لن يكون هناك جديد فيما يتعلق بالحرب بين السعودية وإيران خلال العام الجارى فى إطار الحرب السنية الشيعية قديمة الأزل بين البلدين .. لكن هل من الممكن أن يتحول الأمر إلى صراع مباشر بين الدولتين بدلا من الحرب بالوكالة ؟ هذا السؤال حاولت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الجواب عليه من خلال مقال للكاتب مايكل نايتس الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى , الذى تساءل عن احتمالية نشوب حرب بين السعودية وإيران، وكيف ستكون هذه الحرب ؟ وتأثيرها على المنطقة؟ وأوضح الكاتب أنه للإجابة على هذا السؤال ،هو أن يدعو نفسه والقراء للنظر حول الدولتين ،حيث سيجدوا أن هذه الحرب قائمة بالفعل ،لأن كل من الرياضوطهران يحاربان بعضهما من خلال وكلاء لهما في كل من اليمن وسورياوالبحرين إضافة إلى الحرب الدائرة في المنطقة الشرقية الشيعية من السعودية ،مما يعني أن كل منهما تقتل أنصار وأتباع الأخرى بشكل غير مباشر. وأضاف الكاتب أن الفترة المقبلة في الغالب ستكون مشابهة لتلك الفترة ،حيث أن الحالة القائمة ستصبح أكثر حدة فالصدام سيكون مباشرا وأكثر حدة ،لكنه سيكون قصير المدى. وتوقع الكاتب أن الأمور قد تهدأ بعد فترة لتعود من جديد إلى الحرب بالوكالة في دول أخرى حيث أن هذا الأسلوب في المواجهة هو الطريقة المفضلة لكلتا الدولتين منذ فترة طويلة . واستعرض الكاتب تاريخ الحرب بالوكالة بين طهرانوالرياض،حيث أشار إلى سنوات الحرب الثمانية في العراق ،حيث أظهرت طهران حينها وبقوة دعم حلفاء لها مثل حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية في العراق ،وفي المقابل استخدمت السعودية الأسلوب نفسه لتحقيق ما تصبو إليه والرد على أعدائها ،حتى في الأوقات التي كانت تفتقر فيها للقدرة العسكرية اللازمة ،على سبيل المثال وقفت الرياض ضد التواجد العسكري المصري في اليمن خلال الحرب الأهلية بين عامي 1962 و 1970 ،كما وقفت ضد السوفيت في أفغانستان ،الأمر الذي يراه الكاتب أن كلتا الدولتين لا ترغبان في خوض الحروب بنفسيهما وإنما بحثتا دائما عمن يحارب نيابة عنهما لتحقيق أهدافهما. وأكد الكاتب أنه بالنسبة لايران يمكن بسهولة إثبات دعمها للمليشيات الشيعية في أكثر من مناسبة، وكذلك دعمها مؤخرا لقوات شيعية تقاتل إلى جانب نظام الأسد الذي تدعمه طهران ،إضافة إلى دعمها المستمر لحزب الله اللبناني، الذي لا يمكن وصفه بالمليشيا لأن قدراته العسكرية وأسلحته الهجومية والدفاعية تفوق ما تملكه المليشيات بكثير. وقال الكاتب إن حزب الله يملك على سبيل المثال صواريخ زلزال1 القادرة على ضرب تل أبيب ،إلى جانب امتلاكه لأنظمة متطورة مضادة للدبابات ،وأيضا نظام صاروخي مضاد للسفن الحربية زودته به إيران ،وتم استخدامه في الحرب ضد إسرائيل عام 2006 ونجح في إغراق سفينة إسرائيلية ،كما استطاع حزب الله الحصول على صواريخ مضادة للسفن الحربية أكثر تطورا مؤخرا. ولفت الكاتب إلى أن إيران زودت الحوثيين أيضا بصواريخ من طراز سي 802 التي تم استخدامها ضد عدد من السفن الإماراتية المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، مشيرا إلى أن الحوثيين تسببوا بالفعل في خسائر كبيرة للجيش السعودي ،حيث دمروا عدد من الدبابات والمعدات السعودية عن طريق الصواريخ الموجهة التي حصلوا عليها من طهران . وزعم الكاتب أن وكلاء إيران يسيطرون على أجزاء من جنوب السعودية ،وأطلقوا بالفعل صواريخ سكود على قواعد عسكرية داخل المملكة, وفي العراق تحصل المليشيات الشيعية المدعومة من طهران على دعم جوي إيراني ،إضافة إلى دعم المدفعية والدعم الطبي الذي تقدمه لهم الجمهورية الإسلامية ،الأمر الذي جعل من ميليشيا بدر أكبر المليشيات الشيعية في العراق قوة تقاتل كجناح عسكري إيراني يخضع للقيادة الإيرانية مباشرة ،حيث تقود هذه الميلشيا حاليا جزءا مهما من وزارة الداخلية العراقية ،ومن خلاله تسعى الجمهورية الإسلامية إلى تكرار نموذج حزب الله وهذه المرة في كل من العراق وأيضا اليمن. ووفقا للكاتب فإن الأمر الأكثر قلقا بالنسبة للسعودية هو تظاهر إيران بعدم الاهتمام بالبحرين ،وبالجزء الشرقي من السعودية الغني بالبترول حيث يعيش في تلك المنطقتين عدد كبير من الشيعة يمثلون الأغلبية ،وفي 2011 نشرت كل من السعودية والإمارات عددا كبيرا من الدبابات وناقلات الجنود لحماية العائلة المالكة في البحرين من تبعات ثورات الربيع العربي ،ويبدو أن تلك التحركات شكلت صدمة كبيرة لطهران ،الأمر الذي دعاها لمحاولة اغتيال عادل الجبير وزير الخارجية السعودى الذي كان حينها سفيرا للسعودية لدى الولاياتالمتحدة. وخلال عام 2015 بدت إيران