فى صباح السبت الماضى كان المصريون غارقين فى جدل فارغ حول المناظرة التافهة التى استمرت ليلة كاملة والتى أجريت بين شاب يدعى إسلام بحيرى والشيخ حبيب الجفرى وأسامة الأزهرى، وبالطبع لم يتمكن المصريون من متابعة ما يجرى فى أرض المجوس ولم يستيقظ أحد للاستماع إلى كلمة زعيم المجوس حسن روحانى الذى يهدد الإسلام والوطن العربى كله وهو يعلن «أن القوات المسلحة الإيرانية لا تشكل تهديداً لأحد فى المنطقة». وقال فى خطاب بثه التلفزيون الحكومى مباشرة بمناسبة العرض العسكرى السنوى للجيش الإيرانى إن «القوات المسلحة تجلب الهدوء إلى الأمة والشعوب الأخرى فى المنطقة». وتابع الرئيس الإيرانى «يجب ألا يشعر أحد بالقلق من وجود القوات البحرية الإيرانية»، مؤكداً أن «مناورات الجيش والحرس الثورى تجلب الهدوء لشعوب المنطقة».. وأن استراتيجيتهم، أى استراتيجية إيران، كانت باستمرار «استراتيجية ردع لجلب السلام والأمن إلى المنطقة». إن ما يحدث فى إيران وما يدور من مناقشات حول برنامجها النووى ليس بعيداً عن مصر لكى يتم تجاهله والتركيز على قضية سطحية، ولكى نعرف جيداً أن مصر هدف فى اللعبة الإيرانيةالأمريكية الجديدة لا بد من التذكير بأنه حين تحدث عبد الملك الحوثى، وجّه خطابه للرئيس عبد الفتاح السيسى. وحين تحدث حسن نصر لله وجه حديثه أيضا للرئيس السيسى! وفى تلك الملاحظة يكمن «جوهر» ما يحدث فى المنطقة.. ويظهر الدور الذى تلعبه مصر، لإعادة ضبط أو لإعادة الانضباط إلى دول المنطقة. فى تلك الملاحظة أيضاًٍ، ما يكفى وزيادة لمعرفة أن الصراع أو «الماتش» بين فريقين: «مصر» وخلفها الدول «العاقلة» فى المنطقة.. والولايات المتحدة بأذرعها الممتدة والتى يبرز منها الآن الذراع «الإيرانية»! القصة الكاملة لمؤامرة البرنامج النووى الإيرانى سنة 1957، كانت الانطلاقة الأولى للبرنامج النووى الإيرانى، حينها وضع شاه إيران أساس البرنامج، بمساعدة من الولايات المتحدة كجزء من برنامج «الذرة من أجل السلام». ووافق الشاه على خطط لبناء عدة محطات لتصل إلى 23 محطة طاقة نووية بحلول عام 2000، كما وقعت إيران معاهدة انتشار الأسلحة النووية عام 1968، وصادقت عليها عام 1970، بما يجعل البرنامج النووى الإيرانى محل تحقيق من الوكالة.. سواء وافقت أم لم توافق، فالعقد شريعة المتعاقدين.. والتوقيع على الاتفاقية يلزم من قام بالتوقيع على تنفيذ ما جاء بها من بنود. غير أن المخطط أخذ منحى آخر مختلفاً تماماً، مع قيام الثورة الإيرانية (التى وصفوها بالإسلامية) عام 1979، إذ أمر روح لله الموسوى الخمينى بحل أبحاث الأسلحة النووية السرية، باعتبارها محظورة بموجب الأخلاق الإسلامية، لكنه أعاد السماح بإجراء بحوث صغيرة النطاق فى الطاقات النووية، وخضع البرنامج لتوسع كبير بعد وفاته عام 1989، لتبدأ سنوات طويلة من المفاوضات العالمية بين حق إيران بالطاقة النووية ومخاوف دولية من أسلحة فتاكة. فى أبريل 1984، أعلنت مخابرات ألمانياالغربية أن إيران قد تصنع قنبلة نووية فى غضون سنتين، باستخدام اليورانيوم المستورد من باكستان. وعام 1990، بدأت إيران تنظر إلى الخارج نحو شركاء جدد لبرنامجها النووى، وشكلت روسيا منظمة بحثية مشتركة مع إيران باسم «برسيبوليس»، وأمدت روسياطهران بخبراء الطاقة النووية