من يبحث عن أسباب التدمير والقتل واستباحة الدماء التي طلت برأسها القبيح علينا في مجتمعاتنا؛ يجد الفتاوى الشاذة تقف بجدارة خلفها، حيث اتخذها البعض مطيَّة للوصول إلى مصالحهم الشخصية وتشويه صورة الإسلام وقلب المجتمعات التي آمنت به رأسًا على عقب.. "الموجز" من جانبها حاورت قيادات العالم الإسلامي، وبعض المفتين، على هامش مؤتمر دار الإفتاء الدولي "دور الفتوى في استقرار المجتمعات"، للوقوف على أخطار الفتوى على الشعوب وكيفية مواجهتها. الحبيب علي الجفري: "الفتاوى العشوائية" مادة دسمة لحركات الفوضى السياسية الساعية لهدم الدول قال الداعية الإسلامي، الحبيب علي الجفري، إنَّ مصر هي مرجعية لأهل السنة والجماعة على مدى القرون، في ظل وجود الأزهر الشريف، مشيرًا إلى أن البشرية أجمع تُعاني من الإرهاب في ذلك الظرف الزماني والمرحلة الحرجة التي نمر بها. وأضاف "الجفري" ل"الموجز" أنَّ التقاء أهل العلم ومسئولي دور الإفتاء في العالم مع بعضهم البعض، ليعودوا إلى بلادهم لأداء دورهم بعد تبادل التجارب والأفكار، لم يحدث من قبل في عصرنا، إلا تحت مظلة مصر التي هي منارة ومرجعية العلم، خصوصًا في ظل الحديث عن دور الفتوى في استقرار المجتمعات، إذ إننا نعيش في مرحلة، يُعد الاستقرار فيها أمنية أو حلم عند كثير من المجتمعات ومناطقنا، لافتًا إلى أن الدول التي ما زالت قائمة ولم تهدم ولم تسقط، أصبح لديها نوازع تُهدد استقرارها الاقتصادي والفكري أو غيرها. وأوضح أن مركز إعداد وتأهيل المفتين، الذي دشنته دار الإفتاء المصرية منذ أعوام، يُعتبر تجربة مثمرة وناجحة تحولت من تجربة مصرية مقتصرة على دار الإفتاء والطلاب الأزهريين وإن كانوا من أنحاء العالم إلى فكرة قابلة للتصدير من خلال الأمانة العامة لدور الإفتاء. وأشار إلى أنَّ الفتاوى الشاذة لا يقبلها قلب أو عقل أو دين، مثل مضاجعة الزوجة الميتة، لافتًا إلى أنها أتت نتاج لعدة عوامل، أهمها: مسئوليتنا نحن في بيت الخطاب الشرعي، حيث إننا في حاجة إلى أن نعود على أنفسنا بنقد الذات وإعادة النظر في التأهيل، علاوة على أنه هناك جزء آخر متعلق بوسائل الإعلام، فيجب عليها أن تبتعد عن حالة اللهث خلف الإثارة التي تنتشر كالعدوى. وذكر أننا نشهد حالة من هدم كتب الفقه، حيث الفرق بين النقد البناء والهدم، مشيرًا إلى أن مفهوم الفتوى ينبغى أن يتجاوز الاقتصار على بيان الحكم إلى إخراجه في سياق يربطه بالمقاصد التنموية، خاصة أن المفتي المعاصر بحاجة إلى جهد كبير يجمع نتاجه بين رصانة العلم الأصيل وامتلاك أدوات معرفة الواقع المعاصر، مع نسق من التزكية للنفس وفتح لآفاق الفكر. ولفت إلى أن أضرار فوضى الفتاوى لم تعد خافية على من يُتابع ما يجري، قائلًا: يكفي أن نعلم بأن الكثير من الجرائم التي ترتكب باسم الدين ترتكز على هذه الفوضى اتباعًا لفتاوى التكفير والتفجير، أو ردة فعل على فتاوى هدم الثوابت والتطاول على المقدسات، كما أن حركات الفوضى السياسية