وكأنها تزيد من تحركاتها في البحرين ،وأيضا في المنطقة الشرقية ،حيث زاد نشاط المليشيات الشيعية في العراق وأيضا حزب الله من خلال تزويد الخلايا المدعومة من إيران في البحرين،والمنطقة الشرقية بالسعودية بالسلاح والذخيرة لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم ضد الحملات السعودية المستقبلية عليهم،الأمر الذي يراه الكاتب سببا رئيسيا في اتخاذ السعودية قرارا بإعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر الذي ينتمي للمنطقة الشرقية كنوع من الرد على التغيير المفاجيء في التكتيك الإيراني ضد الرياض. ولفت الكاتب إلى أنه قبل أحداث اليمن بفترة طويلة كانت قد شرعت كل من السعودية ودول الخليج بالفعل في تكوين شبكة من الوكلاء العسكريين بشكل تدريجي، وكان المستفيد من هذا الأمر هو الحكومة اللبنانية التي تلقت دعما سعوديا وخليجيا ضخما، حيث تلقت دعما جويا إماراتيا عام 2007 للمساعدة في القضاء على مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة, وفي عام 2009 أي بعد عام من دعوة الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز لقطع رأس الأفعى والتي كان يقصد بها إيران، أطلقت السعودية حملة عسكرية استمرت على مدار 9 أسابيع ضد المتمردين الحوثيين شمال اليمن، والتي خسرت خلالها الرياض 137 جنديا, ما أدى إلى تكثيف السعودية وحلفائها المتمثلين في الأردنوالإمارات من القوة العسكرية من معدات وأسلحة وجنود لاستخدامها ضد الحوثيين ،وحاليا تبنت دول الخليج وحلفاء آخرون مثل باكستان والصومال قوات جديدة تابعة لهم في اليمن لدعم الحملة السعودية هناك. ورأى الكاتب أن المرحلة المقبلة بالنسبة للسعودية في حربها مع إيران ستكون تكثيف حرب الوكالة الدائرة في سوريا، وهو الميدان الذي تنوي فيه السعودية خوض معركتها الرئيسية مع إيران، حيث صرح وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل في مارس 2012 بأن دعم السعودية للمعارضة السورية هو واجب عليها. وأشار الكاتب إلى أن الدعم السعودي القطري التركي ساعد المقاومة بالفعل شمال غربي سوريا على إحداث خسائر كبرى بين قوات الأسد، باستخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات. وأوضح الكاتب أنه ربما تكون الصواريخ المضادة للطائرات هي المرحلة المقبلة، حيث يبدو أن التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة يميل إلى التراجع عن هذه الحرب الغامضة بالنسبة له أخلاقيا ،حيث أن أبرز معارضي تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد هم سلفيون متشددون لا يمكن للغرب التحالف معهم، إلا أن السعودية وحلفاءها فعلوا ذلك في اليمن على مدار الخمسة أعوام الماضية، ويبدو أنهم سينتقلون الآن لفعل الأمر نفسه في سوريا. وقال الكاتب إن الرياض ترى أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أقل خطرا، وأهون من الحوثيين في اليمن والمدعومين من إيران، متساءلا هل يحدث الأمر نفسه قريبا مع أجزاء من تنظيم الدولة الإسلامية، ومع جبهة النصرة في سوريا؟ وأشار الكاتب إلى أن كلا من السعودية أو إيران لا يميلان إلى الدخول في حرب تقليدية مفتوحة بينهما، مع وجود احتمالات دائما لمناوشات حدودية على الحدود الساحلية المشتركة، وفي الأراضي المحايدة في الخليج، كما تعد حقول الغاز المشتركة والجزر المتنازع عليها هي نقاط واضحة لمناوشات محتملة، وربما تقوم إيران أيضا باختبار صواريخ بالقرب من الممرات البحرية والساحل الخليجي، مع عدة احتمالات أخرى أبرزها الألغام البحرية، والهجمات الإلكترونية من الجانبين. وقال الكاتب إنه في مرحلة ما في السنوات المقبلة، سنشهد على الأغلب تصادما عسكريا قصيرا، إلا أنه سيكون حادا للغاية، وستكون تلك بمثابة دعوة للاستيقاظ، فكل من إيران ودول الخليج يملكون قوة عسكرية هائلة مقارنة بقوتهم أثناء حرب إيرانوالعراق. وأشار الكاتب أيضا إلى القوة الجوية المتقدمة التي تملكها السعودية وحليفتها الأساسية الإمارات والقادرة عمليا على تدمير جميع مرافق الموانئ الإيرانية، ومحطات تحميل النفط، وغيرها من المنشآت الصناعية الرئيسية باستخدام الذخائر الموجهة بدقة وفي المقابل إذا تناولنا القوة الإيرانية، فبإمكان إيران أن تمطر الساحل الخليجي بالصواريخ غير الموجهة، والصواريخ الموجهة الدقيقة بعيدة المدى. وعاد الكاتب بالتاريخ إلى عام 1988، حيث دمرت البحرية الإيرانية بالكامل في يوم واحد على يد الولاياتالمتحدة، فيما عرف بعملية "فرس النبي" ،فربما يوم واحد فقط من الحرب سيذكر إيران ودول الخليج بأنه من الأفضل تماما الابتعاد عن الصراع المباشر وحصر الصراع في أطراف ثالثة.