الروسية، والمعلومات التقنية. وعام 1992، وفى أعقاب مزاعم وسائل الإعلام حول أنشطة نووية غير معلنة، دعت إيران مفتشى الوكالة الدولية إلى البلاد وسمحت لهم بزيارة جميع المواقع والمرافق التى طلبوا أن يروها، وذكر المدير العام «هانز بليكس» أن جميع الأنشطة التى شاهدوها تتفق مع الاستخدام السلمى للطاقة الذرية. كذلك، عام 1995، وقعت إيران عقداً مع روسيا فى وزارة الطاقة الذرية لاستئناف العمل جزئياً فى محطة بوشهر بالكامل، لإمداد المحطة بمفاعل الماء المضغوط، بقيمة 800 مليون دولار، وتوقع الانتهاء من المشروع عام 2009. وعام 1996، أقنعت الولايات المتحدة جمهورية الصين الشعبية بالانسحاب من عقد بناء محطة تحويل اليورانيوم، ومع ذلك فإن الصين قدمت مخططات مرفقة للإيرانيين، التى نصحت الوكالة بأن تواصل العمل على البرنامج، وصادق الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون على مشروع قرار يقضى بفرض عقوبات فى الولايات المتحدة على الشركات الخارجية التى تقوم باستثمارات فى إيران وليبيا. ولم ينقض عام 1999 إلا وكان الرئيس الإيرانى (وقتها) محمد خاتمى، يعرب خلال زيارة إلى المملكة السعودية، عن قلقه بشأن ترسانة إسرائيل النووية، ويطالب بشرق أوسط منزوع الأسلحة النووية. غير أن عام 2002، حدث ما قلب «الترابيزة»، إذ كشف المتحدث باسم الجماعة الإيرانية المنشقة من المجلس الوطنى للمقاومة فى إيران «على رضا جعفر زاده»، علناً عن وجود موقعين نوويين قيد الإنشاء: منشأة تخصيب اليورانيوم فى نطنز، ومرفق المياه الثقيلة فى أراك، وسعت الوكالة على الفور للوصول إلى هذه المرافق، ولم تسمح إيران لمفتشى الوكالة بزيارة المنشأة النووية الجديدة، فيما نشرت الولايات المتحدة صوراً التقطت بواسطة الأقمار الصناعية تظهر المنشآت النووية الواقعة، وادعت أن هذه المواقع النووية تستخدم لأغراض عسكرية. وعرفنا أن عناصر من الحكومة الإيرانية بقيادة محمد خاتمى قامت فى مايو 2003 بتقديم اقتراح سرى عن «صفقة كبرى» من خلال القنوات الدبلوماسية السويسرية، وعرضت خلالها بشفافية كاملة برنامجها النووى والانسحاب من دعم حماس وحزب لله، مقابل حصولها على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وتطبيع العلاقات الدبلوماسية، وقالت إن إدارة بوش لم تستجب لهذا الاقتراح، وبورك الاقتراح من المرشد الأعلى آية لله خامنئى. ثم كان أن تعهدت فرنساوألمانيا والمملكة المتحدة، فى سبتمبر 2003، بمبادرة دبلوماسية مع إيران لحل المسائل حول برنامجها النووي، وفى 21 أكتوبر أصدرت الحكومة الإيرانية والاتحاد الأوروبي، بياناً صار معروفاً باسم إعلان طهران، إلا أن وكالة الطاقة الذرية ذكرت فى تقرير أن «إيران فشلت فى عدد من الحالات على مدى فترة طويلة من الوقت لتلبية التزاماتها بموجب اتفاق الضمانات، وذلك فيما يتعلق بالإبلاغ عن المواد النووية ومعالجتها واستخدامها، فضلاً عن إعلان المرافق التى تم تجهيزها وتخزين المواد بها». وبموجب شروط اتفاق باريس، الذى تم إعلانه فى 14 نوفمبر 2004، أعلن كبير المفوضين النوويين الإيرانيين بوقف طوعى ومؤقت لبرنامج تخصيب اليورانيوم، والتزمت إيران اتفاقاً مع الترويكا الأوروبية بتخصيب وإعادة إنتاج اليورانيوم وبناء أجهزة الطرد المركزى. وفى فبراير 2005، ضغطت