أوضح مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية, أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستغل محاولة الانقلاب الفاشلة لمحو إرث كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة، وترسيخ ما يُطلق عليه، منذ فترة طويلة، "تركيا الجديدة" ويعني بذلك دولة حديثة إسلامية تبتعد عن الماضي العلماني للبلاد. وأكد كاتب المقال تيم ارنجو، أن محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف الشهر الماضي قد منحت أردوغان الفرصة أخيراً لتحقيق طموحاته في أن يحل محل أتاتورك، لافتاً إلى أن أردوغان (سياسي إسلامي) يحرص منذ سنوات على الاحتفاء بأمجاد الدولة العثمانية الماضية حينما كانت مدينة اسطنبول مقراً للخلافة الإسلامية، وفي الوقت نفسه كان يقلل من شأن التاريخ العلماني للدولة التركية الحديثة التي أسسها أتاتورك. وبحسب الكاتب لم يضيع أردوغان الفرصة الذهبية لفشل الانقلاب العسكري الأخير، إذ سارع إلى الترويج لمجموعة الأحداث والرموز التي تعزز أهدافه الخاصة في الوعي الوطني. ويطرح الكاتب عدداً من الإجراءات التي تم اتخاذها تحقيقاً لهذا الغرض ومنها، على سبيل المثال، إعادة تسمية جسر البوسفور (الذي استولى عليه جنود الانقلاب الفاشل) ليصبح "جسر شهداء 15 يوليو"، كما أعيدت تسمية ميدان في أنقرة احتلته الدبابات أثناء محاولة الجيش الاستيلاء على السلطة، فضلاً عن تغيير أسماء شوارع عديدة تكريماً للشهداء الذي سقطوا دفاعاً عن حكومة أردوغان. وفي الوقت نفسه، تعمد وسائل الإعلام الموالية لحكومة أردوغان إلى نشر تقارير موسعة عن الانقلاب الفاشل وتكريم الضحايا باعتبارهم أبطالاً وطنيين. والعمل جارٍ على إعداد فيلم وثائقي ونصب تذكارية عديدة، كما أعلن أردوغان أن يوم 15 يوليو من كل عام سيكون عطلة رسمية للبلاد تكريماً للشهداء. وينوه الكاتب إلى أن أردوغان لم يتجاهل معاقبة الانقلابيين أو المتأمرين؛ إذ سيتم دفنهم في "مقبرة الخونة"، وهي أرض جرداء في ضواحي الجزء الأسيوي من اسطنبول، على مقربة من ساحة خصصت لتجميع الكلاب الشاردة. ويلفت الكاتب إلى أن كل الإجراءات السابقة تمت قبل مرور ثلاثة أسابيع على محاولة الانقلاب الفاشلة، ولا يستهدف أردوغان فقط تسجيل كل ما حدث في تاريخ تركيا وإنما يؤكد أيضاً بقوة على أن أحدث فصول تاريخها سوف يكتبه أنصاره الإسلاميون إلى حد كبير. ويرى المؤرخون والمحللون أن أردوغان وجد الفرصة للاحتفال بما أطلق عليه منذ فترة طويلة "تركيا الجديدة"؛ دولة حديثة إسلامية تبتعد عن الماضي العلماني للبلاد. وينقل المقال عن كريم أوكتيم، المؤرخ التركي في جامعة غراتس النمسوية، قوله إن "الأحداث يتم وصفها على أنها دفاع الإسلاميين عن الديمقراطية". ويقول الكاتب: "يتم سرد الأحداث باعتبارها دفاعاً بطولياً تحت اسم الإسلام ضد القوى الأجنبية، بما في ذلك الولاياتالمتحدة، التي اتهمها أردوغان وآخرون بالضلوع في مؤامرة الانقلاب، ولكن ثمة تطور في هذا المشهد؛ إذ يرى أردوغان أن قادة الانقلاب ليسوا من النخبة العلمانية القديمة، وإنما هم من أتباع فتح الله غولن، رجل الدين الإسلامي الذي يقود الحركة الإسلامية المنافسة له ويعيش في منفى اختياري في ولاية بنسلفانيا الأمريكية". ويذكر كاتب المقال ما أشارت إليه بعض الصحف الموالية لحكومة أردوغان بشأن بعض التقارير عن تحويل منزل طفولة غولن في تركيا إلى مراحيض عامة. ويوضح الكاتب أن محاولة الانقلاب وإفشالها على أيدي أنصار أردوغان وحتى بعض العلمانيين الذين تدفقوا إلى الشوارع لمواجهة الجنود العسكريين، يشار إليها باعتبارها "حرب الاستقلال الثانية لتركيا". وكانت حرب الاستقلال الأولى، التي قادها أتاتورك عقب انهيار الامبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، بمثابة الأساس التي ترسخت عليه الهوية التركية المرتكزة على مبادئ العلمانية والقومية. ويستعرض المقال وجهات نظر بعض المحللين الأتراك التي تؤكد على اتجاه حزب أردوغان السياسي، العدالة والتنمية، إلى البحث عن مناسبات جديدة للاحتفال بها كونها ترسيخاً ل "تركيا الجديدة"؛ لاسيما أن أردوغان عبر عن اعتقاده أن الاحتفالات الرسمية للجمهورية التركية لا تعكس التاريخ العثماني والإسلامي بأكمله، والذي تقوم عليه تركيا الجديدة حسب رؤيته. وتحت حكم أردوغان، أغضبت الحكومة العلمانيين الأتراك بإلغاء العديد من الاحتفالات التذكارية بتكريم أتاتورك، متذرعة بأسباب مختلفة مثل حوادث التعدين أو الزلازل، في حين أنها حرصت على الاحتفال بانتصارات الإمبراطورية العثمانية والمولد النبوي. ويخلص المحللون إلى أن أردوغان يحاول خلق تاريخ جديد لهوية إسلامية تركية تتجاوز ما أسسه أتاتورك، ويستغل أحداث الانقلاب الفاشل لاختراع أسطورة المؤسسين لتركيا الإسلامية. وفي ظل الإجراءات التي أعقبت الانقلاب الفاشل، يختتم المقال بأن أردوغان، الذي سجن على أيدي النخبة العلمانية القديمة في تركيا عقاباً على إلقائه قصيدة دينية في أماكن عامة وصعد إلى السلطة في عام 2003 بصفته صوتاً للجماهير الدينية في تركيا، يوجهه رسالة واضحة مفادها أن "تركيا الآن للإسلاميين".