الساعية لهدم الدول اعتمد الكثير منها على تلك الفتاوى العشوائية. مفتي الأردن: الفتاوى الشاذة ليست مقصورة على الإسلام فقط من جانبه قال محمد أحمد الخلايلة، مفتي الأردن، إن التطرف الديني بما يحتويه من فتاوى شاذة ومتطرفة ليست حكرًا على دين من الأديان أو مذهب من المذاهب دون الآخر، سواء كانت سماوية أم وضعية، حيث نجد في كل مجتمع من تستحكم لديه الدوافع نحو التطرف، وتسيطر على أساليبه، وقد وجد التطرف الديني في الأديان السماوية السابقة. وأضاف أن المفتي يجب أن تكون في فتواه صلاح الناس ومصلحتهم، من غير تشديد يهلكهم ولا تساهل يفسدهم، وأن يكون حسن القصد فيما يختار من آراء العلماء بقصد الفتوى، فلا يختار رأيًا يوافق فيه هوى الناس ورغباتهم، وعليه ألا يفتي بالفتاوى الشاذة. وأوضح أن التعصب والغلو سلوك قديم في التاريخ الإسلامي ظهر منذ بداية الدعوة الإسلامية زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم واستمرت بعض مظاهره إلى يومنا الحاضر، ومن أهمها رفض كل الأفكار والمعتقدات المخالفة وحرية الرأي والدين، بالإضافة إلى عدم الإيمان بالحوار مع الآخر. وأشار إلى أن الغلو الحقيقي، تمثل عند ظهور من خرجوا على عثمان بن عفان رضي الله عنه، لأنهم سعوا بالفتنة والخروج على أمير المؤمنين، ثم أفتوا لأنفسهم بجواز التعدي واستباحة دمه بالقتل، ومن هنا ظهرت الفتن، وثارت الشبهات، وأقبلت الفتن يحمل رايتها الغلو والتطرف والإرهاب للآمنين المطمئنين من المسلمين خصوصًا. وتابع: من أهم الأصول التي بنى عليها أصحاب الفكر المتشدد مذهبهم في تكفير الآخرين هو فهمهم الخاطئ لما ورد عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أشد الفتاوى تطرفًا هي تلك التي تكون نتيجتها تكفير الآخر وإخراجه من الملة، وكل ذلك في سبيل إظهار أنفسهم أنهم هم اتباع الحق والسنة، وأنهم على منهج النبي وأن باقي الفرق الإسلامية كافرة مشركة مصيرها إلى نار جهنم، فبحث أصحاب الفكر المتطرف عن دلائل الشرك ونواقض الإسلام، وإهمال الأدلة التي تثبت حرمة الدماء وعصمتها لمن نطق بالشهادتين. وأوضح أن المذاهب الفقهية تُعد حصنًا منيعًا ضد من يحاول العبث بالنصوص الشرعية ويخدم هواه في رمي الناس بالكفر والضلال، وذلك لأنها مبنية على أصول ثابتة وضعها علماء الأمة من مجموع النصوص الشرعية الوارد في مختلف المسائل. وأكد أن أصحاب الفكر المتطرف حرفوا مفهوم الهجرة، فجعلوا جميع الديار التي لا تحكم بحكمهم ولا تأتمر بأمرهم ديار حرب حتى وإن كان جميع سكانها مسلمين موحدين لله تعالى، وهم بذلك يستبيحون دماء المسلمين ويقتلونهم ويروعون آمنيهم، وخالفوا بذلك ما نصت عليه المذاهب الإسلامية في تعريف دار الحرب ودار الإسلام. ولفت إلى أن التطرف أدى إلى انتشار التعصب في الرأي والغلظة في التعامل بين أبناء المجتمع، حيث لا يعترف الشخص المتطرف بالآخرين ولا يسمح له تعصبه برؤية واضحة لمصالح الخلق ولا لظروف العصر، ومحاولة