إيران على الاتحاد الثلاثى لتسريع المحادثات، ورفض الاتحاد القيام بذلك، ولم تحرز المحادثات أى تقدم يُذكر، بسبب المواقف المتباينة من الجانبين، وفى أوائل أغسطس 2005، بعد انتخاب محمود أحمدى نجاد رئيساً لإيران، ورفضت طهران وجود أختام على معداتها لتخصيب اليورانيوم فى أصفهان، الذى وصفه مسئولون بالمملكة المتحدة بأنه «خرق لاتفاق باريس»، وقدم كبار مسئولى أجهزة المخابرات الأمريكية إلى الوكالة الذرية وثائق تدل على برنامج عسكرى نووى إيرانى بهدف إنتاج قنبلة ذرية. وفى 4 فبراير 2006، قام 35 من محافظى مجلس أعضاء وكالة الطاقة الذرية بالتصويت لصالح قرار إحالة إيران إلى مجلس الأمن الدولى وأعلن الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد أن إيران نجحت فى تخصيب اليورانيوم، بنسبة 3.5٪ باستخدام أكثر من 100 جهاز طرد مركزي، فيما منح مجلس الأمن الدولى إيران فرصة لمدة شهر واحد بهدف تعليق نشاطاتها النووية، كما أصدر عقوبات تمنع بموجبها إيران من تصدير واستيراد المواد الأولية اللازمة لتخصيب اليورانيوم، وإنتاج الصواريخ البالستية. ثم كان أن أصدر مجلس الأمن الدولى 7 قرارات خاصة بإيران، فى 2007، طالبت إيران بتعليق أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، وتوسيع العقوبات، وطالب بقطع التعاون النووى مع طهران، وتجميد أصول عدد من الأشخاص والمنظمات المرتبطة بالبرامج النووية والصاروخية الإيرانية، وأنشأت لجنة لمراقبة تنفيذ العقوبات، وإضافة ألمانيا من أجل حل المسائل المتعلقة ببرنامج إيران النووى. وفى العام التالى، صدر قرار المجلس بتمديد تلك العقوبات إلى أشخاص وكيانات إضافية، وفرض قيود على سفر الأشخاص، وشريط الصادرات من السلع ذات الاستخدام المزدوج النووى والمتعلق بالصواريخ إلى إيران. كما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون، فى أبريل 2009، انضمام بلادها إلى المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1، وقالت الولايات المتحدة إنها أجرت تحقيقات خلال سنوات كثيرة تقوم على معلومات حصلت عليها بواسطة العملاء، وصور الأقمار الصناعية، وتشير هذه التحقيقات إلى أن إيران تسعى إلى بناء محطات نووية فى الجبال. وعليه، فرض مجلس الأمن الدولى فى 2010 عقوبات جديدة شملت التعامل العسكرى مع إيران، منها القيام بمعاملات، ومبادلات مالية مع الحرس الثورى الإيرانى، وفى نوفمبر 2010 تعرض العالم النووى والأستاذ الجامعى الإيرانى مجيد شهريارى للاغتيال ، وحملت السلطات الإيرانية ووسائل الإعلام الرسمية الولايات المتحدة وإسرائيل مسئولية الاغتيال. وفرض مجلس الشيوخ الأمريكى فى نوفمبر 2011 عقوبات على البنك المركزى الإيرانى، ومشترى النفط الإيرانى، فى خطوة تهدف إلى زيادة الضغوط، وفرض عقوبات أكثر على إيران. وزاد الأمر تعقيداً فى 2012 حين فشلت المفاوضات النووية فى بغداد، وقيام الاتحاد الأوروبى بتطبيق العقوبات على استيراد النفط، وعدم توفير خدمات التأمين على حاملات النفط الإيرانية، وأدت هذه العقوبات إلى انخفاض مستوى مبيعات النفط الإيرانى بمستوى 40%، كما أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً أعلنت فيه أن أجهزة الطرد المركزى فى منشأة «فوردو» النووية سجلت ارتفاعاً من ألف جهاز إلى