في زمن هجر فيه معظم الناس القراءة وأصبحوا يعتمدون في تشكيل ثقافتهم وتكوين أرائهم واتجاهاتهم على شاشة التليفزيون وما يبث من خلالها تصبح لكل كلمة ومعلومة تصدر عن هذا الجهاز المؤثر أهميتها، خاصة إذا كانت تقدم في قالب درامي ومن خلال عمل تاريخي يرصد فترة معينه من تاريخنا لارتباط الناس بمثل هذه الأعمال وثقتها المطلقة فيها فالجمهور يتلقي أحداثها ويتفاعل معها باعتبارها حقائق لا تقبل الشك ويشكل من خلالها ثقافته ومواقفه ومن هنا يصبح من المحتم والضروري أن تخضع هذه الأعمال لنوع من المراجعة الدقيقه لتجنب الوقوع في جريمة تزوير التاريخ سواء عن سوء غرض أو نتيجة لجهل، وقد أثارت الدراما التاريخية التي تعرض على مائدة الدراما الرمضانية هذا العام متمثله في مسلسلي "صديق العمر" و "سراي عابدين" غضب الكثيرين، بل واتهمها البعض بأنهما لم يكونا على المستوى المطلوبووصل الاتهامات إلى حد تزوير التاريخ والتلاعب فيه. "صديق العمر" قصة ممدوح الليثي وسيناريو محمد ناير وإخراج عثمان أبو لبن، ويتناول المسلسل العلاقة التاريخية بين الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي يجسده الفنان السوري جمال سليمان، والمشير عبدالحكيم عامر الذي يجسده الفنان باسم السمرة، والأشخاص الذين تواجدوا في دائرة السلطة خلال تلك الفترة من تاريخ مصر، كما يتعرض المسلسل لقصة زواج المشير بالممثلة برلنتي عبدالحميد التي تجسدها الفنانة درة. وهناك عمل آخر وهو "سرايا عابدين" من تأليف الكويتية هبة مشاري وإخراج عمرو عرفة، ويضم المسسل مجموعة كبيرة من النجوم، على رأسهم النجمة يسرا التي تقوم بدور الملكة خوشيار والدة الخديو إسماعيل، الذي يقوم بدوره السوري قصي خولي في أولى تجاربه المصرية، كما تشارك الفنانة غادة عادل بتجسيد شخصية جارية من جواري القصر، وتجسد نيللي كريم في المسلسل شخصية "جلنار" زوجة الخديوي حيث يكون ظهورها بالتاج الملكي طوال الأحداث. ويشارك في المسلسل أيضًا الفنانون صلاح عبد الله ومي كساب وداليا مصطفى ويوسف فوزي وخالد سرحان والفنان السوري عبد الحكيم قطيفان. ويعرض المسلسل على مدار 36 حلقة، ويتناول العمل حقبة زمنية مهمة من تاريخ مصر، وهي من عام 1865 حتى 1899. وتدور الأحداث حول جواري الخديو إسماعيل، وتكون شخصيته محورية في العمل، كما تتناول في سياق درامي الصراعات التي تدور طلبًا لرضاء الخديوي، ويتطرق العمل لمناقشة أحوال الحكم في هذه الفترة والصراعات السياسية التي أحاطت بالخديوي إسماعيل، ويتعرض العمل لكواليس العلاقات بين الحريم، كما يتحدث إلى الحياة الاجتماعية، ويبرز النقلة الحضارية والثقافية التي حققها الخديوي في ذلك الوقت من خلال هذا المسلسل، فهو تاريخي من الطراز الأول. وقد أصدرت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية برئاسة الدكتور أيمن فؤاد سيد، بيانًا قالت فيه أن "سرايا عابدين" و "صديق العمر" جاءا مليئين بالأخطاء والأوهام والتشويهات التاريخية لأنه لم يتول مراجعتها جهة تاريخية علمية معتمدة لأنها من إنتاج فضائيات خاصة. ونظرًا لأن جماهير كثيرة تتلقى معارفها التاريخية من الأعمال الدرامية، فإن اشتمال هذين العملين على هذا الكم الكبير من الأخطاء والتشويهات التاريخية من شأنه أن يؤدي حتمًا إلى تشويه الحقائق التى تصل إلى المتلقي. وأهابت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بالفضائيات التى تتصدى لإنتاج الدراما التاريخية أن تعهد إلى هيئات علمية متخصصة بمراجعة السيناريوهات الخاصة بها. وقد اتهم سامي شرف، خلال مداخله هاتفيه في إحدى الفضائيات مسلسل صديق العمر بتزوير التاريخ بشكل غير مسبوق في مثل هذة الأعمال التاريخية، مضيفًا أن العمل هو سعي واضح لتشويه صورة جمال عبدالناصر. وقال شرف، إنه كشاهد على هذه المرحلة وأحد أقرب الناس من الرئيس جمال عبد الناصر حيث كان يشغل منصب سكرتير الرئيس للمعلومات على مدى سنوات عديدة قد رصد كمًا غير محدود من الاخطاء التي تعد تزويرًا لحقائق تاريخية وتشويها لصورة زعيم مكانته راسخة بوجدان الملايين، مردفًا: " صلاح نصر يقول للمشير هو الريس بيقول لحد حاجة حتى وأنت أقرب واحد له ما تعرفش هو بيفكر فى أيه!.