يحتاج الإنسان أحياناً أن يستخدم المنظار التليسكوبى لينظر من خارج الأرض على ما يحدث فيها حتى يعرف أين يقف مجتمعه مقارنة بغيره. ومن يطالع صحف العالم يكتشف أن ما نعانيه فى مصر هو النسخ المحلية من معاناة عالمية لكل دولة نصيبها منها بدرجات متفاوتة. فى اليونان ترتفع نسبة العاطلين عن العمل إلى 25 بالمائة بزيادة 8 بالمائة عن العام الماضى. ويرتبط بالبطالة المرتفعة مشاكل اجتماعية وسياسية حادة لم ينفع معها حتى الآن الدعم الذى قدمه الاتحاد الأوروبى والداعمون الدوليون. وتبدو إسبانيا تحديداً كنسخة مكررة لما يحدث فى اليونان. وفى المجر، وهى من تجارب التحول الديمقراطى الجيدة والمستقرة فى العالم، أعلن رئيس الوزراء أنه لن يقبل الشروط المفروضة من الاتحاد الأوروبى وصندوق النقد الدولى حتى لا تضطر الدولة إلى تخفيض المعاشات أو رفع الضرائب. المشكلة هنا أن العجز فى الموازنة (أى الإنفاق الحكومى) والعجز فى ميزان المدفوعات (أى الواردات من الخارج) يتفاقمان، ولا يبدو أن الحكومة المجرية لديها خطة بديلة. وما يزيد الوضع سوءاً أن تعليقات رئيس الوزراء قد أدت إلى تراجع المستثمرين الأجانب عن ضخ استثمارات جديدة فى المجر، وبدأت قيمة العملة المجرية تتراجع وترتفع قيمة الفوائد على القروض الحكومية. وفى فرنسا أعلنت الحكومة أنها سترسل تعزيزات جديدة إلى مدينة مارسيليا الواقعة على البحر المتوسط بعد ارتفاع معدل جرائم إطلاق النار فى النهار وهو ما أدى إلى جرائم وصلت إلى مقتل 20 شخصاً من بداية العام. والمدينة تعانى تراجعاً واضحاً فى الخدمات مع ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية إليها. وفى تركيا يقع حادث (غالباً ليس إرهابياً) يترتب عليه موت 25 جندياً فى شرقى تركيا، ويغرق قرابة الشواطئ التركية حوالى 58 شخصاً بينهم 9 أطفال قبل وصولهم إلى الشاطئ. وفى الصين يحدث تراجع فى الصادرات بما يؤدى إلى تراجع معدل النمو بحوالى نصف بالمائة. وهذه النسبة هناك تعنى تهديد وظائف مليونى موظف وعامل. وفى زامبيا توجد شكوى من أن العمل فى مناجم الشركات الصينية يتضمن أجوراً هزيلة للغاية وغياباً تاماً لاعتبارات السلامة الشخصية للعمال. وعليه فقد أضرب عدد كبير منهم عن العمل. وفى جنوب أفريقيا هناك موجة من الاحتجاجات والإضرابات بين عمال المناجم للمطالبة بزيادة فى رواتبهم، وقد امتدت هذه الاحتجاجات لمستوى مرتفع للغاية، حيث وصلت إلى نصف المناجم فى جنوب أفريقيا مع احتمال أن تتسع إلى ما وراء حدود هذه الدولة. طبعاً لست بحاجة للتذكير بمشاكل أشقائنا فى سوريا واليمن وليبيا والصومال لأنها شائعة بما يكفى فى أجهزة إعلامنا. إذن، هناك ثلاثة دروس أساسية من العرض السابق. أولاً، مشاكل مصر ليست بعيدة عن مشاكل دول أخرى كثيرة تعانى مما نعانى، ولم يكن بالضرورة عندها ثورة أو انتفاضات شعبية. ولكن العالم يعانى لأسباب مختلفة. وبالتالى لا نصور أنفسنا وكأننا الضحايا الوحيدون لمشاكل الكون فى هذه الفترة المضطربة من تاريخه. ثانياً، ربما نحتاج أن نكتسب مهارة «حمد الله على نعمه» قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِى سِرْبِهِ، مُعَافًى فِى جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا). أى من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم. أخيراً، على كل منا أن يسعى لمساعدة المحيطين به قدر استطاعته لأن الدنيا سلف ودين، سواء بأن تساعد الدول العربية دول الربيع العربى، أو أن يساعد من لديه فضل مال من لا مال له على المستوى الفردى. نقلاً عن الوطن