ألفى جهاز للطرد المركزى. وعقب فوز حسن روحانى فى انتخابات الرئاسة الإيرانية فى 2013، تم تسليط الأضواء على الدور الذى سيلعبه الرئيس فى الملف النووى الإيرانى، وأعلن روحانى بعد فوزه أنه ينوى أن يتواصل بشكل إيجابى مع العالم، ويجرى مفاوضات «نشطة أكثر» حول البرنامج النووى لبلاده، تلاه بعد ذلك قيام الولايات المتحدة بالتصديق على مشروع جديد ستكون إيران بموجبه مضطرة إلى الحفاظ على إيراداتها النفطية فقط فى بنوك الدول التى ابتاعت النفط من إيران، وحاولت مجموعة 5+1 خلال جولة إقناع إيران بوقف إنتاج وتخصيب اليورانيوم على المستوى 20%، إلا أنها لم تقبل بهذا العرض. وفى أكتوبر 2013 انطلقت الجولة الأولى من المفاوضات النووية فى جنيف بسويسرا، وأعلن الجانبان عن الاتفاق حول إجراء جولة أخرى من المفاوضات فى مطلع نوفمبر، وهى الجولة التى التزمت إيران بموجبها بالحد من برنامجها النووى وتخصيب اليورانيوم، بينما يقوم الغرب برفع جزئى للعقوبات على إيران، ومنع فرض عقوبات أممية، ومتعددة الأطراف، وأحادية على إيران. غير أنه فى ديسمبر 2013 جرى وقف المفاوضات النووية على مستوى الخبراء، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 19 شخصاً وشركة إيرانية. وفى 20 يناير 2014، أطلقت إيران عملية تخصيب اليورانيوم على مستوى 20% فى موقعى نطنز وفوردو النوويين، فى خطوة أولى تهدف إلى تنفيذ اتفاق جنيف.. ثم انطلقت فى 18 مارس 2014 جولة جديدة من المفاوضات النووية بلقاء بين وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف والمفوضة السابقة للشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبى كاثرين أشتون فى فيينا، ووقتها اعتبرت مساعدة وزير الخارجية الأمريكى ويندى شيرمان أن المفاوضات مع إيران كانت «مثمرة». لكن فى 4 مايو 2014 انتقد الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسى أداء الفريق الإيرانى الحالى بشأن المفاوضات النووية. وفى 8 مايو 2014، وبينما دخلت المفاوضات النووية مرحلة حساسة، قالت كاثرين أشتون إن إيران التزمت بتعهداتها التى نص عليها اتفاق جنيف، وانطلقت الجولة الرابعة من المفاوضات دون مشاركة وزراء خارجية دول 5+1، بينما شكل عدد أجهزة الطرد المركزى أهم عناصر الخلاف فى المفاوضات النووية. وفى 10 يونيو 2014 أعرب مساعد وزير الخارجية الإيرانية فى مدينة جنيف عن شكوكه بشأن حل كل الخلافات خلال المهلة المحددة بستة أشهر لتنفيذ اتفاق جنيف. بعدها بأسبوع، أى فى 17 يونيو 2014 انطلقت المفاوضات بهدف الحد من الخلافات وتقارب وجهات النظر للبدء فى صياغة النص النهائى للاتفاق النووى الشامل، وذلك للوصول إلى اتفاق بشأن البرنامج النووى الإيرانى فى غضون الأسابيع الخمسة المتبقية، وقال المتحدث باسم منظمة الطاقة النووية فى إيران بهروز كمالوندى إن روسيا ستبنى محطتين نوويتين فى إيران، وطلب الرئيس الإيرانى روحانى من الصين بذل «جهود أكبر» خلال المفاوضات للوصول إلى اتفاق نووى شامل، وقالت إيران خلال الجولة السادسة من المفاوضات النووية فى فيينا إنها لن تسعى إلى تطوير برنامج نووى لأغراض عسكرية ولكنها طالبت بامتلاك 50 ألف جهاز للطرد المركزى. وأخيراً.. وليس آخراً بكل تأكيد تم إعلان 31 مارس 2015 موعداً نهائياً للانتهاء