ربما لا يعرف كثيرون أن هناك أديرة كثيرة مخصصة للنساء فقط، وغير مسموح للرجال بدخولها، وهذه الأديرة لها رئيسات يشرفن على الراهبات ويدرن أمورهن. وتحرص رئيسات أديرة الراهبات في مصر خلال الأعياد والمناسبات الكنسية علي زيارة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية لتقديم التهاني ومشاركته الاحتفالات، وتعددت هذه الزيارات في عهد البابا تواضروس الثاني تارة للتهنئة بذكري تجليسه علي الكرسي الباوبوي وتارة أخري بمناسبة الأعياد. ومن أشهر رئيسات أديرة الراهبات اللاتي يشاركن في زيارات البابا تماف أدروسيس رئيسة دير الأمير تادرس الشطبي بحارة الروم، وتماف كيرية رئيسة دير الشهيد أبو سيفين بمصر القديمة، وتماف تكلا رئيسة دير الشهيد مارجرجس بمصر القديمة، وتماف أثناسيا رئيسة دير الشهيد مارجرجس حارة زويلة. وعلي الرغم أن رهبانية المرأة أكثر إخلاصاً فى النسك والعبادة، إلا أنها لا تحصل على أى رتب كهنوتية، وبالتالى تعيش داخل الدير مدى الحياة، ويقوم بخدمة الصلوات وإقامة القدّاسات، ككاهن منتدب لذلك. وتستعرض"الموجز" فيما يلي أبرز أديرة الراهبات في مصر وأشهر رئيساتها عبر العصور وشروط اختيارهن وكيف يعشن داخلها . القديسة دميانة يعتبر دير الشهيدة دميانة، في محافظة الدقهلية، من أشهر أديرة الراهبات في مصر، وهو يتبع إداريًا الأنبا بيشوي مطران كفر الشيخ والبراري، وسمى دير القديسة دميانة نسبة إلى الشهيدة الابنة الوحيدة للحاكم مرقص، حاكم منطقة الزعفرانة والبرلس، ويُروى أنه فى أحد الأيام طلبت من أبيها أن يبنى لها بيتا صغيرًا بعيدًا عن الناس لتعيش فيه وتهب نفسها للمسيح، فرفض أبوها فى البداية، ولكن مع إلحاحها وافق وأنشأ لها الدير، وانضم إليها 40 من العذارى من بنات البلدة. عقب ذلك بدأ الإمبراطور "دقلديانوس" يدعو الناس إلى نبذ المسيحية والسجود لأصنامه، فضعف والد "دميانة" وأعلن إيمانه بأصنام الإمبراطور خوفًا من بطشه، فلما سمعت دميانة الخبر استاءت من أبيها وطلبت زيارته وعنفته على خطيئته وأعادته إلى إيمانه، فأعلن كفره بأصنام الإمبراطور، فقتله الأخير، وأخبره رجاله أن سبب انقلاب مرقص عليه هو ابنته "دميانة" التى تسكن الدير وتدعو الناس للتمسك بالمسيح، فحاول استمالتها لصفه بالإغراءات والهدايا، وعندما فشل قرر تعذيبها هي والعذارى. وظل الإمبراطور يعذبهن 3 سنوات، حتى أشار أحد قواده عليه بقتل دميانة بالسيف للتخلص منها ومن دينها، فوافق، واقتاد دميانة والعذارى الأربعين إلى ساحة الدير، وقطع رقابهن جميعا فى نفس المكان، وتم دفنهن به، وسمى المكان عقب ذلك بالأرض الحمراء رمزًا لدمائهن التى سُفكت. أشهر الرئيسات اللاتي تولين مهمة إدارة الدير، الأم مرثا والتي توفيت في مارس 2014 واشترك في الصلاة على جثمانها الأنبا بيشوي، والأنبا داوود أسقف المنصورة. ويقيم الدير في شهر مايو من كل عام احتفالًا يستمر أسبوعين بعيد استشهاد القديسة ، ويزوره الآلاف من المسيحيين والمسلمين، ويحضر