سأحكى لكم حوار قصير دار بينى وبين ضابط شرطة .. ربما يحمل الحوار قليل من الأمل والرجاء وافتراض حسن النوايا ، وكثير من الريبة والقلق اللذان ينتبانى من بعض الأوضاع السياسية .. فى مكان مرتفع قليلاً عن الأرض عبارة عن ساحة واسعة - موقف ميكروباص - كنت أقف متأملاً المتواجدين فى "الموقف" من مختلف أطياف الشعب المصرى المنقسم على حالة اليوم .. دوت "سرينة" سيارات الشرطة وهجم مئات العساكر وعشرات الضباط على المكان .. أسرع نحوى 4 مجندين أمن مركزى،مد أحدهم يده ليمسك بى من "تلابيب قميصى" .. صرخت فى وجهه : بتعمل ايه يا عسكرى ؟! اثبت مكانك ! .. تردد المجندون الأربعة قليلا وواصلو محاولات الامساك بى .. عدت موجها كلامى إلى المجند الذى رفع يده المعلقة للامساك بى : نزل إيدك يا دفعة أنا دكتور ..فرد علىّ : ايه يعنى دكتور ؟! قلت : مش عارف يعنى ايه دكتور ؟! شكلك صعيدى بلدياتى ومش فاهم حاجة .. ففتح فاه بابتسامه باهته وقال : "من وين انت فى الصعيد ؟، ولما أنت دكتور ايه اللى جابك هنا؟!" .. قلت : يا بنى آدم بقولك دكتووور ..تأفف المجند فى حيرة وتركنى هو وزملائه وواصلوا الهرولة خلف المتواجدين فى الساحة .. لم تمض دقائق حتى أمسكوا بالعشرات من أطياف الشعب شباب صغار وكبار..عمال وفلاحين ..أساتذة ومعممين .. وزجوا بهم جميعاً فى سيارات الأمن المركزى بعد أن "ختموهم" ب"الكفوف"على "الأقفاء" وركلوهم فى "المؤخرات" .. وقفت أشاهد الأحداث فى زهول تام .. وبعد أن أتم المجندين عملية "الاجتياح البرى" فى معركة "الاستسلام المدنى" بلا أى مواجهة داخل ساحة موقف تلاقى الغرباء ..مر من أمامى مجموعة من الضباط ورأيت واحدا منهم ينظر لى فبادرته النظر وأطلت التحديق فى وجهه حتى أرتاب فى أمرى .. فتقدم نحوى متجهماً ونادى على أحد المجندين :"وده سبتوه ليه؟!"..وما أن فرغ من كلامه حتى وضع يده على كتفى فبادرته قائلا:"خلى بالك .. أنا صحفى و حطة ايدك دى على كتفى ليس بها أى حميمية فى الحوار" .. فقضب حاجبيه وقال: أعرف منين انك صحفى ؟! فأخرجت له الجرين كارت بطاقة عضويتى فى بلاط صاحبة الجلالة ، فأمسك بالكارنية ونظر به قليلاً وأخرج الموبايل من جيبه وسألنى : ما هو رقم عضويتك ؟ .. فأجبت : 8964 فقال وهو ينظر إلى الموبايل : خطأ .. رقمك 8965 .. فاستغربت وقلت : هى بياناتى ظاهرة عندك على الموبايل؟! ..قال: نعم ومطابقة لبيانات الكارنية فلدينا بيانات جميع الصحفيين أعضاء النقابة .. قلت : شئ جميل أن يكون متاح لكم التحقق من أى بيانات لتسهيل الأمور على المواطنين ومعرفة "الصادق" من "الكاذب" .. فإبتسم ابتسامة صفراء وأعطانى الكارنية وقال: آسف يا باشا .. قلت: ولا يهمك ،لكن اسمح لى أن أسألك كام سؤال ..هو : اتفضل .. أنا : ألا ترى أنكم ألقيتم القبض على كل من كان متواجداً فى المكان "عاطل" فى "باطل" ؟.. هو: لكل اجراء أمنى سلبياته والعدالة الانتقالية تتطلب مثل هذه الاجراءات .. أنا : لكن أين العدل فى إلقاء القبض على أبرياء وبسطاء ساقتهم الأقدار للتواجد فى "موقف الميكروباص" وقت هذه الأحداث؟ هو: من لم يثبت عليه الإدانة أو يكون مطلوباً على ذمة أى قضايا سيخرج فوراً..أنا : متى؟!! ..هو : بعد أسبوع أو أسبوعين بالكتير ..أنا : ولماذا لم تتحقق من بياناتهم الشخصية وتتركهم فى دقائق كما فعلت معى ؟ أليس لديكم بيانات كاملة عن الشعب ؟..هو: أنا استعلمت على بياناتك الوظيفية بما لدينا من معلومات وليس لدينا بيانات كاملة عن كافة الانتماءات السياسية لأفراد الشعب .. أنا : يعنى ممكن أطمئن على أن هؤلاء المقبوض عليهم فى رعاية عيون العدالة الانتقالية الجديدة .. هو : كن مطمئنا .. أنا : أكيد انتم هذه الأيام عودتم لوضعكم السابق أقصد من حيث الهيبة وخوف المواطن منكم ؟!..هو : خلاص رجعنا والعملية وقت .. أنا : وما رأيك فى وزير الداخلية الحالى ألا ترون أن وضعكم معه أفضل بكثير من أيام اللواء حبيب العادلى ؟ ..هو: لا طبعاً .."العادلى" كان يقول لنا : أنتم أحفاد محمد على باشا وأنا محمد على .. عند هذا الحد انتهى "حلمى" وتذكرت أن الساعة اقتربت من الواحدة بعد منتصف الظهر وأنى على موعد مع أحد الأصدقاء بجريدة "روزاليوسف" وأنى تأخرت كثيراً على الميعاد .. فعذراً يا صديقى هذا الحوار سبب تأخرى عن لقاءك .. ملحوظة لم اتدخل بكلمة من عندى بعد استيقاظى وكل كلمة جاءت كما دار فى الحوار بينى وبين الضابط فى حلمى وكان يمكن أن أعيد صياغة الحلم ب"الاضافة أوالحذف" إلا أننى حرصت أن يكون السرد كما رأيت .