الاتفاق الإيرانى لعب دورا هاما فى التأثير على القرار الأمريكى ومحاولتها تقليص عدد جنودها فى دول الخليج قرار تخفيض موازنة البنتاجون أحد الأسباب الرئيسية فى تفكير أوباما سحب جنوده من الخليج مخاوف من القيام بعمليات انتحارية ضد القوات الأمريكية بعد اشتعال الحرب فى اليمن وسوريا والعراق لاتزال التغيرات والأحداث التى تشهدها منطقة الخليج بصفة خاصة والشرق الأوسط بصفة عامة تحتل الجانب الأكبر من اهتمام مراكز البحث الغربية وهو ماشدد عليه مؤخرا مركز سكوكروفت للأمن الدولي التابع للمجلس الأطلسي والذى نشر دراسة مؤخرا بعنوان "مستقبل الإستراتيجية الدفاعية والتواجد العسكري الأمريكي في الخليج" من إعداد كل من بلال صعب الزميل المتخصص بأمن الشرق الأوسط بالمركز وباري بافيل نائب مدير المركز ،والذى حاولا من خلالها رسم ملامح الإستراتيجية الدفاعية الأمريكية في دول الخليج ودوافع تغييرها ومستقبل التواجد الأمريكي في منطقة الخليج. وترى الدراسة أن توقيع الاتفاق الإطاري الأخير بين مجموعة (5+1) وإيران بخصوص الملف النووي مثل أهمية كبيرة للولايات المتحدة، نظراً لكونه أحد العوامل التي قد تدفع واشنطن إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها الدفاعية في دول الخليج، حيث تشير بعض الآراء إلى أن هذا الاتفاق قد يكون بداية إلى مزيد من التراجع الأمريكي في المنطقة، لكن ثمة آراء أخرى هي الأعلى صوتاً الآن تطالب واشنطن باستمرارية وتفعيل اهتمامها وتواجدها بمنطقة الشرق الأوسط عامة، ومنطقة الخليج العربي خصوصاً، في ضوء عدة اعتبارات مختلفة منها برنامج إيران النووي الذي سيبقى لفترة طويلة محل أخذ ورد، واضطرار الولاياتالمتحدة إلى العودة للعراق في عام 2014 بعد تمدد "داعش"، وما يشهده هذا الإقليم الاستراتيجي المهم من اضطرابات داخلية قد تؤثر في حال تفاقمها أكثر من ذلك إلى تهديد العالم كله. ويشير الكاتبان إلى أن ثمة عدداً من الأسباب التي يُرَجح أن تحد من استمرار التواجد العسكري الأمريكي في الخليج بشكل كبير، ولعل أبرز تلك الأسباب هو سياسة "إعادة التوازن الأمريكي" في إقليم آسيا والمحيط الهادي؛ والتي كان قد أعلنها الرئيس أوباما في إطار سياسته الدفاعية في عام 2012، والتي تعني في المجمل محاولة فك الارتباط مع إقليم الشرق الأوسط مقابل التركيز الأكبر على الإقليم الصاعد في آسيا والمحيط الهادي، خاصةً أن المشكلات التي يتعرض لها الشرق الأوسط باتت أكثر تعقيداً وخطورة، وتتطلب تكلفة أعلى ومجهوداً مضاعفاً قد يؤثر على الإستراتيجية الأمريكية في الإقليم الأهم في وجهة نظر واشنطن حالياً، وهو آسيا والمحيط الهادي. إضافة إلى التحديات الأمنية الجديدة التي تواجه أوروبا، خاصةً بعد الأزمة الروسية - الأوكرانية عام 2014، والتي دفعت الولاياتالمتحدة إلى تعديل خططها تجاه أوروبا بعد أن كانت قد خفَّضت تواجدها العسكري في القارة، مما جعلها الآن تُعيد الدعم العسكري لحلفائها الأوروبيين بعدد من الألوية المسلحة وطائرات F35، بالإضافة إلى وحدات الطائرات التكتيكية، لردع أي عدوان آخر من الجانب الروسي في ضوء الأزمة. وأوضجت الدراسة