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز عام 1990. ويوجد معبد يهودي آخر بمصر لا يقل شهرة عن معبد عدلي، وهو معبد بن عزرا ويقع في منطقة الفسطاط بحي مصر القديمة. ويعد هذا المعبد واحداً من أكبر وأهم المعابد، وخصوصاً مع تولي الحكومة المصرية رعايته وترميمه، وتحويله لآثار ومزار سياحي، إضافة لاحتواء مكتبته على نفائس الكتب والدوريات اليهودية التي تؤرخ لوجود طائفة اليهود في مصر. والمعبد في الأساس كان كنيسة تسمى ب"كنيسة الشماعين" وقد باعتها الكنيسة الأرثوذكسية للطائفة اليهودية عندما مرت بضائقة مالية نتيجة لزيادة الضرائب التي فرضت عليها وقتها. وعند تحويله لمعبد سمي ب"معبد عزرا" نسبة إلى "عزرا الكاتب"، أحد أحبار اليهود. ويسمى أحيانا ب"معبد الفلسطينيين" أو "معبد الشوام"، بينما يعرفه الباحثون واليهود المحدثين ب"معبد الجنيزا"، نسبة إلى مجموعة "وثائق الجنيزا" الشهيرة التي وجدت فيه عام 1890. وقد استخدمت المعبد على مر التاريخ غالبية طوائف اليهود في مصر، فاستخدمه اليهود العراقيين، وهم اليهود القرائين واليهود الشاميين، والأشكناز والسفرديم، وانتهى به الحال كمعبد لليهود الربانيين بعد انتقال طائفة اليهود القرائين إلى القاهرة في العصر الفاطمي وهم الذين يتحدثون العربية كلغتهم الأصلية. ويلي هذان المعبدان في الأهمية، معبد موسى بن ميمون، الذي يقع في منطقة العباسية بمحافظة القاهرة. وكانت تقام فيه الشعائر الدينية حتى عام 1960، وفي عام 1986 سُجّل المعبد كآثار بسبب أهميته التاريخية والدينية والمعمارية. وشُيّد هذا المعبد في نهاية القرن التاسع عشر في نفس المكان الذي أقام فيه موسى بن ميمون إثر وصوله لمصر هارباً من الأندلس التي كان اليهود يتعرضون فيها للاضطهاد. معابد الإسكندرية وفي الإسكندرية، توجد عدة معابد يهودية، أشهرها معبد الياهو حنابي في شارع النبي دانيال، وهو من أقدم وأشهر معابد اليهود في المدينة الساحلية، وتعرض هذا المعبد للقصف من الحملة الفرنسية، وأعيد بناؤه مرة ثانيه سنة 1850 بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد علي. يليه معبد دي منَسَّى، الذي شيده يعقوب دي منَسَّى الذي ترأس الطائفة اليهودية في القاهرة عام 1869 والذي انتقل في العام 1871 للإسكندرية. ويوجد شارع في المحافظة باسم يعقوب منَسَّى. وتزخر الإسكندرية بمعابد يهودية أخرى، هي معبد الياهو حزان في شارع فاطمة اليوسف في حي سبورتنج والذي بُني عام 1928، ومعبد جرين الذي شيدته عائلة جرين في حي محرم بك عام 1901، ومعبد يعقوب ساسون الذي شيد في عام 1910 في منطقة جليم، إضافة إلى معبد كاسترو الذي أقامه موسى كاسترو عام 1920 في محرم بك، ومعبد نزاح إسرائيل الاشكنازي الذي بني عام 1920، وأخيراً معبد شعار تفيله الذي أسسته عائلات انزاراوت وشاربيه في عام 1922 في حي كامب شيزار. حظر السفر ولا تعد هذه المرة الأولي التي تنتفض فيه الكنائس والأقباط تجاه الممارسات الإسرائيلية في القدس، حيث سبق ذلك مواقف تاريخية لباباوات الكنيسة الأرثوذكسية منها حظر سفر الأقباط إلي القدس. ويعد البابا كيرلس السادس البطريرك 116 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أول من رفض زيارة القدس، حيث أعلن ذلك فى أعقاب هزيمة 1967 وبعد وقوع القدس فى يد الاحتلال الصهيونى، بعدما لاحظ عمليات تهويد واسعة بمنطقة القدس، وظل الأمر كذلك حتى جاء العام 1980 حين قرر المجمع المقدس للكنيسة القبطية وهو أعلى سلطة فى الكنيسة، منع الأقباط من زيارة القدس، وذلك في أعقاب الشقاق بين البابا شنودة والرئيس الراحل أنور السادات وما جرى فى مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد التي لاقت معارضة شعبية واسعة. ونص قرار المجمع المقدس بشأن القدس فى جلسة 26 مارس عام 1980 على عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس هذا العام، فى موسم الزيارة أثناء "البصخة المقدسة" وعيد القيامة، وذلك لحين استعادة الكنيسة رسمياً لدير السلطان، ويسرى هذا القرار تلقائياً ما دام الدير لم يتم استعادته، أو لم يصدر قرار من المجمع بخلاف ذلك. استمر العمل بقرار المجمع المقدس طوال عهد البابا شنودة الثالث الذى قال مقولته الشهيرة "لن ندخل القدس إلا مع أخوتنا المسلمين"، حتى أن البابا الراحل كان يعاقب الأقباط الذين يزورون القدس بالحرمان الكنسى، أى الحرمان من سر التناول، وهو أحد الأسرار المقدسة السبعة للكنيسة الأرثوذكسية. وبعد جلوس البابا تواضروس الثاني علي كرسي مارمرقس جدد تأكيده على التزام الكنيسة بمنع زيارة الأقباط للقدس المحتلة، موضحاً أن زيارة القدس فى العقيدة المسيحية مجرد زيارة روحية لنيل البركة والسير فى المناطق المقدسة التى ولد فيها المسيح ولا تعد فرضاً إلزامياً علي الأقباط.