جرت العادة في ملفات الفساد وإهدار المال العام أن يكون أبطال هذه القضايا من بعض المسئولين أو الموظفين بالدولة الذين يوظفون مناصبهم لصالح بعض الفاسدين، ولكن الواقعة التى تكشفها وتقدمها "الموجز" عبر هذه السطور مختلفة شكلاً ومضمونًا، فالبطل رجل أعمال قام بتزوير أوراق أثبت من خلالها ملكيته لقطعة أرض مساحتها 100 فدان بالإسكندرية، قام بشرائها من هيئة التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، ثم قام ببيعها للمواطنين بموجب تلك العقود، وذلك بمعاونة احد الأشخاص المجهولين بالهيئة. تتلخص الواقعة من خلال قيام المدعو "نجاح محمد محمد على" وهو رجل أعمال، بتزوير عقود استولى من خلالها على 100 فدان، تقع خلف مول كارفور بحوض مريوط بالإسكندرية ثمنها 120 مليون جنيه وذلك لتسهيل بيعها للمواطنين. وعمد رجال الأعمال إلى طمأنة المواطنين الذين سيشترون منه الأراضي من خلال إيهامهم بأن الأرض لها أوراق ملكية مثبتة فى الدولة، وبالفعل قام باستكمال كافة الأوراق المطلوبة لتنفيذ جريمته، ونجح فى بيع أجزاء من الأرض بالعقد المزور لمواطنين وحصل منهم على مبلغ 17 مليون جنيه كمقدمات عقود ، على أن يتم تحصيل الباقى بموجب شيكات مقابل بيع الأراضى بالعقود المزورة. ولأنه لا توجد جريمة مكتملة الأركان، فقد فُضح أمره وكُشفت أبعاد اللعبة بعد سؤال المواطنين الذين اشتروا الأرض بالعقد الخاص بالأرض فى هيئة التعمير والتنمية الزراعية، وكانت الصدمة الكبرى لهم بعد أن علموا أن عقود الأرض ليس لها أى أساس من الصحة وأنها مزورة . وبالبحث عن أصل العقود اكتشف مهندس بهيئة التعمير يدعى إبراهيم عابدين، أن العقد مزور وأن الأرض لا تقع تحت ولاية الهيئة، ولا يوجد ملف بالأرض نهائيًا، وعندما كُشف المستور استمر رجل الأعمال فى ألاعيبه القذرة ولجأ إلى حيلة خبيثة، عبر اتهام موظفين تابعين للهيئة ومن بينهم المهندس مكتشف واقعة التزوير، انتقامًا منهم على كشفهم عملية التزوير، ومحاولة منه للخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر، ومؤكدًا على أنهم هم من منحوه هذه العقود المزورة بعد أن دفع مبلغ 3.5 مليون جنيه بشيكات وإيصالات سداد عليها أختام مزورة منسوبة لهيئة التعمير. وقد تبين أن الملف مزور بالكامل وأن الهيئة لم تحصل على المبالغ التى يدعى رجل الأعمال المزور توريدها للهيئة ، وتبين أن الواقعة ترجع لعدة سنوات بعد قيام الرقابة الإدارية بمداهمة مكاتب الهيئة العام الماضى بعد واقعة القبض على الوزير السابق صلاح هلال، حيث تم اكتشافهم أن الطلب المذكور كان من ضمن 360 ملف مزور بأسماء وهمية لا وجود لها على أجهزة الكمبيوتر الخاصة ببعض الموظفين بها، وبمساعدة بعض الموظفين المرتشين وضعاف النفوس قام رجل الأعمال بوضع اسمه على احد هذه الطلبات، بهدف تقنين أوضاعه والاستحواذ علي الأراضى التى يضع يده عليها . وتبين من واقع المستندات المزورة التى حصلت "الموجز" عليها ، والمقدمة من المدعى بسداد القيمة المالية للأرض بموجب شيكات منها ثلاث شيكات قيمة الشيك الواحد 150 ألف جنيه ، الأول برقم 15613000047683 والثانى برقم 15613000047682 والثالث برقم 15613000047681.. وقد تقدم المدعى بمذكرة مزورة للهيئة يطلب فيها موافاته بموقف الشيكات وإن كان تم تحصيلها من عدمه، رغبة منه فى إثبات أن عقود الأرض سليمة ولا يشوبها شبهة تزوير، إلا أنه تبين أن الطلب المقدم على الأرض من عام 2009 مرفق به بطاقة شخصية صادرة فى 2012 . وتمادى رجل الأعمال المزور فى ألاعيبه القذرة حيث تقدم ببلاغ لنيابة الأموال العامة، يتهم فيه الهيئة بالنصب عليه ومنحة عقوداً مزورة بعد أن نصحه احد شركائه من الفاسدين بذلك، كما طالب الهيئة باسترداد قيمة الشيكات التى ادعى أنها دفعها لها، مما دفع الإدارة العامة للتحصيل بهيئة التعمير والتنمية الزراعية، إلى إخلاء مسئوليتها من خلال تقديم بلاغ للنيابة العامة بالواقعة، ردًا على اتهام رجل الأعمال حمل رقم 30855 بتاريخ 17/5/2016 والذى أفاد أن الملف الخاص بالمذكور نجاح محمد، قيد التحقيقات فى النيابة العامة، وهى الطرف الوحيد القادر على التصرف فى الملف، بعد أن أثبتت التحقيقات أن المذكور سبق وأن تم اتهامه فى ستة قضايا مشابهة وأن هذه القضية لم تكن الأولي التى يقوم من خلالها رجل الأعمال بالاستيلاء على أملاك الدولة. وبعد استعراض تفاصيل هذه القضية ثمة تساؤلات تفرض نفسها بعضها موجه لمسئولي وزارة الزراعة وبعضها الآخر موجه لمسئولى محافظة الإسكندرية.. من المسئول عن هذا الملف.. ومن هو اللهو الخفى الذى ساعد مثل هذا المدعى على تزوير الأوراق والأختام الخاصة بالهيئة من أجل تسهيل عملية النصب.. وكيف يستطيع شخص وضع يده على 100 فدان ثم يبيعها دون رقيب أو سؤال من أى مسئول؟!.