أن قرار تخفيض موازنة الدفاع الأمريكية يعد أحد أسباب تراجع القوات الأمريكية في الخليج حيث يُفتَرَض أن تُخفِّض الإدارة الأمريكية من إنفاقها العسكري خلال السنوات المقبلة وتكمن مشكلة هذا الخفض في أنه يتزامن مع تزايد التحديات على مستوى العالم، خصوصاً في ثلاث مناطق رئيسية هي (الشرق الأوسط، وآسيا والمحيط الهادي، وأوروبا)، والتي تعتمد كلها على السلاح الأمريكي. لذا فإن هذا الخفض لا يصب في مصلحة دول هذه المناطق، خصوصاً دول الشرق الأوسط والخليج العربي. وإلى جانب ذلك انتشار التكنولوجيات الدفاعية المدمرة؛ حيث أن الاتجاهات المتسارعة في التطور التكنولوجي تؤثر بشكل متزايد على كل من الولاياتالمتحدة والأمن العالمي، خاصةً أن تلك التكنولوجيات قد يكون لها تأثيرات غير متوقعة. وبرغم أنها تكون موجهة بالأساس للاستخدامات المدنية أو الصناعية، فإن لها أيضاً أبعاداً عسكرية. وقد دفع هذا التطور المتزايد بعض خبراء التكنولوجيا إلى تحذير إدارة الرئيس "أوباما" من خطورة هذا الأمر إذا لم يتم استغلاله بشكل جيد، بدلاً من التركيز على الإنفاق العسكري؛ وهو ما قد يدفع لتغيير المنظور الأمريكي للوضع العسكري في السنوات العشر المقبلة. ورأت الدراسة أن تنامي القدرات العسكرية الإيرانية أحد أسباب انسحاب عدد كبير من القوات الأمريكية من الخليج ؛ فالولاياتالمتحدة والقوى الغربية قد صبَّت جُلَّ اهتمامها في العقد الماضي على البرنامج النووي الإيراني، دون الانتباه للتطورات المستمرة التي تقوم بها طهران في قدراتها العسكرية من حيث ترسانة صواريخها التي قد تستهدف دول الخليج، وقدرتها على إنتاج أسلحة خاصة بها مع تقليل الاعتماد على الغرب في هذا الأمر. وتابعت الدراسة : كذلك استمرار انتشار السلفية الجهادية احد أسباب تراجع القوات الأمريكية في الخليج ؛ فعلى الرغم مما قامت به واشنطن لدحر انتشار الأفكار المتطرفة، فإن التهديد الإرهابي أصبح أكثر عنفاً وتعقيداً خاصةً مع انتشار تنظيم "داعش"، وتمدد الجماعات السلفية الجهادية في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط؛ وهو ما يعني أن تلك الجماعات ستظل تنتشر طالما ظلَّت الأسباب التي تدفعها لممارسة العنف السياسي، وطالما لم تُحل المشكلة من جذورها. ويؤكد الكاتبان أنه لكي تصبح الإستراتيجية الأمريكية في الخليج فعَّالة، يتعين على واشنطن أن تحدد مصالحها المحورية بوضوح داخل الإقليم. وأشار إلى عدد من المصالح التي يعتبرها الكاتبان تحتل الأهمية الكبرى في الاستراتيجية الأمريكية بالخليج؛ ومنها الاعتماد على مصادر الطاقة من النفط والبترول، فرغم انخفاض اعتماد الولاياتالمتحدة بشكل عام على مصادر الطاقة التي تأتي من دول مجلس التعاون الخليجي، فإنها لا يمكن أن تتخلى عنها بشكل كلي، فما لم يتم الحفاظ على تلك المصادر أو بافتراض إنها اختفت من سوق الطاقة، فإن أسعار البترول سترتفع بشكل كبير للغاية، بما يؤثر على الاقتصاد العالمي، والأمريكي تحديداً، خاصةً أن دول مجلس التعاون الخليجي تنتج وحدها ما يقرب من 24% من إجمالي البترول في السوق العالمي. ومن بين هذه المصالح أيضا وقف انتشار