"واحد من جيل الكبار بحق، فهو من العمالقة، كتب ومُنع واعتُقل، وراح طرة فى سبيل ما رأى أنه الحق، لكنه يحب مصر كما هى، عمل فى عدة صحف واستقر به المقام فى جريدة الجمهورية، التى كانت معبرة عن ثورة يوليو 52. حين كتب عموده البارز كان القراء يذهبون إلى زاويته فى صفحة داخلية، يعرفون قيمته وشرفه ونبله، ولم يخرج إلى الصفحة الأخيرة إلا بعد 25 يناير 2011".. لم نجد أفضل من هذه المقدمة التي سطرها الكاتب الصحفي محمد أمين في شهادته عن الكاتب الكبير محمد العزبي الذي احتفل هذا الأسبوع بعيد ميلاده الخامس والثمانين. إنَّ رحلة "العزبى" – كما يضيف أمين - وثيقة مهمة للتاريخ، لأنها شهادة راهب فى بلاط صاحبة الجلالة، ينبغى أن يقرأها الشباب ويتعلم، فلم يكن يكتب إلا للوطن، لا يشعر بمرارة من اعتقال أو ظلم، ولا يغضب لأن تلاميذه منعوا مقالاته ذات يوم، فنحن أمام ضمير يمشى على الأرض، فقد حافظ على طهارته ومهنيته بإخلاص شديد. كلمات محمد أمين عن الصحفى الراهب انتهت لكن تبقى أعماله ومؤلفاته والتى يأتى على رأسها كتاب "الصحافة والحكم" والذى ظل حديث الوسط الصحفي والسياسي خلال الفترة الماضية حيث اعتبره أهل المهنة وثيقة مهمة أرخت للعلاقة بين الصحافة والسلطة دون تزييف أو مجاملة لأنه كان شاهدًا على كل كلمة سطَّرها في الكتاب. الكاتب الكبير، محمد العزبي، يرى أن الصحافة المصرية تغيرت قليلًا بعد ثورة 25 يناير، إذ إنَّ القائمين بالعمل الصحفي قبل الثورة هم أنفسهم القائمون عليها بعدها اللهم إلا بعض الأشخاص الذين طالتهم رياح التغيير، مشددًا على أنَّه لابد من رفع الغطاء عن الأجيال الجديدة التي لم تعاصر محمد حسني مبارك فترة طويلة". "كل جيلي وما بعده تم تشكيله وفقًا لقاعدة الرقيب الذاتي والذى ظل مسيطرًا علينا حتى فوجئنا بثورة".. هكذا يعترف "العزبي" في شهادته عن جيله بل وقال: أعترف بأن جيلى القديم والمتوسط والمتحكمين فى إصدار الصحف لم يكونوا يعرفون شيئا عن الأجيال الشابة، والصحافة لم تكن جزءً من التغيير. المنافسة بين الصحافة القومية والخاصة احتلت جزءً من تفكير الراهب حيث قال فى أحد حواراته "كنا نعاني طيلة فترة وجود الصحف القومية وحدها في السوق من وجود الرقيب الدائم الذى كان يجلس معنا فى الصحيفة لمنع نشر أخبار معينة، لكن الآن توجد منافسة جادة والصحف القومية لديها اهتمام من زيادة التوزيع وموقف الرأى العام، وقبل ذلك لم تكن مهتمة إلا برأى النظام الحاكم فقط، والمنافسة الآن أصبحت من نوع مختلف، والنتيجة فى النهاية لصالح المهنة، وأتمنى أن نجد صيغة معينة للصحف التى لا يملكها أفراد لا تكون تابعة لرئيس الجمهورية أو الاتحاد الاشتراكى، وتكون ملكيتها لشركة مساهمة وتكون مهمته إصدار الصحيفة فقط، وليس أن تحقق أغراضه فقط، وهذه الصيغة لابد من تقنينها بالشكل القانونى فى إصدار الصحف". كما أشار إلى أنه لا غنى عن الصحف الورقية، وأنَّه رغم أن الإنترنت موجود لكن القارئ لا يستطيع أن يستغني عن الجريدة الورقية لأن الإنسان بطبيعته يفضل الورق ويتحمس له. عن علاقته بالأنظمة السابقة يتحدث "العزبي" قائلاً: كان طريقي الابتعاد والرضا بالمقسوم ولم أطلب شيئاً من أحد، وابتعدت لأنى أعرف أن كل شىء له ثمنه وتطورت بنفسى ورُقِّيت بمهنيتى وليس بعلاقاتى بأحد، وقد تعرضت لمشاكل فى عملى فقد منعت من السفر أكثر من مرة وأتذكر وقت كان جمال عبد الناصر رئيسًا اعتقلت 6 أشهر، وكان معى فى السجن ذاته صلاح عيسى وعبدالرحمن الأبنودى وسيد حجاب وجمال الغيطانى، والرئيس الراحل السادات أحالنى إلى المعاش وعمرى 30 عاما بسبب تقرير أمنى بتهمة ترويجى بيان توفيق الحكيم الذى كان بعنوان "لا سلم ولا حرب" الذى كان يتعلق بالحرب مع إسرائيل. تحية طيبة للكاتب الكبير الذى قضى 60 عاماً فى محراب بلاط صاحبة الجلالة أثرى خلالها الصحافة المصرية بأعماله وكتباته دون البحث عن الثراء مثلما فعل البعض من أبناء جيله.