لم يثر أي من مرشحي الرئاسة السابقين جدلا مثل الذي أثاره د. عبدالمنعم أبوالفتوح القيادي الإخواني السابق واللاحق، وذلك بسبب مواقف الرجل المتضاربة واللعب علي كل الأحبال والأكل علي كل الموائد بغرض كسب أكبر عدد من المؤيدين من جميع ألوان الطيف السياسي، حتي ان البعض وصفه بانه «شاذ سياسياً» والحقيقة أن الرجل لم يثر الجدل والاستفزاز في مصر وحدها، بل امتد غموض مواقفه وشذوذ آرائه ليستفز الغرب أيضا، حتي أطلق النشطاء عليه سخرية مفادها: أبوالفتوح ميكس.. كل حاجة والعكس. فما بين تصريحات أبوالفتوح للصحف الأمريكية إبان ترشحه للرئاسة وقوله: نحن معجبون بالشعب الأمريكي، إلي قوله بأن الإدارة الأمريكية هي حجر عثرة في طريق الإصلاح في مصر. ومع ذلك، يري أبوالفتوح أن الإدارة الأميركية والشعب الأميركي هما عالمان متباعدان، وإن الولاياتالمتحدة لديها تاريخ عظيم من نشر الحريات وحماية الحقوق، لكن السياسات التي اعتمدتها إدارة بوش - مثلا- والتي يقودها المحافظون الجدد أشعلت شرارة القتل والعنف"، ورغم أن الإدارة الأمريكية لم تأت من المريخ بل من الشعب الأمريكي وباختياره ولتنفيذ السياسات التي ترضي من انتخبوها، إلا أن أبوالفتوح يعود بعد قوله بأن أمريكا تنشر الحريات وحماية الحقوق، ليؤكد وجود سجون سرية للمخابرات الأمريكية حيث يمارس التعذيب بشكل منهجي علي الضحايا من أجل الحصول علي المعلومات والاعترافات. ورغم ارتداء أبوالفتوح ثوب المعارض القوي لنظام مبارك وسياساته، إلا أنه وفي تصريحه للصحف الأمريكية، يعبر عن رؤية جماعة الإخوان المسلمين تجاه توريث السلطة في مصر قبل الثورة، فيقول إنه وجماعته من ورائه لا يرفضان أي شخص يسعي لتولي السلطة ولكن من خلال انتخابات نزيهة وحرة، وبينما يعرف أبوالفتوح أن المادة 76 وضعها مبارك خصيصا لوضع ابنه علي رأس السلطة، إلا أن أبوالفتوح يشدد علي أنه ينتقد المادة 76 من الدستور التي تتضمن شروطاً ومواصفات تنطبق فقط علي النخبة الحاكمة. ويبدو أن أبوالفتوح يحب دائما أن يظهر بمظهر البطل المعارض باتباعه سياسة "خالف تعرف"، فمنذ أيام صرح أبوالفتوح لوكالة أسوشيتد برس أن ترشيح وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي في الانتخابات المقبلة، سوف يمثل نهاية للديمقراطية في مصر. ورغم إعلانه انفصاله عن جماعة الإخوان المسلمين وتأسيسه حزب مصر القوية، إلا أنه يدافع عن الجماعة بقوة مؤكدا للوكالة أن حملة "القمع" التي تشنها السلطات المؤقتة - الحالية- علي الإخوان يمكنها فقط أن تجعل الجماعة أقوي كمنظمة. وأضاف أن قمع أي مجموعة أيديولوجية يجعلها أقوي، واصفا هذه الإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات المصرية بأنه "الغباء" الذي من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية. وخلافا لمعظم المصريين الذين يعتقدون قرب انتهاء الحركة الإسلامية علي الأقل بالنسبة لممارسة السياسة بشكل شرعي وسلمي، يعتقد أبوالفتوح أن هذه الحركات الإسلامية ستعود في نهاية المطاف إلي ممارسة السياسة وربما بشكل أفضل من السابق. وفي السابق، أثارت تصريحات لأبو الفتوح علي جريدة نيويورك تايمز جدلا في الولاياتالمتحدة أيضا، فقد صرح بأنه يعتقد أن هجمات 11/9 الإرهابية علي الولاياتالمتحدة كانت مجرد مؤامرة أمريكية. وأضاف أبوالفتوح في تصريحاته أنها كانت عملية كبيرة جدا.. وأن الولاياتالمتحدة لم تحل هذه الجريمة إلي المحاكمة حتي الآن. لماذا؟ لأنها جزء من مؤامرة أمريكية!. ودعا أبوالفتوح الولاياتالمتحدة إلي إجراء "مؤتمر علمي" لتحديد الجناة الحقيقيين لهجمات 11 سبتمبر، بعد أن تشكك في دور تنظيم القاعدة في 11/9 لسنوات. أبوالفتوح البالغ من العمر 62 عاما والذي ترك الإخوان صوريا بعد الثورة الأولي وعاد إليهم بعد الثورة الثانية، يطلق عليه البعض اسم "الإسلامي الليبرالي"، كما يقول الباحث الأمريكي إريك تريجر الذي التقي أبوالفتوح بعد ثورة يونيو، ويرجع تريجر ذلك جزئيا لأقوال أبوالفتوح أنه يعتقد أن المسيحيين يمكنهم الترشح للرئاسة، وهي وجهة النظر التي وضعته علي خلاف مع قيادة الإخوان، لكن بالطبع أراد أبوالفتوح بتصريحه هذا كسب بعض الأقباط إلي صفه ظنا منه أنه يستطيع خداع الجميع بتلون مواقفه. ويبدو أن أبوالفتوح شعر بغضب رؤسائه في مكتب الإرشاد، فتراجع سريعا عن هذا التصريح وحاول التخفيف منه في مقابلة لإحدي الفضائيات، حيث قال إن الأحزاب حرة في ترشيح من تشاء، لكن مصر "لا يمكن أن يكون رئيسها من غير المسلمين!". وقد وصف الباحث إريك تريجر تخبط أبوالفتوح هذا بأنه تقدم "هزلي". ويضيف تريجر أن أبوالفتوح عاش كإخواني منذ فترة طويلة ، وهو من مؤسسي الحركات الطلابية الاسلامية في السبعينيات، وهو لا يزال يدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية، وبالتالي فإن اختلافه مع أصدقائه الإخوان كان بسبب خلافات بشأن الاستراتيجية والإدارة الداخلية للجماعة، وليس بشأن الايديولوجية وأفكار التنظيم نفسها. ويدلل تريجر علي ذلك بأن الجماعة الإسلامية كانت تدعم أبوالفتوح بشده في الانتخابات الرئاسية السابقة، وكما هو معروف أن الجماعة الإسلامية هي جماعة جهادية تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية علي أنها منظمة إرهابية. ويضيف تريجر أنه نظرا لأن تلك الجماعة الإسلامية التي تدعم أبوالفتوح تعتبر معاهدة السلام مع إسرائيل تهديدا للأمن القومي المصري، فمن المستبعد جدا أن السياسة الخارجية لمصر ستبقي صديقة لمصالح الولاياتالمتحدة إذا تم انتخاب أبوالفتوح رئيسا لمصر في اي انتخابات مقبلة. ويعتبر تريجر أن أبوالفتوح في حد ذاته غير جدير بالحصول علي أصوات المصريين في الانتخابات المقبلة إذا ما قام بالترشح فيها، علي أن ما خدمه في الانتخابات السابقة وجعله يحصل علي عدد كبير من الأصوات رفعته للمركز الرابع هو مجرد بعض ضربات الحظ، كان أولها هو تنحي منافسه القوي حازم أبواسماعيل بسبب جنسية والدته الأمريكية مما دعا الجماعة الإسلامية إلي التحول لدعم أبوالفتوح كبديل عن أبوإسماعيل. وبالإضافة إلي ذلك، عدم صلاحية مرشح الإخوان الأول خيرت الشاطر، استبداله بمحمد مرسي الأقل كاريزمية، مما زاد أيضا في عدد مرشحي أبوالفتوح. ويتخذ أبوالفتوح رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان مثلا أعلي له، وعبر عن هذا بقوله إنه يريد أن يكون "أردوغان مصر"، وأنه يعتقد أن العلاقات الأمريكية التركية قد تكون خير مثال علي ما يمكن توقعه إذا ما حدثت المعجزة وتولي أبوالفتوح رئاسة مصر يوما. وقد أبدت الصحف الأمريكية انزعاجا بدعوة أبوالفتوح للرئيس المعزول