مابين حديث عن انسحاب كامل واخر تكتيكى وتكهنات بانه اجراء للصيانة فقط أثارت التقارير المتعلقة باعتزام الإدارة الأميركية سحب حاملة الطائرات التابعة لقواتها العسكرية من منطقة الشرق الأوسط الكثير من الجدل في أوساط الخبراء والمحللين؛ ففي حين يراها البعض مجرّد إجراء عادي وروتيني للصيانة، يراها البعض الآخر إيذانا لبداية الانسحاب الأميركي من المنطقة الذي طال حوله الحديث، مما يفتح مجالا لبروز مخاوف مضاعفة لدى حلفاء واشنطن العرب من تداعيات هذه الخطوة، وفق ورقة تحليلية للرائد بالبحرية الأميركية راين تيويل صادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. و أضحت مسألة مغادرة حاملة الطائرات "يو إس إس ثيودور روزفلت"، التي تقوم حاليا بضرب أهداف تنظيم الدولة الإسلامية في العراقوسوريا عائدة إلى الولاياتالمتحدة الأميركية بعد استكمالها عملية انتشار طويلة في منطقة الشرق الأوسط، مسألة وقت لا أكثر. ولأنّ حاملة الطائرات يو إس إس هاري ترومان، التي ستخلف سابقتها لن تصل إلى المنطقة قبل أوائل الشتاء، فهذا، يعني أنه للمرة الأولى منذ عام 2007، لن يكون للولايات المتحدة حاملة طائرات في منطقة الخليج العربي، وهو غياب من شأنه أن يمتد على بضعة أشهر خلال العام المقبل. وعلى الرغم من أن الشرق الأوسط نادرا ما ينعم بالهدوء، إلا أنه من الصعب تصوُّر فترة أكثر غموضا من الوقت الحالي، إذا تم الأخذ بعين الاعتبار النزاعات المعقّدة الدائرة في كل من سوريا، والتدخل الروسي فيها، والعراق وليبيا واليمن، فضلا عن المخاوف المتعلقة بنوايا الولاياتالمتحدة في أعقاب الاتفاق النووي الذي أبرمته مع إيران؛ وهو ما يطرح سؤالا محوريا مفاده لماذا اختارت واشنطن هذا التوقيت بالذات؟ ومن خلال التوصية بإخراج الأصول الوطنية الأميركية العابرة للبحار، تريد القوات البحرية الأميركية الإعلان بصورة أساسية عن تراجع استعدادية قوتها المتمثلة بحاملات الطائرات. وفي حين أن تواجد قوات عسكرية أميركية وحليفة أخرى في المنطقة سيخفف جزئيا مما يسمى بالهوة في ظل غياب حاملة طائرات، ينبغي أن يكون الأمر بمثابة تنبيه لصناع القرار في واشنطن حول ضرورة النظر بعناية في القيمة الإستراتيجية لتواجد حاملة طائرات أميركية في الخليج، أي كأداة دبلوماسية لتوفير الاستقرار وإعادة طمأنة الحلفاء وردع التهديدات وتوجيه الضربات. على الرغم من اعتبارات البعض التي تصب في سياق أنّ عودة حاملة الطائرات يو إس إس ثيودور روزفلت إلى موطنها يعدّ بمثابة إشارة خفية إلى القيادة الإيرانية هدفها بناء ثقة متبادلة ثنائية الأطراف في أعقاب الاتفاق النووي، أو كدليل آخر على نوايا الولاياتالمتحدة بإخراج نفسها تدريجيا من الشرق الأوسط، إلاّ أن هناك سببا أبسط بكثير، على ما يبدو يبرز إلى الوجود وهو أنّه: يتوجب على القوة البحرية الحالية المؤلّفة من عشر حاملات طائرات أن تخضع للصيانة بعد استخدامها بشكل مكثف في السنوات الأخيرة. وفي الواقع، كانت هذه الأصول الأميركية قد غادرت بشكل دوري في وقت مبكر للقيام بعمليات الانتشار ومن ثم مددت إقامتها للمشاركة في مهمات هامة هدفها إبراز القوة ضد الخصوم، وذلك بإجرائها تمارين دولية مع البلدان الشريكة، وضمان إمكانية الوصول إلى البحار، فضلا عن تنفيذ عمليات مساعدة إنسانية وإغاثة من الكوارث في اليابان ونيبال وهايتي والفلبين. فعلى سبيل المثال، تطلبت الغارات على الأهداف البرية للمتطرفين الإسلاميين في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا في الفترة ما بين 2010 و2013، تواجد حاملتي طائرات متمركزتين في المنطقة. ومن المعلوم أنه للحفاظ على القدرة العملياتية لحاملة الطائرات المعروف أمدها بنصف قرن، لا بد لفترة الصيانة بعد عملية انتشار موسعة من أن تستمر لحوالي أربعة عشر شهرا. وسيتم التعويض عن غياب طائرات الهجوم 44 إف/إيه – 18 هورنت من على حاملة الطائرات روزفلت في فصل الخريف من خلال