من المفاوضات، لكن تم تمديد تلك المهلة ليومين، وأعلنت منسقة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى «فيديريكا موجيرينى» عن التوصل لاتفاق حول معايير أساسية لاتفاق شامل بشأن البرنامج النووى الإيرانى فى مفاوضات لوزان السويسرية. وهو ما استقبلته أوساط عديدة بفرحة غير مبررة وغير منطقية (من وجهة نظرى على الأقل)، حيث من المفترض أن يثار جدل كبير وخلافات كثيرة بشأن مسودة الاتفاق النهائى، بشكل يقطع الطريق على أمل إغلاق الصفحة الأخيرة لهذا الصراع الذى تريد له «الولايات المتحدة» ألا ينتهى! أمريكا .. رأس الشيطان المجوسى الآن، أدعوك عزيزى القارئ لقراءة السطور السابقة مرة أخرى، بمزيد من التدقيق فى التواريخ، وحاول أن تربط كل منها بما شهدته المنطقة من أحداث، فربما تدرك أن إيران تعزف مع الولايات المتحدة لحناً واحداً، مع الوضع فى الاعتبار أنك ستكون مخطئاً لو اعتقدت أو اقتنعت بأن الولايات المتحدة تتعامل مع إيران كعدو، وتجاهلت الدور الذى لعبته وتلعبه طهران لصالح الولايات المتحدة الذى يؤكد (مع دلائل ووثائق أخرى) أن العلاقات الأمريكيةالإيرانية فى أفضل حالتها، وأن البلدين يكملان معا مشروعاً بدأ تنفيذه مع وصول الخمينى إلى السلطة! العلاقات بين البلدين ظلت جيدة، وإن كانت هناك ادعاءات بغير ذلك طوال الوقت، إذ كانت طموحات إدارة أوباما، بعد أن ضمنت وصول الإخوان للحكم فى مصر وتحالفهم معها، هو أن يتسع المحور «الانتهازى» الذى تكونه ما بين إسرائيل وتركيا وقطروإيران لتنضم إليه «مصر الإخوانية» وبقية الدول التى وصل إليها الإخوان للحكم بعد ما يوصف ب»الربيع العربى». كان تعزيز ذلك المحور واحداً من أهم السياسات التى تسعى إليها إدارته فى ولايته الثانية، تحت مزاعم أو أوهام أمريكية بأن كل مشكلات وأزمات الشرق الأوسط سيتم حلها لو تم توزيع القوة بشكل متساوٍ على إيران الشيعية من ناحية، ومصر وتركيا السنية من ناحية أخرى، بحيث يحد كل منهما من نفوذ الآخر، ويحرص عليه أيضاً بحكم تعاونهما ومصالحهما المشتركة. كانت تلك الرؤية الأمريكية فى تلك الفترة هى تعزيز حلقة أخرى من سلسلة محور الشرق الأوسط الجديد بين تركيا و«مصر الإخوان»، ولم تكن مستعدة لأن تنكسر حلقة أخرى من حلقات ذلك التحالف وهى التى بين تركيا وإسرائيل، بل كان لا بد من زيادة قوة أطراف هذا التحالف أنفسهم. وكانت صفقة طائرات ال«إف-16» التى تعاقدت عليها واشنطن مع مصر فى عهد مرسى، أولى بشائر هذا الدعم، الأمر الذى يبرر إلى حد ما قرار واشنطن بتعليق تسليم تلك الطائرات أو إلغائه كنوع من العقاب الرمزى لمصر بعد إسقاط الإخوان. رؤية واشنطن ارتكزت على أن التعاون بين تلك الدول المحورية الثلاث، إيران وتركيا و«مصر الإخوان»، يمكن أن يحل كل مشاكل الشرق الأوسط بما فيها السيطرة على طموح إيران النووى، فدخول تلك القوة الشيعية الكبرى فى شكل من أشكال «التحالف» أو «الاتحاد الإسلامى» مع تركيا و«مصر الإخوان» يمكن أن يحد من خطورة سباق التسلح النووى فيما بينها، ولن يكون هناك خطر من وجود أى قوة نووية أخرى فى المنطقة غير إسرائيل. إن محور الشرق الأوسط الأمريكى الجديد اعتمد على دول، أقل ما توصف به أنظمتها هو النفعية والانتهازية السياسية، وهو ما دفعها بالتالى إلى محاولة تهميش دول