نشأ القارئ الشيخ عبد المطلب البودي في قرية كلح الجبل في أسوان المشهورة بحفظ أهلها للقرآن الكريم وبتشجيع من والده حفظ القرآن الكريم كاملا في سن مبكرة ليلتحق بالمدارس الأزهرية قارئا وحافظا لكتاب الله ومتنقلا بين المساجد والمحافل القرآنية في مصر وخارجها.. نشأ في بيت قرآني فأبيه حافظا للقرآن وإخوته يقرؤون القرآن رجالا ونساءا.. يتمتع القارئ عبد المطلب البودي بثقافة قرآنية عالية، وإلمام بالقراءات المختلفة، وإتقان للتلاوة، ما أهله لتولي الإمامة في عدد من المساجد بمصر، وفي مساجد دولة الكويت، سافر الشيخ عبد المطلب لعدد من الدول العربية والأفريقية معلما وقارئا متمتعا بحسن الصوت والأداء وكان لنا معه هذا الحوار. بداية نتعرف علي نشأتك وطريقك لحفظ القرآن الكريم؟ والدي رحمه الله كان يحفظ كتاب الله، وكان يختم القرآن الكريم مرتين شهريا علي الأقل، وكان دائما يجلسني جواره أثناء ختمه القرآن الذى كان يعد بمثابة احتفال وله أجواء إيمانية، وقد حببني والدي في القرآن وأهل القرآن وكان يجلب لي كل أشرطة الكاسيت للشيخ محمد صديق المنشاوي، وكنت أقلد صوت الشيخ بشكل دائم، وفي أمام بيتنا كانت هناك دار للمناسبات فكنت أنتهز الفرصة بمجرد انشغال المقرئ فأمسك بالميكروفون علي صغر سني وأظل أقرأ وأجود بالقرآن وكانت هذه بداية شهرتي وسط أهل القرية، ثم بدأت بعد ذلك الالتزام بحفظ كتاب الله والتحقت بكتاب القرية علي يد الشيخ محمود عبد النعيم سلطان الذى حببني في الأزهر وكان أخي يعارض التحاقي بالمدارس الأزهرية لصعوبة الدراسة فيها، إلا أنني كنت متعلق بالأزهر بشدة فكنت أصحو مبكرا للتعليم بالمدرسة الأزهرية، فكنت أقوم قبل صلاة الفجر لأذهب خلسة لأداء الامتحان في الأزهر حتي تم قبولي وقد حفظت القرآن علي يد الشيخ محمد عبد النعيم سلطان وهو من أفضل القراء من أهل القرية وبعد انتهاء من الثانوية الأزهرية انتقلت إلي كلية أصول الدين بأسيوط وهناك بدأت تظهر عندي موهبة الصوت وبدأ الناس يستمعون إلي وبدأ الناس يتوافدون إلي وأصبحوا يتلهفون لسماع القرآن مني، وبدأت التحق بالحفلات في قراءات ولو مقرئ تأخر كنت أقرأ مكانه إلي أن انتهزت فرصة وقررت أن أقيم الاحتفال بنفسي وكان توفيق من عند الله، وربنا وفقني وكنت في المرحلة الثانوية العامة وقتها، ثم بدأت أذهب لحفلات بأماكن ومحافظات عديدة أثناء دراستي في الكلية، فقد كنت أحي الحفلات علي مستوي محافظات مصر إلي أن سافرت إلي الكويت وظللت هناك ثماني سنوات خطيبا وقارئا في المساجد والإذاعة. وما هي مواصفات قارئ القرآن الكريم؟ إن من يضع وقار ومكانة القرآن في قلبه يوفقه الله لأن يكون القرآن سببا في ظهوره وشهرته ففي كل وقت في كل زمان يظهر قارئ مميز يستمع له ملايين البشر حتي بعد وفاته يمن الله عليه بهذا الفضل لأن الله قد وضع جمالا علي صاحب القرآن بشكل عام، والقارئ محاط برعاية الله عز جل ، فيبرز صاحب القرآن حين يقرأ، فضلا عن حصوله علي أجرين أجر القراءة وأجر كل من يستمع إليه، كما أن الإخلاص في القرآن والتعلق به بأن يعيش الإنسان في القرآن من بداية التسمية كمن ينتقل من الأرض إلي رحاب السماء، فالقارئ عليه أن يتمسك بحبل الله ، وليس عليه أن يقرأ للناس بحثا عن الشهرة، ويجب علي القارئ أن يمتثل بخشوع للقرآن وأن يكون كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها في وصف خلق النبي صلي الله عليه وسلم " كان خلقه القرآن"، كما أن الحياة مع الآية يصل بالقارئ لأعلي المراتب في الأداء وقد يكون سببا بإذن الله في إسلام كثير من الناس من جمال الصوت والخشوع في التلاوة كما حدث مع الشيخ عبد الصمد والشيخ المنشاوي رحمهما الله. ما المواقف التي تتذكرها من بعثتك في دولة الكويت؟ كنت في بعثة لدولة الكويت استمرت ثماني سنوات وفي شهر رمضان كنت أقوم بإمامة المصلين في ثلاثة مساجد في الليلة الواحدة وهو أمر قد يكون شاقا علي العديد من القراء، ففي العشر الأواخر من شهر رمضان كنت اقرأ في مسجد في منطقة سلوي وأبدأ صلاة القيام الساعة الحادية عشر وأصلي الأربع ركعات الأوائل ثم أذهب لمسجد آخر في منطقة بيان وأصلي الأربع الأخر ثم أذهب لمسجد في الروضة لأصلي الأربع الأواخر، وكان المسجد بمجرد دخولي يمتلئ بالمصلين عن آخره حيث كنت أهتم بالتركيز في صلاتي وقراءة القرآن وأجعل الخشوع هو أهم أولوياتي والخشوع يتطلب فهم الآية بمعانيها فأركز علي تدبر الآيات فكانت قراءتي كما لو كانت تفسيرا، وكانت دائما ما تنتظرني وفود من باكستان وغيرها من دول آسيا ليعبروا لي عن إعجابهم بصوتي ويثنون علي أدائي. وأيضا في أثناء إقامتي في الكويت لقراءة القرآن كانت هناك فرقة موسيقية لا يصلون أبدا ولا يدخلون مسجدا وكانوا متجهين لمكان ما قبل صلاة المغرب فمروا علي مسجد أقيم فيه فقام شخص مرافق لهم بطلب منهم أن يتوقفوا لأنه سيؤدي صلاة المغرب وتعجبت الفرقة وقالوا أنه من الغريب أن يدخل هو إلي المسجد ويظلوا هم خارج المسجد فطلب منهم أن يدخلوا المسجد ليستمعوا إلي فقالوا كيف ندخل المسجد دون أن نصلي فقال لهم اجلسوا علي الكراسي وكأنكم تصلون حتي تسمعوا للشيخ وأنتهي أنا من صلاتي ثم نخرج سويا، فأقمت الصلاة واستمعوا إلي صوتي وقالوا لي بعد انتهاء الصلاة أنه لأول مرة في حياتنا نستمع إلي موسيقي ربانية بدون نشاز ، وهذا بالطبع نتيجة تخصصهم في علوم الموسيقي، وسبحان الله الذى أهدي هذه الفرقة والتزموا جميعهم بالصلاة منذ ذلك اليوم. وما العلاقة بين دراسة علم الصوتيات وعلم النغم وتلاوة القرآن؟ كان قد تم اختياري بمؤتمر عالمي للصوت بمحافظة الأقصر وكان موضوع المؤتمر الاهتمام بإظهار الموسيقي في الأداء الصوتي بحيث لا تذهب الموسيقي ولا تطغي علي الصوت، فكانت محاور المؤتمر قد قسمت إلي ثلاثة أفرع، الفرع الأول للموسيقي الفرعونية وفرع آخر لترانيم الكنيسة ثم الموسيقي أو الأداء القرآني الرباني الذى قدمته حيث قرأت بالأداء الموسيقي من سورة لقمان. وفي مؤتمر الصوت الذى أقيم علي معبد الأقصر الذى كان يحضره الآلاف من أنحاء العالم وبعد انتهاء المؤتمر خرجت ورائي سيدة أجنبية لم تهتم بالموسيقي الفرعونية أو الكنسية واستوقفتني المرأة وتحدثت إلي بالانجليزية وكانت حاضرة الدكتور علياء خضر وهي مصرية تعيش بأمريكا فقالت لي السيدة الأجنبية حديثا ترجمته الدكتورة علياء فقالت السيدة الأجنبية إنها لأول مرة في حياتها تسمع كلاما يخرج من القلب ويدخل إلي القلب رغم أنها لا تفهم معانيه لكنها أحست به، فلا تعرف ماذا كنت أقول إلا أنه قولا جميلا لا يقاربه في جماله أي نوع من الحديث، وما أن انتهت الدكتورة علياء من الترجمة حتي ظلت تبكي مما سمعت من الحق. كما أنني شاركت في هذا المؤتمر عدة سنوات وفي إحداها عرض علي أن أكون مغني في الأوبرا ورفضت ، حيث قدم لي الخبراء والمتخصصون في الإذاعة والتلفزيون عروضا مغرية لهذا الأمر وأكدوا لي أن لدي موهبة أوبرالية متميزة وقدموا لي عرضا بدراسة اللغات وفنون الأوبرا والسفر لألمانيا لأكون ذائع الصيت في هذا المجال الفني إلا أني والحمد لله رفضت رغم الإغراءات التي كانت أمامي فلا يوجد فخر يعادل قراءة كتاب الله. هل يجب علي القارئ أن يتعلم المقامات الموسيقية؟ الله تعالى يقول: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد :28]. وعن رسول الله : "من لم يتغن بالقرآن فليس منا" وهو في السنن من حديث سعد بن أبي وقاص وغيره، وعن البراء رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " حسنوا القرآن بأصواتكم , فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا " رواه البخاري ومسلم. وأهمية المقامات أنها راحة للمستمع وفي ذكر الله شفاء للناس فعندما تسمعه لتتدبر فمن الأفضل أن لا يكون هناك نشاز حتي لا تحدث في أذن المستمع خلل، كذلك حتي لا يسبب إرهاق علي الحبل الصوتي للقارئ ليظل محتفظا بقوته لذا فإن تغيير المقامات يؤدي لمراحل انتقالية داخلية للصوت بما لا يسبب إرهاق أو زيادة عبء علي الاحبال الصوتية فتنتقل أذن المستمع من مرحلة لأخري في تنغيم وانتباه، لأن كثرة القراءة بمقام واحد يحدث ملل عند المستمع، وقد بدأت أسعي لتعلم الموسيقي هناك في الكويت حيث التقيت سالم البراك الذى كان قد تعلم الموسيقي علي يد سوري وقال لي أني أجيد كل المقامات لكني لا أعرف أسمائها وظل معي حتي علمني، وبعد عودتي إلي مصر تعلمت علي يد القارئ والمبتهل محمد الهلباوي رحمه الله وكنت أسمع وأقرأ بين أكثر من شخص، وتعجب الشيخ الهلباوي مني وقال لي بعد محاضرتين فقط من أصل 20 أن أذني موسيقية وأني لا أحتاج لاستكمال باقي المحاضرات كما تنبأ لي بشأن عظيم في علم القراءات. كما أني أتابع الأعياد القبطية لأنهم يدرسون النغم ويجهزن لصلواتهم بموسيقي ونوتة يشارك فيها أحيانا خبراء أجانب. وما النصائح التي تقدمها لقراء القرآن الكريم؟ الإخلاص شرط القارئ الجيد وأن يكون في معية الله لا في معية البشر أثناء القراءة فعند القراءة ينسي كل الدنيا ولا يتعلق بالناس، فقد وفق الله الشيخ المنشاوي والحصري وعبد الباسط والشيوخ القدامي بالثبات والتوفيق، فهناك الملايين في العالم يستمعون وسيظلون يستمعون إليهم في كل أرجاء الأرض، فقد أخلصوا لله، وما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل، ولكن للأسف الشديد نحن في زمن وصل فيه بعض الشيوخ لفتنة وتحدي في الرغبة في الشهرة علي حساب أي شئ، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استشهد فأُتيَ به فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال هو جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار، ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فأتي به فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل ثم أمر به فسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار، ورجلٌ وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل ثم أمر به فسُحبَ على وجهه ثم ألقي في النار ) رواه مسلم. هل تري أهمية لدراسة القارئ علوم الفقه والدراسات الإسلامية ؟ الحمد لله أنا إمام وخطيب فقد أتممت دراسة مقارنة الأديان بقسم الدعوة الإسلامية بكلية أصول الدين، وقراءتي القرآن حبا في القرآن، وفي هذه الأيام أصبح الإنسان مطالب بأن يكون داعيا وقارئا، فحين يكون إمام وخطيب يجذب الناس بشكل أكبر، ولكن عندما يكون صوت فقط يجذب الناس في جانب ولكن يعاني نقص في جانب آخر. * ماذا عن أسرتك هل من بينهم من يسير علي خطاك في حفظ وتلاوة القرآن؟ ابني حمزة وابن أخي محمد جبر الله يسيرون علي نهجي في حفظ القرآن والحمد لله.