الاحتفال أيضا العديد من مسئولي محافظة الدقهلية. الأمير تادرس هو أحد أديرة الراهبات الخمسة المشهورة بالقاهرة والعامرة بالراهبات، ويرجح المؤرخون تاريخ نشأة الدير إلى القرن الثالث عشر الميلادى، وفى نهاية القرن السابع عشر بدأت منطقة حارة الروم والدير والكنائس المجاورة للدير (مثل كنيسة العذراء المغيثة)، فى النمو السكاني عندما انتقل إليها المقر البطريركى البابوى من حارة زويلة حوالى سنة 1675. اشتهرت هذه المنطقة فى التاريخ خلال القرن الثامن عشر الميلادى بأنها مركزاً للنشاط الكنسى نتيجة وجود الآباء البطاركة وتردد عليها الآباء الأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة، وأصبحت مركزا لجذب الأقباط كما سكن كثير من الكتاب بهذه الحارة بحكم قربها من مقر عملهم بالقلعة التى كانت تضم دواوين الحكومة فى ذلك الوقت. راهبات الدير القدامى تناقلن تقليداً يقول "إن سكن الآباء البطاركة مدة إقامتهم بحارة الروم كان محل بناء كنيسة الدير الحالية وهى باسم الأمير تادرس والقائمة شرق مسكن راهبات الدير". وشهد القرن التاسع عشر، انحسار أهمية حارة الروم، كحى هام للأقباط وانعكس بدوره على كنيسة السيدة العذراء وعلى الدير، مع انتقال القلاية البطريركية من حارة الروم إلى حارة الأزبكية 1799. ومع انتقال مقر الحكم المصرى من القلعة إلى قصر عابدين فى عهد الخديوي إسماعيل، انتقل كثير من الأراخنة وموظفى الدواوين الأقباط من حارة الروم إلى أحياء سكنية أخرى كالأزبكية وحارة السقايين والفجالة. ومن أشهر رئيساته الأم يوأنا التى رسمها البابا شنودة في إبريل 1993، كما رسم البابا عددًا من الراهبات فى إبريل 2004، منهن "إيسى ومهرائيل، وماتيرا وثواكلية، وأستير، وسوسنة". مار جرجس يقع فى حارة زويلة وتعد من أشهر المسئولات عنه الأم "يوأنا" التى رسمها البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، كما قام أيضًا بسيامة عدد من الراهبات للدير فى مارس عام 1987، ومن أشهر راهباته الأم مريم، والأم أغابي. وقالت إحدى الراهبات في تصريحات سابقة، إن هناك سلسلة من المعجزات التى يتميز بها الدير خاصة فى الأمور المتعلقة بالشفاء والعلاج. ويضم الدير أيضًا بعض رفات جسد الشهيد مار جرجس، وكذلك ماء المعجزات الذي يساعد أيضًا على شفاء الأمراض وذلك لأن الماء شربت منه العائلة المقدسة أثناء رحلتها إلى القاهرة. وتعد معجزة الأم حنونة من أهم معجزات دير مارجرجس، وهى إحدى الراهبات القدامى بدير الراهبات بمصر القديمة، والتى تنيحت عام 1985، وبدأت المعجزة بنشأة هذه الأم فى بلاد الصعيد حيث أصيبت وهى شابة صغيرة بمرض الرمد الصديدى، الذى أفقدها الرؤية فنقلها أهلها إلى المستشفى وقرر الأطباء إجراء عملية جراحية إلا أن نجاحها غير مضمون. وفي ذلك الوقت طلبت الأم حنونة من مارجرجس أن يشفى عينيها ونذرت أن تكون خادمة له فى أي مكان على اسمه إذا تم شفاؤها، وفى أثناء نومها رأت طبيبا يرتدى معطفًا أبيض ويحل الرباط الموجود على عينيها ويقول لها "خلاص هاشفيك وأعملك العملية، فسألته أنت مين؟ فأجابها أنا الدكتور مارجرجس"، فلما استيقظت من النوم وجدت عينيها ترى بوضوح فسألت عن الدكتور مارجرجس فلم تجده، وتأكدت أن القديس الشهيد مارجرجس هو من شفاها. العذراء مريم كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة بناها رجل أعمال قبطى يدعى الحكيم زيلون عام 352، بعد أن تأكد أن هناك بئراً شربت منه السيد المسيح والسيدة العذراء ويوسف النجار، خلال هروبهم من فلسطين إلى مصر، فبنى الكنيسة على البئر والاستراحة التي استراحت فيها العائلة. وبحسب رواية المؤرخ المصري المقريزي ففي عام 969 أسس القائد جوهر الصقلى مدينة القاهرة وقسم المدينة إلى حارات أسماها المقريزى (خطط) أى مجموعة من الأحياء الآهلة بالسكان، وكانت هناك قبيلة مغربية من قبائل البربر نزحت إلى مصر مع الصقلى تدعى "زويلة"، فأقامت بالمساحة المزروعة بهذه المنطقة (حارة زويلة) إلا أنها تركت الدير على ما هو عليه، وتم بناء كنيسة السيدة العذراء الأثرية بالحارة. ومن أشهر راهباته الأم "ملكة" رئيسة الدير فى القرن التاسع عشر، والأم أغابى، التى ترأست الدير فى القرن العشرين، وأيضا الأم مريم. أبو سيفين يقع دير الشهيد العظيم فيلوباتير مرقوريوس أبى سيفين فى شارع جامع عمرو، مصر القديمة، مركز الفسطاط القديم، وهو من أقدم أديرة الراهبات. كان الدير منعزلاً تماماً، ويحيط به من الخارج سور عالٍ، وعُرف قديماً باسم دير أبى سيفين للبنات، أو دير البنات بحارة البطريرك بدرب البحر، لأنه منذ إنشائه حتى أوائل القرن التاسع عشر، كان مطلاً على شاطئ النيل المعروف بساحل الشعير، ثم انحسرت مياه النيل تدريجيا، وأصبح يبعد عن منطقة الدير. وترجع تسمية حارة البطريرك إلى وجود مقر البطريركية بكنيسة الشهيد أبى سيفين الأثرية الموجودة جوار الدير الحالى، وقد نال شهرة كبرى بسبب الراهبة الأم إيرينى، رئيسة الدير السابقة، والتى عرف عنها الأقباط إجراء المعجزات، وأنشأت فرعا آخر للدير، بمنطقة سيدى كرير، بالساحل الشمالى فى الإسكندرية. الملاك وبضابا والعجايبي وتادروس يقع هذا الدير فى قرية قامولة التى عاشت فيها القديسة "رفقة" وزارها الأنبا رويس فى القرن الرابع عشر وهو دير ضمن سبعة أديرة أنشأتها الملكة هيلانة فى القرن الرابع الميلادي، بينما دير بضابا فى نجع حمادى بمحافظة قنا، ويوجد بالدير 6 راهبات، ورئيس الدير الأنبا كيرلس، وهو أسقف نجع حمادى وأبوتشت. وفي نفس المدينة وتحديداً فى قرية "هو" يقع دير العجايبي، والذي يتبقى منه كنيسة يرجع تاريخ بنائها إلى القرن بطرازها الحالى، وتوجد استراحة يقيم بها الكاهن المسئول عن الخدمة وأيضا مسكن للراهبات. ويقع دير الأمير تادروس خلف مدينة "هابو" غرب الأقصر، ويتكون من مبنى الكنيسة القديمة وبعض القلالى الملحقة، ويوجد أمام الكنيسة مدفن خاص للآباء الكهنة الذين خدموا الدير ومنهم القديس القمص متى الباسيلى وتوفي فى 3/4/1968م، ويسكنه عدد قليل من الراهبات. دير الملاك بملوى يقع هذا الدير فى قرية "دير العيش" التابعة لمركز ملوى بالمنيا، وهو يضم حامل أيقونات أثرى يوجد منذ أكثر من 300 عام، حيث يحمل الحجاب الأثرى أيقونات تحمل صورة المسيح، كما يوجد صورة للعماد، وأخرى للملاك ميخائيل. رهبنة العذاري والمعروف أن مصر أول دولة تظهر فيها الرهبنة، ويعتبر أنطونيوس هو "أب الأسرة الرهبانية" (251 - 356) ومؤسس الحركة الرهبانية فى مصر والعالم كله، فقد ظهرت رهبنة الفتيات أو العذارى فى شكل تجمعات للفتيات بالمدن، وبحسب ما جاء فى قصة الأنبا أنطونيوس عندما أراد أن يمضى للبرية "الصحراء طلبًا للرهبنة" أودع أخته فى إحدى بيوت العذارى. ومرت رهبنة العذارى بعدة مراحل، فقد كانت الفتاة التى تريد حياة الرهبنة والبتولية تنفرد فى حجرة ببيت أبيها عابدة بصوم وصلوات، مثلما قيل فى أعمال الرسل عن فيلبس المبشر، كانت له 4 بنات عذارى كن يتنبأن، ولو كان الأب غنيا كان يبنى لابنته بيتًا أو قصرًا مثل القديسة دميانة، وكان الأب هو المسئول عن ابنته. وفي تصريحات سابقة للأنبا بيشوى، مطران دمياطوكفر الشيخ ورئيس دير الشهيدة دميانة بالبراري، أوضح معنى الرهبنة فى المسيحية، بأنها "الموت عن العالم" ولذا تم تسميتها ب"رهبنة الكفن" حيث تُقبل طالبة الرهبنة فى الدير بعد ثلاث سنوات من اختبارها والتأكد من أنها جاءت باختيارها ومحض إرادتها للدير، وتصلى عليها صلاة جنائزية وتُغطى بستر أى كفن أثناء الصلاة لأنها ماتت عن العالم وبدأت حياة الفقر الاختياري والطاعة والتبتل فلا تأكل إلا ما يكفيها ولا تفعل إلا ما يطلب منها ولا تخرج من الدير ولذا تم تسميتها ب"رهبنة الكفن". وتابع "الراهبة في البداية ترتدي الجلباب الأزرق أو الرمادى، وبعد أن تتأكد ويتأكد الدير أيضًا أن حياة الرهبنة تناسبها تنتقل بعدها لترتدى الجلباب الأسود وهو رمز للاحتشام، وعلى الرأس تضع الراهبة قلنسوة سوداء يُرسم عليها 12 صليباً تشير إلى 12 تلميذاً من حواريى المسيح ففى كل ناحية من الرأس ستة صلبان، وفى الخلف صليب كبير يشير إلى السيد المسيح والقلنسوة مطروحة إلى الخلف رمز لترك الراهب العالم وراء ظهره". وأوضح أن طالبة الرهبنة تأتى باختيارها ومحض ارادتها للدير وبعد اختبارها وارشادها لسنوات تقبل فى شركة الدير وتعيش بعد ذلك بالنذور الرهبانية التى تشمل الانعزال عن العالم والفقر الاختيارى وحياة الطاعة والتبتل الطوعى. شروط الرهبنة غير أن هناك شروطاً يجب توافرها لقبول الفتاة بالأديرة حددتها لائحة الرهبنة أهمها الحصول على مؤهل عال، ويفضل من لم تسبق لهن الخطوبة، والخلو من كافة الأمراض المعدية التى تمنع ممارسة الحياة الرهبانية. وتسير حياة الراهبات على الأساس الروحى المتمثل فى الصلاة والصوم وإقامة التسبحة منتصف الليل، والتى تنتهى بالقداس الإلهى صباحًا. كما تمارس الراهبات العمل اليدوى، مثل الإشراف على مزارات الدير، والبيع بمكتباته، وتطريز الملابس الكهنوتية.