العديد من الأصول الأخرى القادرة على مهاجمة تنظيم الدولة الإسلامية. كما أن حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول، التي ضربت أهداف داعش في ربيع هذا العام قبل إجرائها مناورات في المحيط الهندي، ستحظى قريبا بفرصة أخرى. فهذه السفينة الحربية الفرنسية الأصغر حجما تحمل إثنتي عشرة طائرة من نوع رافال وتسع طائرات من نوع سوبر اتندارد. وتمتلك هذه الطائرات قدرة عالية ولكنها لا تشكل سوى نصف عدد طائرات الهجوم المتوفرة على حاملة الطائرات الأميركية. وإلى جانب ذلك، فإن مجموعة أميركية برمائية جاهزة ستكون في المنطقة أيضا، وتضم ثلاث سفن حربية برمائية بقيادة حاملة الطائرات الصغيرة يو إس إس إسيكس، وتكملها ست مقاتلات من نوع إيه في – 8 بي هاريرز، وإثنتي عشرة طائرة مروحية من طائرات الهجوم والدعم، وأربع طائرات من نوع إم في-22 أوسبريز، و1100 من قوات مشاة البحرية الأميركية من وحدة الاستطلاع 15 التابعة لمشاة البحرية. كما أن طائرات سلاح الجو المقاتلة البرية المأهولة منها وتلك التي من دون طيار، بما فيها ست طائرات إف 16 نشرت مؤخرا في قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، كما ستبقى طائرات الدوريات المعدة للاستطلاع التابعة للبحرية منتشرة في المنطقة. ومن حيث القوة القتالية الأولية ضد تنطيم الدولة الإسلامية، فهي لن تقل كثيرا، كما أن الغارات الجوية الداعمة لعملية العزم التام ستستمر. لكن رغم ذلك، فإنّ تأثير مجموعة حاملة الطائرات الضاربة في الشرق الأوسط له شق نفسي وسياسي أيضا، فهو بمثابة أداة دبلوماسية لردع إيران وطمأنة حلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة حول التزام واشنطن، وتقديم مساحة للرئيس الأميركي لاتخاذ القرار خلال حالات الطوارئ في المنطقة، فحاملات الطائرات ترمز إلى الدبلوماسية الأميركية في الوقت الذي تعطي فيه صورة عن القوة الخشنة والقدرة. وفي حين أن طائراتها تستطيع أن تضرب أهدافا على نحو فعال في الليل كما في النهار، يمكنها أيضا أن تنقل رسائل قوية بسرعة ومن دون استخدام القوة. لقد أضحى ثابتا أنه من الصعب عدم رؤية حاملات الطائرات في الشرق الأوسط، نظرا لما تكتسيه من أهمية ردعية وتتمتع به من نفوذ بحري؛ ففي وقت سابق من هذا العام، أبحرت حاملة الطائرات روزفلت في بحر العرب من أجل وقف سفينة تجارية كانت ترافقها عدة سفن حربية من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، اشتبه في أنها تنقل أسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن. وقد دفع مجرد وجود حاملة الطائرات الأميركية الأسطول الإيراني إلى الالتفاف والعودة إلى أحد الموانئ. ويمكن القول إن غياب حاملة طائرات في المنطقة قد يشجع إيران على تعميق مشاركتها في الصراعات الإقليمية التي تشارك فيها الآن. وبالمثل، إن ذلك قد يشجع روسيا على كسب النفوذ في المنطقة.بالإضافة إلى ذلك، وربما الأهم في هذا الموضوع، أن مجموعة حاملة الطائرات الضاربة توفر الطمأنينة للحلفاء الإقليميين الذين يشككون في نوايا واشنطن. في الأثناء يبدو أن الولاياتالمتحدة مطالبة بأن تستفيد من الغياب المؤقت لحاملة طائرات لكي تراجع تشديدها على المناورة بدلا من مجرد التركيز على وجودها الثابت. كما ينبغي إبلاغ كل من الحلفاء والخصوم المحتملين بهذا التغيير. فإذا بقيت حاملة الطائرات دائما في المكان نفسه، فلن تتمكن من الاعتماد على مفهوم المناورة، الذي يشكل ميزتها الرئيسية مقارنة بأنواع أخرى من إظهار السلطة ويساهم في بقائها. وبما أن حاملات الطائرات هي عبارة عن أصول استراتيجية مرنة جدا، ليس هناك أبدا وقت مناسب لإخراجها من مجموعة خيارات القائد العام للقوات المسلحة الأميركية. ومن المؤكد أن وجود مجموعة حاملة الطائرات الضاربة في منطقة الشرق الأوسط، في هذا الوقت بالذات، سيكون مفضلا دون شك نظرا إلى قيمتها على صعيد الردع والطمأنينة ومساحة اتخاذ القرارات.