كبرى كان لها ثقلها الإقليمى والتاريخى فى المنطقة، وعلى رأسها السعودية وحلفاؤها من دول الخليج. فالخطة كانت تعتمد على إضعاف السعودية والممالك المحيطة بها لحساب قطر التى تدين بالولاء للمحور الأمريكى. وكان قلق السعودية الأكبر من مخطط الشرق الأوسط الجديد أنه يؤدى فى النهاية إلى وضع السعودية والكويت والعراق والبحرين والإمارات كلها فى موقف أضعف كثيراً من عدوها التقليدى ونقصد إيران. وكانت أمريكا مستعدة فى نظر الممالك الخليجية للتضحية بها فى سبيل إرضاء حليفتها الجديدة إيران التى تصورت واشنطن إمكانية أن يتعايش الشيعة فيها جنباً إلى جنب مع السنة الأتراك والإخوان فى مصر، وهو ما جعل السعودية تنتظر الفرصة لوضع حد لخارطة الشرق الأوسط الجديد التى تريدها الإدارة الأمريكية، والتى اتخذت منحى خطيراً بعد ما يوصف ب«الربيع العربى». والعودة هنا ضرورية إلى سنة 2004 وهى السنة التى قوبل فيها مشروع الشرق الأوسط الكبير برفض شديد من أكبر دولتين فى المنطقة العربية وهما مصر والسعودية، اللذان أجبرا الرئيس جورج بوش على وضع ذلك المشروع جانباً. لذلك كله، قامت ثورة 30 يونيو بتغيير موقع مصر من المعادلة الأمريكية، بشكل انقلبت معه خطة الشرق الأوسط الجديد رأساً على عقب، لأن خطة إقامة المحور التركى- الإيرانى- المصرى كانت تقتضى أن يسيطر الإسلاميون على الدول الثلاث، لكنهم فقدوا مصر وازدادت الاضطرابات فى دول الربيع العربى التى وصل الإخوان فيها إلى الحكم، فانفرطت خريطة الشرق الأوسط الأمريكية، ليعاد ترتيب مواقع الدول، لتأتى دولة تؤكد وجودها وثباتها ومكانتها على خريطة المنطقة من جديد كقوة سياسية ضاربة اسمها المملكة العربية السعودية. إن أهم منجزات ثورة يونيو أنها كسرت حلقة مهمة فى محور الشرق الأوسط الجديد، كما كانت تراه أمريكا، وهى حلقة التحالف بين السعودية وتركيا، فقد ظن البعض أن السعودية وتركيا قد تحالفتا معاً، بعد الربيع العربى، فيما يتعلق بالملف السورى، وكانت الخطة الأمريكية تقوم على أن تتولى المملكة السعودية مهمة تمويل المعارضة السورية، فى الوقت الذى تهتم فيه أنقرة بتنسيق الجانب المخابراتى والتحركات على الأرض، خلال الحرب الدائرة فى سوريا، إضافة إلى شعور الدولتين بأنهما فى محور سنى واحد، ضد نفوذ إيران الشيعية. وكانت الصور التى يظهر فيها الرئيس التركى عبد لله جول، يسير جنباً إلى جنب مع الملك عبد لله، فى مؤتمرات القمة الإسلامية، أو اللقاءات الثنائية بين رئيس الوزراء التركى، رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية السعودى، الأمير سعود الفيصل، صوراً تثلج صدر واشنطن، وتشعرها أن خطتها لمحور الشرق الأوسط الجديد تسير فى الخط المحدد لها، إلا أنها لم تكن تتوقع أبداً أن تكون مصر سبباً فى تمزق تلك الصور! ............... بهذا الشكل، يكون واجباً أن نتوقف عند ظهور حسن نصر لله الأمين العام ل«حزب لله» فى المشهد، إذ لا يمكن ترجمة رد فعله الغاضب بغير كونه ترجمة لجزء من غضب إيران! غضب يتناسب مع انهيار الحلم القديم المتجدد، يمكننا أن ندرك حجمه بالعودة إلى قيام الخمينى قبل أعوام قليلة من وفاته بتوجيه الحجاج الإيرانيين إلى التظاهرات الشهيرة فى مكة سنة 1987 التى أدت الى سقوط مئات القتلى والجرحى! وأعيد