فى نفس الأسبوع الذى أهدى فيه الرئيس عدلى منصور اسم محمد نجيب قلادة النيل، جاءت نهاية الإخوان بعد العملية المجرمة التى ارتكبت فى المنصورة، عندما تقرر اعتبار الجماعة منظمة إرهابية. وهكذا ترابط اسما محمد نجيب والإخوان بعد 60 سنة من مؤامرة الحكم التى دبرها الإخوان للإطاحة بثورة يوليو 52 وذهب ضحيتها اللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر. وإذا كان نصف شباب اليوم لا يعرف عن عبدالناصر إلا اسمه، فمن المؤكد أن الغالبية لا تعرف شيئاً عن محمد نجيب، الذى كان فى عام 1952 برتبة لواء فى الجيش، بينما كان الضباط الأحرار الذين دبروا انقلاب 23 يوليو 52 من صغار الضباط الذين كان أكبرهم رتبة «البكباشى جمال عبدالناصر»، أو ما يعادل رتبة المقدم اليوم. ولم يكن مقبولا أن يتقدم هؤلاء الضباط الصغار الذين لا يعرف الشعب عنهم شيئا ويعلنون حكم مصر، فقد كانت للسن فى ذلك الوقت أهمية كبرى، ومن ثم راحوا يبحثون عن واجهة يقبلها الشعب من خلال ضابط معروف بالسمعة الطيبة ويكون برتبة كبيرة، وقد وجدوه فى اللواء محمد نجيب، الذى كان يكبر عبدالناصر ب18 سنة. دخل محمد نجيب قلوب ملايين المواطنين منذ اليوم الأول، فقد كانت قسماته تنطق بالطيبة، وكلماته عفوية يبدو فيها الصدق، بالإضافة إلى أنه كان فى سن تفرض احترامه. ولا يستطيع حتى أقسى المتشيعين لعبدالناصر إنكار دور محمد نجيب فى تمكين الضباط الصغار، وعلى رأسهم جمال عبدالناصر، من الوصول إلى الجماهير التى بدأت تعرف عنهم وترتبط بهم. وبينما تعاملت ثورة يوليو مع مختلف الأحزاب السياسية بقسوة انتهت إلى حل جميع هذه الأحزاب، بل ومحاكمة وسجن عدد من قياداتها، فقد راعى جمال عبدالناصر الإخوان وميزهم من أول يوم، على أمل أن يكونوا القوة الشعبية التى تؤازره فى مواجهة الأحزاب الأخرى، والإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر. ولكن الإخوان اشترطوا موافقتهم على أى قرار قبل أن يصدره مجلس قيادة الثورة. وعند تشكيل أول وزارة بعد الثورة طلب عبدالناصر من الإخوان ترشيح ثلاثة وزراء رفض مجلس قيادة الثورة اثنين منهم، فرفض الإخوان ترشيح اثنين آخرين، وبعد ذلك راحوا يتصلون بالإنجليز ويحاولون نشر نشاطهم داخل قوات الجيش والشرطة بهدف عمل تنظيم سرى فى كل من الاثنين. وفى محاولة من مجلس قيادة الثورة لتحقيق الاستقرار فى البلاد، فإنهم انتهزوا فرصة إلغاء الملكية يوم 18 يونيو 1953 وأعلنوا مصر جمهورية، واختاروا اللواء محمد نجيب رئيسا للجمهورية إلى أن يتم وضع دستور البلاد، وتحديد نوع الجمهورية التى يختارها الشعب وطريقة انتخاب الرئيس. وقد رحب الشعب بهذا الاختيار، فى الوقت الذى وجد الإخوان فيه فرصتهم لإثارته ضد عبدالناصر وزملائه الذين- فى رأيهم- يجهلون شؤون الحكم، بينما محمد نجيب الذى يحبه الشعب عليه أن يعطى نفسه ما يستحقه. وبالفعل طالب «نجيب» مجلس قيادة الثورة بحق الاعتراض على أى قرار يصدرونه وتعيين وعزل من يريد. ونتيجة لذلك تصاعدت الأزمة بين عبدالناصر ومجلس الثورة من جانب، ومحمد نجيب والإخوان من جانب، ووصلت الأزمة إلى قمتها عندما دبر الإخوان يوم 26 أكتوبر 1954 محاولة لم تنجح لاغتيال جمال عبدالناصر وهو يخطب فى منشية البكرى، أحدثت رد فعل عكسيا تماما. فقد عكس موقف عبدالناصر وثباته فى مواجهة المحاولة ارتفاع شعبيته بصورة بالغة. وفى خلال أيام تم حل جمعية الإخوان واعتقالهم ومحاكمتهم، بينما تم إعفاء محمد نجيب من منصبه يوم 14 نوفمبر 54، وظل معزولا فى فيلا فى ضاحية المرج نُزعت منها كل صور الحياة، لم يخرج منها إلا بعد وفاة عبدالناصر وإفراج السادات عنه عام 1971. وفى 28 أغسطس 1984 توفى محمد نجيب عن 83 سنة. ليصبح السؤال: ماذا لو لم يكن الإخوان قد أوقعوه فى حبائلهم؟ هل كان من الممكن أن يصبح رئيسا لمصر 30 سنة على اعتبار القاعدة التى كانت تقول باستمرار الرئيس إلى يوم مماته؟! [email protected]