في أجواء أحيطت بسرية تامة التقي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل الثاني في اسطنبول منذ أيام قليلة، حيث جمعهما لقاء مغلق بعيداً عن وسائل الإعلام، وهذه الزيارة التي قام بها أمير قطر إلي تركيا تعد الثانية له منذ توليه الحكم في 25 يونيو الماضي، وما حدث خلف الأبواب المغلقة، لا يستطيع أحدهما الإعلان عنه باعتبار ان بعض الملفات لا يجوز الإفصاح عنها. وتوقع المراقبون تراجع تكتيكات قطر بعد أن تعرضت لضغوطات كبيرة علي الصعيد السياسي والاقتصادي، فتمويلات قطر داخل الدول العربية كلف الدولة ميزانيات ضخمة، مع العلم أن الدوحة تصرف دون قيود علي جماعة الإخوان، وخاصة تنظيمها العالمي، كما أن قطر قدمت أموالاً طائلة لإسقاط ثورة 30 يونيو، وتدعم التظاهرات ضد النظام الحالي، وتسهم في بقاء الجماعة الإرهابية المحظورة في مصر كما تستقبل آلاف المنتمين إلي تنظيم الإخوان علي أرضها. وفي العموم - بحسب ما أورده مركز المزماة للدراسات في تقرير حديث له - فإنه إذا أردت أن تعرف ما يحدث في دول العرب شرقاً وغرباً فلا بد لك أن تسأل عن المسبب أو الدول الداعمة لخراب العرب وليس صلاحهم، فالربيع العربي خير أرادت به بعض الدول وسيلة لتحقيق طموحات أكبر من حجمها الجغرافي والتاريخي، وما حدث أن قطر حاولت خلال السنوات الماضية ضخ الأموال بهدف قلب الأنظمة العربية والتدخل بكل شاردة وواردة، ودعم تنصيب جماعات في السلطة مثل تنظيم الإخوان المسلمين الذي يلقي تأييداً كبيراً من قطر، وقد رأت الدولة صغيرة الحجم أن تلك الجماعة ستحقق الولاء لقطر حين تتسلم مناصب قيادية في دول الربيع، لكن ما حدث أن الجماعة فشلت وسقطت في أكبر الدول العربية، وتلقت قطر لطمة جديدة من قبل شعب دولة بحجم مصر، وقد تقاطع مع المشروع القطري مشروع تركي لتصدير أفكار الجماعة الإخوانية، خاصة أن من يحكم تركيا هم الإخوان بنسختهم التركية، فكان أن اتفق الجانبان علي مخططات تحمل الخراب للعرب بشكل عام ولدول الربيع بشكل خاص، طبعاً المشروع القطري التركي تقاطع أيضاً مع مشروع أمريكي بخلق كيانات جديدة في الشرق الأوسط، والتي ستؤمن الاستقرار لإسرائيل التي تعد المنتصرة الوحيدة من ثورات العرب. وكانت هيئة الإذاعة البريطانية قد نشرت تحليلاً علي موقعها الإلكتروني كشفت فيه حقائق ترتبط بتغييرات جذرية قد تدفع قطر إلي كبح جموح طموحاتها علي الأصعدة كافة، خاصة أنها تتعرض لضوائق مادية، حيث قال محلل شؤون الخليج بيل: لو أن تميم ورث بلداً تعثرت طموحاته لأن يكون قوة إقليمية بل وعالمية بعد أن كان يملك آمالاً كبيرة، فقد جاء دعم قطر للحركات الإسلامية في بلاد الثورات العربية: تونس، وليبيا، ومصر، وسوريا، بنتائج عكسية، كما أدي إلي توتر العلاقات بينها وبين حلفائها في الغرب والخليج علي حد سواء، وفي نفس الوقت علت أصوات المحافظين في قطر في معارضة لما يرونه استيراداً كاملاً للثقافة والمؤسسات التعليمية الغربية. كما قال الدكتور كريستيان كوتس أولريخسن، الباحث في الشأن الخليجي: إن قطر بحاجة إلي الابتعاد علي نحو حاسم عن سياسات عدم الادخار التي تنتهجها خلال السنوات الماضية، وأضاف أن "المشكلة التي يواجهها أمير قطر، الشيخ تميم، هي التزام بلاده باستضافة كأس العالم 2022 وإنفاق عشرات المليارات علي البني التحتية التي تتطلبها إقامة المونديال"، ويأتي ذلك في الوقت الذي لم يعد يتكلم فيه القطريون عن بناء 12 ملعباً، بل تقول "اللجنة المحلية لقطر 2022" الآن إنها تعطي الأولوية حالياً لبناء ثمانية ملاعب، وعلي الرغم من تقليص عدد الملاعب في مثل هذه الدولة الصغيرة، فإن دعم الشيخ تميم للمونديال لا يزال قوياً، وسيعتبر أي حديث عن الانسحاب منه ضربة قوية لصورة قطر الدولية، وفي حين تبتعد قطر عن أي مشاريع ستكلفها الكثير، فإن هذا المونديال الذي يعد الأول من نوعه بالنسبة لها سيظل عبئاً علي الشيخ تميم أن يتحمله. ورغم كل هذا الدعم إلا أن الخبراء يؤكدون علي أن ما يحاك في تركيا حالياً لن يكون لمصلحة العرب، وربما يكون انسحاباً تكتيكياً قطرياًتركياً من بعض المواقع، والحشد في مواقع أخري، لكن دعم الجماعة الإرهابية لن يتوقف بكل تأكيد، والتآمر علي الدول العربية مستمر، رغم كل المؤشرات بانسحاب قطري من اللعبة الدولية بشكل تدريجي، لكن دعم الإخوان سيبقي جزءا من الاستراتيجية القطرية، والتي ستكلفها ميزانية ضخمة، وقد ينقلب السحر علي الساحر في يوم من الأيام، خاصة أن الدولة الصغيرة المساحة أصبحت تضم من جماعة الإخوان ما يكفي لأن يدمر البلاد وينقلب عليها.