أسلحة الدمار الشامل، وبالتحديد ما يتعلق بالقدرات الإيرانية حيث يتعين على واشنطن أن تستمر في محاولات منع طهران من حيازة أسلحة نووية، واحتواء طموحاتها الإقليمية، بحيث يتم ردعها إذا ما حاولت الهجوم على أيٍ من جيرانها. ويُعد هذا العنصر هو الأكثر أهمية فيما يتعلق بمستقبل الإستراتيجية الأمريكية في الخليج، كما أن أفضل السيناريوهات التي طرحها الكاتبان في هذا الصدد هي التي حدثت بالفعل فيما عُرف باتفاق "لوزان"، والذي من شأنه أن يوقف إيران من حيازة قنبلة نووية بشكل سريع، بل ويضمن تخفيض معدلات تخصيب اليورانيوم في أراضيها. وطبقاً لهذا السيناريو، فإن الإستراتيجية الأمريكية يجب أن تستمر في مساعيها لضمان منع إيران من تعزيز قدراتها النووية. وفي حالة إخلال طهران بالاتفاق، فإنها ستتعرض للعقوبات من جانب الدول الكبرى في النظام الدولي. وحتى لو انتهكت الاتفاقية، فإنها لن تعد قادرة أن تعيد بناء قنبلة نووية بنفس السرعة بسبب القيود التكنولوجية التي تفرضها مثل هذه الاتفاقيات، وهو ما يضمن في النهاية استقرار حلفاء الولاياتالمتحدة في دول الخليج. وترى أمريكا وفقا للكاتبان أن العمل على إعادة الطمأنينة لدول الخليج سوف يكون ضد مصالحها حيث تسعى إلى إثارة الاضطرابات الداخلية من خلال وكلائها المحليين في بعض دول المنطقة، وهو ما يدفع الولاياتالمتحدة إلى أن تظل متمركزة استراتيجياً في هذه المنطقة، لمتابعة السلوك الإيراني من ناحية، ولحماية مصالحها المشتركة من ناحية أخرى. ولتحقيق هذا الغرض يجب أن تعيد واشنطن تنظيم قواتها العسكرية في الخليج، بما يُراعي التوازن بين متطلبات استقرار الخليج ، وبين تكلفة هذا الأمر في ضوء الميزانية الجديدة، الأمر الذي يستدعي تفعيل الأدوات الأخرى السياسية والدبلوماسية، إلى جانب الأدوات العسكرية لتحقيق الاستقرار المنشود. وأيضا محاربة الإرهاب يعد من أهم مصالح أمريكا ؛ فرغم الجهود التي بذلتها القوات الأمريكية في مواجهة تمدد الخطر الإرهابي، إلا أن الإرهاب قد ازداد من حيث عمقه وتعقد عملياته. وتعتمد الإستراتيجية الأمريكية على فكرة المواجهة من خلال الضربات الجوية، والتي رغم فعاليتها في بعض الأحيان، فإنها لن تقضي أبداً على الإرهاب، لأن الأمر يتطلب قوات عاملة على الأرض للمحاربة في بيئة مثل سوريا والعراق وغيرها ونظراً للتكلفة المادية العالية لهذا الأمر، فسوف تظل الإستراتيجية الأمريكية تعتمد على تقديم الدعم الاستخباراتي وبناء قدرات الحلفاء، والقيام ببعض العمليات الصغيرة في الشرق الأوسط. ويشير الكاتبان إلى أن المبدأ الأساسي في أي وضع مستقبلي للقوات الأمريكية في الخليج وبصرف النظر عما قد يحدث للبرنامج النووي الإيراني يجب أن يتمركز حول استمرارية وصول القوات العسكرية للدول الخليجية، كما يتعين على واشنطن ألا تكون "خجولة" في توضيح الأهمية الإستراتيجية لذلك الأمر لحلفائها الخليجيين. وأضافت الدراسة أن التفكير في وضع القوات بمنطقة الخليج يجب أن يتركز أيضاً على القدرات العسكرية، من حيث الكفاءة التي تساعد في تحقيق أهداف الردع وإعادة الطمأنينة، لا من حيث العدد فقط، لذا يتعين