مرسي العياط، برفض القيود المفروضة علي القوات المسلحة المصرية والتي تفرضها معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وأبرزت الصحف قول أبوالفتوح إن الدماء التي أريقت توجب علي مصر السيطرة الكاملة علي سيناء دون القيود والالتزامات المنصوص عليها في هذه المعاهدة غير العادلة التي تمنع القوات المصرية من الانتشار علي الأراضي المصرية. ودعا أبوالفتوح الحكومة المصرية وقتها لتعديل اتفاقية كامب ديفيد لضمان السيادة المصرية الكاملة والسيطرة علي كل شبر من سيناء. ورغم ذلك، فقد صرح أبوالفتوح أكثر من مرة للإعلام "المحلي" أنه لن يقوم بتغيير الاتفاقية وأنه ملزم بكل الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر في السابق بما فيها كامب ديفيد... فأي من الرأيين هو رأيه الحقيقي؟! ومؤخرا أعلن الحزب الذي يرأسه أبوالفتوح عن الانسحاب الكامل من الاستفتاء علي الدستور الجديد، بدعوي أنه دستور تمت كتابته في عهد "الانقلاب".. ورغم ذلك، يعود أبوالفتوح لهوايته الدائمة في التخبط والتناقض ويعلن أنه ربما يترشح مجددا للرئاسة رغم أن ترشحه هذا سيأتي أيضا في زمن الانقلاب حسب وصفه. ورغم أن أبوالفتوح سبق وأعلن أنه لن يترشح إلا أنه عاد ليعلن أنه يريد أن يكون الرئيس القادم من جيل الأربعين او الخمسين، وأن هذا الموقف لم يتغير حتي هذه اللحظة، وإذا غير وجهة نظره فسوف يعلنها، ومع هذا فقد أشار إلي أنه لاعلاقة له بصفحة "الفيس بوك" التي تحمل عنوان "أبوالفتوح مرشحا للرئاسة"، موضحا أنها تتبع بعض الشباب المتحمس لترشيحه! ولم ينس الرجل أن يلعب دور المنقذ لمصر من الضياع، فقال إنه قد يترشح في حالة ترشح أناس لا يعبرون عن المشروع الوطني الحقيقي المتمثل في الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية وأهداف الثورة. فيما أشار إلي أن دعوة السيسي للترشح للرئاسة تمثل خطرا علي مؤسسة القوات المسلحة، وأن من يدعوه للترشح لا يعرفون قيمة القوات المسلحة، وأنه لا يجب الزج بهم في مستنقع السياسة، وأن قدوم السيسي علي الترشح يعني أنه قام بهذه الحركة ليس من أجل مصلحة مصر، ولكن من أجل أن يأتي رئيسا. ورغم أن الانتخابات الرئاسية القادمة هي جزء من خارطة الطريق التي أعلنتها السلطات المصرية بعد عزل مرسي العياط، إلا أن أبوالفتوح قال إنه يرفض خارطة الطريق وأن موقف حزبه من الانتخابات البرلمانية المقبلة يتوقف علي عدة شروط منها مدي الالتزام بتطبيق الديمقراطية بجوهرها الحقيقي لا الشكلي. مضيفا أن الحزب اتخذ قراره بالتصويت في الاستفتاء علي الدستور الذي ب"لا"، وأن الحزب لن يشارك في الاقتراع إلا إذا تحققت بعض الضمانات ليكون الاستفتاء معبرًا بالفعل عن رغبة الشعب!. لكن مؤخرا، تم فضح نوايا الرجل وسبب إعلانه عن استعداده للترشح للرئاسة، وقد ظهر الأمر عندما كتب موقع وورلد نيوز الأمريكي أن الإدارة الأمريكية مازالت متمسكة بضرورة وجود رئيس إسلامي في مصر، وأن المرشح الأقرب للإدارة الأمريكية في هذا هو د. أبوالفتوح كبديل عن مرسي العياط. كما كشف الموقع عن وجود مفاوضات قائمة بالفعل بين الإدارة الأمريكية وأبو الفتوح بخصوص ترشحه للرئاسة، وهو ما جعله يتراجع عن موقفه السابق الذي كان يصر عليه بعدم الترشح في ظل هذه الحكومة "الانقلابية" حسب وصفه.