مع العلم أن جمال عبدالناصر كان يكتب بخط يده أفكاره وآراءه الحالية والمستقبلية، وكان كل هذا وكل لقاءاته حتى في صالون المنزل مسجلة، وكل هذه الوثائق محفوظة في سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكري حتى 13 مايو 1971، وللعلم كان المشير عامر هو تقريبًا الوحيد الذي يطلع على كل ورقة وكل ما يدور بين الرئيس وزواره ورؤاه المستقبلية دون غيره بأوامر من الرئيس عبد الناصر شخصيًا، والخطأ الآخر.. في يوليو 1961 الرئيس يخاطب عبدالحكيم عامر وزكريا محيى الدين والسادات وصلاح نصر على أنهم مجلس قيادة الثورة، في حين أن هذا المجلس انتهى بانتخاب جمال عبدالناصر رئيسا سنة 1956، وصلاح نصر لم يكن أبدا أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة، وفي نفس الجلسة يقول الرئيس لهم هو انتم حاتستقيلوا زي بغدادي وكمال الدين حسين، بينما استقالة الرجلين كانت سنة "1964، ويظهر النحلاوي في المسلسل برتبة عقيد ويرتدي على رأسه كاب اللواء وهو لم يكن إلّا مقدم فقط ولم ينل الرتبة إلّا بعد الانفصال الذي قاده بفضل ثقة المشير العمياء فيه، فلا تزال عملية تشويه عبدالحميد السراج مستمرة رغم أنه حذر من النحلاوي، وكانت تقديرات السراج صائبة. وتابع شرف: "المشهد الغريب كان حوار بين المشير عامر وابنه جمال في سبتمبر 1967، أكرر سبتمبر 1967 بعدما انتحر المشير بأيام، ويحمل الابن الرئيس جمال عبدالناصر مسؤولية كل ما يصيب البلاد من هزائم، وكان المشير محدد الإقامة بمنزله لأن الرئيس عاوز يلبسه الهزيمة.. المشير كان محدد الإقامة بعد فشل خطة الانقلاب التي أعدها مع شمس بدران وصلاح نصر وكان التنفيذ سيتم بواسطة جلال هريدي وبعض ضباطه وأحدهم كان شقيقه من الإخوان المسلمين الهاربين فى السعودية وبعد إخراج المعتصمين فى منزله والقبض عليهم وإخلاء بيته من الأسلحة التي وصلت لحمولة 13 لوري، وليس صحيحًا أبدًا أن الرئيس ارتاح من سوريا بالانفصال كما يصور العمل بل كانت فجيعة كبيرة استراتيجيا وصحيا على الرجل و كانت بداية طريق الانكسار، فالرئيس عام 1961 خائف وقلق من الأمريكيين وكل همه إرسال رسائل طمأنة لهم، وهذا لم يحدث مطلقا واذكر القارئ الكريم بمقولة عبدالناصر للأمريكان معونتكم على الجزمه، والضباط الانفصاليون المرتشون الذين كان ثمن انقلابهم 11 مليون جنيه استرلينى دفعها الملك سعود يظهرون كضباط وطنيون يقسمون على استقلال سوريا وجيشها الوطني؟! وأكد شرف، أن قرر مقاطعة المسلسل بعد مشاهدته الحلقة التاسعة لأنه مليء بالتلفي، كما أن تزوير التاريخ لا يمكن أن يكون لهذه الدرجة غير المسبوقة لا تاريخيًا ولا دراميًا ولا أداء. كما أثار العمل غضب أسرة الزعيم جمال عبدالناصر حيث اتهم عبدالحكيم عبد الناصر، خلال مداخله بإحدي القنوات العمل بأنه لم يأتِ على المستوي المطلوب من حيث أداء الممثلين حيث فشل جمال سليمان تماما من الاقتراب من روح والده أو شكله الخارجي أو حتى طريقة نطقه وكان أسوأ من قام بتجسيد دوره في عمل فني على عكس الراحل أحمد زكي الذي أبدع فيها، مشيرًا إلى أن نهال عنبر هي الأخرى فشلت تمامًا في تجسيد دور والدته أو الاقتراب منها كما أن محتوى العمل جاء مليئًا بالمغالطات التاريخية. فيما قالت هدي عبد الناصر، إن العمل هو محاولة واضحة لتشويه صورة والدها خاصة بعد أن أثبتت أحداث الثورتين مدى تعلق الشعب به وبسمات عصرة وقراراته الجريئة التي حققت العدالة الإجتماعية للشعب في وقتها وخوف البعض من أن تكون الحقبة المقبلة من حكم مصر في عهد السيسي هي صورة لحكم عبدالناصر وتشهد قرارات مماثله فسارع البعض للهجوم على والدي من خلال هذا العمل الذي جاء رديئًا على كافة المستويات.