الحجر على آراء الآخرين والمخالفين. الشيخ أبوبكر أحمد: السلف الصالح كانوا يتحاشون الإفتاء على عكس ما يحدث اليوم أكد الشيخ أبوبكر أحمد، الأمين العام لجمعية علماء أهل السنة والجماعة ورئيس جامعة مركز الثقافة السنية الإسلامية في الهند، أنَّ الإسلام دين يتميز عن سائر الأديان بشموليته الواسعة وتلبيته لكل متطلبات المجتمع البشري في أي عصر، إذ إنَّ القرآن الكريم يُقدم الحلول المناسبة لكل قضية من قضايا البشر التي يتعرضون لها، لافتًا إلى أنَّ ديننا اشتمل على أحكام وتشريعات تتعلق بجميع أمور حياتنا في المجتمع والنفس وكل ما يتعلق بصغائر الأمور وكبائرها. وأضاف ، أن الذي يتولى مهمة الفتوى، يجب أن يكون عالمًا بكتاب الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومطلعًا على أقوال العلماء المعتبرين ليختار منها ما قام عليه الدليل، مؤكدًا أن السلف الصالح كانوا يتحاشون المسارعة إلى الإفتاء والإكثار منه، على عكس ما يحدث اليوم، حيث انقلبت الأمور رأسًا على عقب، وأصبحت الفتوى في يد كل من "هب ودب" ووسيلةً لاستقطاب أنظار الجماهير إليهم. وتطرق إلى الأسباب التي أدت إلى حالة الفوضى التي تشهدها الإفتاء، قائلًا :"إنها تمثلت في الجهل وعدم دراسة الأحكام من منابعها الصافية من العلماء الذين توارثوا العلم من أهله، علاوة على عدم إدراك خطر مسئولية الفتوى وما يترتب عليها؛ خاصة أنها إخبار عن الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بأنَّهما أحلَّا شيء أو حرموه". وأوضح أنَّ حب الشهرة والشعبية؛ من أبرز الأسباب أيضًا التي أدت بنا إلى حالة من الفوضى، لاسيما إرضاء الكفار وأصحاب الدنيا لأجل الحصول على ملذات الحياة الفانية، وعدم التأني والفتوى دون نظر أو التأمل ليحصل على الشهرة بين الناس بسرعة الجواب وأنه يفهم الأمور جيدًا. وشدد على أنَّه على العلماء والمفتين؛ العمل للحفاظ على استقرار المجتمع، وحفظ هوية الدول والأمم، واجتناب كل ما يؤدي إلى التوتر والاضطرابات، إذ إنَّ الإسلام دين أمن وسلام وتسامح وتفاهم، وليس دين إرهاب. وزير الأوقاف اليمني: الفتوى ليست سوطًا على الأعناق وليست صك غفران للعابثين بالقيم أشار الدكتور أحمد عطية، وزير الأوقاف والإرشاد اليمني، إلى دور الفتوى في التأثير على فكر الأمة ونظامها، حيث مكانتها الكبيرة، التي تستدعي ألَّا يتصدرها إلا أهل العلم والمؤهلين لها دون غيرهم، مشددًا على أنه يجب أن نحمي الفتوى من تعدي الظالمين ومن ثم إسنادها إلى أهلها ممن لديهم الشروط التي يجب أن تتوافر في المفتي، وذلك من أجل منع غير المتخصصين من إحداث بلبلة في المجتمعات. وطالب "عطية" المجتمعات، بمراجعة النظر إلى أمر الإفتاء، بعد أن أصبحت شيء مُباح لأي شخص غير مؤهل لها، ولكل جماعة تريد أن تقتل الأبرياء وتشرع للإرهاب والتدمير والجرائم البعيدة عن ديننا الإسلامي الحنيف، قائلًا إن الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، براء