تذكيرك، بأن تلك كانت واحداً من التحديات والمعطيات العديدة التى فرضت نفسها بقوة على جدول أعمال القمة العربية ال26، التى استضافتها مدينة شرم الشيخ والتى كان فى مقدمتها تحديات الأمن القومى العربى، وتطورات الأوضاع فى سوريا والأزمة الليبية، بالإضافة إلى بحث ملف مقاومة ومكافحة الإرهاب، وتفعيل اتفاقية مكافحة الإرهاب المُوقع عليها من معظم الدول العربية، وأيضاً تفعيل اتفاقية الدفاع العربى المشترك، المنصوص عليها بميثاق جامعة الدول العربية، وبحث ملف القضية الفلسطينية، ودعم موازنة فلسطين ومتابعة التطورات السياسية للقضية وتفعيل مبادرة السلام العربية. .................. لو كنت تتابع «الموجز»، ستدرك أننا لا نمل من تكرار تلك البديهية: بديهة أن ما يشاع عن وجود عداء أمريكى/ إيرانى، ما هو إلا وهم كبير. وأن دولة الملالى ما هى إلا «الكارت» الأقدم أو الصيغة الأقدم من صيغة دولة المرشد التى أرادت الولايات المتحدة لها أن تحل محل الأنظمة العربية بعد ما بات معروفاً باسم الربيع العربى! فلما أجهضت «مصر» هذا المخطط، عادت الولايات المتحدة لاستخدام الكارت القديم! ولا أعتقد أنه بات هناك مجال لأدنى شك فى أن الإيرانيين لا يتحدثون بلغة الإسلام، وإنما يعملون بلغة المصالح القومية الإيرانية، التى يضعونها فى وجه (أو ضد) مصالح العرب الذين لن ترضى عنهم طهران حتى يقوموا بتنصيب «كسرى» ملكاً عليهم، ويرجعوا إليه كلما دعت الحاجة إلى اتخاذ موقف سياسى، إقليمياً ودولياً، وربما لتدبير شئون البيت العربى الذاتية والداخلية! كما أن الواقع والوقائع والأحداث المتتالية تؤكد أن مثل هذه «الصيغة» التى وضعتها إيران لعلاقاتها مع العرب ثم مع العالم، كانت تهدف من ورائها، إلى الحصول على المكانة الإقليمية والدولية كقوة عظمى، وهو الحلم الذى طالما حاولت تحقيقه منذ عهد الشاه واستمر معها بصورة أكثر «رعونة» بعد ثورة الخمينى سنة 1979. ............. وبغير هذه البديهيات لن تتمكن من رؤية ما تشهده المنطقة حالياً من أحداث، كما لن تتمكن من تقييم الدور المصرى، وتحديداً «الدبلوماسية المصرية» فى تضميد جراح دول المنطقة، بدءاً من «جرح اليمن» وليس انتهاء بالجرح النازف فى دمشق. بغير هذه البديهيات، لن تتمكن من معرفة الهدف الأساسى من «عاصفة الحزم» التى جاءت لتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح فى هذا التوقيت القاتل.. ولتحقق العديد من الفوائد الاستراتيجية لعل أبرزها أو أهمها ضبط التوازن فى المنطقة بعد أن أوشكت (أو توهمت) طهران على استغلال الأوضاع المضطربة فى المنطقة لصالح مشروعها التوسعى.. وحلمها القديم الدائم بإقامة الإمبراطورية الفارسية! لقد أدركت «مصر» اللعبة جيداً.. وامتلكت كل «الكروت» التى تستطيع بها أن تعيد الاستقرار لدول كادت تتلاشى بفعل فاعل. عبر التاريخ ودروس الزمن تقول إن اللعبة لم تنته بعد، فمع قرابة 13 عاماً من المفاوضات، ونصف القرن من الحلم النووى الإيرانى، يبدو من الصعب على الكثيرين تصديق أن الأمر انتهى هكذا، بل ربما يشهد صعوبات جديدة خلال الفترة القادمة، حتى 30 يونيو المقبل، وهو التاريخ الذى من المفترض أن يتم فيه التوصل إلى اتفاق نهائى.. وضع عشرات الخطوط تحت «30 يونيو».. ولا أعتقد، أن اختيار التاريخ كان مجرد صدفة!.