على الولاياتالمتحدة تحقيق التوازن بين ردع إيران من مهاجمة أي من جيرانها من ناحية، وإيجاد الوسائل الممكنة لمواجهة أسلوبها الناجح في تحقيق أهدافها. ومن هنا يرى الكاتبان أنه في هذه البيئة المضطربة، يمكن للولايات المتحدة حماية مصالحها ومصالح حلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال عدد من الخطوات التدريجية فيما يتعلق بوضع قواتها العسكرية؛ من حيث التوزيع الجغرافي، والمرونة التشغيلية، والقوة التكتيكية عن طريق التفاوض على "اتفاقية دفاع مشترك" بين الولاياتالمتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي؛ بما سيضمن مستقبلاً عدم تعرض دول الخليج لأي انتهاكات من جانب إيران، لأنه سينقل مستوى العلاقات الأمريكية - الخليجية من "الشراكة إلى التحالف", والفرق بين الشراكة والتحالف واضح؛ فإذا كان ثمة بلدان حليفان أو أكثر، فهذا يعني التزام كل منهما بالحفاظ على أمن الآخر والدفاع عنه حال تعرضه لهجوم . ومن شأن تلك الاتفاقية المقترحة أن تحقق عدداً من المزايا المتبادلة للمنطقة وللولايات المتحدة، من بينها ضمان الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة، لأنه سيبعث برسالة إلى إيران مفادها أن أي اعتداء على دولة من الدول المشاركة في الاتفاقية، سيُعد بمثابة اعتداء على الولاياتالمتحدة نفسها، كما أنها تعد بمثابة الشكل النهائي لتحقيق الأمن لدول الخليج وكذلك تعزيز الحزم التشريعية التي تقدمها إدارة "أوباما" لمجلس الشيوخ، بما يظهرها بأنها جادة للغاية في التعامل مع التحدي النووي الإيراني وأيضا المساعدة في الاستجابة لتلك الأصوات الداعية لمزيد من التوسع في نشر القوات العسكرية في الخليج. ويرى الكاتبان ضرورة تخفيض معدلات ضعف وهشاشة القوات العسكرية الأمريكية الموجودة في الخليج؛ عن طريق تنويع أنماط نشر القوات، واستكشاف مفاهيم جديدة للتمركز العسكري في القواعد المختلفة وأيضا التركيز على تعزيز القوات البحرية في الوضع المستقبلي للقوات الأمريكية بدول مجلس التعاون الخليجي، من خلال تعزيز الدفاعات البحرية، وقدرات الهجوم المضاد السريع، والاستخبارات، بالإضافة إلى دعم نظم الرقابة والاستطلاع. كما رأى الكاتبان ضرورة تكثيف التعاون العسكري مع الشركاء الخليجيين، بهدف تحسين قدراتهم الدفاعية، ومشاركتهم بالنسبة الأكبر من عبء الدفاع وضرورة دعم الدفاعات الخليجية ضد هجمات الصواريخ الإيرانية، من خلال الاتجاه نحو مستويات أعلى من التكامل بين دول الخليج فيما يتعلق بتعزيز نظم الصواريخ الباليستية الدفاعية. وشدد الكاتبان على ضرورة خلق حوافز مختلفة للدول من خارج الإقليم بما فيها الحلفاء والشركاء في حلف "الناتو"، للمساهمة بتقديم الدعم العسكرية لضمان أمن واستقرار الخليج. وأوضح الكاتبان بأن الإستراتيجية الدفاعية الأمريكية في منطقة الخليج يجب أن تنبه الجميع سواء الحلفاء أو الخصوم بأن الولاياتالمتحدة ستبقى في هذه المنطقة، بل إنها تسعى إلى بناء علاقات أطول وأعمق مع الشركاء الخليجيين، وأنها ستحافظ على أمن واستقرار شركائها في هذا الإقليم الاستراتيجي تحت أي سيناريو مستقبلي قد يحدث.