من الفتاوى الضالة والافتراء الذي يرتكبه من يسفكون الدماء وينتهكون الحرمات ويعتدون على الحقوق والممتلكات، ويروعون الآمنين ويثيرون الفتن ويشعلون الحروب، ويقولون على الله ما لا يعلمون، ولن يجدوا إلا عذاب عظيم من الله عز وجل. وأوضح أن الأمة الإسلامية تمر بحالة حرب أودت بحياة مئات الآلاف من الأبرياء، حيث نتجت عن الفتاوى الضالة التي أصدرها المتطرفين من الجماعات الإرهابية، من أجل الوصول إلى منافع شخصية ومادية، ما أوجب علينا تنظيم وضبط أمر الإفتاء من جانب العلماء والقادة القائمين عليها. وأكد أهمية الفتوى في الدول التي بها أقليات مسلمة، حيث يجب أن يجد المسلمين هناك ما يشجعهم على التمسك والاعتزاز بدينهم، ومعرفة أنهم على حق ولا يخافون من أي ظروف يمرون بها، إذ إنهم يمرون بامتحان ليس باليسير، مشيرًا إلى أن الفتوى ليست سوطًا على الأعناق، وكذلك ليست صك غفران للعابثين بالقيم، لذلك يجب اقتصارها على أهل الشرع المؤهلين لها، وأن تخصص لهم فضائيات للقيام بوظائفها. ولفت إلى أن فتاوى التكفير، تعتبر أفكار شيطانية ليتواجد بها الحقد والكراهية بين الناس، ليبتعدوا عن الدين الإسلام الوسطي، مشددًا على أنه على المجتمع أن يتبرأ منها ويوعي الناس جميعًا بخطرها على هويتهم وحياتهم وأمنهم واستقرارهم، حيث إن ديننا جاء لإخراج الناس من ظلمات الجهل والتخلف إلى التقدم والعدل والسعادة والموعظة الحسنة. وأشار إلى أن الفتوى المبنية على أصول الشريعة في المجتمع المسلم وغير المسلم هي صمام أمان لأهل الإسلام من فتن الشبهات والشهوات، وسد منيع دون التأثر بالتيارات الضالة والمناهج المنحرفة والطرق المبتدعة، وهي أيضًا تبني الشخصية المسلمة كما أرادها الإسلام، لتكون متكاملة متزنة، ترتكز على الصلة الدائمة بالله، تعبده وحده دون سواه، وتصرف له سبحانه جميع أنواع العبادة، ولا تشرك معه أحدًا. وأكد أهمية أن يكون للفتوى أثر في حماية هوية الشباب المسلم وإلا كانت النتيجة وجود شباب لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، وبهذا تظهر هوة عميقة بين الشباب المسلم والتطبيق الأمثل لتعاليم الإسلام ومبادئه وقيمه الفاضلة، وهذا أمر مشاهد في بعض البيئات الإسلامية، مشددًا على أنه لا بد للفتوى أن تتناول معتقدات أهل الإسلام وأخلاقهم وسلوكهم، ولا بد لها أيضًا أن تتناول جانب الهوية وتمييزها عن غيرها، وتحذير المستفتي من الانجرار وراء دعوى الانسلاخ من الدين ودعوى ذوبان المجتمعات المسلمة في مجتمعات الكفر التي لا تعرف ربًّا تعبده وليس لها قيم أخلاقية تحصنها من الوقوع في الرذائل والمنكرات. وقال إنه من آثار الفتوى على هوية الشباب المسلم أنها تدعوه إلى التصور الصحيح للإسلام وتبين له الأخطار التي تحيط به متى ما تجرد عن هويته، وتحذره من الانزلاق في هاوية الانحراف، وتدعوه إلى معرفة الله وتعظيمه، والتمسك بعقيدة الإيمان، والحرص على كتاب الله والسير على هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث إنهما من أهم ما يحفظ للأمة هويتها وخصوصيتها. وأضاف: أهمية الفتوى تكمن فى ترغيب الشباب المسلم بالاعتزاز بدينه وأن ترفع به رأسه أينما كان لا تأخذه في الله لومة لائم فلا يجوز للمسلم أن ينظر إلى أهل الضلال نظرة إعجاب واقتداء، وتحذر هؤلاء الشباب من مشاركة أهل الباطل في اعتقادهم وسلوكهم، وتحذرهم من التشبه بهم في عباداتهم وعاداتهم التي هي من خصائصهم وحدهم، لذلك آن لفوضى الفتاوى أن تتوقف، وآن للمتصدرين لها أن يتقوا الله في شعوب قد أعياها التعب وأنهكها القتل والتشريد والحرب، كما آن لخوارج العصر أن يعتبروا بما حل بالأمة في القديم والحديث جراء الفتاوى الخاطئة والمنبثقة عن رغبة الانتقام والتسلط. عضو المجلس العلمي المغربي بأوروبا: أوضاع الأقليات تقتضي فتاوى معاصرة تجيب عن أسئلة الزمان والمكان الذي يعيشون فيه أما الدكتور مرزوق أولاد عبدالله، أستاذ التعليم العالي بالجامعة الحرة بأمستردام هولندا وعضو المجلس العلمي المغربي بأوروبا، فقد قال ل "الموجز", إن ديننا الحنيف يمر بمرحلة خطيرة، وإذا لم ننتبه إليها جميعًا، قادة وشعوبًا وعلماء وأهل العلم والفكر، داخل العالم العربي والإسلامي وعند الأقليات المسلمة في الغرب، فإنه سيتضاعف وسيتسبب في فوضى دينية واجتماعية كبيرة. وأضاف أنَّ ما يحدث الآن جاء إثر فوضى الفتاوى المتطرفة التي ابتعدت عن الإسلام، وتجعل الجهلاء يطبقونه بطريقة بعيدة عن التسامح والتعايش السلمي، علاوة على التفسير الخاطئ والمنحرف لآيات القرآن الكريم، وتحميل الآيات غير ما تحتمل خدمة لأفكار أهل التنطع والتطرف المضللة والخاطئة، إضافة إلى حرص البعض على التكفير وسفك دماء كل من يعارضهم في كل فتوى، ما يؤدي في أغلب الأحيان إلى القتال بين فئات المسلمين وزرع الفتن الداخلية باسم الدين. وتابع: كثير من الشباب وقعوا فريسة للفتاوى الضالة والمضللة غير المبنية على قواعد شرعية، تروج لها جماعات التطرف والإرهاب، حيث يخرج علينا الكثيرون ممن يتهمون المحكومين والحكام والشرطة والجيش؛ ما يعني حتمية الثورة عليهم, وتغيير الواقع ولو بالقوة، كما تحرم هذه الجماعات المتطرفة الديمقراطية وتجيز قتل الأبرياء عن طريق استخدام عبوات ناسفة باسم الدين. وأشار إلى أن ما نمر به الآن، جاء نتيجة لوجود فراغ في مواقع الإفتاء، ما دفع كثيرون من غير المؤهلين أن يتصدروا الفتوى محاولين سد الفراغ. وأكد أن مهمة المفتي والفقيه في وقتنا الحالي، معقدة ومتشابكة، حيث إن مبدأه الأصلي النص الشرعي واحترام حكمه، ونظرته في قضايا الواقع في حدود قواعد الإسلام الكبرى القائمة على الحق والعدل، وغايته تحقيق الانسجام والتآلف بين الأحكام الشرعية والحاجات المتجددة، وأضاف' على المفتي الانفتاح على العالم الذي يعيش فيه، فيبحث في حقائق المسائل والوقائع، ولا يتسرع حتى يتصور الواقعة تمام التصور، ويدرك أسباب التغير، فإذا لم يوجد في العرف الطارئ تصادم مع أصول الحلال والحرام في الإسلام، ويفتي الفقيه في المسألة الحادثة في ضوء فهم النصوص الشرعية فهمًا سديدًا وواعيًا، إذا توفرت لديه ملكة الاجتهاد، وأفتى في ضوء معنى النص، ومراعاة مقاصد الشريعة العامة، ولا يفتي متأثرًا بأهواء الناس؛ لأن الفتوى أمانة ونقل للحكم الشرعي بمعناه الواسع لتغطية أحوال الوقائع. وقال: لا يستطيع أي مسلم أن يستغني عن المفتي أو الفقيه؛ لأنه سبيل الحكم على تصرفات الناس وأحوالهم، والمسلم هو الذي يطلب حكم الشريعة في كل صغيرة وكبيرة في حياته، وبالتالي يجب على العلماء والفقهاء ممن حباهم الله نعمة التفقه في الدين أن يدرسوا الفقه دراسة جيدة تستوعب كل مسائله وقضاياه، حتى يصل إلى الناس ويجيب عن أسئلتهم، ويفتيهم في محدثات حياتهم، فالعلوم الدينية بشتى أنواعها هي الأساس للفقيه أو العالم أو المفتي أو الخطيب لمعالجة أمور تتعلق بواقع الناس وحياتهم. وأضاف: مواكبة أحكام الشريعة لتطورات الحياة لا تتحقق بالشكل المطلوب إلا عن طريق توظيف آليات الفهم الصحيح لاستنباط النصوص الشرعية، وكشف دلالتها ومقتضياتها المتنوعة، وهذه العملية لا يمكن أن تحدث إلا ضمن الاجتهاد الشرعي المنضبط، لذلك فإن تعهده بالبحث المتواصل عما يضمن استمراره ويوجه مسيره ويرسم أهدافه المدرجة، من أهم التكاليف التي يطلب من العلماء والمفتين والفقهاء الأكفاء ومن خبراء الواقع أن يتحملوها وأن ينهضوا بها، وتزداد هذه التكاليف إلحاحًا كلما ازدادت دائرة الوقائع اتساعًا. وأوضح أن منصب الإفتاء في صدر الإسلام من أكثر المناصب الدينية خطرًا، كونها خلافة عن النبي في التبليغ عن ربه، ونشر دينه الذي ارتضاه الله لعباده، وهو فهم وتبصر في معاني القرآن الكريم والسنن، واجتهاد واستنباط الأحكام منها، فمنها يستمد عامة المسلمين العلم الديني، وبه يرشدون إلى الحق والهدى والنور، وإليه يفزعون لمعرفة ما يجب العلم به من أحكام الله تعالى وأحكام رسوله في شتى الوقائع والحوادث. ولفت إلى أنَّ الإسلام أصبح مستقرًا مستوطنًا وليس عابرًا في الغرب، مشيرًا إلى أن أوضاع الأقليات تقتضي فتاوى معاصرة، تجيب عن أسئلة الزمان والمكان الذي يعيشون فيه. مفتي شمال اليونان: خروج الفتوى عن إطارها الشرعي يجعل صورة الإسلام مشوهة قال الشيخ حافظ جمالي مجو، مفتي شمال اليونان، إنَّ خروج الفتوى عن إطارها الشرعي وضوابطها، يجعلها خطرًا مُهددًا استقرار المجتمعات، ويدمرها ويجعل صورة الإسلام مشوهة، مؤكدًا أن التصدر للفتوى من أخطر الأعمال. وأشار إلى أن الفتوى الشاذة قد تكون زلة من زلات العلماء تتعارض مع نص ثابت، وقد تكون من باب الجرأة على الفتوى بغير علم، أو صدرت نتيجة تصور خاطئ للواقع العلمي. وطالب بضبط الفتوى حتى نحافظ على أمن واستقرار مجتمعاتنا والعالَم كله من العبث، علاوة على الاهتمام بالمناهج التربوية في جميع المراحل الدراسية، خاصة التربية الإسلامية من أجل تحصين أفكار طلابنا ضد المفاهيم المنحرفة.